بحـث
المواضيع الأخيرة
أكتوبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 |
14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 |
21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 |
28 | 29 | 30 | 31 |
حول
مرحبا بكم فى منتدى موقع قبيلة البديرالعام للشيخ شوقي جبارالبديري
قبيلة البدير من القبائل الزبيديه
الإسلام وعلم الاجتماع
صفحة 1 من اصل 1
الإسلام وعلم الاجتماع
الإسلام وعلم الاجتماع
" مدخل إلى علم الاجتماع الإسلامي "
إعداد الدكتور:
عبد الناصر عبد العالي شماطة
أستاذ مساعد بقسم علم الاجتماع ـــــ كلية الآدابـ ـــــ جامعة بنغازي
المحتويات
العنوان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة
الملخص.................................................................1
لمقدمة..................................................................2
المبحث الأول: مفهوم علم الاجتماع الإسلامي.............................3
المبحث الثاني: مظاهر الأزمة في علم الاجتماع الغربي...................5
المبحث الثالث: مدخل للمقاربة بين الإسلام وعلم الاجتماع.................8
المبحث الرابع: الدواعي والضرورة لعلم الاجتماع الإسلامي..............11
المبحث الخامس: المبادئ العامة لصياغة علم الاجتماع الإسلامي........13
المبحث السادس: الأهداف العامة لعلم الاجتماع الإسلامي...............14
المبحث السابع: القضايا العامة لعلم الاجتماع الإسلامي..................15
المبحث الثامن: الأهمية العلمية والتربوية لعلم الاجتماع الإسلامي.........20
الخلاصة والتوصيات...................................................24
مراجع ومصادر الورقة..................................................25
ملخص الورقة:
في ظل ما يشهده العالم، من تطورات وتغييرات سريعة ومتلاحقةفي شتى مناحي الحياة، والتي ألقت بظلالها على الحياة الاجتماعية وتأثرت بها القيم والمعايير والتي بدورهاأدت بالإنسان المعاصر إلى حالة من التوتر والاضطراب. إننا في حاجة إلى علم اجتماع إسلامي من أجل فهم المعتقدات والمجتمعات الإسلامية،وتوظيف المعرفة والقيم الإسلامية داخل إطار علم الاجتماع بشكل أكاديمي. وما ينبغي التأكيد عليه هو أن علم الاجتماع العام، بالرغم من قيمته التحليلية والإجرائية، لا يمكن اعتماده والركون إليه نموذجاً علمياً لتحليل إشكاليات الأمة الإسلامية. لأنه وليد أطر اجتماعية مختلفة من حيث العقيدة والهدف والنماذج التي يريد بناءها.
وما نطمح الوصول إليه؛ علم اجتماع إسلامي نابع كلية من قضايا مجتمعاتنا وأطرها الثقافية. أما أن يكون كما هي العادة في الدراسات الجامعية مكتفياً بنقل وتطبيق مناهج وأطر فكرية أنشئت داخل بيئة اجتماعية وثقافية مختلفة تماماً بل متناقضة كلية مع المجتمع الإسلامي المنشود، فذلك شيء لا أرى له أية أهمية ولا حتى ضرورة، فهو مضيعة للوقت والجهد والخصوصية. ولهذا فالمسألة التي يجب أن نعيها جميعاً هي أن البداية الصحيحة تحدد النهاية إلى حد كبير وهذا ما أكده البحث العلمي.
مقدمة:
إن التغيرات الاجتماعية والثقافية التي يمر بها العالم والمجتمع الليبي في الوقت الحاضر، أصبحت تفرض على النسق التعليمي التربوي مسؤوليات مضاعفة تتجاوز حدود التعليم في نمطيته التقليدية، وتفرض على هذا النسق أيضاً؛ الاضطلاع بدور أكثر أهمية في غرس وتجذير الوطنية في نفوس وعقول الناشئة، وكذلك المعايير والقيم التي تحافظ على أمن واستقرار المجتمع. إن النسق التربوي في الوقت الحاضر أصبح يعاني الكثير من الإشكاليات الأمر الذي يتطلب وقفة جادة لوضع استراتيجيات علمية جديدة تهدف إلى النهوض بقضية التربية والتعليم.
وتبيان خاصية التنبؤ، فمن خلال الكشف عن العلاقات والارتباطات بين الظواهر أي الكشف عن السنن الإلهية التي تحكم تلك الظواهر وتحدد مسارها في مختلف المجتمعات. هنا يمكن التوقع بما ستؤول إليه الظواهر في المستقبل، والتحكم فيها من أجل صالح الإنسان. وعلم الاجتماع الإسلامي تكمن أهميتهفي، إحياء الفكر الإسلامي في حدود القواعد الإسلامية وإزالة الجمود الفكري والأفكار الدخيلة التي تعبث بقيم الإسلام الرصينة، وحالت دون تقدم المسلمين كالبدع والخرافات والأحاديث الموضوعة والتطرف وغير ذلك.
وبصورة عامة نهدف من وراء هذا العمل الوصول إلى الغايات الأتية:
1- تبيان التقارب بين الإسلام كمنهج، وبين علم الاجتماع كطريقة علمية من أجل صياغة لعلم الاجتماع الإسلامي.
2- طرح قضايا مجتمعاتنا من المنظور الإسلامي الوسطي الصحيح.
3- يهدف لدراسة الواقع الاجتماعي تمهيداً لتغييره، وذلك من خلال الرؤى التحليلية لجميع الظواهر الاجتماعية، بهدف تغييرها باتجاه الأفضل.
4- خاصية المقارنة، فعلم الاجتماع الإسلامي يعقد المقارنات أثناء التحليل الاجتماعي، سواء داخل المجتمع المسلم أو بينه وبين المجتمعات الأخرى، فالمقارنة منهج يتبع الوصف ويسبق التفسير. وتوضح المقارنة حين يعقدها الباحث المسلم أصالة القيم والمبادئ الإسلامية.
- المبحث الأول:مفهوم علم الاجتماع الإسلامي: (Islamic Sociology)
عرف الإسلام منذ أن خلق آدم عليه السلام، حيث جميع الأنبياء الذين أنزلهم الله سبحانه وتعالى أتوا إلى الدعوة إلى الإسلام، فالإسلام لم يوجد فقط في القرن السابع الميلادي، بل عرف منذ أن خلقت البشرية، ولكن وضعت أسسهوأركانه في عهد النبي محمد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد وضع الله عز وجلمن خلال الدين الإسلامي، الأسس والأحكام لإقامة الحياة المستقرة لأنه دين من عند الله صيغت أحكامهوقيمه للتوافق مع العقل البشري ومع منظومة الحياة بكل متغيراتها.
وهنا نرى أن العمل الحالي يساهم في طرح الإسلام كمفهوم يعنيمايأتي:
1- أن يسلم كل مخلوق وجهه لله سبحانه وتعالى.
2- أنه ليس بالدين الحديث في تاريخ البشرية.
3- كما أنه ليس ديناً خاصاً بطائفة من الناس أو أمة من الأمم.
4- أنه ليس قاصراً على زمان بعينه أو بيئة محددة.
5- أنهيشمل الإنس والجن معاً وصدق الله العظيم: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.(الجن: الآية: 51 / 56)
6- وأخيراً، الدين الإسلاميهو الدستور الإلهي والأخير للإنسانية، جاءت نصوصه بشكل جاد ودقيق وعادل لتصبح العقد الفريد المنظم لكل ما يحدث ويتغير من ظواهر في السموات والأرض.
هناك تعريف معاصر للعلم السوسيولوجي له علاقة بالطرح النظري لهذا العمل يقول: إن علم الاجتماع ينفرد بين سائر العلوم الاجتماعية جميعاً بأنه أكثرها اهتماماً بالدراسة الدقيقة المتعمقة للتغير والصراع في المجتمع الكبير. ولاجدال أن هذا ما يجعله أكثر العلوم الاجتماعية إثارة.(1)
ووفقاً لذلك يستأثر علم الاجتماع باهتمام القادة والمصلحين والمخططين؛ نظراً لأهميته المتزايدة في جمع وتصنيف وتنظير الحقائق، والبيانات عن المواقع الاجتماعية والحضارية، وفي المجتمعات الإسلامية بشكل عام، تلعب العقيدة الإسلامية دوراً هاماً في البناء الاجتماعي، وعلماء ومفكري الإسلام يتوجب عليهم اليوم إعادة النظر في أسس هذا العلم السوسيولوجي من منظور إسلامي، ومن منطلقات فكرية تنسجم مع عقيدة الإسلام النقية بعيداً عن التطرف والمغالاة.
حظي علم الاجتماع الإسلامي، بجهود مؤسسية وجهود فردية من الباحثين، وقد ظل موضوعاً حيوياً في كثير من دراسات وأبحاث علماء الاجتماع سواء أكان مجالات بحثية، أو توصية للعديد من الدراسات والبحوث في قضايا ومشكلات علم الاجتماع المختلفة. وقد عرف البعضعلم الاجتماع الإسلامي بأنه: تلك المعرفة القائمة على الدارسة المنهجية الرامية إلى اكتشاف السنن الإلهية المتعلقة بالظواهر المجتمعية من منظور إسلامي. (2)
هذه المعرفة الرامية إلى اكتشاف السنن الإلهية المتعلقة بالظواهر المجتمعية، كان هناك ما يدعو لها، وكما كانتهناك إشكاليات اجتماعية هزت العالم الغربي،من الثورة الفرنسية وعصر للتنوير وثورات صناعية وغيرها من العوامل التي ولدت العديد من القضايا الاجتماعية وساهمت في ولادة علم الاجتماع في مهده الفرنسي، لضرورة إيجاد علم يدرس تلك الظواهر الاجتماعية ويعمل على حل ما يعتريها من إشكاليات.كذلك هناك العديد من العوامل والظروف التي تدفع في اتجاه التأصيللعلم اجتماع من منظور إسلامي.تلك قضية نرى أنها ضرورية، وأن نؤسس علماً جديداً نستفيد مما هو قائم من تراث ديني وسطي في فهم واقعنا المجتمعي العربي المسلم بشكل عام، وواقعنا الليبي بشكل أكثر خصوصية بهدف قراءته بشكل موضوعي، وهذا بدوره يساهم في وضع الأطر العامةلتحصينه ضد تيارات التطرف والإرهاب والتعصب والفساد وغيرها. كما نهدف من وراء ذلك إلى غرس قيم العلم والمواطنة والقدوة الحسنة والتنافس والتفوق والإبداع وغيرها. ومرد ذلك أن علم الاجتماع له رؤى يمكن استثمارها في تحقيق تلك الأهداف المنشودة.
وتأسيساً على ذلك أطلقت دعوات إلى قيام علم اجتماع إسلامي، لسد الفراغ في كتابات علم الاجتماع حول المجتمعات الإسلامية لأن الدراسة المنظمة للإسلام حقل مهمل في علم الاجتماع، فلا تكاد تكون هناك دراسة اجتماعية دقيقة للإسلام والمجتمعات الإسلامية. وهذا مايدعونا للتساؤل وطرح قضية هذا العلم الوليد للبحث والنقاش بين المهتمين والمتخصصين.
- المبحث الثاني: مظاهر ومعايير الأزمة في علم الاجتماع الغربي.
تتضح إشكالية علم الاجتماع مثل غيره من العلوم الإنسانية، من خلال نشأتها في بيئة علمانية صرفة، استعانت بتراث وثني يونانيإغريقي، فضلاً عن انطلاقها من نظرياتها العلمية التي تحلل الإنسان وتركيبته (دارون، فرويد، دوركايم، ماركس وغيرهم) ورؤيتهم للحياة الرافضة لتدخل الدين عند فلاسفتهم ومفكريهم. وهذا مالا يحتاج منا لدليل أو توضيح.
وجد علم الاجتماع في الغرب ليعالج إشكاليات وقضايا غربية مختلفة تمام الاختلاف عن قضايا العالم الإسلامي، حيث تركز العلوم الغربية على الدنيوية، بينما قيم وتعاليم الدين الإسلامي هي ماينبغي أن تتمحور حولها العلوم في العالم الإسلامي. وهكذا نجد أن دعاوى الموضوعية، والمنهج العلمي المحايد، دعوى زائفة، ولا غرابة بعد ذلك في أن نجد عالم الاجتماع الغربي يتحدث عن الأديان، ولكنه في واقع الأمر يقصد المسيحية فقط، أو يتحدث عن القوانين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المجتمعات الإنسانية كافة، بينما هو يقصد بذلك مجمل القوانين والممارسات في المجتمعات الغربية وحدها. وعلى هذا فإن علم الاجتماع، وجد في الغرب ليعالج إشكاليات مجتمعية غربية، لم تمر على المجتمعات الأخرى، بل إن الواقع الاجتماعي للعالم الإسلامي، يطرح أسئلة وإشكاليات مختلفة تماماً، تتطلب إجابات مغايرة تماماً، كما أن الاختلاف بين العالم الغربي، والعالم الإسلامي، يبدأ من المحور والمركز، حيث تركز العلوم الغربية على الدنيوية، بينما يعتبر الإسلام هو محور العلوم في العالم الإسلامي ( أو على الأقل ينبغي أن يكون كذلك).
- المعايير التي يقوم عليها علم الاجتماع الغربي:
1- المادية المطلقة: فقد قام علم الاجتماع الوضعي أو الغربي على أساس من المادية المطلقة التي لا تعترف بالأديان السماوية حتى أن دوركايم يعتبر أن رفض الميتافيزيقيا هو المبدأ الأول لعالم الاجتماع.
2- الاعتماد على منهج البحث التجريبي: هذا المنهج الذي لا يفرق بين الإنسان والمادة الجامدةالأمر الذيأوصل إلى كثير من النتائج الخاطئة.
3- انطلاق النظريات حسب الرؤية الخاصة لكل منظر: وهذا أدى إلى تضارب رؤى علماء الاجتماع الغربيين وتناقض نظرياتهم حول أسس بناء المجتمعات وعوامل تغيرها وقد رأينا كيف كان الفكر الماركسي مغايراً لما سبقه من علماء ومنظرين لكل منهم منطلق ورؤية خاصة.
4- خضوع الفرد لجبرية الظواهر الاجتماعية: يتميز علم الاجتماع الغربي (الوضعي) بالاتجاه الجبري المطلق الذي لا يترك مجالاً لحرية الإنسان والذي يمثل عندهم مجرد فقاعة تحملها أمواج التغيير الاجتماعي من مرحلة إلى مرحلة ومن حالة إلى حالة دون أن يكون له أي تأثير فالظواهر الاجتماعية كما يرى دوركايم تتمتع بقوة قهرية تفرض نفسها على الأفراد بغض النظر عن إرادتهم.
وللرد على ما لا يمكن قبوله حسب المبادئ الإسلامية، لأننا نعلم بأن المولى سبحانه سيحاسب الإنسان بناء على إرادته لا إرادة المجتمع أو ظواهره، ولو كان للظواهر الاجتماعية هذا التأثير الجبري القوي لما رأينا التغييرات الحاصلة في المجتمعات ولما سعينا لتغيير الظواهر السلبية ولبقي مجتمع قريش حتى يومنا هذا يعبد الأصنام ويتغنى بوأد البنات، ولكن كون الإنسان صاحب إرادة حرة مستقلة عن جبرية الظواهر أوجد هذه التغييرات ويجعل الإنسان مسئولاًعن أفعاله وسلوكه.
أما علم الاجتماع الإسلامي فيقوم على أساس حرية الإنسان في اختيار مصيره وفي قدرته على تعديل البيئة من حوله وبذلك فهذه النظرة تدفع الإنسان إلى عدم الاستكانة والخضوع للواقع المؤلم الذي لا يناسب إنسانيته ولا يتفق مع مكانته في الوجود.
5- النسبية وعدم الثبات: يتميز علم الاجتماع الغربي، بخاصية النسبية وعدم الثبات في كل شيء في النظام وفي التقاليد وفي القيم الأخلاقية حيث اعتبروا الأخلاق والقانون والنظم مجرد مظهر للجماعة تابع لها وبما أن الجماعة لا استقرار لها، نظروا إلى أن القيم كذلك لا ثبات لها، وهذا ما يتعارض مع النظرة الإسلامية للقيم، فهناك قيما ثابتة مهما تغير الزمان والمكان وهي قيم الخير والحق والعدل والفطرة المتعلقة بالعقيدة، وهناك قيما متغيرة نسبية تختلف من مجتمع لآخر ومن زمن لآخر وهذا ما يعطي للقيم الخلقية معناها ويعطيها صفة الإلزام وبذلك يتم بناء المجتمع على أساس متين، لأن انهيار القيم معناه انهيار المجتمع.(3)
وفي الحقيقة أن القول بنسبية القيم (وأقصد القيم الثابتة والمتعلقة بتنظيم المجتمع) قد يؤدي إلى انهيارات أخلاقية لها تبعات كبيرة في المجتمع. وها نحن نشهد ترديات تحت مظلة حقوق الإنسان والحريات المزعومة،بدليل مايحدث في مجتمعات يزدهر فيها علم الاجتماع، كيف يباح للرجل الزواج من رجل مثله، وغيرها من أنواع الشذوذ الهادمة للمجتمع ولنظمه الرئيسة.
وتحت عنوان: أزمة علم الاجتماع الغربي، ناقش "والرستاين" إن التلميحات والانتقادات على جموع علماء الاجتماع في الشرق والغرب، وفي الشمال والجنوب لأحد أكبر المفكرين السوسيولوجيـين الغربيين مع نهاية القرن الماضي(والرستاين)، تؤكد أن علم الاجتماع الغربي المعاصر ليس بخير، لا على المستوى الأبستمولوجيا ولا على مستوى فكر الرواد الأوائل. ومن ثم، قاد ويقود والرستاين حركة تصحيح وتجديد على هذين المستويين، كما نرى ذلك خاصة في كتابه: "ضرورة صياغة جديدة للعلوم الاجتماعية". ومن معالم حركة التصحيح هذه عنده مناداته بوحدة العلوم وأرضيتها الأبستمولوجيا التوحيدية.لقد ناقش والرستاين موضوع المعرفة الاجتماعية وتراثها وتحدياتها ومنطلقاتها النظرية. وحاول البرهنة على أن تراث علم الاجتماع هو ما سماه: ثقافة علم الاجتماع، حيث واجهت هذه الثقافة بخاصة، منذ عقود عدة تحديات كبيرة، تمثلت أساساً في النداءات الداعية إلى تجاهل ثقافة علم الاجتماع وعدم الاعتراف بها. (4)
هذه بعض المعايير التي تبلور من خلالها علم الاجتماع الغربي، وهيما جعل من الأهمية التوجه إلى بديل سوسيولوجي يهدف لدراسة المجتمعات من منظور مختلف ومغاير لما شهدناه في النظريات الاجتماعية الغربية، وهو ما نبتغيهوأصبح يعرف الأن بعلم الاجتماع الإسلامي.
- المبحث الثالث: مدخل للمقاربة بينالإسلام وعلم الاجتماع.
ليس صحيحاً ما يشاع عن انفصال الدين عن العلم، ذلك أن قراءة العلاقة بين أنساق الدين والعلم يؤكد أن ثمة علاقة قائمة، ظاهرة أحياناً وكامنة في أحيان كثيرة. وذلك يرجع إلى أن غالبية الأديان تطرح كثيراً من الأفكار العلمية، وتأكيداً لذلك فإننا نجد أن غالبية الأديان السماوية كان لها مصادرها الثرية التي كانت ومازالت تشكل منطلقاً ومصدراً لكثير من القضايا التي لعبت دوراً محورياً في تاريخ المجتمعات، وهي اليوم تصلح لأن تكون منطلقاً تحليلياً وتفسيرياً لأطر البناء الاجتماعي المختلفة.
في العقود الأخيرة أظهر الغرب اهتمامه بعلم اجتماع الدين رغم وجود المجتمع العلماني لديه، لكنه أدرك أهمية دراسة الدين كمكون وأساس لكثير من المجتمعات. والذي يريد أن يتعامل مع المجتمع ويصنع فيه أثراً ينبغي له دراسة الدين،والأثر سيكون أكثر فاعلية عند الاستفادة من علم الاجتماع. ومثال على ذلك أننا إذا تأملنا تأثير الديانة اليهودية على النظرية الاجتماعية، فسوف نجد نظرية النقد الاجتماعيالتي انطلقت من مدرسة فرانكفورت وحملت بصمات الديانة اليهودية، ولذلك أن أغلب منظريها من اليهود ابتداء من هوركايمر، وأدورنو، وماركيوز وحتى هابرماس الذين تغلفت أفكارهم بنغمة الحزن اليهودي في الشتات. إضافة إلى أن خبرة الهولوكوست كانت دائماً حاضرة في التفكير الاجتماعي للمفكرين اليهود، حتى كان أكبر مشروع علمي للمدرسة الذي اتخذ عنوان:" الشخصية التسلطية " كان الهدف منها واضحاً وهو منع ظهور فاشي جديد. (5)
ويتحدد المثال الثاني بتأثير الديانة المسيحية على النظرية الاجتماعية، وبغض النظر عن الكتابات الكثيرة التي قدمها المفكرون الغربيون والتي تؤكد تأثير الديانة المسيحية على النظرية الاجتماعية، وكذلك الكتابات التي رأت أنه لكي يتطور العلم والنظرية فإنه من الضروري أن يؤسس قطيعة مع الدين، وبخاصة الديانة المسيحية، وهو ما يشكل جوهر الدعوة العلمانية. بيد أن الأمر الأكثر وضوحاً يتضح من إسهامات عالم الاجتماع ماكس فيبر النظرية والتي ذهبت إلى البرهنة حول محورية المتغير الديني، وبخاصة القيم البروتستنتية التي لعبت دوراً أساسياً في نشأة النظام الرأسمالي المعاصر، بحيث نجد أن بنية نظريته في تطور الرأسمالية المعاصرة تتمحور حول هذه المقولة. (6)
يضاف إلى ذلك تأكيد تالكوت بارسونز (عالم الاجتماع الأمريكي) على نسق القيم الدينية الذي يشكل قاعدة الثقافة التي تشكل بدورها النسق الضابط والمتوازن لإيقاع التفاعل الاجتماعي(Social interaction) الحادث في المجتمع والمنظم له، وهو التفاعل الذي يتبلور ليشكلما يسمىبالظواهر الاجتماعية(Social phenomena)، والأخرى النظم الاجتماعية(Social systems).(7)
وفي دراسة حديثة آجراها عالم الاجتماع الأمريكي ألفن جولدنر على عينة كبيرة من علماء الاجتماع الأمريكيين اكتشف أن ثمة علاقة قائمة بين عمق العواطف والمعتقدات والموروثات الدينية للباحثين والعلماء، وبين ميلهم لتبني الاتجاه النظري البنائي الوظيفي في دراساتهم وبحوثهم الواقعية. (
ومن بين الأديان السماوية يقفز الدين الإسلامي الحنيف، بموضوعية فوق كل التصورات والرؤى والأفكار ليقدم نموذجاً رصيناً للمجتمع البشري بكل متغيراته وأطره المتنوعة. ومن أهم رواد هذا الطرح عبدالرحمن بن خلدون الذي تمسك بالمنظور الإسلامي والمنهجية العلمية في تعاطيه لموضوع " العمران البشري"، وليس المنظور المادي بهذا الإسقاط غير العلمي، الذي يجهد أصحاب التفسير العلماني أنفسهم لفرضه قسراً على فكر ابن خلدون.
وفي هذا الصدد، فالمنهج الإسلامي يمتاز عن غيره بالرؤى الشاملةفي النظرة للإنسان والمجتمع. وما يؤكد هذا الطرحتلك الكتابات والمعالجات الواقعية في مجال العلوم الإنسانية والفكرية،حيث كان للمسلمين دور بارز ورائد؛ حيث ابتكروا علوماً راقية تهم الجانب الاجتماعي الإنساني، وكذلك ابتكروا علوماً مهمة خاصة بالشريعة الإسلامية، وأخرى خاصة باللغة العربية ومن أهم هؤلاء: ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، والذهبي، وابن حزم، والغزالي وغيرهم، فيها كم هائل من نظريات علمية اجتماعية لو وجدت من يهتم بها, ويجمعها، ويدرسها،ويميزها، انطلاقًا من القرآن الكريم، والسنة والسيرة النبوية.
إن قضية الاجتماع الإنساني لم تصبح موضوعاًللدراسة العلمية إلا في فترة لاحقة، وكان أَول مننَبه إلى وجود هذا العلم، واستقلال موضوعه، ووضع أسسه، هو العلامة العربي عبدالرحمن ابن خلدون(هذا يعد القاعدة لعلم الاجتماع الإسلامي)،وهذا ما أكده قول عالم الاجتماع النمساوي جمبلوفتش: لقد أردنا أن ندلل على أنه قبل كونت، بل قبل فيكو الذي أراد الإيطاليون أن يجعلوا منه أول اجتماعي أوروبي، جاء مسلم تقي، فدرس الظواهر الاجتماعية بعقل متزن، وأتى في هذا الموضوع بآراء عميقة، وإن ما كتبه هو ما نسميه اليوم علم الاجتماع.(9)
يمثل ابن خلدون نقطة تحول في كتابة التاريخ الإنساني، وفي تأسيسه لعلم الاجتماع، والحقيقة الظاهرة أن أحداًقبله لم يعرض لدراسة الظواهر الاجتماعية دراسة تحليلية أَدت إلى نتائج مثل تلك التي أَدت إليها دراسة ابن خلدون، ذلك أنه درس الظواهر الاجتماعية من خلال الإخبار التاريخي السليم، والقارئ الجيد للمنظور الخلدوني يكتشف أنه كان يلح على أن ينتقل علم التاريخ وعلم الاجتماع من مرحلة الوصف إلى مرحلة التحليل، ومن الظاهر إلى الباطن؛ من أجل اكتشاف سنن الله الاجتماعية، التي تتحرك بها الوقائع في بنائها الكلي وإطارها الحضاري، وصولاً إلى التفاعل المجتمعي الإيجابي والشرعي مع هذه السنن التي يتأكد في دقتها وإبداعها أقوى الأدلة على عظمة الخالق المبدع، الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
والجدير بالذكر أن علماء الاجتماع المنصفين يعتبرون النظرية الاجتماعية الخلدونية - بما انطوت عليه من عناصر تجديدية - هي نتيجة بارزة، ومعلماً واضحاً في مسيرة الفكر الاجتماعي الإسلامي، وهؤلاء العلماء يبدون استياءهم من أن النص القرآني قد فسر وشرح من وجهة نظر لغوية وبلاغية وفقهية، ولم يأخذ حقه من الدراسة باعتباره كتاباً لتربية المسلمين، وتكوين عقائدهم، وأخلاقهم، وشريعتهم، وتوجيه سلوكهم؛ وهو الأمر الذي يستثنى منه ابن خلدون.(10)
- المبحث الرابع: الدواعي والضرورة لعلم الاجتماع الإسلامي.
إن الدعوة إلى الصياغة الإسلامية لعلم الاجتماع، تعني أن هناك خللاً، وإشكالية تبحث عن حل، وللوهلة الأولى نؤكد أن لهذه الإشكالية علاقة بالأزمة التي يمر بها المجتمع من ناحية، وعلم الاجتماع من ناحية أخرى، وهذا يعني أن الدعوة إلى تأسيس علم الاجتماع الإسلامي، ما زالت بحاجة إلى تأصيل، وبحث جدي، يتكفل، فعلاً، بتحقيق هذاالهدف على أسس إسلامية وعلمية ثابتة.
علم الاجتماع من أهم العلوم الاجتماعية التي يجب أن تحظى بأسبقية وعناية الباحثين والمفكرين، لما له من رؤى تحليلية يمكن استثمارها لأغراض عديدة يأتي في مقدمتها ضرورة وجود علم اجتماع إسلامي، والباحث المتتبع للبناء النظري والمنهجي لمختلف قضايا علم الاجتماع، لايجد الأثر العلمي الواضح للحضارة العربية والإسلامية في بناء ذلك العلم، رغم الدور الكبير للحضارة الإسلامية في نشأته ممثلة بابن خلدون وبعض الفلاسفة الآخرين كالفارابي وابن رشد وغيرهم. ولوحظ غياب كبير لجهود أخرى ترقى لمصاف تأسيس فروع ونماذج نظرية، أوالتأثير في علم الاجتماع كعلم إنساني.
ظل تلك الظروف الأكاديمية لعلم الاجتماع، وجدنا العديد من القضايا التي فرضت قسراً على منهجية الفكر العربي، وتحتاج إلى جهد أكاديمي بحثي لكي نتمكنمن رصد ومراجعةتلك القضايا والظروف الحضارية والثقافية للواقع الغربي العام.ومن أهم تلك القضايا المغتربة عن واقعنا الثقافي والحضاري والديني، الدعوة إلى الحريات العامةوالشخصية غير المنضبطة، وفصل الدين عن الدولة، والدعوة إلى تحرير المرأة من العادات والتقاليد، التي تحد من حريتها حسب الزعم الغربي، وعلى رأسها الحجاب، والعمل، وقضايا الديمقراطية بمقاييس أيديولوجية غربية، بالإضافة إلى قضايا التخلف والتنمية وأخيراً قضية الإرهاب العربي والإسلامي...إلخ
وتأسيساً على ما تقدم، نستطيع رصدجملة العوامل التي تقف وراءدواعي وضرورة قيام علم الاجتماع إسلامي، جاء في مقدمتها:
1- أن البناء النظري والمنهجي لعلم الاجتماع الحالي، لايوجد به الأثر العلمي الواضح للحضارة الإسلامية في بناء ذلك العلم، رغم الدور الكبير لهذه الحضارة في نشأته ممثلة بابن خلدون وبعض الفلاسفة الآخرين كالفارابي وابن رشد وغيرهم.
2- التصورات الغربية العلمانية غير المنضبطة الموجهة للعلوم الاجتماعية والإنسانية ومنها علم الاجتماع الوافد إلى مجتمعاتنا الإسلامية.
3- إن العلوم الاجتماعية والإنسانية صبت اهتمامها على الجزء المنظور من الواقع، ولم تعترف بالجزء الغيبي منه، لذلك فإنها لا تعبر عن الحقيقة كاملة.
4- النظريات والقضايا التي وجهت العلوم الاجتماعية والإنسانية، هي قضايا تخص جزء من العالم يسمى الغرب، ومن الخطأ تعميمها على بقية أنحاء العالم.
5- علم الاجتماع في العالم الإسلامي، يسير على خطى علم الاجتماع الغربي نظرياً ومنهجياً، بل في أحيان كثيرة اللغة الغربية، هي ما يجيده علماء الاجتماع في العالم الإسلامي، ويعتبر هذا الوضع أمراً طبيعياً في مناخ تسوده التبعية المطلقة للغرب.
6- ومن دواعي اهتمامنا بعلم الاجتماع الإسلامي، دراسته ودعمه لقضايا تتأسس وتنطلق من أصول وقواعد الإسلام، الذي يدعو إلى تجاوز التكتلات والاختلافات الأيديولوجية ويحذر من عواقبها، وفي ظل المدارس والنظريات الاجتماعية التي تطرح قضاياوأيديولوجيات متصارعة ومتحيزة، نجد أن القضاياالتي يؤسس لها علم الاجتماع الإسلامي تهدف إلى بناء وحدة المجتمع الإنساني من خلال وحدة العقيدة والحوار البناء الهادف إلى تحقيق المزيد من التفاهم كما تؤكد ذلك هذه الآيات الكريمة: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.(سورة النحل: الآية: 125)
- المبحث الخامس: المبادئ العامة لصياغة علم الاجتماع الإسلامي.
الصياغة الإسلامية لعلم الاجتماع تعني أن يكيف علم الاجتماع منهجيته ورؤاه في ظل المبادئ الإسلامية الرصينة والصريحة التالية:(11)
1- إن الله سبحانه هو الخالق لهذا الكون بكل ما فيه. وهذا يعني أن الطبيعة لم تخلق نفسها ولم توجد نفسها بل الله عز وجل هو خالقها وموجدها وهي تسير وفق سنن مطردة ووفق نظام مترابط الأجزاء ومن خلقها هو المقدر لهذه السنن وهذا النظام.
2- الإيمان بالغيب، حيث ينقسم العالم إلى قسمين يمكن التمييز بينهما ولكن لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر هما:
أ- عالم الغيب وعالم الشهادة، يتصل عالم الغيب بذات الله جل وعلا وصفاته والحياة الآخرة والملائكة والجن والروح.
ب- يتصل عالم الشهادة بكل ما في الكون من أشياء وأحداث وظواهر وعلاقات تشكل نظام الكون المادي، والعقل أداة للوصول إلى حقائق الطبيعة وهو معرض مع ذلك للخطأ والوحي أداة معرفة عالم الغيب (ما وراء الطبيعة).
3-الإيمان بأن الله عز وجل هو المشرع للإنسان فهو من وضع للطبيعة سننها، وهو أيضاً من وضع للإنسان عن طريق الوحي المقاييس العامة والدقيقة للخير والشر وحدد معالم الأخلاق والحقوق الثابتة.
4-كما تهدف الصياغة الإسلامية لعلم الاجتماع إلى الإقرار بأن الله اصطفى من خلقه من البشر من يبلغ شرعه وقد تم بعث الكثير من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام للبلاغ والهداية إلى الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه وبه تتحقق سعادة البشرية.
5- الإيمان بأن الإسلام هو خاتمة الرسالات وهو رسالة عالمية موجهة إلى كافة البشر، كما أنه رسالة تامة ومكتملة وصالحة لكل زمان ومكان.
- المبحث السادس: الأهداف العامة لعلم الاجتماع الإسلامي.
يمكن تلخيص أهم أهداف علم الاجتماع الإسلاميفيمايأتي:(12)
1- صياغة علم الاجتماع نفسه في ظل مبدأ الإيمان بالله تعالى، وقياس مدى اقتراب المجتمعات الإسلامية أو بعدها عن الإسلام.
2- علم الاجتماع في صورته الإسلامية ليس علماً اجتماعياً غربياً مكرراً، ولكنه يهدف إلى تقديم رؤى مغايرة للتصورات والنظريات الغربية حول المجتمع.
3- الهدف الأصيل لعلم الاجتماع الإسلامي، أنهلا يهتم بمصالح دولة أو طبقة أو حزب أو قبيلة، لأن العنصر الفاعل والمبتغى هو التوحيد والوحدة، مع إبراز عوامل النهضة والعدل، ونبذ كل أشكال التحيز والتطرف والإرهاب طبقاً للمبادئ الإسلامية.
4- إظهار ما في التراث الإسلامي من سنن الاجتماع وقواعد العمران والمبادئ والظواهر، ووضع الخطط المستقبلية للمجتمعات الإسلامية في حدود مبادئ الإسلام.
5- توضيح المنهج العلمي الإسلامي الذي يشرع لقواعد ونظم الاجتماع الإنساني، وتجلية دوره في إنشاء العديد من العلوم الحديثة.
6- إحياء التراث الفكري الإسلامي، والتأكيد على الدور الفاعلللدين الإسلامي كأحد أدواتالضبط الاجتماعي الرئيسة في المجتمع.
7- التصدي للقضايا المعاصرة، من خلال منهجية علميةإسلامية رصينة.
8- أن يكون للطفل نصيب كبير من قضايا الوطن والأخلاق والعلم.
9- تبني ودعم مشروع حضاري تربوي تعليمي مجتمعي يهدف لنشر ثقافة الحوار والاختلاف، وقبول الآخر، والمسئولية الاجتماعية، وتدعيم الوطنية، وتحصين الشباب من مظاهر الأمية والتسرب الدراسي والفراغ، والوقوف بقوة أمامأسباب ومظاهر الانحراف والتطرف والإرهاب.
10- أن الأهداف الساميةللفلسفة الفكرية الإسلامية الأصيلة لا بد أن تكتشف في مصادرها الحقيقية النابعة من الأصول الإسلامية وتطور الفكر الإسلامي السليم لا في ما أنتجته الثقافات الدخيلة.
- المبحث السابع: القضايا العامة لعلم الاجتماع الإسلامي.
عند تحديد أهم القضايا ومجالات وموضوعات الدراسة في علم الاجتماع الإسلامي مجاله، في هذه الحالة منوط به تحديد منهجيته وتوظيف إسهامات وأعمال المفكرين والفقهاء الإسلاميين في هذا الصدد. وأيضاً تحديد القضايا التي يمكن أن يتميز بها هذا العلم الإسلامي عن نظيره الغربي.
بداية تعد قضية البناء الاجتماعي من أهم محاور الدراسة في الوسط الأكاديمي السوسيولوجي. ومن هذا المنطلق ارتأينا إخضاع هذه القضية للمنظور الإسلامي كقاعدة تأسيسية لعلم الاجتماع الإسلامي، الذي يأخذ شكلاً واضحاً ورؤى إسلامية رصينة تميزه عن العلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى من حيث موضوع الدراسة. والمنظور الإسلامي للبناء الاجتماعي يستند إلى قضايا أساسية نوجزها فيما يلي:
1- الله (عز وجل) وقضية الإنسان:
وحدانية الله عز وجلهي القضية الأساسية التي ينبغي أن تستند إليها نظريات ورؤى علم الاجتماع من منظور إسلامي. وذلك باعتبار أن الله عز وجل هو القوة الواحدة المدبرة لأمر الكون والمجتمع، والذي ينتقل تأثير فاعليته إلى الإنسان الذي أعده الله ليكون خليفته في الأرض، ثم إلى المجتمع الذي يعمل وفق تعاليمه التي وردت في القرآن الكريم باعتباره منبعاً للرؤى الفكرية للمسلم، ومن ثَم منبعاً لجميع المعارف والعلوم؛ قال تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ. (الأنعام: الأية:38) وهنا نجد القرآن الكريم يؤكد على أن القوانين الإلهية التي تحكم الكون المادي والاجتماعي ثابتة وفعالة وتنطبق على كل الجماعات بغض النظر عن حجمها وقوتها ودورها الحاضر. (13)
رد: الإسلام وعلم الاجتماع
قدم الله تعالى الإنسان على كل مخلوقاته، وتجلى هذا التقدير في استخلاف الإنسان في الأرض والمجتمع. وفى ذلك يقول الله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. (البقرة: الأية:29،30) وذلك يعني أن الله تعالى خلق الكون، واختار الإنسان خليفته له من أجل إدارته وإعماره.
يشير التصور الإسلامي إلى أن الله تعالى قد خلق الكون تعبيراً عن عظمته وقدرته، ولكي يصبح الكون جديراً بأن يكون شاهداً على هذه العظمة، فقد خلق فيه الإنسان ليعمره، ولذلك كرمة واستخلفه. ومن ثم فتعمير المجتمع هو تعبير عن طاعة الإنسان لله تعالى وتأكيد لاستحقاقه لهذه المهمة التي أوكلت إليه. وحتى يستطيع الإنسان عمران الأرض والمجتمع، فقد زوده في ذاته بما يساعد على إنجاز ذلك الاعتقاد بكامل العبودية، والعقل والفطرة، وكلها تدفع نحو الإيجابية لبناء العمران. كما سخر له كل ما في الأرض ليستعين بما يريد لإنجاز هذه المهمة. إذاً فالعمران هو جزء من عبادة الإنسان لله عز وجل كما يذهب التصور الإسلامي.
2- قضية الفكر الاجتماعي الإسلامي:
مصطلح الفكر الإسلامي يعني كل ما أنتج فكر المسلمين منذ مبعث رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى اليوم، في المعرفة الكونية المتصلة بالله سبحانه وتعالى والعالم والإنسان، والذي يعبر عن اجتهادات العقل الإنساني لتفسير تلك المعارف العامة في إطار المبادئ الإسلامية عقيدة وشريعة وسلوكاً.(14)
وأما في مجال الفكر المجتمعي، استطاع الفكر الإسلامي منطلقاً من مبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية أن يواجه أحداث الحياة المتغيرة، فيضع لها من الأنظمة التفصيلية والأحكام الاجتهادية الكثيرة والحلول الناجعة المبدعة التي أقامت الحياة الحضارية الإسلامية في تفاصيلها الدقيقة، فأنتجت بذلك مجتمعاً حضارياً ورقياً شاملاً في المجتمع الإسلامي.
كما توسع الإسلام ومفكريه في المعرفة الإنسانية، وحث أتباعه على البحث ومعرفة التاريخ والاستفادة من الأمم السابقة وأخذ الحكمة من أي وعاء خرجت، لأن الحكمة هي ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها.
ومن هذا المبدأ انطلق المسلمون إلى الأخذ بأسباب الحضارة الإنسانية والاستفادة منها في بناء وتطوير مجتمعهم. غير أنهم بقدر ما استفادوا من العلوم والمعارف المفيدة التي نقلوها وطوروها وأنشأوا حضارتهم الزاهرة في ظلها، تضرروا من الثقافات الأجنبية، لأنها كانت في أصولها وثنية منحرفة في نظرتها إلى الوجود والحياة والإنسان. ولكن قوة الفكر الإسلامي بعقائده الفطرية القوية، وحكمة شريعته السمحة، كانت بمثابة الحصن ضد أي غزو ثقافي أو حضاري غير مدروس.
يوفر الدين للإنسان قاعدة فكرية مجتمعية ملهمة، توضح جملة العوامل التي تؤدي إلى الهدم وتعمل على تقويض المجتمع، كما وضح في الوقت نفسه جملة العوامل التي تعود بالتوازن والاستقرار على منظومة الواقع الاجتماعي. (15)
3- قضية النظام الاجتماعي الإسلامي:
من المسلمات المعروفة في علم الاجتماع أن المجتمع البشري لا بد أن يستند في تنظيمه وتسييره على نظرية حضارية، أو قاعدة حضارية مستخلصة من تاريخ الأمة وتطورها، نابعة من حاجاتها، متفقة مع أعرافها وخصائصها، مستفيدة من تجارب الإنسانية كلها، كي توحد بين أبنائها، وتدفعهم إلى التفاهم المشترك والتعاون في بناء الحياة والعمران.
إن الدراسة الواعية للنظام الاجتماعي الإسلامي تجعلنا أمام حقيقة ساطعة وهي: أن المجتمع الإسلامي ليس مجتمعاً مغلقاً؛ بل هو مجتمع مفتوح، لا يقيم الإسلام فيه العلاقات الاجتماعية العامة على أساس التعصب العنصري، أو الطائفيأو الديني. وفي سبيل بناء المجتمع القوي الموحد، دعا الإسلام إلى تحقيق العدالة، وفرض الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر للمحافظة على توازن المجتمع، وإبعاده عن الانحراف، قال تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ. (آل عمران: الأية: 104)
واعتنى النظام الاجتماعي الإسلامي أعظم العناية بتقوية الأسرة، وشرع لها نظاماً دقيقاً يبين فيه حقوق وواجبات أفرادها، وتنظيم معاملات النفقة، والزواج، والميراث، وتربية الأولاد، وبذر بذور المحبة والإيثار والرحمة بينهم، لأن في تقوية الأسرة وضبط سلوك أطرافها تقوية للمجتمع وضبطاً لحركته، ونشراً للقيم الإنسانية والاجتماعية الرفيعة بين أبنائه، حتى يبتعد عن الفوضى والتصادم، والتحلل الخُلُقي... كما يدعو الإسلام إلى تكافؤ الفرص للجميع، كي يتنافسوا تنافساً شريفاً. ومن المعلوم أن الإسلام لا يجعل هذا التنافس أو السعي قاصراً على المسلمين؛ وإنما يدعو الأفراد الذين ينتمون إلى مجتمعه، مسلمين وغير مسلمين، إلى الاشتراك في التنمية الاجتماعية، وبناء الحضارة الإنسانية، طالما أن الخليفة هو الإنسان، وليس المسلم فحسب.
والحقائق التاريخية شاهدة على أن المجتمع الإسلامي عبر التاريخ كان يتحلىبسمات إنسانية، بدليل أن العناصر الإسلامية وغير الإسلامية اشتركت في عملية البناء الاجتماعي، وكانت الفرص متكافئة أمامها جميعاً لإثبات وجودها وإظهار مهاراتها في مجالات الحياة كلها... وهنا يقول " آدم متز": لم يكن في التشريع الإسلامي ما يغلق دون أهل الذمة أي باب من أبواب الأعمال، وكان قدمهم راسخاً في الصناعات التي تدر أرباحاً وافرة، فكانوا صيارفة وتجاراً، وأصحاب ضياع وأطباء. إن أهل الذمة نظموا أنفسهم بحيث كان معظم الصيارفة في بلاد الشام من اليهود، على حين كان أكثر الأطباء والكتبة من النصارى. (16)
إذا كان الإسلام يركز على العلاقة الإنسانية في دائرة التعارف الحيوي في الحاجات، فإنه يثير الجانب الحركي في هذه العلاقة، ليدعو المؤمنين والمؤمنات إلى التعاون على البر والتقوى، بحيث يتكامل الجميع في تحقيق هذين العنوانين الكبيرين في الواقع، اللذين يمثلان الخير كله في علاقة الإنسان بالإنسان، وفي المفاهيم الأصيلة في الإيمان والعدل والتكافل الاجتماعي، والمراقبة المنفتحة على الله عز وجل في دائرة السلوك الفردي والاجتماعي للإنسان على أساس الضوابط الروحية والعملية، وليبعدهم عن التعاون على الإثم والعدوان. ويمتد الفكر الإسلامي ليرى في العدل قيمة إنسانية، فيقرر أن قضية الدين هي قضية عدل، فلا دين بلا عدل، في جميع تطلعات الإنسان وقضاياه، حتى إن العدل لا يقف عند المسلم، بل يلتقي بالمسلم والكافر معاً، فلا يجوز للمسلم أن يظلم الكافر.وقد اقتضى وجود الفرد في محيط اجتماعي وجود صلات وعلاقات وارتباطات سواء صلات ودية أوعدائية، وبذلك فالمجتمع بحاجة إلى قانون ينظم هذه العلاقة بين الأفراد ويقضي على ما قد يكون من نزاعات وخصومات ويحكم بالعدل، وهذا ما سار عليه البشر في مسيرتهم التاريخية ولم يصلوا إلى قانون عادل غير سماوي حتى اليوم.وعندما جاء الإسلام أعطى المسلم تصوراً شاملاً عن الحياة وطبيعتها، والوجود ومكانة الإنسان منه، ونوعية النظام الذي يجب أن يحكم المجتمع البشري. وهي بمثابة العقد الفريد لمنظومة حياتية مجتمعية، وأيضاً الدستور الجاهز لصيرورة البناء الاجتماعي.
