بحـث
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
حول
مرحبا بكم فى منتدى الموقع العام لقبيلة البدير في العراق للشيخ شوقي جبار البديري
قبيلة البدير من القبائل الزبيديه
بحث حول العصر الجاهلي
الموقع العام لقبيلة البدير في العراق للشيخ شوقي جبار البديري :: 126- منتدى حياة العرب الاجتماعية في العصر الجاهلي
صفحة 1 من اصل 1
بحث حول العصر الجاهلي
العصر الجاهلي ٢ الدين في العصر الجاهلي ٣ الأدب في العصر الجاهلي ٤ المراجع العصر الجاهلي العصر الجاهليّ هو الفترة الزمنيّة التي عاش فيها العرب داخل الجزيرة العربيّة، والتي تقدّر بمئتي سنةٍ قبل مجيء الإسلام، وقد قسّم المؤرّخون العصر الجاهليّ إلى قسمين؛ سُمّي الأول بالجاهلية الأولى؛ وهو زمنٌ لم يصل منه أيّة معلومات؛ فهو زمنٌ غابرٌ وبعيد، أمّا القسم الثاني فقد اتّفق المؤرّخون على تسميته بالجاهليّة الثانية؛ وهي الفترة التي عاشها العرب من حرب البسوس حتى بعثة النبي.[١] فيديو قد يعجبك: الدين في العصر الجاهلي انتشرت العديد من الديانات في العصر الجاهليّ قبل دخول الإسلام، وهي كما يأتي: عبادة الأصنام، والأوثان، والآلهة: مثل عبادة هُبل، ويعوق، ومناة، واللّات، والعزّة. الصابئة: وهي عبادة النجوم. الزرادشتيّة أو المجوسيّة: وهي التي كان يؤمن أصحابها بالخير والشرّ كقوّتين، بالإضافة إلى إيمانهم بالحساب بعد الموت. الديانة اليهوديّة: انتشرت في يثرب، وتيماء، واليمن، وخيبر. الديانة المسيحيّة: انتشرت في اليمن، ونجران، والمنطقة الشماليّة، وقبائل تغلُب، وقبائل قضاعة، وقبائل غسّان. الأدب في العصر الجاهلي يُعتبر العصر الجاهليّ من أفضل العصور الأدبيّة التي شهدها العرب على مرّ التاريخ، وتعددت مصادر الأجب الجاهلي إلى عدة تصنيفات، وهي دواوين الشعراء حيث انتشرت دواوين الكثير منهم، مثل امرؤ القيس، وزهير بن أبي سلمى، وعنترة بن شداد، ولبيد بن أبي ربيعة، وطرفة بن العبد وغيرهم. دواوين القبائل، وهي دواوين تميّزت بمفاخرة الشعراء بقبائلهم. المجموعات الشعرية، حيث اتّسم هذا العصر بالمُعلّقات الشعريّة فاشتهرت حينها المُعلّقات السبع، ثمّ المُعلّقات العشر، وقد ظهرت بعد ذلك الشروح لها، هذا بالإضافة إلى وجود مجموعاتٍ شعرية أخرى احتوت على أشعار ومقطوعات مختارةٍ، مثل مختارات ابن الشجريّ، ودواوين الحماسة. كتب النحو واللغة، ككتاب سيبويه، وإصلاح المنطق لابن السكيت، وما احتوته على شواهد شعرية، ونصوص نثرية منتقاة من العصر الجاهليّ. كتب التاريخ والأدب، مثل كتب السير والمغازي، وكتب الأمثال، وأيام العرب، حيث احتوت هذه الكتب على الكثير من الأحداث التي حصلت في العصر الجاهليّ.[٢] المراجع هل كان المقال مفيداً؟ نعم لا
علوم العرب في الجاهلية
علوم العرب في الجاهلية
كان العرب يتلون العزائم لأصنامهم، ويرقُون مرضاهم؛ لإخراج الشياطين من أجسادهم، وكان اعتقادهم أن تقليد نهيق الحمير يمنع انتشار الوباء، وأن شرب دماء الملوك يشفي من الخبل! كما كانوا يعالجون بالعقاقير النباتية والأشربة، وخصوصًا العسل، الذي كان أساس العلاج في أمراض البطن، وتجيء الحجامة والكي على رأس قائمة الدواء عندهم، ومن هنا جاء المثل المشهور: "آخر الدواء الكي"، وكثيرًا ما كانوا يعالجون بالبتر، مع وقف نزيف الدم بالنار باستخدام شفرة محناة لقطع العضو المراد بَتْره، ومِن طرقهم في العلاج أيضًا: أنهم كانوا يأمرون الأحول بإدامة النظر إلى رحى دائرة، كذلك كانوا يعتقدون أن المجروح إذا شرب ماءً مات، وأن شرب الماء الحار يذهب الرَّوْع عن المرأة، وأن شرب دم السادة يشفي من داء الكلب، وأن عظام الميت تبرئ من الجنون، ويُفهم مما تَعِجُّ به العربية من ألفاظ العلل والعقاقير أن العرب عرَفوا كثيرًا من الأمراض وعلاجاتها، ويرى جرجي زيدان في كتابه: "تاريخ آداب اللغة العربية" أن معرفة العرب الجاهليين لأسماء أعضاء الجسم على النحو الملحوظ في لغتهم يدل على أنهم كانوا مهرة في تشريح الجسد، وهو ما انتفع به الأطباء العرب في عصور النهضة العربية بعد الإسلام، ومن أطبائهم في الجاهلية: الحارث بن كلدة، والنضر بن الحارث، اللذان أفادا معارفهما وممارساتهما الطبية من رحلاتهما إلى بلاد فارس واحتكاكهما بأطبائها، أما في ميدان البيطرة فقد كانت لهم معرفة جيدة بشؤون الخيل وأمراضها وطرق علاجها، ونبغ منهم عدد من البياطرة؛ كالعاص بن وائل، وقد وضع العلماء في العصر العباسي عددًا من الكتب عن الخيل، اعتمدوا في تأليفها على ما جمعوه من المعارف العربية في هذا السبيل.
ومِن المعارف الطبيعية عندهم:
مقدرتهم على تخمين وجود الماء في مكان ما من تشمُّم تربته أو نباتاته، وتفوقهم المذهل في اقتفاء الآثار والاستدلال منها على كثير من السمات الشخصية لمن يقتفون أثره، حتى ليستطيعون التفرقة بين قدم المرأة وقدم الرجل، وبين قدم البِكْر وقدم الثيِّب، وبين قدم العاقل وقدم الأحمق، وبين قدم الأعمى وقدم المبصر مثلًا، وبالمثل كانت لهم بصيرة راسخة في ميدان الفراسة، وهي الاستدلال بهيئة الشخص على طباعه وأخلاقه، فضلًا عن براعتهم في توقع نزول الغيث من ألوان الغيوم وأشكالها، وتفوقهم في ميدان النجوم والاهتداء بها في باديتهم المتناوحة الأطراف، وكانوا ينسبون المطر والريح والبرد والحر إلى تلك النجوم، كما عرَفوا مواقع الكواكب والنجوم وأبراجها، ومنازل الشمس والقمر، وكانت لهم أساطير وخرافات تتصل بالأجرام السماوية، فكانوا يتحدثون عنها كما لو كانت بشرًا تتحارب فيما بينها وتتزاوج، بل ألَّهُوها في بعض الأحيان، ومن تشخيصهم لها قولهم: إن الدبران أراد أن يخب الثريا وتوسط القمر له عندها، إلا أنها رفضته قائلة: ماذا أفعل بهذا السبروت الذي لا مال له؟ فجمع الدبران قلاصه كي يقدمها مهرًا لها، وظل يتبعها بها حتى ترضاه زوجًا، ولا يزال يفعل ذلك حتى اليوم، وهذه المعارف والعلوم هي وليدة الخبرة والتجربة والأوهام جميعًا، إلى جانب ما أخذوه عن الأمم المجاورة؛ كالفُرْس والروم والكلدان.
مقالات ذات صلة
الأسرة في الجاهلية والإسلام
تاريخ العرب في الجاهلية: بين التشويه والتنزيه؟
من شعر الحرب في الجاهلية
من خصائص الخطابة في الجاهلية والإسلام
جوانب من حياة العرب في الجاهلية
من صور وأنواع الربا في الجاهلية
أسواق العرب في الجاهلية
حمية الجاهلية
مختارات من الشبكة
كتب علوم القرآن والتفسير (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
أنواع الجاهلية _ تبرج الجاهلية(محاضرة - مكتبة الألوكة)
مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة)
حث الطلاب على الجمع بين علم التفسير والحديث والفقه(مقالة - مجتمع وإصلاح)
درجة الاجتهاد في علوم اللغة(مقالة - حضارة الكلم
كان العرب يتلون العزائم لأصنامهم، ويرقُون مرضاهم؛ لإخراج الشياطين من أجسادهم، وكان اعتقادهم أن تقليد نهيق الحمير يمنع انتشار الوباء، وأن شرب دماء الملوك يشفي من الخبل! كما كانوا يعالجون بالعقاقير النباتية والأشربة، وخصوصًا العسل، الذي كان أساس العلاج في أمراض البطن، وتجيء الحجامة والكي على رأس قائمة الدواء عندهم، ومن هنا جاء المثل المشهور: "آخر الدواء الكي"، وكثيرًا ما كانوا يعالجون بالبتر، مع وقف نزيف الدم بالنار باستخدام شفرة محناة لقطع العضو المراد بَتْره، ومِن طرقهم في العلاج أيضًا: أنهم كانوا يأمرون الأحول بإدامة النظر إلى رحى دائرة، كذلك كانوا يعتقدون أن المجروح إذا شرب ماءً مات، وأن شرب الماء الحار يذهب الرَّوْع عن المرأة، وأن شرب دم السادة يشفي من داء الكلب، وأن عظام الميت تبرئ من الجنون، ويُفهم مما تَعِجُّ به العربية من ألفاظ العلل والعقاقير أن العرب عرَفوا كثيرًا من الأمراض وعلاجاتها، ويرى جرجي زيدان في كتابه: "تاريخ آداب اللغة العربية" أن معرفة العرب الجاهليين لأسماء أعضاء الجسم على النحو الملحوظ في لغتهم يدل على أنهم كانوا مهرة في تشريح الجسد، وهو ما انتفع به الأطباء العرب في عصور النهضة العربية بعد الإسلام، ومن أطبائهم في الجاهلية: الحارث بن كلدة، والنضر بن الحارث، اللذان أفادا معارفهما وممارساتهما الطبية من رحلاتهما إلى بلاد فارس واحتكاكهما بأطبائها، أما في ميدان البيطرة فقد كانت لهم معرفة جيدة بشؤون الخيل وأمراضها وطرق علاجها، ونبغ منهم عدد من البياطرة؛ كالعاص بن وائل، وقد وضع العلماء في العصر العباسي عددًا من الكتب عن الخيل، اعتمدوا في تأليفها على ما جمعوه من المعارف العربية في هذا السبيل.
ومِن المعارف الطبيعية عندهم:
مقدرتهم على تخمين وجود الماء في مكان ما من تشمُّم تربته أو نباتاته، وتفوقهم المذهل في اقتفاء الآثار والاستدلال منها على كثير من السمات الشخصية لمن يقتفون أثره، حتى ليستطيعون التفرقة بين قدم المرأة وقدم الرجل، وبين قدم البِكْر وقدم الثيِّب، وبين قدم العاقل وقدم الأحمق، وبين قدم الأعمى وقدم المبصر مثلًا، وبالمثل كانت لهم بصيرة راسخة في ميدان الفراسة، وهي الاستدلال بهيئة الشخص على طباعه وأخلاقه، فضلًا عن براعتهم في توقع نزول الغيث من ألوان الغيوم وأشكالها، وتفوقهم في ميدان النجوم والاهتداء بها في باديتهم المتناوحة الأطراف، وكانوا ينسبون المطر والريح والبرد والحر إلى تلك النجوم، كما عرَفوا مواقع الكواكب والنجوم وأبراجها، ومنازل الشمس والقمر، وكانت لهم أساطير وخرافات تتصل بالأجرام السماوية، فكانوا يتحدثون عنها كما لو كانت بشرًا تتحارب فيما بينها وتتزاوج، بل ألَّهُوها في بعض الأحيان، ومن تشخيصهم لها قولهم: إن الدبران أراد أن يخب الثريا وتوسط القمر له عندها، إلا أنها رفضته قائلة: ماذا أفعل بهذا السبروت الذي لا مال له؟ فجمع الدبران قلاصه كي يقدمها مهرًا لها، وظل يتبعها بها حتى ترضاه زوجًا، ولا يزال يفعل ذلك حتى اليوم، وهذه المعارف والعلوم هي وليدة الخبرة والتجربة والأوهام جميعًا، إلى جانب ما أخذوه عن الأمم المجاورة؛ كالفُرْس والروم والكلدان.
مقالات ذات صلة
الأسرة في الجاهلية والإسلام
تاريخ العرب في الجاهلية: بين التشويه والتنزيه؟
من شعر الحرب في الجاهلية
من خصائص الخطابة في الجاهلية والإسلام
جوانب من حياة العرب في الجاهلية
من صور وأنواع الربا في الجاهلية
أسواق العرب في الجاهلية
حمية الجاهلية
مختارات من الشبكة
كتب علوم القرآن والتفسير (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
أنواع الجاهلية _ تبرج الجاهلية(محاضرة - مكتبة الألوكة)
مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية(كتاب ناطق - المكتبة الناطقة)
حث الطلاب على الجمع بين علم التفسير والحديث والفقه(مقالة - مجتمع وإصلاح)
درجة الاجتهاد في علوم اللغة(مقالة - حضارة الكلم
رد: بحث حول العصر الجاهلي
أسواق العرب في الجاهلية
أسواقهم هي تجمعات تجارية واجتماعية وثقافية كانت تُعقد في أماكن مختلفة من شبه الجزيرة بطريقة دورية، ويأتيها العرب من كل الأرجاء فيتاجرون ويسمعون المواعظ والخطب ويتنافرون ويتفاخرون ويسعون في فك أسراهم عند القبائل الأخرى، كما كانوا يتناشدون الشعر ويتحاكم مبدعوه إلى كبارهم؛ كالنابغة الذبياني، الذي كانت تضرب له قبة حمراء من أدم فيحكم بين الشعراء، وتكون كلمته هي الفاصلة، وكانت القصائد التي تحوز إعجاب هؤلاء المحكمين تطير في أرجاء الجزيرة ويتناشدها العرب في كل مكان، كما كان للعرب حكام يرجعون إليهم في أمورهم الأخرى ويتحاكمون أمامهم في منافراتهم ومواريثهم ومياههم ودمائهم؛ لأنه لم يكن لهم دين يرجعون إلى شرائعه، فكانوا يحكمون أهل الشرف والصدق والأمانة والرئاسة والسن والمجد والتجربة، ومنهم أكثم بن صيفي وحاجب بن زرارة والأقرع بن حابس وعامر بن الظَّرب وعبدالمطلب وأبو طالب وصفوان بن أمية وغيرهم، وكان في نساء العرب أيام الجاهلية أيضًا حاكماتٌ اشتهرن بإصابة الحكم وفصل الخصومات وحسن الرأي، منهن صُحر بنت لقمان، وابنة الخس، وجمعة بنت حابس الإيادي، وخصيلة بنت عامر بن الظَّرب العدواني، وحذام بنت الريان، وكان امتناع الناس في الأشهر الحُرُم عن إيذاء بعضهم بعضًا يساعد إلى حد ما في الإقبال على هذه الأسواق، والمقصود هنا الأسواق الكبرى، أما الأسواق المحلية الصغرى التي كانت تُعقد أسبوعيًّا فكثيرة جدًّا، وليست من اهتمامنا في هذا السياق، وقد عرفت الجزيرة العربية عددًا غير قليل من تلك الأسواق الموسمية؛ إذ بلغت أكثر من عشرين سوقًا، من أهمها: سوق دومة الجندل، وكانت تقع عند التقاء عدد من الطرق المهمة بين العراق والشام وجزيرة العرب، وموسمها شهر ربيع الأول إلى نصفه، وموقعها مدينة الجوف الحالية، وكان يعشر من يحضرونها (أي: يأخذ منهم قيمة العُشر من ربح تجارتهم) رؤساء آل بدر في دومة الجندل، وربما غلب على السوق بنو كلب فيعشرهم بعض رؤساء كلب، وكان العُشر يؤخذ عينًا أو نقدًا بحسب الثمن، ولما كان النقد قليلًا إذ ذاك كان الدفع عينًا هو الغالب في أداء هذه الضريبة، ثم سوق المشقر، والمشقر حصن بالبحرين قرب مدينة هجر، وتعقد سوقه في جمادى الآخرة، ثم سوق هجر من أرض البحرين، وهي سوق التمر الذي يُضرب به المثل فيقال: "كجالب التمر إلى هجر"، وهو يساوي المثل المصري: "يبيع الماء في حارة السقائين"، وكانت تعقد في ربيع الآخر، وكان يعشر مرتاديها المنذر بن ساوى أحد بني عبدالله بن دارم، ثم سوق عُمان، وكانت تقصدها العرب بعد الفراغ من هجر، ويقيمون بها حتى آخر جُمادى الأولى، وتجتمع فيها تجارة الهند وفارس والحبشة والعرب، ثم سوق حُباشة، وهي سوق تهامة القديمة، وكانت تُقام في رجب، وقد ورد أن الرسول دخل إليها بتجارة السيدة خديجة رضي الله عنها ذات مرة هو وغلامها ميسرة أيام أن كان يشتغل عندها قبل البعثة فربحَا ربحًا حسنًا، ثم سوق صُحار، وهي مدينة عمانية تقع على البحر، وكانت سوقها تعقد في رجب، ثم سوق الشِّحْر على الساحل الجنوبي بين عدن وعمان، وكانت سوقًا لتجارة البحر والبر، وتعقد في منتصف شعبان، ثم سوق عدن، وينتقل إليها العرب بعد انتهائهم من سوق الشحر، وتقام في الأيام العشر الأوائل من رمضان، ثم سوق صنعاء، وتستمر من منتصف رمضان إلى آخره، ثم سوق حضرموت، وكان انعقادها في منتصف ذي القعدة، وربما أقيمت هي وعُكاظ في يوم واحد، فيتوجه بعضهم إلى هذه، وبعضهم إلى تلك.
أما أشهر هذه الأسواق على الإطلاق فأربعة، هي:
سوق عكاظ، وكان مكانها بين مكة والطائف، وإن كانت إلى الطائف أقرب، وكانت تستمر عشرين يومًا، من أول ذي القعدة إلى العشرين منه، وهي أشهر أسواق العرب وأعظمها شأنًا، ولم تكن عكاظ سوقًا تجارية فحسب، بل كانت أيضًا سوقًا أدبية يجتمع فيها الشعراء من كل صُقع، ولهم محكمون كالنابغة الذبياني تُضرب لهم القباب، وقولهم في الشعر والأدب لا يُرد، كما كانت كذلك مكانًا لأصحاب الدعوات الإصلاحية، مثل: قُس بن ساعدة الإيادي، الذي كان يخطب في الناس ويذكرهم بعظمة الخالق، وورد أن الرسول رأى قُسًّا في تلك السوق على جمل أحمر، ومن خطبائها المشهورين أيضًا سحبان وائل، الذي ضرب به المثل، فقيل: "أخطب من سحبان"، ويقال: إنه إذا خطب سيل عرقًا، ولا يعيد كلمة، ولا يتوقف ولا يقعد حتى ينتهي من كلامه، وكان الخطباء يخطبون وعليهم العمائم، وبأيديهم المخاصر، ويعتمدون على الأرض بالقسي ويشيرون بالعصا والقنا راكبين أو واقفين على مرتفع من الأرض، وكانت شؤون هذه السوق لقيس بن عيلان وثقيف، وهي سوق عامة ليس فيها عشار، وكانت تحضرها قريش وخزاعة وهوازن وغطفان والأحابيش وطوائف من أحياء العرب يؤمونها من العراق والبحرين واليمامة وعمان واليمن وغيرها، ثم هناك سوق مجنة، وتعقد بأسفل مكة بمر الظهران، وكان الناس يقبلون إليها بعد عكاظ ويقيمون بها الليالي العشر أو العشرين المتبقية من ذي القعدة حتى يروا هلال ذي الحجة فينتقلوا إلى ذي المجاز للحج، وهي، وإن كانت أقل شأنًا من عكاظ وذي المجاز، تساويهما في نظر المحرمين من العرب، وتتمتع باحترامهم جميعًا، حتى كانت قريش وغيرها من العرب تقول: "لا تحضروا سوق عكاظ ومجنة وذي المجاز إلا محرمين بالحج"، ثم سوق ذي المجاز، وهي على مسافة ثلاثة أميال من عرفات بناحية جبل كبكب، أو كانت تعقد بمنى بين مكة وعرفات، على خلاف في ذلك، وكانت تنعقد في ديار هُذيل حين يهل ذو الحجة فينصرف الناس من سوق مجنة إليها، ويقيمون بها حتى اليوم الثامن ذلك الشهر، وهو يوم التروية، وهذه السوق تتلو عكاظ في الأهمية، وكانت تؤمها وفود الحجاج من سائر العرب ممن شهد الأسواق الأخرى أو لم يشهدها، ويجري فيها ما يجري في غيرها من البيع والشراء وتناشد الأشعار والمفاخرة والمفاداة، ورُوي أن الرسول عليه السلام كان يؤمها لبث دعوته إلى الإسلام، وكان للأسواق دور كبير في التقريب بين قبائل العرب لغة وأدبًا، فضلًا عما كانت تحدثه من انتعاش اقتصادي بينهم.
أسواقهم هي تجمعات تجارية واجتماعية وثقافية كانت تُعقد في أماكن مختلفة من شبه الجزيرة بطريقة دورية، ويأتيها العرب من كل الأرجاء فيتاجرون ويسمعون المواعظ والخطب ويتنافرون ويتفاخرون ويسعون في فك أسراهم عند القبائل الأخرى، كما كانوا يتناشدون الشعر ويتحاكم مبدعوه إلى كبارهم؛ كالنابغة الذبياني، الذي كانت تضرب له قبة حمراء من أدم فيحكم بين الشعراء، وتكون كلمته هي الفاصلة، وكانت القصائد التي تحوز إعجاب هؤلاء المحكمين تطير في أرجاء الجزيرة ويتناشدها العرب في كل مكان، كما كان للعرب حكام يرجعون إليهم في أمورهم الأخرى ويتحاكمون أمامهم في منافراتهم ومواريثهم ومياههم ودمائهم؛ لأنه لم يكن لهم دين يرجعون إلى شرائعه، فكانوا يحكمون أهل الشرف والصدق والأمانة والرئاسة والسن والمجد والتجربة، ومنهم أكثم بن صيفي وحاجب بن زرارة والأقرع بن حابس وعامر بن الظَّرب وعبدالمطلب وأبو طالب وصفوان بن أمية وغيرهم، وكان في نساء العرب أيام الجاهلية أيضًا حاكماتٌ اشتهرن بإصابة الحكم وفصل الخصومات وحسن الرأي، منهن صُحر بنت لقمان، وابنة الخس، وجمعة بنت حابس الإيادي، وخصيلة بنت عامر بن الظَّرب العدواني، وحذام بنت الريان، وكان امتناع الناس في الأشهر الحُرُم عن إيذاء بعضهم بعضًا يساعد إلى حد ما في الإقبال على هذه الأسواق، والمقصود هنا الأسواق الكبرى، أما الأسواق المحلية الصغرى التي كانت تُعقد أسبوعيًّا فكثيرة جدًّا، وليست من اهتمامنا في هذا السياق، وقد عرفت الجزيرة العربية عددًا غير قليل من تلك الأسواق الموسمية؛ إذ بلغت أكثر من عشرين سوقًا، من أهمها: سوق دومة الجندل، وكانت تقع عند التقاء عدد من الطرق المهمة بين العراق والشام وجزيرة العرب، وموسمها شهر ربيع الأول إلى نصفه، وموقعها مدينة الجوف الحالية، وكان يعشر من يحضرونها (أي: يأخذ منهم قيمة العُشر من ربح تجارتهم) رؤساء آل بدر في دومة الجندل، وربما غلب على السوق بنو كلب فيعشرهم بعض رؤساء كلب، وكان العُشر يؤخذ عينًا أو نقدًا بحسب الثمن، ولما كان النقد قليلًا إذ ذاك كان الدفع عينًا هو الغالب في أداء هذه الضريبة، ثم سوق المشقر، والمشقر حصن بالبحرين قرب مدينة هجر، وتعقد سوقه في جمادى الآخرة، ثم سوق هجر من أرض البحرين، وهي سوق التمر الذي يُضرب به المثل فيقال: "كجالب التمر إلى هجر"، وهو يساوي المثل المصري: "يبيع الماء في حارة السقائين"، وكانت تعقد في ربيع الآخر، وكان يعشر مرتاديها المنذر بن ساوى أحد بني عبدالله بن دارم، ثم سوق عُمان، وكانت تقصدها العرب بعد الفراغ من هجر، ويقيمون بها حتى آخر جُمادى الأولى، وتجتمع فيها تجارة الهند وفارس والحبشة والعرب، ثم سوق حُباشة، وهي سوق تهامة القديمة، وكانت تُقام في رجب، وقد ورد أن الرسول دخل إليها بتجارة السيدة خديجة رضي الله عنها ذات مرة هو وغلامها ميسرة أيام أن كان يشتغل عندها قبل البعثة فربحَا ربحًا حسنًا، ثم سوق صُحار، وهي مدينة عمانية تقع على البحر، وكانت سوقها تعقد في رجب، ثم سوق الشِّحْر على الساحل الجنوبي بين عدن وعمان، وكانت سوقًا لتجارة البحر والبر، وتعقد في منتصف شعبان، ثم سوق عدن، وينتقل إليها العرب بعد انتهائهم من سوق الشحر، وتقام في الأيام العشر الأوائل من رمضان، ثم سوق صنعاء، وتستمر من منتصف رمضان إلى آخره، ثم سوق حضرموت، وكان انعقادها في منتصف ذي القعدة، وربما أقيمت هي وعُكاظ في يوم واحد، فيتوجه بعضهم إلى هذه، وبعضهم إلى تلك.
أما أشهر هذه الأسواق على الإطلاق فأربعة، هي:
سوق عكاظ، وكان مكانها بين مكة والطائف، وإن كانت إلى الطائف أقرب، وكانت تستمر عشرين يومًا، من أول ذي القعدة إلى العشرين منه، وهي أشهر أسواق العرب وأعظمها شأنًا، ولم تكن عكاظ سوقًا تجارية فحسب، بل كانت أيضًا سوقًا أدبية يجتمع فيها الشعراء من كل صُقع، ولهم محكمون كالنابغة الذبياني تُضرب لهم القباب، وقولهم في الشعر والأدب لا يُرد، كما كانت كذلك مكانًا لأصحاب الدعوات الإصلاحية، مثل: قُس بن ساعدة الإيادي، الذي كان يخطب في الناس ويذكرهم بعظمة الخالق، وورد أن الرسول رأى قُسًّا في تلك السوق على جمل أحمر، ومن خطبائها المشهورين أيضًا سحبان وائل، الذي ضرب به المثل، فقيل: "أخطب من سحبان"، ويقال: إنه إذا خطب سيل عرقًا، ولا يعيد كلمة، ولا يتوقف ولا يقعد حتى ينتهي من كلامه، وكان الخطباء يخطبون وعليهم العمائم، وبأيديهم المخاصر، ويعتمدون على الأرض بالقسي ويشيرون بالعصا والقنا راكبين أو واقفين على مرتفع من الأرض، وكانت شؤون هذه السوق لقيس بن عيلان وثقيف، وهي سوق عامة ليس فيها عشار، وكانت تحضرها قريش وخزاعة وهوازن وغطفان والأحابيش وطوائف من أحياء العرب يؤمونها من العراق والبحرين واليمامة وعمان واليمن وغيرها، ثم هناك سوق مجنة، وتعقد بأسفل مكة بمر الظهران، وكان الناس يقبلون إليها بعد عكاظ ويقيمون بها الليالي العشر أو العشرين المتبقية من ذي القعدة حتى يروا هلال ذي الحجة فينتقلوا إلى ذي المجاز للحج، وهي، وإن كانت أقل شأنًا من عكاظ وذي المجاز، تساويهما في نظر المحرمين من العرب، وتتمتع باحترامهم جميعًا، حتى كانت قريش وغيرها من العرب تقول: "لا تحضروا سوق عكاظ ومجنة وذي المجاز إلا محرمين بالحج"، ثم سوق ذي المجاز، وهي على مسافة ثلاثة أميال من عرفات بناحية جبل كبكب، أو كانت تعقد بمنى بين مكة وعرفات، على خلاف في ذلك، وكانت تنعقد في ديار هُذيل حين يهل ذو الحجة فينصرف الناس من سوق مجنة إليها، ويقيمون بها حتى اليوم الثامن ذلك الشهر، وهو يوم التروية، وهذه السوق تتلو عكاظ في الأهمية، وكانت تؤمها وفود الحجاج من سائر العرب ممن شهد الأسواق الأخرى أو لم يشهدها، ويجري فيها ما يجري في غيرها من البيع والشراء وتناشد الأشعار والمفاخرة والمفاداة، ورُوي أن الرسول عليه السلام كان يؤمها لبث دعوته إلى الإسلام، وكان للأسواق دور كبير في التقريب بين قبائل العرب لغة وأدبًا، فضلًا عما كانت تحدثه من انتعاش اقتصادي بينهم.
رد: بحث حول العصر الجاهلي
ولعل مِن المستحسن أن نتريث قليلًا عند عكاظ، أهم أسواق العرب كلها، لتقديم صورة لها مفصلة بعض الشيء: لقد كانت تقع في الجنوب الشرقي من مكة، وعلى بعد عشرة أميال من الطائف ونحو ثلاثين ميلًا من مكة في وادٍ فسيح فيه نخيل وأعشاب وماء، وتكمن أهميتها في وقوع الحج بعدها مباشرة وفي قربها كذلك من مكة، فمن أراد الحج من العرب سَهُل عليه أن يجمع بين الغرض التجاري والاجتماعي بغشيانه سوق عكاظ وبين الغرض الديني بالحج، كما كانت تنعقد في شهر من الأشهر الحرم لا تقرع الأسنة فيه حتى ليلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه فلا يزعجه؛ تعظيمًا له، وفي انعقاد السوق في الشهر الحرام مزية واضحة، وهي أن يأمن التجار فيه على أرواحهم وأموالهم، وكان يأتي إلى عكاظ قبائل قريش وهوازن وغطفان والأحابيش وطوائف من أفناء العرب، فتنزل كل قبيلة في مكان خاص بها، وفي التاريخ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب مع العباس بن عبدالمطلب إلى عكاظ ليرى منازل القبائل فيها، ويروى كذلك أنه عليه السلام جاء كندة حيث ينزلون بعكاظ، كما كان يشترك فيها أهل اليمن والحِيرة، ويقول الأزرقي: كانت في عكاظ أشياء ليست في أسواق العرب؛ إذ كان الملك من ملوك اليمن يبعث بالسيف الجيد والحلة الحسنة والمركوب الفاره، فيقف بها وينادي عليه ليأخذه أعز العرب، يراد بذلك معرفة الشريف والسيد، فيأمره بالوفادة عليه ويحسن صلته وجائزته، ويروي ابن الأثير أن النعمان بن المنذر لما ملَّكَهُ كسرى إبرويز على الحِيرة كان يجهز كل عام لطيمة، وهي القافلة من التجارة، لتباع بعكاظ، فترى من هذا أن بلاد العرب جميعًا كانت تشترك في هذه السوق.
فإذا كان الحجُّ، خرج الناس إلى عكاظ فيصبحون به يوم هلال ذي القعدة فيقيمون به عشرين ليلة تنعقد فيها أسواقهم، ويقوم على كل قبيلة أشرافها وقادتها، ويدخل بعضهم في بعض للبيع والشراء، فإذا مضت أيام السوق انصرفوا إلى مجنة فأقاموا بها عشرًا يتاجرون، فإذا رأوا هلال ذي الحجة انصرفوا إلى ذي المجاز، ثم إلى عرفة، وكانت قريش وغيرها من العرب تقول: لا تحضروا سوق عكاظ والمجنة وذا المجاز إلا محرمين بالحج، وكانوا يستعظمون أن يرتكبوا شيئًا من المحارم أو يعتدي بعضهم على بعض في الأشهر الحرم، وكانت لسوق عكاظ عدة وظائف؛ فهي متجر تُعرض فيه السلع على اختلاف أنواعها من السيوف والأدم والحرير والوكاء والحذاء والبرود من العصب والوشي والسمن، إلى جانب الرقيق وغيره، ولم تكن السلع التي تُعرض في تلك السوق مقصورةً على منتجات جزيرة العرب وحدها، بل تباع فيها كذلك حاصلات الحِيرة وفارس ومصر والشام والعراق، ويروون أنه قبل البعث بخمس سنين حضر السوق من نزار واليمن ما لم يروا أنه حضر مثله في سائر السنين، فباع الناس ما كان معهم من إبل وبقر ونقد، وابتاعوا أمتعة مصر والشام والعراق.
وكانت للسوق، إلى جانب ذلك، وظائف اجتماعية مختلفة: فمن كانت له خصومة عظيمة انتظر موسم عكاظ، وكانوا إذا غدر الرجل أو جنى جناية عظيمة انطلق أحدهم حتى يرفع له راية غدر هناك، فيقوم رجل فيخطب قائلًا: ألا إن فلان بن فلان غدر فاعرِفوا وجهه، ولا تصاهروه ولا تجالسوه، ولا تسمعوا منه قولًا، فإن أعتب، وإلا أقام شاخصًا يشبهه على رمح منصوب، فلعنه الناس ورجموه، ومن كان له دَين على آخر أنظره إلى عكاظ، ومن كان له حاجة استصرخ القبائل بعكاظ، ومن ذلك ما ذكره الأصفهاني من أن رجلًا من هوازن أسر فاستغاث أخوه بقومه فلم يغيثوه، فركب إلى موسم عكاظ وأتى منازل قبيلة مذحج يستصرخهم، وكثيرًا ما تتخذ السوق وسيلة للخطبة والزواج، فيروي صاحب "الأغاني" أنه اجتمع يزيد بن عبدالمدان وعامر بن الطفيل بموسم عكاظ، وقدم أمية بن الأسكر الكناني وتبعته ابنة له من أجمل أهل زمانها، فخطبها يزيد وعامر، فتردد أبوها، ففخر كل منهما بقومه وعدد فعالهم شعرًا، ومَن كان صعلوكًا فاجرًا خلعته قبيلته في سوق عكاظ وتبرأت منه ومن تصرفاته، مثلما فعلت خزاعة حين خلعت قيس بن منقذ بسوق عكاظ وأشهدت الناس على ذلك معلنة أنها لا تطالب بأية جريرة يرتكبها ضد أي إنسان، ومن كان داعيًا إلى إصلاح اجتماعي أو ديني وجد فرصته في عكاظ؛ حيث تجتمع القبائل من أنحاء الجزيرة كلها، وكثيرًا ما وقف قُس بن ساعدة بسوق عكاظ يعظ ويخطب على جمل له، فيرغِّب ويرهِّب، ويحذِّر وينذِر، وعندما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم اتجه إلى دعوة الناس بعكاظ؛ لأنها مجمع القبائل؛ إذ كانت قبائل العرب على اختلافها من قحطانيين وعدنانيين تنزل بها، ويبعث ملك الحيرة تجارته إليها، ويأتي التجار من مصر والشام والعراق، وكان ذلك الاجتماع أيضًا وسيلة من وسائل تفاهم القبائل وتقارب اللهجات وأخذ العرب بعضهم من بعض ما يرون أنه أليق بهم وأنسب لهم، كما كان التجار من البلدان المتمدنة كالشام ومصر والعراق يطلعون العرب على أشياء من أحوال تلك الأمم الاجتماعية، وفوق هذا كانت عكاظ معرضًا للبلاغة ومدرسة يُلقى فيها الشعر والخطب؛ إذ كانت بها منابر يقوم عليها الخطيب فيعدد مآثره وأيام قومه من عام إلى عام، وكانت كل قبيلة تنزل في مكان خاص بها، ثم تتلاقى أفراد القبائل عند البيع والشراء أو في الحلقات المختلفة أو عند شجرة أو حول خطيب يخطب على منبر أو في قباب من أدم تقام هنا وهناك، وكان أشراف القبائل يتوافدون بالأسواق مع التجار؛ لأن الملوك كانوا يخصون كل شريف بسهم من الأرباح، فكان شريف كل بلد يحضر سوق بلده، إلا عكاظ؛ فإنهم يتوافون بها من كل أوب.
شعر الهجاء في العصر الجاهلي
شعر الهجاء في العصر الجاهلي ٢ أنواع الهجاء في العصر الجاهلي ٣ المراجع شعر الهجاء في العصر الجاهلي طقوسه في الجاهلية كان للهجاء في الجاهلية طقوس معينة كما أشارت الكتب والروايات ، فكان الشاعر إذا أراد الهجاء لبس حلة خاصة وانتعل نعلاً واحدة، وحلق رأسه وجعل له ذؤابتين، ثم يدهن نصف رأسه، وكان العرب يتشاءمون منه، ويحاولون التخلص من أذاه ما استطاعوا. وقد أطلق على بعض قصائد الهجاء أسماءاً خاصة بها بسبب ما تركته من أثر في المهجوين. [١] فيديو قد يعجبك: طرقه وأساليبه في الشعر العربي وللهجاء في الشعر العربي طريقتين واضحتين:[١] الأول: يذكر فيه الشاعر العيوب المعنوية و النفسية من خلال معاني الهجاء التي تقوم على تجريد المهجو من الخصال الحسنة والصفات الحميدة ومما يعتز به كل رجل عربي كالنسب الأصيل والشجاعة والكرم وحماية الجار وإغاثة الملهوف وما إلى ذلك من محاسن الأخلاق، ورميه بنقيضها من صفات البخل والغدر والنسب الوضيع .[١] والثاني: يذكر فيه العيوب الجسدية ويقوم على السخرية من المهجو ورسم صورة مضحكة له، أي يتناول الشكل لا الصفات الشخصية بغية إضحاك الناس، وهنا ظهر فيما بعد ما يشبه الرسم «الكاريكاتوري» في الشعر. [١] أنواع الهجاء في العصر الجاهلي الهجاء المُقذِع فيه يلجأ الشاعر إلى طريقة الهجاء المباشر للخصم والذكر الصريح له ، إضافة إلى التهديد والوعيد والشتم، ولأنّ الشاعر في هذا الأسلوب يبدأ بالخصومة ويُجاهر بالعداوة حيث يشعر السامع أنّ المهجوّ هو المظلوم، فينفر من سماع القصيدة. [٢] مثال ذلك قول الشاعر الحطيئة عندما هجا أمه: [٣] جَزاكِ اللَهُ شَرّاً مِن عَجوزٍ :::وَلَقّاكِ العُقوقَ مِنَ البَنينا تَنَحَّي فَاِجلِسي مِنّا بَعيداً :::أَراحَ اللَهُ مِنكِ العالَمينا أَغِربالاً إِذا اِستودِعتِ سِرّاً :::وَكانوناً عَلى المُتَحَدِّثينا أَلَم أوضِح لَكِ البَغضاءَ مِنّي :::وَلَكِن لا إِخالُكِ تَعقِلينا حَياتُكِ ما عَلِمتُ حَياةُ سوءٍ :::وَمَوتُكِ قَد يَسُرُّ الصالِحينا الهجاء العفيف فيه يلجأ الشاعر إلى أسلوب التلميح ومقارنة الخصم بغيره وتفضيله عليه، ويعدّ هذا الأسلوب أكثر ذكاءً وإيجاعًا من الأسلوب الثاني؛ فالشاعر فيه يكسب السامع أو القارئ ولا يُنفّره.[٢] ومثال ذلك قول الشاعر أوس بن حجر:[٤] إِذا ناقَةٌ شُدَّت بِرَحلٍ وَنُمرُقٍ :::إِلى حَكَمٍ بَعدي فَضَلَّ ضَلالُها كَأَنَّ بِهِ إِذ جِئتَهُ خَيبَرِيَّةً :::يَعودُ عَلَيهِ وِردُها وَمُلالُها كَأَنّي حَلَوتُ الشِعرَ حينَ مَدَحتُهُ :::صَفا صَخرَةٍ صَمّاءَ يَبسٍ بِلالُها أَلا تَقبَلُ المَعروفَ مِنّا تَعاوَرَت :::مَنولَةُ أَسيافاً عَلَيكَ ظِلالُها بعض قصائد الهجاء من العصر الجاهلي من قصائد الهجاء في العصر الجاهلي ما يأتي : قصيدة فَإِن يَأتِكُم مِنّي هِجاءٌ للشاعر أوس بن حجر يقول أوس بن حجر:[٥] فَإِن يَأتِكُم مِنّي هِجاءٌ فَإِنَّما :::حَباكُم بِهِ مِنّي جَميلُ اِبنُ أَرقَما تَجَلَّلَ غَدراً حَرمَلاءَ وَأَقلَعَت :::سَحائِبُهُ لَمّا رَأى أَهلَ مَلهَما فَهَل لَكُمُ فيها إِلَيَّ فَإِنَّني :::طَبيبٌ بِما أَعيا النِطاسِيَّ حِذيَما فَأُخرِجَكُم مِن ثَوبِ شَمطاءَ عارِكٍ :::مُشَهَّرَةٍ بَلَّت أَسافِلَهُ دَما وَلَو كانَ جارٌ مِنكُمُ في عَشيرَتي :::إِذاً لَرَأَوا لِلجارِ حَقّاً وَمَحرَما وَلَو كانَ حَولي مِن تَميمٍ عِصابَةٌ :::لَما كانَ مالي فيكُمُ مُتَقَسَّما قصيدة ألا بلحت خفارة آل لأم لبشر بن ابي خازم يقول بشر بن ابي خازم :[٦] أَلا بَلَحَت خِفارَةُ آلِ لَأمٍ :::فَلا شاةً تَرُدُّ وَلا بَعيرا لِئامُ الناسِ ما عاشوا حَياةً :::وَأَنتَنُهُم إِذا دُفِنوا قُبورا وَأَنكاسٌ غَداةَ الرَوعِ كُشفٌ :::إِذا ما البيضُ خَلَّينَ الخُدورا ذُنابى لا يَفَونَ بِعَهدِ جارٍ :::وَلَيسوا يَنعَشونَ لَهُم فَقيرا إِذا ما جِئتَهُم تَبغي قِراهُم :::وَجَدتَ الخَيرَ عِندَهُمُ عَسيرا فَمَن يَكُ جاهِلاً مِن آلِ لَأمٍ :::تَجِدني عالِماً بِهِمُ خَبيراً قصيدة فَلَيتَ لَنا مَكانَ المَلكِ عَمروٍ لطرفة بن العبد يقول طرفة بن العبد :[٧] فَلَيتَ لَنا مَكانَ المَلكِ عَمروٍ :::رَغوثاً حَولَ قُبَّتِنا تَخورُ مِنَ الزَمِراتِ أَسبَلَ قادِماها وَضَرَّتُها مُرَكَّنَةٌ دَرورُ يُشارِكُنا لَنا رَخِلانِ فيها وَتَعلوها الكِباشُ فَما تَنورُ لَعَمرُكَ إِنَّ قابوسَ بنَ هِندٍ لَيَخلِطُ مُلكَهُ نوكٌ كَثيرُ قَسَمتَ الدَهرَ في زَمَنٍ رَخيٍّ كَذاكَ الحُكمُ يَقصِدُ أَو يَجورُ لَنا يَومٌ وَلِلكِروانِ يَومٌ تَطيرُ البائِساتُ وَلا نَطيرُ فَأَمّا يَومُهُنَّ فَيَومُ نَحسٍ تُطارِدُهُنَّ بِالحَدَبِ الصُقورُ وَأَمّا يَومُنا فَنَظَلُّ رَكباً وُقوفاً ما نَحُلُّ وَما نَسيرُ
مكانة الشاعر في العصر الجاهلي
مكانة الشاعر في العصر الجاهلي
ومِن القضايا المتعلقة بالشعر الجاهلي كذلك ما قيل عن مكانة الشاعر في ذلك العصر، فقد ذكر ابن رشيق في "باب احتماء القبائل بشعرائها" من كتابه: "العمدة في محاسن الشعر وآدابه": "كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصُنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر كما يصنعون في الأعراس، ويتباشر الرجال والولدان؛ لأنه حماية لأعراضهم، وذبٌّ عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم، وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرس تنتج"، وقد أخذ مؤرخو الأدب العربي يستشهدون بهذه العبارة على أنها أمر مفروغ منه، وأن ما ورد فيها إنما كان يقع حرفيًّا، ومن هؤلاء جلال الدين السيوطي (المزهر في علوم اللغة والأدب/ القاهرة/ 1335هـ/ 2 /293)، وجرجي زيدان (تاريخ آداب اللغة العربية/ 83)، والشيخ أحمد الإسكندري والشيخ أحمد العناني (الوسيط في الأدب العربي وتاريخه/ 59)، ورينولد نيكلسون (A History of Arabic Literature، P، 71)، وأحمد حسن الزيات (تاريخ الأدب العربي/ 44)، والسباعي بيومي (تاريخ الأدب العربي - في العصر الجاهلي/ مكتبة الأنجلو المصرية/ 142)، ود. علي الجندي (في تاريخ الشعر الجاهلي/ دار المعارف/ 274)، ود. خورشيد أحمد فارق (K، A، Fariq، History of Arabic Literature، Vikas Publications، Delhi - Bombay - Bangalore - Kanpur - London، P، 43) ... إلخ، على أني، رغم ذلك كله، لا أحسب أن هذا كان يقع حرفيًّا كما جاء في كلام ابن رشيق، بل المقصود أن العرب كانوا يتفاخرون بشعرائهم كما يتفاخر أي منا بما تمتاز به أسرته أو قريته أو مدينته أو جامعته أو وطنه أو أمته، لا أن الحفلات كانت تقام فعلًا ويلعب النساء بالآلات الموسيقية وما إلى ذلك؛ إذ لم يقابلنا خبر واحد عن قبيلة معينة احتفلت بأحد شعرائها على هذا النحو، إنما هو كلام عام مرسل، علاوة على أن أحدًا لم يقل هذا القول قبل ابن رشيق، وهو متأخر؛ إذ هو من أهل القرن الرابع الهجري، فأين كان ذلك الكلام قبله؟ لقد كانت مكانة الشاعر الجاهلي بين قبيلته مكانة كبيرة بلا شك، وهذا كل ما أفهمه من نص ابن رشيق لا أكثر؛ إذ كان هو المحامي عن أعراضها والمذيع لمفاخرها والمالئ وقت فراغها بما ينشدها من شعر معجب يسليها ويمتعها، والمحرك لمشاعرها والعازف على أوتار قلبها والمعزي لها في أوقات الملمات والمثير لحماستها عند الحروب والمشعل نار الانتقام في نفوسها... وهكذا، وإن لم يعنِ هذا أن الشعراء جميعًا كانوا يفعلون كل ذلك، وفي كل الظروف والأوقات، بل كان هناك شعراء لا يتغنَّوْن إلا بما يجدونه في قلوبهم بوصفهم أفرادًا في دنيا البشر لا أعضاء في قبيلة معينة، كما كان هناك أيضًا شعراء متمردون يشذون عن قبيلتهم فتخلعهم، كما هو الشأن مثلًا في شعراء الصعاليك، هذا ما أفهمه من كلام ابن رشيق، أما الاحتفال بنبوغ الشعراء في العصر الجاهلي فلا أدري كيف يمكن تحديد الوقت الذي ينبغ فيه شاعر ما؛ أبأول شعر يقوله؟ لكن هذا ليس ما يُفهم من كلمة "نبوغ"! أم يكون بانتشار شهرته؟ لكن أمن الممكن تحديد وقت معين لذلك؟ أم يرجع الأمر إلى لجنة تعلن أنه بلغ النبوغ الشعري؟ لكن متى كان الجاهليون يعرفون نظامًا كهذا؟ الواقع أننا كيفما قلبنا تلك العبارة فلن نصل منها إلى شيء محدد يريح البال؛ ولهذا كله أرى أن المقصود بها هو معناه الرمزي الذي أشرت إليه آنفًا، وهو أن الشاعر الجاهلي كان بوجه عام ذا مكانة عالية بين قومه؛ للأسباب التي ذكرناها.
أما قول نيلدكه: إن الشاعر الجاهلي كان "نبي قبيلته وزعيمها في السلم وبطلها في الحرب، تطلب الرأي عنده في البحث عن مراعٍ جديدة، وبكلمته وحدها تضرب الخيام وتحل، كما كان يحدو الرحالة العطاش في التنقيب عن الماء"؛ (انظر حنا الفاخوري/ تاريخ الأدب العربي/ 59) فكلام غير صحيح؛ إذ ها هم أولاء شعراء الجاهلية بين أيدينا، وقد قرأنا أشعارهم وتراجمهم فلم نجد شيئًا مما يزعمه نيلدكه، إنما كانت قيادة القبيلة لشيخها، فإن تصادف أن كان شاعرًا فبها ونعمت، كما هو الوضع في حال كليب بن ربيعة والفند الزماني وعمرو بن كلثوم وأحيحة بن الجلاح ودريد بن الصمة، وإلا فالشاعر فرد من أفراد القبيلة، يسمع ما انتهى إليه قرارها ويلتزم به كما يلتزم غيره، مع رعاية مكانته المتميزة كما قلنا، وإلا فقد كان عنترة شاعرًا، وشاعرًا كبيرًا، فهل كان قبيلته تتبع خطاه وترى ما يراه؟ كما كان طَرفة أيضًا شاعرًا، ولم تكن قبيلته تعيره أدنى اهتمام من جهة الرياسة والرأي؛ إذ كان شابًّا لاهيًا عابثًا يصطدم بها ولا ينسجم مع أوضاعها، حتى لِيمَ على تمرده لومًا شديدًا، سجله هو نفسه في معلقته، ولدينا الأعشى وزهير والنابغة وحسان، وغيرهم كثيرون من شعراء الجاهلية، ولم نقرأ أن أيًّا منهم كان سيد قبيلته يومًا، ثم لقد كان هناك شعراء رحالة ينتجعون الممدوحين، فهل كان على قبائلهم إذا ما ألمَّت بها ملمةٌ أن تنتظرهم حتى يؤوبوا من أسفارهم فيشيروا عليها بما ينبغي أن تصنعه؟ كما أن القبيلة الواحدة كثيرًا ما كان لها أكثر من شاعر، فمن منهم يا ترى كان هو السيد المطاع الذي تأخذ برأيه وتنصاع لمشورته؟ أم هل كان لكل قبيلة شيوخ عدة؟ وما القول في الشعراء المتمردين على قبائلهم؟ أكانت تلك القبائل تتخذ منهم شيوخًا لها رغم ذلك؟ وأخيرًا متى كانت الموهبة الشعرية والشخصية الحكيمة المهيبة التي تعنو لها رقاب الآخرين صنوينِ متلازمين حتى يكون كل شاعر جاهلي سيدًا لقبيلته بالضرورة؟ ألا ما أكثر ما يشيع في دنيا الأدب العربي من مقولات (وبخاصة ما كان منها صادرًا عن المستشرقين) إذا ما تحراها الدارس أو وقف إزاءها وقفة المتسائل، فسرعان ما ينكشف زيفها وما فيها من مجافاة للمنطق ووقائع الحياة!
ومِن القضايا المتعلقة بالشعر الجاهلي كذلك ما قيل عن مكانة الشاعر في ذلك العصر، فقد ذكر ابن رشيق في "باب احتماء القبائل بشعرائها" من كتابه: "العمدة في محاسن الشعر وآدابه": "كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصُنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر كما يصنعون في الأعراس، ويتباشر الرجال والولدان؛ لأنه حماية لأعراضهم، وذبٌّ عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم، وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرس تنتج"، وقد أخذ مؤرخو الأدب العربي يستشهدون بهذه العبارة على أنها أمر مفروغ منه، وأن ما ورد فيها إنما كان يقع حرفيًّا، ومن هؤلاء جلال الدين السيوطي (المزهر في علوم اللغة والأدب/ القاهرة/ 1335هـ/ 2 /293)، وجرجي زيدان (تاريخ آداب اللغة العربية/ 83)، والشيخ أحمد الإسكندري والشيخ أحمد العناني (الوسيط في الأدب العربي وتاريخه/ 59)، ورينولد نيكلسون (A History of Arabic Literature، P، 71)، وأحمد حسن الزيات (تاريخ الأدب العربي/ 44)، والسباعي بيومي (تاريخ الأدب العربي - في العصر الجاهلي/ مكتبة الأنجلو المصرية/ 142)، ود. علي الجندي (في تاريخ الشعر الجاهلي/ دار المعارف/ 274)، ود. خورشيد أحمد فارق (K، A، Fariq، History of Arabic Literature، Vikas Publications، Delhi - Bombay - Bangalore - Kanpur - London، P، 43) ... إلخ، على أني، رغم ذلك كله، لا أحسب أن هذا كان يقع حرفيًّا كما جاء في كلام ابن رشيق، بل المقصود أن العرب كانوا يتفاخرون بشعرائهم كما يتفاخر أي منا بما تمتاز به أسرته أو قريته أو مدينته أو جامعته أو وطنه أو أمته، لا أن الحفلات كانت تقام فعلًا ويلعب النساء بالآلات الموسيقية وما إلى ذلك؛ إذ لم يقابلنا خبر واحد عن قبيلة معينة احتفلت بأحد شعرائها على هذا النحو، إنما هو كلام عام مرسل، علاوة على أن أحدًا لم يقل هذا القول قبل ابن رشيق، وهو متأخر؛ إذ هو من أهل القرن الرابع الهجري، فأين كان ذلك الكلام قبله؟ لقد كانت مكانة الشاعر الجاهلي بين قبيلته مكانة كبيرة بلا شك، وهذا كل ما أفهمه من نص ابن رشيق لا أكثر؛ إذ كان هو المحامي عن أعراضها والمذيع لمفاخرها والمالئ وقت فراغها بما ينشدها من شعر معجب يسليها ويمتعها، والمحرك لمشاعرها والعازف على أوتار قلبها والمعزي لها في أوقات الملمات والمثير لحماستها عند الحروب والمشعل نار الانتقام في نفوسها... وهكذا، وإن لم يعنِ هذا أن الشعراء جميعًا كانوا يفعلون كل ذلك، وفي كل الظروف والأوقات، بل كان هناك شعراء لا يتغنَّوْن إلا بما يجدونه في قلوبهم بوصفهم أفرادًا في دنيا البشر لا أعضاء في قبيلة معينة، كما كان هناك أيضًا شعراء متمردون يشذون عن قبيلتهم فتخلعهم، كما هو الشأن مثلًا في شعراء الصعاليك، هذا ما أفهمه من كلام ابن رشيق، أما الاحتفال بنبوغ الشعراء في العصر الجاهلي فلا أدري كيف يمكن تحديد الوقت الذي ينبغ فيه شاعر ما؛ أبأول شعر يقوله؟ لكن هذا ليس ما يُفهم من كلمة "نبوغ"! أم يكون بانتشار شهرته؟ لكن أمن الممكن تحديد وقت معين لذلك؟ أم يرجع الأمر إلى لجنة تعلن أنه بلغ النبوغ الشعري؟ لكن متى كان الجاهليون يعرفون نظامًا كهذا؟ الواقع أننا كيفما قلبنا تلك العبارة فلن نصل منها إلى شيء محدد يريح البال؛ ولهذا كله أرى أن المقصود بها هو معناه الرمزي الذي أشرت إليه آنفًا، وهو أن الشاعر الجاهلي كان بوجه عام ذا مكانة عالية بين قومه؛ للأسباب التي ذكرناها.
أما قول نيلدكه: إن الشاعر الجاهلي كان "نبي قبيلته وزعيمها في السلم وبطلها في الحرب، تطلب الرأي عنده في البحث عن مراعٍ جديدة، وبكلمته وحدها تضرب الخيام وتحل، كما كان يحدو الرحالة العطاش في التنقيب عن الماء"؛ (انظر حنا الفاخوري/ تاريخ الأدب العربي/ 59) فكلام غير صحيح؛ إذ ها هم أولاء شعراء الجاهلية بين أيدينا، وقد قرأنا أشعارهم وتراجمهم فلم نجد شيئًا مما يزعمه نيلدكه، إنما كانت قيادة القبيلة لشيخها، فإن تصادف أن كان شاعرًا فبها ونعمت، كما هو الوضع في حال كليب بن ربيعة والفند الزماني وعمرو بن كلثوم وأحيحة بن الجلاح ودريد بن الصمة، وإلا فالشاعر فرد من أفراد القبيلة، يسمع ما انتهى إليه قرارها ويلتزم به كما يلتزم غيره، مع رعاية مكانته المتميزة كما قلنا، وإلا فقد كان عنترة شاعرًا، وشاعرًا كبيرًا، فهل كان قبيلته تتبع خطاه وترى ما يراه؟ كما كان طَرفة أيضًا شاعرًا، ولم تكن قبيلته تعيره أدنى اهتمام من جهة الرياسة والرأي؛ إذ كان شابًّا لاهيًا عابثًا يصطدم بها ولا ينسجم مع أوضاعها، حتى لِيمَ على تمرده لومًا شديدًا، سجله هو نفسه في معلقته، ولدينا الأعشى وزهير والنابغة وحسان، وغيرهم كثيرون من شعراء الجاهلية، ولم نقرأ أن أيًّا منهم كان سيد قبيلته يومًا، ثم لقد كان هناك شعراء رحالة ينتجعون الممدوحين، فهل كان على قبائلهم إذا ما ألمَّت بها ملمةٌ أن تنتظرهم حتى يؤوبوا من أسفارهم فيشيروا عليها بما ينبغي أن تصنعه؟ كما أن القبيلة الواحدة كثيرًا ما كان لها أكثر من شاعر، فمن منهم يا ترى كان هو السيد المطاع الذي تأخذ برأيه وتنصاع لمشورته؟ أم هل كان لكل قبيلة شيوخ عدة؟ وما القول في الشعراء المتمردين على قبائلهم؟ أكانت تلك القبائل تتخذ منهم شيوخًا لها رغم ذلك؟ وأخيرًا متى كانت الموهبة الشعرية والشخصية الحكيمة المهيبة التي تعنو لها رقاب الآخرين صنوينِ متلازمين حتى يكون كل شاعر جاهلي سيدًا لقبيلته بالضرورة؟ ألا ما أكثر ما يشيع في دنيا الأدب العربي من مقولات (وبخاصة ما كان منها صادرًا عن المستشرقين) إذا ما تحراها الدارس أو وقف إزاءها وقفة المتسائل، فسرعان ما ينكشف زيفها وما فيها من مجافاة للمنطق ووقائع الحياة!
مواضيع مماثلة
» الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي
» الحروب في العصر الجاهلي
» الخطابة في العصر الجاهلي
» شعراء الاعتذار في العصر الجاهلي
» أهمية الشجاعة في العصر الجاهلي
» الحروب في العصر الجاهلي
» الخطابة في العصر الجاهلي
» شعراء الاعتذار في العصر الجاهلي
» أهمية الشجاعة في العصر الجاهلي
الموقع العام لقبيلة البدير في العراق للشيخ شوقي جبار البديري :: 126- منتدى حياة العرب الاجتماعية في العصر الجاهلي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:58 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ المرحوم عبد الهادي
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:53 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ شوقي البديري والاخ حمود كريم الركابي
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:51 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الاستاذ المخرج عزيز خيون البديري وعمامه البدير
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:48 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ صباح العوفي مع الشيخ عبد الامير التعيبان
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:45 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ المرحوم محمد البريج
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:41 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» جواد البولاني
الإثنين سبتمبر 23, 2024 10:13 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» المرحوم السيد هاشم محمد طاهر العوادي
الإثنين سبتمبر 23, 2024 10:03 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» رموز البدير
الجمعة سبتمبر 20, 2024 8:41 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري