شعر الغزل في العصر الجاهلي

الغزل في اللغة والاصطلاح :
الغزل والنسيب والتشبيب من المصطلحات التي تدلُّ على غرض الغزل في النقد والدراسات الأدبية على مر العصور من الجاهلية إلى يومنا هذا . ويعدُّ غرض الغزل من الأغراض الوجدانية الحيّة في الشعر العربي لانه يعكس العلاقة السرمدية بين الرجل والمرأة في أي زمان ومكان .
والغزل من الاغراض الشعرية الرقيقة في الشعر العربي لإنه يهتم بجمال المرأة ورقتها وترفها وتحضرها ونعومتها ، ويقصد فيه الشاعر الى الرقة في الالفاظ والصور والمعاني ، والتلطف في التعبير والجمالية في الإيقاع لجلب مشاعر المرأة وكسب ودّها وعشقها .
والغزل لغة : حديث الفتيان والفتيات ، وهو اللهو مع النساء ومحادثتهن ، ورجل غزل متغزل بالنساء ومغازل لهن .
وأما في المصطلح فهو أحد أغراض الشعر العربي وفنونه الشعرية ، وهو ذكر النساء بأحوالهن كلها والتلطف معهن في كل شيء وجذب قلوبهن وعواطفهن وفيه التلطف والود والعاطفة الجياشة التي تعكس الحب والعشق بين الطرفين الرجل والمرأة .
ويأتي الغزل في الشعر العربي منذ الجاهلية إلى نهاية العصر العباسي في مطالع القصائد أي في البيت الأول من القصيدة أو المقطوعة ، ويأتي الغزل أيضاً في مقدمات القصيدة أ ومقدمة القصيدة هي اللوحة الأولى في النص الشعري ، ولاسيما مع غرض المديح إذ يبتدأ الشاعر بالغزل لجلب استمالة عطف الممدوح وجعله يطرب ويعشق ما في النص ويتابع لوحاته بدقة إلى نهاية النص الشعري وخاتمته.
ويأتي الغزل في الشعر الجاهلي مع لوحة الطلل وهي لوحة البكاء على الأماكن والدوارس من البقاع التي ترمز الى القبيلة والى الذكريات الجميلة مع المحبوبة في هذا القبيلة وأماكنها وكيف أحب الشاعر محبوبته وعشقها ويحب الوقوف عليها والبكاء على تلكم الذكريات وتمني عودتها ولو لبعض الوقت والزمن .
ويأتي الغزل دائماً في الشعر العربي سواءٌ أكان في العصر الجاهلي أم في غيره من العصور مع الطبيعة ومع الخمرة فهو يشكل الثالوث النقدي الأدبي لهذين الغرضين الشعريين وهما لا يأتيان إلا معه أيضاً.
أنواع الغزل في الشعر الجاهلي :
1.غزل المطالع والمقدمات . وهو يأتي في مطلع القصيدة ومقدمتها الطللية والأمثلة والشواهد الشعرية كثيرة في شعرنا الجاهلي ، وخذ مثلاً لذلك شعر أصحاب المعلقات ومعلقاتهم كلها تأتي فيها المقدمة الطللية ما خلا معلقة عمرو بن كلثوم التي ابتدأت بالخمرة . وهذا الغزل يرتبط بحب الشاعر للمحبوبة وشدة تعلقه بها من أول القصيدة أو من المعلقة والحنين الى ذكرها وذكر أيامها ، من ذلك قول عنترة بن شداد في عبلة في معلقته التي مطلعها :

هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ

أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ

ومنها في لوحة الغزل والطلل قوله :
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي

وعمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي

ومن ذلك قول طرفة بن العبد في معلقته وفي مطلعها :
لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ

تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ

وأحياناً يحسّ الشاعر الجاهلي بالضياع والتحسر والفقد للمحبوبة وللمكان وللقبيلة ، فنراه يجهش بالبكاء والألم من أول القصيدة حتى وإن كانت في الغزل والغرام كما نرى ذلك جلياً في معلقة أمرئ القيس الشهيرة وفي مطلعا القائل :
قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل

بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْملِ


2. الغزل العفيف ( الشريف ) ، كالغزل عند زهير بن أبي سلمى إذ يوصف بالعفة والطاهرة والخلق . وكذلك غزل الشعراء الفرسان مثل عنترة إذ هو الفارس الشجاع الذي لا يرضى بالذل والهوان للمحبوبة . ويبقى الشاعر في هذا النوع من الغزل عفيفاً شريفاً وفياً لأخلاقه التي عُرف بها بين قبيلته وبين مجتمعه ، وهو يؤسس لعادات طيبة وحميدة يجب أن تشاع في المجتمع في كل زمن . فهذا عنترة الشاعر الفارس يقول في هذه العفة والطهارة وكرم الاخلاق في النفس والشعر عن جارته وكيف يغضّ طرفه عنها :
وأَغُضُّ طرفي ما بدَتْ لي جارَتي

حتى يُواري جارتي مأْواها

إني امرؤٌ سَمْحُ الخليقة ماجدٌ

لا أتبعُ النفسَ اللَّجوجَ هواها

ويقول لعبلة في الحرب وبين ساحات القتال :
وَلَقَد ذَكَرتُكِ والرِّماحُ نَواهِلٌ

مِنّي وبِيضُ الهِندِ تَقطُرُ مِن دَمي

فَوَدَدتُ تَقبيلَ السُيوفِ لأَنَّها

لَمَعَت كَبارِقِ ثَغرِكِ المُتَبَسِّمِ


3. الغزل الصريح ( المتكشف ) ، وهو الغزل الذي ظهر عند أمريء القيس وهو غزل متكشف يتغزل بمفاتن المرأة الحسية والجسدية . ومن ذلك قوله في لوحة هذا النوع من الغزل في معلقته الشهيرة ، وفي هذه اللوحة يصف لوعة الحب ومشاعر المشتاق إلى محبوبته وما فعله الغرام به وهو الولهان الحائر في ذلك :
أفاطِمُ مهلاً بعض هذا التدلل

وإن كنتِ قد أزمعت صرمي فأجملي

وَإنْ تكُ قد ساءتكِ مني خَليقَة

فسُلّي ثيابي من ثيابِكِ تَنْسُلِ

أغَرّكِ مني أنّ حُبّكِ قاتِلي

وأنكِ مهما تأمري القلب يفعل

ومَا ذَرَفَتْ عَيْناكِ إلا لتَضْرِبي

بسَهمَيكِ في أعشارِ قَلبٍ مُقَتَّلِ


وفي هذا النوع من الغزل يُظهر الشاعر مغامراته الشخصية وزيارته إلى المعشوقة وشوقه لها مهما كانت النتائج من أهلها وذويها وقبيلتها ، ومن ذلك قول أمرئ القيس أيضاً في غير المعلقة في هذا النوع من الغزل المغامراتي المجنون :
سَمَوتُ إِلَيها بَعدَ ما نامَ أَهلُها

سُموَّ حَبابِ الماءِ حالاً عَلى حالِ

فَقالَت سَباكَ اللَهُ إِنَّكَ فاضِحي

أَلَستَ تَرى السُمّارَ وَالناسَ أَحوالي

فَقُلتُ يَمينَ اللَهِ أَبرَحُ قاعِداً

وَلَو قَطَعوا رَأسي لَدَيكِ وَأَوصالي


خصائص شعر الغزل في العصر الجاهلي :
1.الاصالة والصدق في شعر الغزل ، إذ لم يعرف الشاعر الجاهلي الكذب وتعددية المحبوب في غزله ، وإنما كان صادقاً مخلصاً في حبه وغزله وعشقه . ومشاعر الشاعر العربي أصدق وأكثر اصالة من باقي الشعراء في الاقوام الاخرى في هذا الغرض ، إذ إن الغزل عند العرب موضوع فطري غريزي نابع من الفطرة الإنسانية في أبسط معاني العيش فيها .
2. الفردية في شعر الغزل في العصر الجاهلي ، إذ إن كل شاعر عبّر عن تجربته الفردية في العشق والغرام بصورة فردية خاصة به ونقلها من خلال الشعر الى الاخرين ، فالشاعر الشريف المتعفف نقل تجربته الشعرية والشعورية المتعففة الشريفة مثل : زهير بن أبي سُلمى وعلقمة الفحل . والشاعر الصريح المتكشف الماجن نقل تجر