وتأسيساً على ما سبق أمكنتسجيل ورصد عدة نقاط من الممكن أن ينتقى منها موضوعات ومجالات علم الاجتماع الإسلامي. من أهمها:
1- أن تكون النظرية الإسلامية ذات جوهر نقدي للواقع البشري، بما يمكن من إصلاح إشكاليات الواقع والارتقاء به.
2- التركيز على واقع العرب بعد الإسلام، والانتقال الحضاري لهم من الحياة البدوية إلى الحضرية، والاستفادة من التجارب الإسلامية الناجحة، وإعادة إنتاجها بموضوعية من جديد. وكيفأصبحوا أمة لها رسالتها الحضارية.
3- العودة إلى التراث الإسلامي الصحيح، عند دراسة القضايا التربوية والاجتماعية للاستفادة من هذا التراث بالربط بين المنهج الرباني والمنهج العلمي.
4- التركيز على الجوانب التطبيقية للمذاهب الإسلامية؛ والعمل على دراسة المشاكل الاجتماعية، والانحرافات والبدع، وإيضاح ماهية الفجوة بين الأخلاق الإسلامية الرصينة وأخلاق المسلم المعاصر.
5- دور الدين الإسلامي كمنظومات قيم في تغيير وتحديث الواقع الاجتماعي. وإبراز الوجه الحقيقي للدين، وتأكيد محاربته للتطرف والتخلف.
6- إبراز دعائم قيام المجتمع الإسلامي المنطلقة من مبادئ التكافل الاجتماعي والمساواة في الحقوق والواجبات والأخوة العامة بين المسلمين، والسعي باتجاه هدف صريح، هو تحديد العوامل الكامنة وراء تخلف المجتمع الإسلامي.
7- دور النخبة الإسلامية في بناء المجتمع الإسلامي مقارنة بالمجتمع الأوروبي.والاستفادة العلمية من الثقافات العالمية من خلال مشروع حضاري لإعادة بناء المجتمع الإسلامي بشكل معاصر وفق إطار العقيدة الصحيحة.
8- الدراسة المنهجية للآداب الإسلامية مثل: آداب الأخلاق والعلم، والصدق، والوفاء بالعهد والوعد، والتواضع، وقضاء حوائج المسلمين، وصلة الرحم وحقوق الجار، والوطنية ومحاربة أي انحراف... إلخ
- المبحث الثامن:الأهمية العلمية والتربوية لعلم الاجتماع الإسلامي.
ويمكن أن تتضح الأهمية العلمية والتربويةلعلم الاجتماع الإسلامي، وذلك من خلال تنقية ما لحق بعلم الاجتماع من الأفكار التي لا تتفق مع الفكر الإسلامي السليم والتي تقدم للأسف لطلاب هذا العلم وذلك كما لاحظناه في دراستنا لقضية الثقافة عند الحديث عن العناصر التي تميز الثقافة ومنها أنها نتاج بشري خالص، وهذه النظرة للثقافة تتفق مع النظرة الغربية التي ترى بأن الأديان هي فكر اجتماعي وضعي وبالتالي يصح أن نقول بأن الثقافة نتاج بشري، ولكن إذا ما رأيناها من زاوية الفكر الإسلامي فهذا لا يتسق وإياه؛ لأن ثقافتنا بما تحويه من جوانب مادية وغير مادية تعود في جلها إلى مصدر إلهي وصلنا عن طريق الوحي والأنبياء وليس كنتاج بشري خالص، كما أن الثقافة كذلك ليست كما ورد في كتب علم الاجتماع، أنها مكتسبة، بل نعلم كمسلمين أننا قد فطرنا جميعا على التوحيد وبعد ذلك تتدخل العوامل البشرية في تغيير هذه الفطرة وبالتالي فإن الدين كأحد جوانب الثقافة هو شيء مكتسب وموروث جيني في نفس الوقت.
وقد دلت على ذلك الطرح البحوث العلمية الأخيرة حيث كشفت دراسة أمريكية عن وجود جينات في مقدمة الرأس تتحكم في النزعة الروحانية ودرجة التدين لدى الإنسان، والكتاب يحمل عنوان: الجين الإلهي (The god gene)، وقد أزاح فيه العالم " هامر" الستار عن أن الإيمان بالله والاتجاه إليه في مختلف الديانات والمجتمعات والشعوب، واختلاف درجة هذا الإيمان من شخص إلى آخر، كل ذلك يعود إلى جينات أطلق عليها تسمية:VMATS "" موجودة في مقدمة مخ الإنسان، هي التي تتفاعل كيميائياً لتقود الإنسان إلى ربه. (17)
ولعل الأهمية الكبرى لعلم الاجتماع الإسلامي، هي دعمه لقضية الرسالة التربوية، وإبراز ركيزتها الأولى " العلم والخلق". وكانت أول كلمة نزلت في القرآن الكريم: ﴿ اقرأ ﴾، وهي تدلنا على الطريق السليم، والصراط المستقيم، والمتمثل في مدى اهتمام الإسلام بالعلم، وأهمية البحث العلمي وقيمته بالنسبة للفرد والأُسرة والمجتمع. (18)
وقد جاء الإسلام داعياً إلى البحث العلمي والدراسة والتمحيص والتنقيب والمعرفة؛ فالحكمة ضالة المؤمن، وطلب العلم فريضة على المسلمين، وهو في ذلك لا يميز بين علم وآخَر، بل اعتبر العلوم النافعة هي تلك التي تحقق مصلحة دينية، أو توصل إلى منفعة دنيوية، وقد دعا الإسلام إلى تمجيد العقل، وتحصيل العلم، حتى إنه قرن شهادة العلماء بشهادة الملائكة: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ. (آل عمران: الآية: 18)
إن أهمية علم اجتماع إسلامي في مؤسساتنا التعليمية اليوم؛ أصبح ضرورة حتمية أكثر من أي وقت مضى، فجميع الليبيين اليوم يقرون بوجود أزمة في القيم والأخلاق وتدني الشعور الوطني. هنا يتمكن علم الاجتماع الإسلامي بمرتكزاته السابقة وكمقرر تربوي في كل مؤسساتنا التعليمية؛ القيام بدور هام، لإعادة الليبيين إلى وطنهم... والتأكيد لأطفالنا أن الإنسان قد يعيش بدون أسرة ودون عائلة وبدون قبيلة، لكن تصعب وربما تستحيل الحياة بلا وطن...لأن المواطنة (Citizenship) هي صفة المواطن العاشق لوطنه وخدمته في أوقات السلم والحرب. وقد أدى غياب المواطنة إلى إحلال الهويات الفرعية، وغياب روح الانتماء إلى المجتمع؛ الأمر الذي أفرز ظواهر سلبية يمكن ملاحظتها بسهولة، من هجرة للكفاءات، واستنزاف المال العام، وتخريب الممتلكات العامة، وعدم احترام القانون، والتطرف وغيرها من الظواهر الكثيرة التي تبدو للأسف وكأنها سلوك طبيعي ينتهجه الليبيين في حياتهم اليومية.
إن الملف الذي سيكلف به علم الاجتماع الإسلامي، نرى أنه من أهم الأولويات والواجبات التي يمكن إعادتها للمجتمع وتأصيلها في المنهجية التعليمية من خلال:
1- يتشكل مقرر علم الاجتماع الإسلامي، على قاعدة تأصيل المواطنة والأخلاق والقيم، والمشاركة الجماعية في مصير الوطن دون تمييز.
2- تدريب الناشئة والشباب على كيفية التصدي والمعالجة لقضايا مجتمعهم بشكل علمي، وغرس حب الوطن والنظام واحترام القانون في نفوسهم، لكون التقيد بهذه الفضائل من مظاهر التمدن والرقي والمساهمة في بناء وازدهار الوطن.
3- يعتبر المعلم المثل الأعلى للأبناء، وحجر الأساس في تعليم القيم والعادات الوطنية، والتمسك بعقيدتهم الإسلامية الصحيحة. وغرس روح المبادرة للأعمال الخيرية والتطوعية التي تسهم في تأصيل معنى المواطنة الصالحة.
والملاحظ أن التعليم في المجتمع الليبي يقوم على ما يعرفبالتعليم البنكي فالطالب يحفظ المعلومة حتى يتم استردادها منه وقت الامتحان وبذا فالطالب يعد وعاء لتلقي المعلومة دون أن يكون له دور في فهمها أو تمحيصها والأفراد الذين يمرون بتجربة التعلم البنكي يكونون أكثر سهولة للانقياد للأفكار وأكثر صرامة في تطبيقها دون التفكير والنقاش مثل هؤلاء الأفراد يمكن أن يكونوا صيداً سهلاً ليصبحوا مؤدلجين فكرياً وعملياً.
ولدعم السلوك الإيجابي يجب أن يقوم النظام التعليمي على أساس تعويد الطلاب على التعليم الحواري القائم على التفكير والإبداع الذي يسمح لعقل الطالب بتأمل الأمور ورؤية الحقيقة من أكثر من زاوية بما يمكنه من الابتعاد بعد توفيق الله سبحانه وتعالى عن أن يصبح فريسة سهلة للأفكار المتطرفة والداعية للعنف والتخريب.
والمعلمون لكونهم من العناصر المهمة في التطبيع الاجتماعي، يؤثرون في تلاميذهم عن طريق القدوة وعن طريق تشجيع الاستجابات المرغوبة وتدعيمها، وإضعاف الاستجابات السلبية والقضاء عليها. ولشخصية المعلم في قاعات الدراسة إسهام في تشكيل شخصيات التلاميذ إذ إن سمات المعلم تنعكس في أسلوب تعامله مع تلاميذه وطريقة تهذيبه لهم وهذا بدوره يؤثر في اتجاهات التلاميذ نحو التعلم. ولذا فإنه من الضروري انتقاء المعلمون الذين يقومون بالتدريس بكل دقة وحذر، بحيث يتصفون بالفطنة والذكاء والقدرة على إيصال المعلومة الصحيحة للطالب بالإضافة إلى المقدرة الشخصية التي تمكنهم من استيعاب المتغيرات الحضارية التي يعيشونها وعكسها في المناهج الدراسية بشكل مشوق ويجب أن يحفز المعلمتلامذته على المناقشة والإبداع والتفكير بصورة علمية من خلال استشعار الواقع والتأمل فيه وطرح الأفكار ومناقشتها بشكل مجرد من الأوامر والنواهي التي تأخذ قوالب جاهزة .
كما تعد المدرسة والمناهج الدراسية من أعمدة العملية التعليمية، وهي الوعاء الذي تقدم من خلاله المعلومة للطالب لكي يستوعبها ويستقي منها ما يمكن أن يساعده في مسيرته التعليمية ولكي تصبح المناهج الدراسية قادرة على مسايرة العصر، نرى ضرورة وضع خطة استراتيجية للمنهج الدراسي بالتنسيق مع استراتيجية التنمية الشاملة للدولة بحيث تستلهم استراتيجية المنهج أهدافها من استراتيجية التنمية الشاملة للدولة. كما يجب أن تهدف المواد الدراسية في مجملها إلى تعميق مفهوم الولاء الوطني لدى جميع أفراد المجتمع، حيث أصبحت كلمة الوطنية في السنوات الأخيرة قضية مصيرية تفرض نفسها بإلحاح على علماء الاجتماع والنفس والسياسة وجميع المهتمين بتربية النشء حتى أصبحت قضية الوطنية إحدى الضرورات الأساسية في الظرف الراهن الذي نعيشه.وهنا نرى ضرورة أن يصاغ " علم الاجتماع الإسلامي" بشكل مباشر في جميع المناهج الدراسية بحيث يصبح جزءاً من المناهج الدراسية لتعميق وتجذير الروح الوطنية.
وللوصول إلى هذه الغاية، لابد من جمع كل الجهود الأكاديمية الليبية، لأن العديد من الباحثين والمفكرين، أكدوا على أن ظواهر التطرف والإرهاب المنتشرة اليوم، تقتات على غياب كل من المنهج العلمي والعلوم الإنسانية. كما أكدوا على أن من يمتلك الروح العلمية النقدية الصحيحة لايمكن أن يتطرف.
وبالمقارنةالمجتمع الياباني (الذي لايوجد به دين سماوي)، تقوم المدارس الابتدائية فيه بتدريس مقرر بعنوان: الطريق إلى الأخلاق. يتعلم فيه التلاميذ الأخلاق والتعامل مع الناس. هذا في الوقت الذي ميزنا وأعزنا الله عز وجل حيث قال: كُنتم خيرَ أمّةٍ أخرجَت للناسِ تأمرونَ بالمعروفِ وتنهونَ عن المنكرِ وتؤمنونَ بالله. (آل عمران: الآية:115)
- الخلاصة والتوصيات:
إن رغبتنا لصياغة علم الاجتماع الإسلامي اليوم أصبحت ضرورة ملحة فرضتها الأحداث الراهنة،وهنا ارتأينا في علم الاجتماع الإسلامي هدفاً نبتغي من ورائه تحليل قضايا المجتمع والأمة، وإيصال وغرس قيمة حب الوطن وترابه وتجذيرها في نفوس الناشئة، وليس علماً يهتم بمصالح طبقة أو قبيلة. كما يهدف أيضاً إلى قياس ممارسة الناس والتزامهم بمبادئ الإسلام ومدى فهمهم للتصورات الإسلامية. وإيضاح كل ذلك بطرق علمية وموضوعية صحيحة.
إن البحوث والدراسات الاجتماعية الإسلامية يمكن أن يكتب لها النجاح إذا ما اعتمدت المنهج العلمي المستند إلى القرآن الكريم وسنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإسناد هذه البحوث إلى المختصين في الجامعات بالتنسيق مع الأوساط العلمية الأخرى وإشراف علماء المسلمين، لضمان تطوير المجتمع الإسلامي وتخليصه من تهم التطرف والإرهاب وعدوى التخلف والتبعية.
وفي هذا الصدد يمكن طرح التوصيات التالية:
1- وضع معالم جديدة لصياغة مشروع تعليمي نهوضي شامل، يدعو إلى قيم العدالة والمساواة والمواطنة وصولاً إلى القواعد الأساسية للحكم الرشيد وإعادة الاعتبار لمكارم الأخلاق كقاعدة رئيسة للرسالة الإسلامية السامية.
2- دعم الدراسات والبحوث الجامعية ومراكز البحث العلمي، لتأهيل جيل أكاديمي يسهم في استكمال بناء الفكر الاجتماعي من خلال فهم حقيقي للتراث الإسلامي.
3- الضرورة العامة إلى تأسيس علوم إسلامية تركن للنهج الوسطي الصحيح بعيداً عن المغالاة والتطرف، في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية، وخاصة العلوم الإنسانية والاجتماعية المعاصرة، كعلم الاجتماع، موضوع الدعوة، وعلم الاقتصاد، والقانون، وعلم السياسة، وعلم الإدارة، وعلم الإعلام، وغيرها.
- هوامش ومراجـــع الورقة:
1. جون سكوت، جوردون مارشال (2011)، موسوعة علم الاجتماع، ت: محمد الجوهريوآخرين، القاهرة: المركز المصري العربي للطباعة، المجلس الأعلى للثقافة، ص: 383.
2. فضيل دليو(1990)، علم الاجتماع من التغريب إلى التأصيل، الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، ص:71.
3. سعد الدين صالح(1993)، بين علم الاجتماع الإسلامي وعلم الاجتماع الغربي، جدة: مكتبة الصحابة، ص: 130.
4. إيمانويل والرستاين(2011)، علم الاجتماع الغربي مساءلة ومحاكمة، ت: محمود الذوادي، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ص: 35.
5. علي ليلة(2001)، النظرية الاجتماعية ونقد المجتمع، القاهرة: المكتبة المصريةللطباعة، ص: 52.
6. علي ليلة(2007)، مشروعية بناء علم الاجتماع من منظور إسلامي، القاهرة: مركزالدراسات المعرفية، ص،37.
7. Parsons, T (1952): The Social System, The Free Press, Glencoe, Illinois, Pp. 26-51.
8. ألفن جولدنر (2004) الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي، ت: على ليلة، المجلسالأعلىللثقافة، المشروع القومي للترجمة، ص:322.
9. مصطفى الشكعة(1992) الأسس الإسلامية في فكر ابن خلدون، الناشر: الدار المصرية اللبنانية، ص: 198.
10. زيدان عبدالباقي (1984). علم الاجتماع الإسلامي. القاهرة: مطبعة السعادة، ص: 21.
11. منصور زويد المطيري(1993)، الصياغة الإسلامية لعلم الاجتماع، القاهرة : دار أخبار اليوم - إدارة الكتب و المكتبات، ص: 104.
12. مصطفى عبد الرازق(2007)، تمهيد في تاريخ الفلسفة، مكتبة الثقافة، ص:145.
13. علي ليلة (2001)،مرجع سبق ذكره، ص: 105.
14. محسن عبد الحميد(1998) تجديد الفكر الإسلامي، بغداد: دار الصحوة، ص: 18.
15. منصور زويد المطيري(1993)، مرجع سبق ذكره، ص: 114.
16. آدم متز(1995)، الحضارة الإٍسلامية في القرن الرابع الهجري أو عصر النهضة فيالإسلام، ت: محمد عبدالهادي أبو ريدة، بيروت: دار الكتاب العربي للنشر، ص: 452.
17. http://www.alsahafa.info/index.php.
18. عالية شعبان(1997)، العلوم الإسلامية عبقرية التدخل وعبقرية الإبداع، القاهرة: دار الثقافة، ص: 5.
يشير التصور الإسلامي إلى أن الله تعالى قد خلق الكون تعبيراً عن عظمته وقدرته، ولكي يصبح الكون جديراً بأن يكون شاهداً على هذه العظمة، فقد خلق فيه الإنسان ليعمره، ولذلك كرمة واستخلفه. ومن ثم فتعمير المجتمع هو تعبير عن طاعة الإنسان لله تعالى وتأكيد لاستحقاقه لهذه المهمة التي أوكلت إليه. وحتى يستطيع الإنسان عمران الأرض والمجتمع، فقد زوده في ذاته بما يساعد على إنجاز ذلك الاعتقاد بكامل العبودية، والعقل والفطرة، وكلها تدفع نحو الإيجابية لبناء العمران. كما سخر له كل ما في الأرض ليستعين بما يريد لإنجاز هذه المهمة. إذاً فالعمران هو جزء من عبادة الإنسان لله عز وجل كما يذهب التصور الإسلامي.
2- قضية الفكر الاجتماعي الإسلامي:
مصطلح الفكر الإسلامي يعني كل ما أنتج فكر المسلمين منذ مبعث رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى اليوم، في المعرفة الكونية المتصلة بالله سبحانه وتعالى والعالم والإنسان، والذي يعبر عن اجتهادات العقل الإنساني لتفسير تلك المعارف العامة في إطار المبادئ الإسلامية عقيدة وشريعة وسلوكاً.(14)
وأما في مجال الفكر المجتمعي، استطاع الفكر الإسلامي منطلقاً من مبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية أن يواجه أحداث الحياة المتغيرة، فيضع لها من الأنظمة التفصيلية والأحكام الاجتهادية الكثيرة والحلول الناجعة المبدعة التي أقامت الحياة الحضارية الإسلامية في تفاصيلها الدقيقة، فأنتجت بذلك مجتمعاً حضارياً ورقياً شاملاً في المجتمع الإسلامي.
كما توسع الإسلام ومفكريه في المعرفة الإنسانية، وحث أتباعه على البحث ومعرفة التاريخ والاستفادة من الأمم السابقة وأخذ الحكمة من أي وعاء خرجت، لأن الحكمة هي ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها.
ومن هذا المبدأ انطلق المسلمون إلى الأخذ بأسباب الحضارة الإنسانية والاستفادة منها في بناء وتطوير مجتمعهم. غير أنهم بقدر ما استفادوا من العلوم والمعارف المفيدة التي نقلوها وطوروها وأنشأوا حضارتهم الزاهرة في ظلها، تضرروا من الثقافات الأجنبية، لأنها كانت في أصولها وثنية منحرفة في نظرتها إلى الوجود والحياة والإنسان. ولكن قوة الفكر الإسلامي بعقائده الفطرية القوية، وحكمة شريعته السمحة، كانت بمثابة الحصن ضد أي غزو ثقافي أو حضاري غير مدروس.
يوفر الدين للإنسان قاعدة فكرية مجتمعية ملهمة، توضح جملة العوامل التي تؤدي إلى الهدم وتعمل على تقويض المجتمع، كما وضح في الوقت نفسه جملة العوامل التي تعود بالتوازن والاستقرار على منظومة الواقع الاجتماعي. (15)
3- قضية النظام الاجتماعي الإسلامي:
من المسلمات المعروفة في علم الاجتماع أن المجتمع البشري لا بد أن يستند في تنظيمه وتسييره على نظرية حضارية، أو قاعدة حضارية مستخلصة من تاريخ الأمة وتطورها، نابعة من حاجاتها، متفقة مع أعرافها وخصائصها، مستفيدة من تجارب الإنسانية كلها، كي توحد بين أبنائها، وتدفعهم إلى التفاهم المشترك والتعاون في بناء الحياة والعمران.
إن الدراسة الواعية للنظام الاجتماعي الإسلامي تجعلنا أمام حقيقة ساطعة وهي: أن المجتمع الإسلامي ليس مجتمعاً مغلقاً؛ بل هو مجتمع مفتوح، لا يقيم الإسلام فيه العلاقات الاجتماعية العامة على أساس التعصب العنصري، أو الطائفيأو الديني. وفي سبيل بناء المجتمع القوي الموحد، دعا الإسلام إلى تحقيق العدالة، وفرض الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر للمحافظة على توازن المجتمع، وإبعاده عن الانحراف، قال تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ. (آل عمران: الأية: 104)
واعتنى النظام الاجتماعي الإسلامي أعظم العناية بتقوية الأسرة، وشرع لها نظاماً دقيقاً يبين فيه حقوق وواجبات أفرادها، وتنظيم معاملات النفقة، والزواج، والميراث، وتربية الأولاد، وبذر بذور المحبة والإيثار والرحمة بينهم، لأن في تقوية الأسرة وضبط سلوك أطرافها تقوية للمجتمع وضبطاً لحركته، ونشراً للقيم الإنسانية والاجتماعية الرفيعة بين أبنائه، حتى يبتعد عن الفوضى والتصادم، والتحلل الخُلُقي... كما يدعو الإسلام إلى تكافؤ الفرص للجميع، كي يتنافسوا تنافساً شريفاً. ومن المعلوم أن الإسلام لا يجعل هذا التنافس أو السعي قاصراً على المسلمين؛ وإنما يدعو الأفراد الذين ينتمون إلى مجتمعه، مسلمين وغير مسلمين، إلى الاشتراك في التنمية الاجتماعية، وبناء الحضارة الإنسانية، طالما أن الخليفة هو الإنسان، وليس المسلم فحسب.
والحقائق التاريخية شاهدة على أن المجتمع الإسلامي عبر التاريخ كان يتحلىبسمات إنسانية، بدليل أن العناصر الإسلامية وغير الإسلامية اشتركت في عملية البناء الاجتماعي، وكانت الفرص متكافئة أمامها جميعاً لإثبات وجودها وإظهار مهاراتها في مجالات الحياة كلها... وهنا يقول " آدم متز": لم يكن في التشريع الإسلامي ما يغلق دون أهل الذمة أي باب من أبواب الأعمال، وكان قدمهم راسخاً في الصناعات التي تدر أرباحاً وافرة، فكانوا صيارفة وتجاراً، وأصحاب ضياع وأطباء. إن أهل الذمة نظموا أنفسهم بحيث كان معظم الصيارفة في بلاد الشام من اليهود، على حين كان أكثر الأطباء والكتبة من النصارى. (16)
إذا كان الإسلام يركز على العلاقة الإنسانية في دائرة التعارف الحيوي في الحاجات، فإنه يثير الجانب الحركي في هذه العلاقة، ليدعو المؤمنين والمؤمنات إلى التعاون على البر والتقوى، بحيث يتكامل الجميع في تحقيق هذين العنوانين الكبيرين في الواقع، اللذين يمثلان الخير كله في علاقة الإنسان بالإنسان، وفي المفاهيم الأصيلة في الإيمان والعدل والتكافل الاجتماعي، والمراقبة المنفتحة على الله عز وجل في دائرة السلوك الفردي والاجتماعي للإنسان على أساس الضوابط الروحية والعملية، وليبعدهم عن التعاون على الإثم والعدوان. ويمتد الفكر الإسلامي ليرى في العدل قيمة إنسانية، فيقرر أن قضية الدين هي قضية عدل، فلا دين بلا عدل، في جميع تطلعات الإنسان وقضاياه، حتى إن العدل لا يقف عند المسلم، بل يلتقي بالمسلم والكافر معاً، فلا يجوز للمسلم أن يظلم الكافر.وقد اقتضى وجود الفرد في محيط اجتماعي وجود صلات وعلاقات وارتباطات سواء صلات ودية أوعدائية، وبذلك فالمجتمع بحاجة إلى قانون ينظم هذه العلاقة بين الأفراد ويقضي على ما قد يكون من نزاعات وخصومات ويحكم بالعدل، وهذا ما سار عليه البشر في مسيرتهم التاريخية ولم يصلوا إلى قانون عادل غير سماوي حتى اليوم.وعندما جاء الإسلام أعطى المسلم تصوراً شاملاً عن الحياة وطبيعتها، والوجود ومكانة الإنسان منه، ونوعية النظام الذي يجب أن يحكم المجتمع البشري. وهي بمثابة العقد الفريد لمنظومة حياتية مجتمعية، وأيضاً الدستور الجاهز لصيرورة البناء الاجتماعي.
وتأسيساً على ما سبق أمكنتسجيل ورصد عدة نقاط من الممكن أن ينتقى منها موضوعات ومجالات علم الاجتماع الإسلامي. من أهمها:
1- أن تكون النظرية الإسلامية ذات جوهر نقدي للواقع البشري، بما يمكن من إصلاح إشكاليات الواقع والارتقاء به.
2- التركيز على واقع العرب بعد الإسلام، والانتقال الحضاري لهم من الحياة البدوية إلى الحضرية، والاستفادة من التجارب الإسلامية الناجحة، وإعادة إنتاجها بموضوعية من جديد. وكيفأصبحوا أمة لها رسالتها الحضارية.
3- العودة إلى التراث الإسلامي الصحيح، عند دراسة القضايا التربوية والاجتماعية للاستفادة من هذا التراث بالربط بين المنهج الرباني والمنهج العلمي.
4- التركيز على الجوانب التطبيقية للمذاهب الإسلامية؛ والعمل على دراسة المشاكل الاجتماعية، والانحرافات والبدع، وإيضاح ماهية الفجوة بين الأخلاق الإسلامية الرصينة وأخلاق المسلم المعاصر.
5- دور الدين الإسلامي كمنظومات قيم في تغيير وتحديث الواقع الاجتماعي. وإبراز الوجه الحقيقي للدين، وتأكيد محاربته للتطرف والتخلف.
6- إبراز دعائم قيام المجتمع الإسلامي المنطلقة من مبادئ التكافل الاجتماعي والمساواة في الحقوق والواجبات والأخوة العامة بين المسلمين، والسعي باتجاه هدف صريح، هو تحديد العوامل الكامنة وراء تخلف المجتمع الإسلامي.
7- دور النخبة الإسلامية في بناء المجتمع الإسلامي مقارنة بالمجتمع الأوروبي.والاستفادة العلمية من الثقافات العالمية من خلال مشروع حضاري لإعادة بناء المجتمع الإسلامي بشكل معاصر وفق إطار العقيدة الصحيحة.
8- الدراسة المنهجية للآداب الإسلامية مثل: آداب الأخلاق والعلم، والصدق، والوفاء بالعهد والوعد، والتواضع، وقضاء حوائج المسلمين، وصلة الرحم وحقوق الجار، والوطنية ومحاربة أي انحراف... إلخ
- المبحث الثامن:الأهمية العلمية والتربوية لعلم الاجتماع الإسلامي.
ويمكن أن تتضح الأهمية العلمية والتربويةلعلم الاجتماع الإسلامي، وذلك من خلال تنقية ما لحق بعلم الاجتماع من الأفكار التي لا تتفق مع الفكر الإسلامي السليم والتي تقدم للأسف لطلاب هذا العلم وذلك كما لاحظناه في دراستنا لقضية الثقافة عند الحديث عن العناصر التي تميز الثقافة ومنها أنها نتاج بشري خالص، وهذه النظرة للثقافة تتفق مع النظرة الغربية التي ترى بأن الأديان هي فكر اجتماعي وضعي وبالتالي يصح أن نقول بأن الثقافة نتاج بشري، ولكن إذا ما رأيناها من زاوية الفكر الإسلامي فهذا لا يتسق وإياه؛ لأن ثقافتنا بما تحويه من جوانب مادية وغير مادية تعود في جلها إلى مصدر إلهي وصلنا عن طريق الوحي والأنبياء وليس كنتاج بشري خالص، كما أن الثقافة كذلك ليست كما ورد في كتب علم الاجتماع، أنها مكتسبة، بل نعلم كمسلمين أننا قد فطرنا جميعا على التوحيد وبعد ذلك تتدخل العوامل البشرية في تغيير هذه الفطرة وبالتالي فإن الدين كأحد جوانب الثقافة هو شيء مكتسب وموروث جيني في نفس الوقت.
وقد دلت على ذلك الطرح البحوث العلمية الأخيرة حيث كشفت دراسة أمريكية عن وجود جينات في مقدمة الرأس تتحكم في النزعة الروحانية ودرجة التدين لدى الإنسان، والكتاب يحمل عنوان: الجين الإلهي (The god gene)، وقد أزاح فيه العالم " هامر" الستار عن أن الإيمان بالله والاتجاه إليه في مختلف الديانات والمجتمعات والشعوب، واختلاف درجة هذا الإيمان من شخص إلى آخر، كل ذلك يعود إلى جينات أطلق عليها تسمية:VMATS "" موجودة في مقدمة مخ الإنسان، هي التي تتفاعل كيميائياً لتقود الإنسان إلى ربه. (17)
ولعل الأهمية الكبرى لعلم الاجتماع الإسلامي، هي دعمه لقضية الرسالة التربوية، وإبراز ركيزتها الأولى " العلم والخلق". وكانت أول كلمة نزلت في القرآن الكريم: ﴿ اقرأ ﴾، وهي تدلنا على الطريق السليم، والصراط المستقيم، والمتمثل في مدى اهتمام الإسلام بالعلم، وأهمية البحث العلمي وقيمته بالنسبة للفرد والأُسرة والمجتمع. (18)
وقد جاء الإسلام داعياً إلى البحث العلمي والدراسة والتمحيص والتنقيب والمعرفة؛ فالحكمة ضالة المؤمن، وطلب العلم فريضة على المسلمين، وهو في ذلك لا يميز بين علم وآخَر، بل اعتبر العلوم النافعة هي تلك التي تحقق مصلحة دينية، أو توصل إلى منفعة دنيوية، وقد دعا الإسلام إلى تمجيد العقل، وتحصيل العلم، حتى إنه قرن شهادة العلماء بشهادة الملائكة: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ. (آل عمران: الآية: 18)
إن أهمية علم اجتماع إسلامي في مؤسساتنا التعليمية اليوم؛ أصبح ضرورة حتمية أكثر من أي وقت مضى، فجميع الليبيين اليوم يقرون بوجود أزمة في القيم والأخلاق وتدني الشعور الوطني. هنا يتمكن علم الاجتماع الإسلامي بمرتكزاته السابقة وكمقرر تربوي في كل مؤسساتنا التعليمية؛ القيام بدور هام، لإعادة الليبيين إلى وطنهم... والتأكيد لأطفالنا أن الإنسان قد يعيش بدون أسرة ودون عائلة وبدون قبيلة، لكن تصعب وربما تستحيل الحياة بلا وطن...لأن المواطنة (Citizenship) هي صفة المواطن العاشق لوطنه وخدمته في أوقات السلم والحرب. وقد أدى غياب المواطنة إلى إحلال الهويات الفرعية، وغياب روح الانتماء إلى المجتمع؛ الأمر الذي أفرز ظواهر سلبية يمكن ملاحظتها بسهولة، من هجرة للكفاءات، واستنزاف المال العام، وتخريب الممتلكات العامة، وعدم احترام القانون، والتطرف وغيرها من الظواهر الكثيرة التي تبدو للأسف وكأنها سلوك طبيعي ينتهجه الليبيين في حياتهم اليومية.
إن الملف الذي سيكلف به علم الاجتماع الإسلامي، نرى أنه من أهم الأولويات والواجبات التي يمكن إعادتها للمجتمع وتأصيلها في المنهجية التعليمية من خلال:
1- يتشكل مقرر علم الاجتماع الإسلامي، على قاعدة تأصيل المواطنة والأخلاق والقيم، والمشاركة الجماعية في مصير الوطن دون تمييز.
2- تدريب الناشئة والشباب على كيفية التصدي والمعالجة لقضايا مجتمعهم بشكل علمي، وغرس حب الوطن والنظام واحترام القانون في نفوسهم، لكون التقيد بهذه الفضائل من مظاهر التمدن والرقي والمساهمة في بناء وازدهار الوطن.
3- يعتبر المعلم المثل الأعلى للأبناء، وحجر الأساس في تعليم القيم والعادات الوطنية، والتمسك بعقيدتهم الإسلامية الصحيحة. وغرس روح المبادرة للأعمال الخيرية والتطوعية التي تسهم في تأصيل معنى المواطنة الصالحة.
والملاحظ أن التعليم في المجتمع الليبي يقوم على ما يعرفبالتعليم البنكي فالطالب يحفظ المعلومة حتى يتم استردادها منه وقت الامتحان وبذا فالطالب يعد وعاء لتلقي المعلومة دون أن يكون له دور في فهمها أو تمحيصها والأفراد الذين يمرون بتجربة التعلم البنكي يكونون أكثر سهولة للانقياد للأفكار وأكثر صرامة في تطبيقها دون التفكير والنقاش مثل هؤلاء الأفراد يمكن أن يكونوا صيداً سهلاً ليصبحوا مؤدلجين فكرياً وعملياً.
ولدعم السلوك الإيجابي يجب أن يقوم النظام التعليمي على أساس تعويد الطلاب على التعليم الحواري القائم على التفكير والإبداع الذي يسمح لعقل الطالب بتأمل الأمور ورؤية الحقيقة من أكثر من زاوية بما يمكنه من الابتعاد بعد توفيق الله سبحانه وتعالى عن أن يصبح فريسة سهلة للأفكار المتطرفة والداعية للعنف والتخريب.
والمعلمون لكونهم من العناصر المهمة في التطبيع الاجتماعي، يؤثرون في تلاميذهم عن طريق القدوة وعن طريق تشجيع الاستجابات المرغوبة وتدعيمها، وإضعاف الاستجابات السلبية والقضاء عليها. ولشخصية المعلم في قاعات الدراسة إسهام في تشكيل شخصيات التلاميذ إذ إن سمات المعلم تنعكس في أسلوب تعامله مع تلاميذه وطريقة تهذيبه لهم وهذا بدوره يؤثر في اتجاهات التلاميذ نحو التعلم. ولذا فإنه من الضروري انتقاء المعلمون الذين يقومون بالتدريس بكل دقة وحذر، بحيث يتصفون بالفطنة والذكاء والقدرة على إيصال المعلومة الصحيحة للطالب بالإضافة إلى المقدرة الشخصية التي تمكنهم من استيعاب المتغيرات الحضارية التي يعيشونها وعكسها في المناهج الدراسية بشكل مشوق ويجب أن يحفز المعلمتلامذته على المناقشة والإبداع والتفكير بصورة علمية من خلال استشعار الواقع والتأمل فيه وطرح الأفكار ومناقشتها بشكل مجرد من الأوامر والنواهي التي تأخذ قوالب جاهزة .
كما تعد المدرسة والمناهج الدراسية من أعمدة العملية التعليمية، وهي الوعاء الذي تقدم من خلاله المعلومة للطالب لكي يستوعبها ويستقي منها ما يمكن أن يساعده في مسيرته التعليمية ولكي تصبح المناهج الدراسية قادرة على مسايرة العصر، نرى ضرورة وضع خطة استراتيجية للمنهج الدراسي بالتنسيق مع استراتيجية التنمية الشاملة للدولة بحيث تستلهم استراتيجية المنهج أهدافها من استراتيجية التنمية الشاملة للدولة. كما يجب أن تهدف المواد الدراسية في مجملها إلى تعميق مفهوم الولاء الوطني لدى جميع أفراد المجتمع، حيث أصبحت كلمة الوطنية في السنوات الأخيرة قضية مصيرية تفرض نفسها بإلحاح على علماء الاجتماع والنفس والسياسة وجميع المهتمين بتربية النشء حتى أصبحت قضية الوطنية إحدى الضرورات الأساسية في الظرف الراهن الذي نعيشه.وهنا نرى ضرورة أن يصاغ " علم الاجتماع الإسلامي" بشكل مباشر في جميع المناهج الدراسية بحيث يصبح جزءاً من المناهج الدراسية لتعميق وتجذير الروح الوطنية.
وللوصول إلى هذه الغاية، لابد من جمع كل الجهود الأكاديمية الليبية، لأن العديد من الباحثين والمفكرين، أكدوا على أن ظواهر التطرف والإرهاب المنتشرة اليوم، تقتات على غياب كل من المنهج العلمي والعلوم الإنسانية. كما أكدوا على أن من يمتلك الروح العلمية النقدية الصحيحة لايمكن أن يتطرف.
وبالمقارنةالمجتمع الياباني (الذي لايوجد به دين سماوي)، تقوم المدارس الابتدائية فيه بتدريس مقرر بعنوان: الطريق إلى الأخلاق. يتعلم فيه التلاميذ الأخلاق والتعامل مع الناس. هذا في الوقت الذي ميزنا وأعزنا الله عز وجل حيث قال: كُنتم خيرَ أمّةٍ أخرجَت للناسِ تأمرونَ بالمعروفِ وتنهونَ عن المنكرِ وتؤمنونَ بالله. (آل عمران: الآية:115)
- الخلاصة والتوصيات:
إن رغبتنا لصياغة علم الاجتماع الإسلامي اليوم أصبحت ضرورة ملحة فرضتها الأحداث الراهنة،وهنا ارتأينا في علم الاجتماع الإسلامي هدفاً نبتغي من ورائه تحليل قضايا المجتمع والأمة، وإيصال وغرس قيمة حب الوطن وترابه وتجذيرها في نفوس الناشئة، وليس علماً يهتم بمصالح طبقة أو قبيلة. كما يهدف أيضاً إلى قياس ممارسة الناس والتزامهم بمبادئ الإسلام ومدى فهمهم للتصورات الإسلامية. وإيضاح كل ذلك بطرق علمية وموضوعية صحيحة.
إن البحوث والدراسات الاجتماعية الإسلامية يمكن أن يكتب لها النجاح إذا ما اعتمدت المنهج العلمي المستند إلى القرآن الكريم وسنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإسناد هذه البحوث إلى المختصين في الجامعات بالتنسيق مع الأوساط العلمية الأخرى وإشراف علماء المسلمين، لضمان تطوير المجتمع الإسلامي وتخليصه من تهم التطرف والإرهاب وعدوى التخلف والتبعية.
وفي هذا الصدد يمكن طرح التوصيات التالية:
1- وضع معالم جديدة لصياغة مشروع تعليمي نهوضي شامل، يدعو إلى قيم العدالة والمساواة والمواطنة وصولاً إلى القواعد الأساسية للحكم الرشيد وإعادة الاعتبار لمكارم الأخلاق كقاعدة رئيسة للرسالة الإسلامية السامية.
2- دعم الدراسات والبحوث الجامعية ومراكز البحث العلمي، لتأهيل جيل أكاديمي يسهم في استكمال بناء الفكر الاجتماعي من خلال فهم حقيقي للتراث الإسلامي.
3- الضرورة العامة إلى تأسيس علوم إسلامية تركن للنهج الوسطي الصحيح بعيداً عن المغالاة والتطرف، في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية، وخاصة العلوم الإنسانية والاجتماعية المعاصرة، كعلم الاجتماع، موضوع الدعوة، وعلم الاقتصاد، والقانون، وعلم السياسة، وعلم الإدارة، وعلم الإعلام، وغيرها.
- هوامش ومراجـــع الورقة:
1. جون سكوت، جوردون مارشال (2011)، موسوعة علم الاجتماع، ت: محمد الجوهريوآخرين، القاهرة: المركز المصري العربي للطباعة، المجلس الأعلى للثقافة، ص: 383.
2. فضيل دليو(1990)، علم الاجتماع من التغريب إلى التأصيل، الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، ص:71.
3. سعد الدين صالح(1993)، بين علم الاجتماع الإسلامي وعلم الاجتماع الغربي، جدة: مكتبة الصحابة، ص: 130.
4. إيمانويل والرستاين(2011)، علم الاجتماع الغربي مساءلة ومحاكمة، ت: محمود الذوادي، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ص: 35.
5. علي ليلة(2001)، النظرية الاجتماعية ونقد المجتمع، القاهرة: المكتبة المصريةللطباعة، ص: 52.
6. علي ليلة(2007)، مشروعية بناء علم الاجتماع من منظور إسلامي، القاهرة: مركزالدراسات المعرفية، ص،37.
7. Parsons, T (1952): The Social System, The Free Press, Glencoe, Illinois, Pp. 26-51.
8. ألفن جولدنر (2004) الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي، ت: على ليلة، المجلسالأعلىللثقافة، المشروع القومي للترجمة، ص:322.
9. مصطفى الشكعة(1992) الأسس الإسلامية في فكر ابن خلدون، الناشر: الدار المصرية اللبنانية، ص: 198.
10. زيدان عبدالباقي (1984). علم الاجتماع الإسلامي. القاهرة: مطبعة السعادة، ص: 21.
11. منصور زويد المطيري(1993)، الصياغة الإسلامية لعلم الاجتماع، القاهرة : دار أخبار اليوم - إدارة الكتب و المكتبات، ص: 104.
12. مصطفى عبد الرازق(2007)، تمهيد في تاريخ الفلسفة، مكتبة الثقافة، ص:145.
13. علي ليلة (2001)،مرجع سبق ذكره، ص: 105.
14. محسن عبد الحميد(1998) تجديد الفكر الإسلامي، بغداد: دار الصحوة، ص: 18.
15. منصور زويد المطيري(1993)، مرجع سبق ذكره، ص: 114.
16. آدم متز(1995)، الحضارة الإٍسلامية في القرن الرابع الهجري أو عصر النهضة فيالإسلام، ت: محمد عبدالهادي أبو ريدة، بيروت: دار الكتاب العربي للنشر، ص: 452.
17. http://www.alsahafa.info/index.php.
18. عالية شعبان(1997)، العلوم الإسلامية عبقرية التدخل وعبقرية الإبداع، القاهرة: دار الثقافة، ص: 5.
مواضيع مماثلة
» الإسلام وعلم الاجتماع " مدخل إلى علم الاجتماع الإسلامي "
» أهم رواد علم الاجتماع
» من مؤلف كتاب رجال حول الرسول
» من هو مؤسس علم الاجتماع
» الفرق بين الفلسفة وعلم الكلام
» أهم رواد علم الاجتماع
» من مؤلف كتاب رجال حول الرسول
» من هو مؤسس علم الاجتماع
» الفرق بين الفلسفة وعلم الكلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:58 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ المرحوم عبد الهادي
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:53 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ شوقي البديري والاخ حمود كريم الركابي
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:51 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الاستاذ المخرج عزيز خيون البديري وعمامه البدير
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:48 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ صباح العوفي مع الشيخ عبد الامير التعيبان
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:45 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ المرحوم محمد البريج
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:41 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» جواد البولاني
الإثنين سبتمبر 23, 2024 10:13 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» المرحوم السيد هاشم محمد طاهر العوادي
الإثنين سبتمبر 23, 2024 10:03 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» رموز البدير
الجمعة سبتمبر 20, 2024 8:41 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري