بحـث
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
حول
مرحبا بكم فى منتدى الموقع العام لقبيلة البدير في العراق للشيخ شوقي جبار البديري
قبيلة البدير من القبائل الزبيديه
أهمية علم الأنساب
الموقع العام لقبيلة البدير في العراق للشيخ شوقي جبار البديري :: 43- منتدى علم الانساب في االعرف العشائري
صفحة 1 من اصل 1
أهمية علم الأنساب
أهمية علم الأنساب
علم الأنساب:
النَّسَبُ لغة: "بفتح النون والسين" نَسَبُ القَراباتِ وهو واحدُ الأَنْسابِ، وقال ابن سيده: النِّسْبةُ والنُّسْبَةُ والنَّسَبُ القَرابةُ وقيل: هو في الآباء خاصَّةً وقيل: النِّسْبَةُ مصدرُ الانْتِسابِ، والنُّسْبَةُ الاسمُ التهذيب النَّسَبُ يكون بالآباءِ ويكونُ إِلى البلاد ويكون في الصِّناعة.
ونسبه نَسَبًا: عَزاه، ونَسَبه: سَأَله أَن يَنْتَسِبَ ونَسَبْتُ فُلانًا إِلى أَبيه أَنْسُبه وأَنْسِبُهُ نَسْبًا إِذا رَفَعْتَ في نَسَبه إِلى جَدِّه الأَكبر قاله الجوهري. نَسَبْتُ الرجلَ أَنْسبُه بالضم نِسْبةً ونَسْبًا إِذا ذَكَرْتَ نَسَبه وانْتَسَبَ إِلى أَبيه أَي اعْتَزَى.
العقب لغة: ذكر صاحب اللسان معاني عدة للعقب، منها فيما يخص السياق الذي نحن بصدده قوله: قيل عَقَبَه إِذا جاءَ بعده وعَقَبَ هذا هذا إِذا ذَهَبَ الأَوَّلُ كلُّه ولم يَبْقَ منه شيء، وكلُّ شيءٍ جاءَ بعد شيء وخَلَفَه فهو عَقْبُه.
والعَقِبُ والعَقْبُ والعاقِبةُ ولَدُ الرجلِ ووَلَدُ ولَدِه الباقونَ بعده، وذَهَبَ الأَخْفَشُ إِلى أَنها مؤنَّثة وقولهم: ليستْ لفلانٍ عاقبةٌ. أَي: ليس له ولَد، وقولُ العَرَبِ: لا عَقِبَ له. أَي: لم يَبْقَ له وَلَدٌ ذَكَر، وقوله تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف: 28] أَرادَ عَقِبَ إِبراهيم عليه السلام ــ يعني: لا يزال من ولده من يُوَحِّدُ اللّه. والجمع أَعقاب، وأَعْقَبَ الرجلُ: إِذا ماتَ وتَرك عَقِبًا؛ أَي ولدًا، يقال: كان له ثلاثةُ أَولادٍ، فأَعْقَبَ منهم رَجُلانِ: أَي تَرَكا عَقِبًا ودَرَجَ واحدٌ، وذهب فلانٌ فأَعْقَبه ابنُه: إِذا خَلَفه، وهو مِثْلُ عَقَبه، وعَقَبَ مكانَ أَبيه يَعْقُب عَقْبًا وعاقِبة وعَقَّبَ إِذا خَلَف، وكذلك عَقَبَه يَعْقُبُه عَقْبًا ــ الأَوّل لازم والثاني مُتَعَدٍّ ــ وكلُّ من خَلَف بعد شيء فهو عاقبةٌ وعاقِبٌ له، وذَهَبَ فلانٌ فأَعْقَبَه ابنُه إِذا خَلَفه وهو مثلُ عَقَبه، ويقال لولد الرجل: عَقِبُه وعَقْبُه، وكذلك آخرُ كلِّ شيء عَقْبُه وكل ما خَلَف شيئًا فقد عَقَبَه.
أهمية علم الأنساب:
تحدث القلقشندي عن أهميَّة علم الأنساب ومسيس الحاجة إليه فقال: لا خفاء أن المعرفة بعلم الأنساب من الأمور المطلوبة، والمعارف المندوبة، لما يترتب عليها من الأحكام الشرعية، والمعالم الدينية، فقد وردت الشريعة المطهرة باعتبارها في مواضع:
ـــ منها: العلم بنَسَب النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وأنه النبي القرشي الهاشمي الذي كان بمكة وهاجر منها إلى المدينة؛ فإنه لا بد لصحة الإيمان من معرفة ذلك، ولا يعذر مسلم في الجهل به وناهيك بذلك.
ـــ ومنها: التعارف بين الناس حتى لا يعتزي أحد إلى غير آبائه، ولا ينتسب إلى سوى أجداده، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]؛ وعلى ذلك تترتب أحكام الورثة، فيحجب بعضهم بعضًا، وأحكام الأولياء في النكاح فيقدم بعضهم على بعض، وأحكام الوقف إذا خص الواقف بعض الأقارب أو بعض الطبقات دون بعض، وأحكام العاقلة في الدية حتى تضرب الدية على بعض العصبة دون بعض وما يجري مجرى ذلك، فلولا معرفة الأنساب لفات إدراك هذه الأمور وتعذر الوصول إليها.
ـــ ومنها: اعتبار النَسَب في الإمامة التي هي الزعامة العظمى، وقد حكى الماوردي في الأحكام السلطانيَّة الإجماع على كون الإمام قرشيًّا ثم قال: ولا اعتبار بضرار حيث شد فجوزها في جميع الناس فقد ثبت أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: "الأئمة من قريش"؛ ولذلك لما اجتمع الأنصار يوم وفاة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في سقيفة بني ساعدة، وأرادوا مبايعة سعد بن عبادة الأنصاري احتج عليهم الصديق رضي الله تعالى عنه بهذا الحديث، فرجعوا إليه وبايعوه، وقد رُوي أنه صَلَّى الله عليه وسلم قال: "قدموا قريشًا ولا تتقدموها". قال أصحابنا الشافعية: فإن لم يوجد قرشي اعتبر كون الإمام كنانيًّا من ولد كنانة بن خزيمة، فإن تعذر اعتبر كونه من بني إسماعيل عليه السلام، فإن تعذر اعتبر كونه من إسحاق، فإن تعذر اعتبر كونه من جرهم؛ لشرفهم بصهارة إسماعيل، بل قد نصوا أن الهاشمي أولى بالإمامة من غيره من قريش. فلولا المعرفة بعلم النَسَب لفاتت معرفة هذه القبائل وتعذر حكم الإمامة العظمى التي بها عموم صلاح الأمة، وحماية البيضة، وكف الفتنة، وغير ذلك من المصالح.
ـــ ومنها: اعتبار النَسَب في كفاءة الزوج للزوجة في النكاح عند الشافعي رضي الله عنه حتى لا يكافئ الهاشميَّة والمطلبيَّة غيرها من قريش، ولا يكافئ القرشيَّة غيرها من العرب ممن ليس بقرشي، وفي الكنانيَّة وجهان أصحُّهما أنه لا يكافئها غيرها ممن ليس بكناني ولا قرشي، وفي اعتبار النَسَب في العجم أيضًا وجهان أصحُّهما الاعتبار، فإذا لم يعرف النَسَب تعذرت معرفة هذه الأحكام.
ـــ ومنها: مراعاة النَسَب الشريف في المرأة المنكوحة، فقد ثبت في الصحيح أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: "تُنكَح المرأة لأربع لدينها وحسبها ومالها وجمالها"، فراعى صَلَّى الله عليه وسلم في المرأة الحسب وهو الشرف في الآباء.
ـــ ومنها: التفريق بين جريان الرق على العجم دون العرب على مذهب من يرى ذلك من العلماء، وهو أحد القولين للشافعي رضي الله عنه فإذا لم يعرف النَسَب تعذر عليه ذلك إلى غير ذلك من الأحكام الجارية هذا المجرى.
أدلة جواز الرفع في الأنساب:
ذهب كثير من الأئمة المحدثين، والفقهاء؛ كالبخاري، وابن إسحاق، والطبري إلى جواز الرفع في الأنساب؛ احتجاجًا بعمل السلف؛ فقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه في علم النَسَب بالمقام الأرفع والجانب الأعلى، وذلك أول دليل وأعظم شاهد على شرف هذا العلم وجلالة قدره.
وقد صنف في علم الأنساب جماعة من جملة العلماء وأعيانهم؛ كأبي عبيدة، والبيهقي، وابن عبد البر، وابن هرم، وغيرهم وهو دليل شرفه ورفعة قدره.
فصل في الحث على تعلم الأنساب ومعرفتها:
وعلم المعارف والأنساب لهذه الأمة من أهم العلوم التي وضعها الله سبحانه وتعالى فيهم على ما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}.
وروى عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم طاف يوم فتح مكة على ناقته القصواء ليستلم الأركان كلها بمحجنه فما وجد لها مناخا في المسجد حتى نزل على أيدي الرجال، ثم أخرجوها إلى بطن الوادي فأناخوها ثمة، ثم خطب الناس على راحلته فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد! فإن الله عز وجل قد أذهب عنكم عبية الجاهليَّة وتعاظمها بآبائها؛ إنما الناس رجلان: بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله"، ثم قال: "إن الله عز وجل يقول": {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}، ثم قال: "أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم".
ومعرفة الأنساب من أعظم النعم التي أكرم الله تعالى بها عباده؛ لأن تشعب الأنساب على افتراق القبائل والطوائف أحد الأسباب الممهدة لحصول الائتلاف، وكذلك اختلاف الألسنة والصور وتباين الألوان والفطر على ما قال تعالى: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22].
وروى عبد الله بن يزيد مولى المنبعث أنه أخبره عن أبيه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كان يقول: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم؛ فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر".
وروى إسحاق بن سعيد؛ قال: حدثني أبي قال: كنت عند ابن عباس فأتاه رجل فسأله: من أنت؟ قال: فمَتَّ له برحم بعيدة، فألان له القول، وقال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اعرفوا أنسابكم تصلوا به أرحامكم؛ فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت، وإن كانت قريبة، ولا بعد بها إذا وصلت وإن كانت بعيدة".
وروى عمارة بن غزية، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال لحسان بن ثابت: "لا تعجل، وأْتِ أبا بكر الصديق فإنه أعلم قريش بأنسابها حتى يلخص لك نَسَبي".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم المسجد فإذا جماعة فقال: "ما هذا؟" قالوا: رجل علَّامة، قال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "وما العلَّامة؟" قالوا: رجل عالم بأيام الناس وعالم بالعربيَّة وعالم بالأشعار وعالم بأَنسَاب العرب، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "هذا علم لا يضر أهله". وفي رواية: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "هذا علم لا ينفع، وجهل لا يضر".
وقال عبيد الله عن سيار: قال عمر رضي الله عنه: "تعلموا من النجوم ما تهتدون به في البر والبحر ثم انتهوا، وتعلموا من الأَنسَاب ما تصلون به أرحامكم وتعرفون به ما يحل لكم مما حرم عليكم من النساء ثم انتهوا".
وكان للعرب السبق في وضع أسس نظريات الترقية والتهذيب للسلالات منذ القديم، فقد روت المصادر أن المنذر بن أبي حمضة الأكبر الهمداني أمر الهمدانيين أن يحسنوا إصهار لبناتهم إذ قال: "يا معشر همدان يستخير الرجل منكم الفحل لحجره ولا يستخيره لكريمته". وقد جاء الإسلام مؤكدًا لهذه النظريَّة على لسان رسوله الكريم صَلَّى الله عليه وسلم حين قال: "تخيروا لنطفكم، وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم". وكان الخلفاء الراشدون وكثير من الصحابة والفقهاء من أعلم الناس بالأَنسَاب.
أهميَّة علم الأَنسَاب من الناحيَّة التنظيمية:
كما كان للأَنسَاب في الإسلام أهميَّة من جوانب متعددة، منها في المجالات التنظيميَّة للدولة، كالجانب الحربي الذي اعتُمِد في تنظيمه على الأساس القبلي؛ كضرورة اجتماعيَّة وضرورة حربيَّة تتناسب مع التركيبيَّة الاجتماعيَّة والتنظيم العسكري الحربي. وعندما وضع الخليفة عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ الديوان في سنة عشرين للهجرة، أمر بأن يتم ترتيب قوائمها بحسب الأَنسَاب والمنازل، فاستدعي ثلاثة ممن لهم معرفة بأَنسَاب الناس هم: جبير بن مطعم، وعقيل بن أبي طالب ــ الأخ الأكبر لعلي بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل؛ فوضعوا الدواوين بحسب الأَنسَاب والمنازل.
ومنذ بداية العصر الأموي ونتيجة اهتمام خلفاء بني أميَّة بالتاريخ والأَنسَاب بدأ الاهتمام بالأَنسَاب ينحو منحى ما كان عليه في الجاهليَّة من التعصب القبلي والأسري وظهرت كتب المثالب والمناقب. وعملت الشعوبيَّة على تشجيع هذا الجانب بما أدخلته من أفكار غريبة على الأمة الإسلاميَّة أثَّرت على وحدتها، فبدأ الصراع القبلي والفكري يدب بين أفراد المجتمع الإسلامي على أساس من التعصب، ومن مظاهر ذلك الصراع: زيادة التأليف في الأَنسَاب بوصفه جزءًا من ذلك الصراع، وكان لاتساع رقعة الدولة الإسلاميَّة ودخول دماء جديدة من بلدان متعددة أثر في زيادة التأليف في هذا الجانب واستخدام مناهج جديدة تتناسب مع التغيرات الاجتماعية، حيث صار مفهوم الأَنسَاب يطلق على النَسَب إما لصفة علميَّة أو مهنيَّة أو صفة سلوكيَّة أو جسمانية، أو نَسَب للبلد الذي ولد منه أو نزل منه، إضافة إلى النَسَب الأسري والقبلي.
واليمن بحكم وضعها الجغرافي وبُعدها عن مركز الخلافة الإسلاميَّة بعد انتقالها إلى بغداد، نشط فيها الاهتمام بهذا الجانب، وأبرز من مثَّل هذا الجانب أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني صاحب "الإكليل" الذي أخذ يتتبع أَنسَاب القبائل والأسر اليمنية، وأشار إلى مصادر يمنيَّة نسبيَّة قديمة في هذا الصدد اعتمد عليها في كتبه. ومما أدى إلى نشاط هذا الجانب في اليمن: هجرة العلويين إلى اليمن فرارًا من بطش العباسيين، فأقاموا لهم دويلات متتابعة في اليمن، وكان اهتمامهم وتركيزهم بنسبتهم إلى الرسول ــ صَلَّى الله عليه وسلم ــ كبير جدًا؛ وذلك ليحظوا بالتأييد والعطف والحصول على أموال الزكاة والخمس من خلال هذه النسبة، فحرصوا على تدوين أنسابهم ووضعوا مشجرات لأنسابهم تتصل إلى علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ تتوارثها الأجيال، وتضيف إليها المواليد الجدد، ووضعوا مجموعة من الحدود والضوابط والامتيازات في علاقتهم الاجتماعيَّة بمن سواهم، جعلوا أنفسهم يحتلون المرتبة الأولى على بقيَّة الشرائح الاجتماعية؛ الأمر الذي أدى بالمقابل إلى قيام مجموعة من علماء اليمن ممن لا ينتسبون إلى البيت العلوي أمثال: الهمداني، والكلاعي، ونشوان الحميري وغيرهم؛ بإبراز أنساب القبائل اليمنية، ودورها التاريخي والحضاري الضاربة جذوره في أعماق التاريخ، وإثبات الدور الكبير لأبناء اليمن في نشر الإسلام والدفاع عنه وتوليهم المراكز القياديَّة الأولى في المراكز العلميَّة والقضاء والوظائف الإداريَّة والعسكرية، ثم توالت كتابة الأنساب عبر التاريخ، واختلفت مشاربها سواء أنساب القبائل اليمنية، أو أنساب الأسر العلوية، والأسر العلمية، والأسر الحاكمة وغيرها من الشرائح التي اهتمت بتدوين أنسابها ليحتل علم الأنساب المرتبة الأولى في مجال التدوين التاريخي عند اليمنيين.
وعلم الأنساب عند العرب منذ القديم لم يكن وسيلة للتمييز العنصري، أو التمايز الطبقي الاجتماعي والديني، وإنما كان وسيلة للرقي والتهذيب الاجتماعي والأخلاقي بأرقى صوره، وما الكرم والشجاعة والمروءة والنبل والحكمة... وغير ذلك من الصفات الجليلة إلا وسيلة من وسائل النَسَب التي تفاخر بها الأجداد.
بل كان النَسَب أيضًا السياج والحياض الذي يجمع أبناء القبيلة ضمن إطاره في زمن لم يكن يعرف فيه العرب معنى الدول المقسمة ذات الحدود لوطن واحد... وكان له دور هام في تجميع القبائل ضد العدو الخارجي كوسيلة سياسيَّة إداريَّة في وقت لم يعرف فيه العرب فكرة التجمع حول الأيديولوجيات، ووجوده كان الرباط القوي الذي وحد صفوف أبناء القبيلة في زمن لم يعرف العرب فيه معنى الجنسيات المختلفة لشعب واحد.
علم الأنساب:
النَّسَبُ لغة: "بفتح النون والسين" نَسَبُ القَراباتِ وهو واحدُ الأَنْسابِ، وقال ابن سيده: النِّسْبةُ والنُّسْبَةُ والنَّسَبُ القَرابةُ وقيل: هو في الآباء خاصَّةً وقيل: النِّسْبَةُ مصدرُ الانْتِسابِ، والنُّسْبَةُ الاسمُ التهذيب النَّسَبُ يكون بالآباءِ ويكونُ إِلى البلاد ويكون في الصِّناعة.
ونسبه نَسَبًا: عَزاه، ونَسَبه: سَأَله أَن يَنْتَسِبَ ونَسَبْتُ فُلانًا إِلى أَبيه أَنْسُبه وأَنْسِبُهُ نَسْبًا إِذا رَفَعْتَ في نَسَبه إِلى جَدِّه الأَكبر قاله الجوهري. نَسَبْتُ الرجلَ أَنْسبُه بالضم نِسْبةً ونَسْبًا إِذا ذَكَرْتَ نَسَبه وانْتَسَبَ إِلى أَبيه أَي اعْتَزَى.
العقب لغة: ذكر صاحب اللسان معاني عدة للعقب، منها فيما يخص السياق الذي نحن بصدده قوله: قيل عَقَبَه إِذا جاءَ بعده وعَقَبَ هذا هذا إِذا ذَهَبَ الأَوَّلُ كلُّه ولم يَبْقَ منه شيء، وكلُّ شيءٍ جاءَ بعد شيء وخَلَفَه فهو عَقْبُه.
والعَقِبُ والعَقْبُ والعاقِبةُ ولَدُ الرجلِ ووَلَدُ ولَدِه الباقونَ بعده، وذَهَبَ الأَخْفَشُ إِلى أَنها مؤنَّثة وقولهم: ليستْ لفلانٍ عاقبةٌ. أَي: ليس له ولَد، وقولُ العَرَبِ: لا عَقِبَ له. أَي: لم يَبْقَ له وَلَدٌ ذَكَر، وقوله تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف: 28] أَرادَ عَقِبَ إِبراهيم عليه السلام ــ يعني: لا يزال من ولده من يُوَحِّدُ اللّه. والجمع أَعقاب، وأَعْقَبَ الرجلُ: إِذا ماتَ وتَرك عَقِبًا؛ أَي ولدًا، يقال: كان له ثلاثةُ أَولادٍ، فأَعْقَبَ منهم رَجُلانِ: أَي تَرَكا عَقِبًا ودَرَجَ واحدٌ، وذهب فلانٌ فأَعْقَبه ابنُه: إِذا خَلَفه، وهو مِثْلُ عَقَبه، وعَقَبَ مكانَ أَبيه يَعْقُب عَقْبًا وعاقِبة وعَقَّبَ إِذا خَلَف، وكذلك عَقَبَه يَعْقُبُه عَقْبًا ــ الأَوّل لازم والثاني مُتَعَدٍّ ــ وكلُّ من خَلَف بعد شيء فهو عاقبةٌ وعاقِبٌ له، وذَهَبَ فلانٌ فأَعْقَبَه ابنُه إِذا خَلَفه وهو مثلُ عَقَبه، ويقال لولد الرجل: عَقِبُه وعَقْبُه، وكذلك آخرُ كلِّ شيء عَقْبُه وكل ما خَلَف شيئًا فقد عَقَبَه.
أهمية علم الأنساب:
تحدث القلقشندي عن أهميَّة علم الأنساب ومسيس الحاجة إليه فقال: لا خفاء أن المعرفة بعلم الأنساب من الأمور المطلوبة، والمعارف المندوبة، لما يترتب عليها من الأحكام الشرعية، والمعالم الدينية، فقد وردت الشريعة المطهرة باعتبارها في مواضع:
ـــ منها: العلم بنَسَب النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وأنه النبي القرشي الهاشمي الذي كان بمكة وهاجر منها إلى المدينة؛ فإنه لا بد لصحة الإيمان من معرفة ذلك، ولا يعذر مسلم في الجهل به وناهيك بذلك.
ـــ ومنها: التعارف بين الناس حتى لا يعتزي أحد إلى غير آبائه، ولا ينتسب إلى سوى أجداده، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]؛ وعلى ذلك تترتب أحكام الورثة، فيحجب بعضهم بعضًا، وأحكام الأولياء في النكاح فيقدم بعضهم على بعض، وأحكام الوقف إذا خص الواقف بعض الأقارب أو بعض الطبقات دون بعض، وأحكام العاقلة في الدية حتى تضرب الدية على بعض العصبة دون بعض وما يجري مجرى ذلك، فلولا معرفة الأنساب لفات إدراك هذه الأمور وتعذر الوصول إليها.
ـــ ومنها: اعتبار النَسَب في الإمامة التي هي الزعامة العظمى، وقد حكى الماوردي في الأحكام السلطانيَّة الإجماع على كون الإمام قرشيًّا ثم قال: ولا اعتبار بضرار حيث شد فجوزها في جميع الناس فقد ثبت أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: "الأئمة من قريش"؛ ولذلك لما اجتمع الأنصار يوم وفاة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في سقيفة بني ساعدة، وأرادوا مبايعة سعد بن عبادة الأنصاري احتج عليهم الصديق رضي الله تعالى عنه بهذا الحديث، فرجعوا إليه وبايعوه، وقد رُوي أنه صَلَّى الله عليه وسلم قال: "قدموا قريشًا ولا تتقدموها". قال أصحابنا الشافعية: فإن لم يوجد قرشي اعتبر كون الإمام كنانيًّا من ولد كنانة بن خزيمة، فإن تعذر اعتبر كونه من بني إسماعيل عليه السلام، فإن تعذر اعتبر كونه من إسحاق، فإن تعذر اعتبر كونه من جرهم؛ لشرفهم بصهارة إسماعيل، بل قد نصوا أن الهاشمي أولى بالإمامة من غيره من قريش. فلولا المعرفة بعلم النَسَب لفاتت معرفة هذه القبائل وتعذر حكم الإمامة العظمى التي بها عموم صلاح الأمة، وحماية البيضة، وكف الفتنة، وغير ذلك من المصالح.
ـــ ومنها: اعتبار النَسَب في كفاءة الزوج للزوجة في النكاح عند الشافعي رضي الله عنه حتى لا يكافئ الهاشميَّة والمطلبيَّة غيرها من قريش، ولا يكافئ القرشيَّة غيرها من العرب ممن ليس بقرشي، وفي الكنانيَّة وجهان أصحُّهما أنه لا يكافئها غيرها ممن ليس بكناني ولا قرشي، وفي اعتبار النَسَب في العجم أيضًا وجهان أصحُّهما الاعتبار، فإذا لم يعرف النَسَب تعذرت معرفة هذه الأحكام.
ـــ ومنها: مراعاة النَسَب الشريف في المرأة المنكوحة، فقد ثبت في الصحيح أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: "تُنكَح المرأة لأربع لدينها وحسبها ومالها وجمالها"، فراعى صَلَّى الله عليه وسلم في المرأة الحسب وهو الشرف في الآباء.
ـــ ومنها: التفريق بين جريان الرق على العجم دون العرب على مذهب من يرى ذلك من العلماء، وهو أحد القولين للشافعي رضي الله عنه فإذا لم يعرف النَسَب تعذر عليه ذلك إلى غير ذلك من الأحكام الجارية هذا المجرى.
أدلة جواز الرفع في الأنساب:
ذهب كثير من الأئمة المحدثين، والفقهاء؛ كالبخاري، وابن إسحاق، والطبري إلى جواز الرفع في الأنساب؛ احتجاجًا بعمل السلف؛ فقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه في علم النَسَب بالمقام الأرفع والجانب الأعلى، وذلك أول دليل وأعظم شاهد على شرف هذا العلم وجلالة قدره.
وقد صنف في علم الأنساب جماعة من جملة العلماء وأعيانهم؛ كأبي عبيدة، والبيهقي، وابن عبد البر، وابن هرم، وغيرهم وهو دليل شرفه ورفعة قدره.
فصل في الحث على تعلم الأنساب ومعرفتها:
وعلم المعارف والأنساب لهذه الأمة من أهم العلوم التي وضعها الله سبحانه وتعالى فيهم على ما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}.
وروى عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم طاف يوم فتح مكة على ناقته القصواء ليستلم الأركان كلها بمحجنه فما وجد لها مناخا في المسجد حتى نزل على أيدي الرجال، ثم أخرجوها إلى بطن الوادي فأناخوها ثمة، ثم خطب الناس على راحلته فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد! فإن الله عز وجل قد أذهب عنكم عبية الجاهليَّة وتعاظمها بآبائها؛ إنما الناس رجلان: بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله"، ثم قال: "إن الله عز وجل يقول": {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}، ثم قال: "أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم".
ومعرفة الأنساب من أعظم النعم التي أكرم الله تعالى بها عباده؛ لأن تشعب الأنساب على افتراق القبائل والطوائف أحد الأسباب الممهدة لحصول الائتلاف، وكذلك اختلاف الألسنة والصور وتباين الألوان والفطر على ما قال تعالى: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22].
وروى عبد الله بن يزيد مولى المنبعث أنه أخبره عن أبيه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كان يقول: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم؛ فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر".
وروى إسحاق بن سعيد؛ قال: حدثني أبي قال: كنت عند ابن عباس فأتاه رجل فسأله: من أنت؟ قال: فمَتَّ له برحم بعيدة، فألان له القول، وقال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اعرفوا أنسابكم تصلوا به أرحامكم؛ فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت، وإن كانت قريبة، ولا بعد بها إذا وصلت وإن كانت بعيدة".
وروى عمارة بن غزية، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال لحسان بن ثابت: "لا تعجل، وأْتِ أبا بكر الصديق فإنه أعلم قريش بأنسابها حتى يلخص لك نَسَبي".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم المسجد فإذا جماعة فقال: "ما هذا؟" قالوا: رجل علَّامة، قال النبي صَلَّى الله عليه وسلم: "وما العلَّامة؟" قالوا: رجل عالم بأيام الناس وعالم بالعربيَّة وعالم بالأشعار وعالم بأَنسَاب العرب، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "هذا علم لا يضر أهله". وفي رواية: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "هذا علم لا ينفع، وجهل لا يضر".
وقال عبيد الله عن سيار: قال عمر رضي الله عنه: "تعلموا من النجوم ما تهتدون به في البر والبحر ثم انتهوا، وتعلموا من الأَنسَاب ما تصلون به أرحامكم وتعرفون به ما يحل لكم مما حرم عليكم من النساء ثم انتهوا".
وكان للعرب السبق في وضع أسس نظريات الترقية والتهذيب للسلالات منذ القديم، فقد روت المصادر أن المنذر بن أبي حمضة الأكبر الهمداني أمر الهمدانيين أن يحسنوا إصهار لبناتهم إذ قال: "يا معشر همدان يستخير الرجل منكم الفحل لحجره ولا يستخيره لكريمته". وقد جاء الإسلام مؤكدًا لهذه النظريَّة على لسان رسوله الكريم صَلَّى الله عليه وسلم حين قال: "تخيروا لنطفكم، وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم". وكان الخلفاء الراشدون وكثير من الصحابة والفقهاء من أعلم الناس بالأَنسَاب.
أهميَّة علم الأَنسَاب من الناحيَّة التنظيمية:
كما كان للأَنسَاب في الإسلام أهميَّة من جوانب متعددة، منها في المجالات التنظيميَّة للدولة، كالجانب الحربي الذي اعتُمِد في تنظيمه على الأساس القبلي؛ كضرورة اجتماعيَّة وضرورة حربيَّة تتناسب مع التركيبيَّة الاجتماعيَّة والتنظيم العسكري الحربي. وعندما وضع الخليفة عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ الديوان في سنة عشرين للهجرة، أمر بأن يتم ترتيب قوائمها بحسب الأَنسَاب والمنازل، فاستدعي ثلاثة ممن لهم معرفة بأَنسَاب الناس هم: جبير بن مطعم، وعقيل بن أبي طالب ــ الأخ الأكبر لعلي بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل؛ فوضعوا الدواوين بحسب الأَنسَاب والمنازل.
ومنذ بداية العصر الأموي ونتيجة اهتمام خلفاء بني أميَّة بالتاريخ والأَنسَاب بدأ الاهتمام بالأَنسَاب ينحو منحى ما كان عليه في الجاهليَّة من التعصب القبلي والأسري وظهرت كتب المثالب والمناقب. وعملت الشعوبيَّة على تشجيع هذا الجانب بما أدخلته من أفكار غريبة على الأمة الإسلاميَّة أثَّرت على وحدتها، فبدأ الصراع القبلي والفكري يدب بين أفراد المجتمع الإسلامي على أساس من التعصب، ومن مظاهر ذلك الصراع: زيادة التأليف في الأَنسَاب بوصفه جزءًا من ذلك الصراع، وكان لاتساع رقعة الدولة الإسلاميَّة ودخول دماء جديدة من بلدان متعددة أثر في زيادة التأليف في هذا الجانب واستخدام مناهج جديدة تتناسب مع التغيرات الاجتماعية، حيث صار مفهوم الأَنسَاب يطلق على النَسَب إما لصفة علميَّة أو مهنيَّة أو صفة سلوكيَّة أو جسمانية، أو نَسَب للبلد الذي ولد منه أو نزل منه، إضافة إلى النَسَب الأسري والقبلي.
واليمن بحكم وضعها الجغرافي وبُعدها عن مركز الخلافة الإسلاميَّة بعد انتقالها إلى بغداد، نشط فيها الاهتمام بهذا الجانب، وأبرز من مثَّل هذا الجانب أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني صاحب "الإكليل" الذي أخذ يتتبع أَنسَاب القبائل والأسر اليمنية، وأشار إلى مصادر يمنيَّة نسبيَّة قديمة في هذا الصدد اعتمد عليها في كتبه. ومما أدى إلى نشاط هذا الجانب في اليمن: هجرة العلويين إلى اليمن فرارًا من بطش العباسيين، فأقاموا لهم دويلات متتابعة في اليمن، وكان اهتمامهم وتركيزهم بنسبتهم إلى الرسول ــ صَلَّى الله عليه وسلم ــ كبير جدًا؛ وذلك ليحظوا بالتأييد والعطف والحصول على أموال الزكاة والخمس من خلال هذه النسبة، فحرصوا على تدوين أنسابهم ووضعوا مشجرات لأنسابهم تتصل إلى علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ تتوارثها الأجيال، وتضيف إليها المواليد الجدد، ووضعوا مجموعة من الحدود والضوابط والامتيازات في علاقتهم الاجتماعيَّة بمن سواهم، جعلوا أنفسهم يحتلون المرتبة الأولى على بقيَّة الشرائح الاجتماعية؛ الأمر الذي أدى بالمقابل إلى قيام مجموعة من علماء اليمن ممن لا ينتسبون إلى البيت العلوي أمثال: الهمداني، والكلاعي، ونشوان الحميري وغيرهم؛ بإبراز أنساب القبائل اليمنية، ودورها التاريخي والحضاري الضاربة جذوره في أعماق التاريخ، وإثبات الدور الكبير لأبناء اليمن في نشر الإسلام والدفاع عنه وتوليهم المراكز القياديَّة الأولى في المراكز العلميَّة والقضاء والوظائف الإداريَّة والعسكرية، ثم توالت كتابة الأنساب عبر التاريخ، واختلفت مشاربها سواء أنساب القبائل اليمنية، أو أنساب الأسر العلوية، والأسر العلمية، والأسر الحاكمة وغيرها من الشرائح التي اهتمت بتدوين أنسابها ليحتل علم الأنساب المرتبة الأولى في مجال التدوين التاريخي عند اليمنيين.
وعلم الأنساب عند العرب منذ القديم لم يكن وسيلة للتمييز العنصري، أو التمايز الطبقي الاجتماعي والديني، وإنما كان وسيلة للرقي والتهذيب الاجتماعي والأخلاقي بأرقى صوره، وما الكرم والشجاعة والمروءة والنبل والحكمة... وغير ذلك من الصفات الجليلة إلا وسيلة من وسائل النَسَب التي تفاخر بها الأجداد.
بل كان النَسَب أيضًا السياج والحياض الذي يجمع أبناء القبيلة ضمن إطاره في زمن لم يكن يعرف فيه العرب معنى الدول المقسمة ذات الحدود لوطن واحد... وكان له دور هام في تجميع القبائل ضد العدو الخارجي كوسيلة سياسيَّة إداريَّة في وقت لم يعرف فيه العرب فكرة التجمع حول الأيديولوجيات، ووجوده كان الرباط القوي الذي وحد صفوف أبناء القبيلة في زمن لم يعرف العرب فيه معنى الجنسيات المختلفة لشعب واحد.
رد: أهمية علم الأنساب
سم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المهدي للرشاد الفاتح لعباده باب الرضوان والسّداد ، والصلاة والسلام على المرسل كافة للعباد ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأمجاد .
وبعد : لا يخفى على المتتبع اللبيب أن العرب قبل الإسلام اعتنت بالأنساب وحفظتها بالرواية وكان الدافع الأهم عندهم لحفظ الأنساب وروايتها آنذاك ليحموا أنفسهم من الطعن بهم ، فتكون حصناً لجمعهم ووسيلة لانضمام شملهم وشد عرى أزرهم ، فكانوا يفتخرون بها ، فمن كانت مآثر آبائه أكثر كان ارفع عندهم نسباً ، فنلاحظ إن اغلب البيوتات وسمت بالشرف وقرنت بالفضل لذلك قيل : فلان في بيت نبوة ، وبيت إمامة ، وبيت علم ، وبيت شجاعة ، وبيت كرم ، لما سبق له من العروق المتناسبة فنسبت العلماء البيوتات وأعطتها الفضل والنجابة ،
ولكن العرب في جاهليتهم قد بالغوا في التفاخر بأنسابهم فيما بينهم وصارت عندهم نخوة في التفاخر بالآباء مما أدى إلى ارتفاع العصبية القومية الناتجة عن تفاضلهم وتفاخرهم .
إلى أن بزغ النور الإلهي في الأفق بظهور خاتم الأنبياء ورسول هذه الأمة حبيب إلهِ العالمين أبي القاسم محمد صل الله عليه وآله وسلم ، وانتشار الدين الإسلامي الحنيف فجعل الله تعالى التقوى مكرمة للإنسان فقال سبحانه (إنّ أكرَمَكُمَ عِندَ اللهِ اتقاكُم).
فصارت التقوى محل حمية الجاهلية ، والأكرم هو الاتقى وحارب الرسول الكريم صل الله عليه وآله وسلم نخوة الجاهلية وفخرها للآباء وكان القصد من محاربة النبي صل الله عليه وآله وسلم هو الوقوف ضد العصبية القومية لرفعها بين العرب فأصبحت علقة الإيمان بينهم أقوى سبباً من علقة نسبية .
وبعد استمرار ذرية الرسول الأعظم صل الله عليه وآله وسلم من سيدة نساء العالمين زهراء رسول الله (عليها وعلى أبيها أفضل السلام) ومولى الموحدين الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ()، فجاءت الأهمية الكبرى في التحفظ على الذرية الطاهرة وذوي القربى النبوية الذين نزل في الكتاب التصريح بوجوب مودتهم على جميع المسلمين ووجوب إيصال الأخماس إليهم ومنع الصدقة عنهم إجلالا لهم.
ــــــــــــــــــــــــــ
فجاء بحثنا هذا ألا وهو (أهمية علم النسب) في خصوص هذا الفرع المحمدي الطاهر بكل فروع بني هاشم : الفاطمي والعلوي والطالبي والهاشمي وهي انساب آل بني هاشم .
وللتعرف على أهمية علم النسب الهاشمي جعلنا البحث على هيأة نقاط وأمور مهمة من خلالها تتبين لنا هذه الأهمية وتلكم الأمور هي :
1- النسب في القرآن الكريم .
2- النسب في أحاديث الرسول الأعظم (ص) .
3- علم النسب تم تدوينه وجمعه من القرون الأولى حتى عصرنا هذا .
4- علم النسب علم مستقل كبقية العلوم .
5- علم النسب والصفات المفروضة على صاحب هذا الفن .
.
6- أقوال عدد من الأعلام وعلماء هذا الفن في أهمية علم النسب .
7- ضرورة علم النسب في وقتنا الحاضر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الأول :النسب في القرآن الكريم :
قال سبحانه وتعالى (إنّا خَلَقنَاكُم من ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلنَاكُم شُعُوباً وَقبائلَ لِتعارَفُوا)
فالتعارف الذي هو نتيجة جعلهم شعوبا وقبائل لا يحصل إلا بمعرفة أنسابهم حتى لا ينتسب احد إلى غير أبيه وقبيلته .
وقوله تعالى ( ذريّة بعضها من بعض والله سميع عليم )
والذرية : الذكور والإناث من الولد وولد الولد لأن الذريّة من ذرّ الله الخلق ، والذرية أولاد الابن وأولاد البنات ، وقد جعل الله تعالى عيسى (ع) من ذرية إبراهيم (ع) وهو من ولد البنات . وأصل الذّر إظهار الخلق بالإيجاد ،
وإن الله تعالى اصطفى آدم بالحسب ، واصطفى أولاده بالحسب والنسب، حيث قال ( ذرّيّة بعضها من بعض ) .
وقوله تعالى على لسان نبيه صل الله عليه وآله وسلم (وَأنذِر عَشِيرَتَكَ الاقربين).
هذا مضافا إلى الكثير من الآيات الكريمة التي تصرح وتشير بفضل أهل البيت (عليهم السلام) قال تعالى (قُلَ لا أسألُكُم عَلَيهِ أجراً إلا المودّة في القُربى)
وقوله تعالى (إنما يُريدُ اللهُ ليذهِبَ عنكُمُ الرّجس أهل البيتِ ويُطهّرَكُم تَطهِيراً)
وقوله تعالى (كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ أصلُهَا ثابِتٌ وَفَرعُهَا في السّماءِ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الثاني : النسب في أحاديث الرسول الأعظم صل الله عليه وآله وسلم:
قال النبي الأعظم(ص) (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سبـبي ونسبي))
وقوله (ص) : ((تعلموا أنسابكم تصلوا (لتصلوا) أرحامكم))
وقوله (ص) : ((تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فان صلة الرحم محبة في الأهل ، ومثراة في المال ، ومنساة في الأثر)).
وقوله (ص) في حديث الاصطفاء : ((إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى من كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الثالث : علم النسب تم تدوينه وجمعه من القرون الأولى حتى عصرنا هذا :
أهمية علم النسب تظهر لدى المتفحص من خلال عملية تدوينه وجمعه من القرون الأولى من قبل العلماء بكافة طبقاتهم فمن مشاهير النسابين في القرن الأول وبداية القرن الثاني
أبي بكر عبد الله بن عثمان التيمي ، وعقيل بن أبي طالب (رض) ، فقد كان انسب قريش وأعلمهم، وأبي صالح ومحمد بن السائب الكلبي
فبادر العلماء منذ القرون الأولى لتدوين هذا العلم علماً مستقلا وكثر فيه التأليف غير أن أول من افرده بالتدوين هو
النسابة أبو المنذر هشام الكلبي المتوفى سنة 206هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الرابع : علم النسب علم مستقل كبقية العلوم :
إن النسب علم كبقيةالعلوم الذي يلزم الكتابة فيه ما يلزم الكتابة في العلوم الأخرى من الدقة والحذر والتثبت من الحق والواقع وصياغة
الحقائق والتأكد من الرواية والراوي واكتشاف الصحة وعدمها ومعرفة الأدلة والبراهين والجرح والتعديل للاستعانة في مدلولاتها تمهيدا للوصول إلى نتيجة خالصة وبعيدة عن الضيق والتحيز وصافية من الشوائب .
فهذا العلم علم مستقل بذاته له فوائده ومصطلحاته ورموزه التي يفهمها المتضلع في هذا الفن .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
الأمر الخامس : علم النسب والصفات المفروضة على صاحب هذا الفن :
تظهر أهمية هذا العلم واضحة من خلال الصفات التي دونها العلماء والمؤرخون في مصنفاتهم على صاحب هذا الفن فليس كل من له معرفة سطحية بهذا العلم له الحق أن يتصدى لمسائله وموضوعاته
فإضافة إلى صفة التقوى والصدق وقوة النفس التي يجب أن تكون متوفرة في أوصاف صاحب علم النسب فقد ذكر علماؤنا الأبرار رضوان الله عليهم انه يجب على صاحب هذا العلم أن يكون ملماً بعلم الرجال والحديث والفقه والأصول والمنطق والأخلاق لكي يكون رأيه
شرعياً ومبرءاً للذمة في حق السائل لما تتطلبه مسائل هذا العلم لان في النسب الهاشمي توجد مسائل دقيقة تتعلق بحياة الفرد فالعالم الشرعي في هذا الفن تكون له نظرة ثاقبة في تلكم المسائل والمواضيع .
الأمر االسادس : أقوال عدد من الأعلام وعلماء هذا الفن في أهمية علم النسب :
يعتبر علم الأنساب حسب الدراسات الأكاديمية شكل من أشكال التعبير التاريخي، وذلك لانه ليس امراً جديدا وانما هو قديم مستمد من المنهجية العربية القديمة ، فبأهميته هذه يعد أمرا لا يقل أهمية عن أي دراسة تاريخية فذكر هذه الأهمية العلماء قديماً وحديثاً .
نورد هنا بعض أقوال العلماء في أهمية هذا العلم :
(1) قال ابن الأثير الجزري في لبابه : ((وهو مما يحتاج طالب العلم إليه ويضطر الراغب في الاداب والفضل إلى التعويل عليه )) .
(2) قال أبو محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم الاندلسي المتوفى 456هـ : ((فوجب بذلك إن علم النسب علمٌ جليلٌ رفيعٌ، إذ به يكون التعارف . .))
(3) قال أبو العباس احمد القلقشندي المتوفى سنة (821هـ) : ((مع مسيس الحاجة إليه في كثير من المهمات ودعائه الضرورة إلى معرفته في الجليل من الوقائع والملمات))
(4) قال العلامة والنسابة الشهير السيد جمال الدين احمد بن علي الحسني المعروف بابن عنبه والمتوفى سنة 828هـ في عمدته : ((أما بعد . . فان علم النسب علم عظيم المقدار ، ساطع الأنوار ؛ أشار الكتاب الإلهي إليه فقال سبحانه وتعالى (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) وحث النبي الأمي عليه فقال : (تعلموا أنسابكم لتصوا أرحامكم) ، لا سيما نسب آل الرسول عليه السلام ، لوجوب توخيهم بالإجلال والإعظام كما وضح فيه البرهان ودل عليه القرآن . . . الخ )).
وهناك الكثير من أقوال العلماء في مقدمات مصنفاتهم فاكتفينا بهذا الذكر الذي مر آنفاً كمثال على أهمية هذا العلم ، ومن أراد الإطلاع أكثر فليراجع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر السابع : ضرورة علم النسب في وقتنا الحاضر :
من المعلوم لدى المتتبع أن أغلب مصنفات العلماء والمؤرخين في هذا الفن ذكرت أن هناك بعض الأسر في القرون الأولى ادعتّ الانتساب إلى النسب الهاشمي ، وتصدى العلماء في وقتها لبيان حقيقة أمر هذه الأُسر بين الصحيح منها وغير الصحيح . حتى كادت بعض عناوين المؤلفات توحي بما كان من هذا الأمر مثل كتاب
(غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار) لمؤلفه تاج الدين بن زهرة على احد الأقوال الذي كان حياً سنة 753هـ،
وكتاب (صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار) لأبي المعلي محمد سراج الدين المتوفى سنة 885هـ .
{ومن المعلوم أيضا انه ليست كل الأُسر التي ادعت الانتساب إلى الآل (عليهم السلام) غير صحيحة وإنها تدعي ما ليس من حقها لأن البعض من هذه الأسر لها أدلتها الشرعية ودلائل أخرى يمكن من خلالها البت في صحة انتمائها من قبل العالم النسابة المتخصص بفنه}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
5- أنساب آل البيت في الوطن العربي والإسلامي .
وختاماً نوجه خطاباً لهذه الأُسر والقبائل والعشائر والبيوتات رعاهم الله تعالى على إن الاستمرار على هذا الأمر له عواقب سيئة ربما لا يدركها المدعي الآن ، وان هذا الامر ليس ايجابيا ولا احساناً كما يظنه البعض منهم بل هو إساءة لذرية الرسول الأعظم صل الله عليه وآله وسلم .
فانتبهأوا أيها المسلمون حفظكم الله تعالى إلى هذا الأمر فالقرآن الكريم يخاطب الناس بقوله (إنّ أكرَمَكُمَ عِندَ اللهِ اتقاكُم)، فهذه بعض التعاليم الربانية التي تدعو الناس إلى التسابق في التقوى والطاعة والعمل الصالح . والاعتماد على الانتساب إلى آل البيت النبوي غير مجدٍ ولا نافعٍ بعدما جاء قوله تعالى (وقل أعملوا فسيرى اللهُ عملَكُم ورسُولُهُ والمؤمنون)
وقوله تعالى : (يرفع الله الذينَ امنُوا منكم والذينَ أُوتوا العِلَم درجاتٍ)
وقوله تعالى : (والذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ أولئكَ اصحابُ الجنةِ هم فيها خالدون)
وقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ لهم مغفرةٌ واجرٌ عظيم)
وقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الذين امنوا منكم وعمِلُوا الصالحاتِ لَيَستَخلِفنَّهُم في الارضِ كما استخلف الذين من قبلهم)
وقوله تعالى : (الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ لنُدخِلنَّهُم في الصالحين).
وقوله تعالى : (إنَّ الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ لهم اجرٌ غيرُ ممنونٍ)
وقوله تعالى : (إلاَّ الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ فلهم اجرٌ غيرُ ممنونٍ)
وقوله تعالى : (إنَّ الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ أولئكَ هم خَيرُ البريّةِ)
إلى غير هذا من الآيات المباركات التي تحث وتخص على العمل الصالح والتقوى.
نسأل المولى العلي القدير أن يزيل هذه الشبهة عن نفوسهم أنه سميع مجيب الدعاء
والحمد لله رب العالمين
بحث بقلم علي بن السيد حسين أبو سعيدة الموسوي
_________________ تــوقــيـع
أهمية علم الأنساب (لأؤلي الألباب) DjvWDVLW0AAaB-L
لاتحسبنًي بشتكـي مـن مساويـــــــــك= مـن دون حدًي بحكمك في حدودي
ماني ونالعاصـي تضـن الرجـاء فيـك=رجــــاي بالله والـخـلايـق شـهــودي
فيني طناخه يافتى الجــــود وطغيـك = أبــــك إقحطانـن كـلهـم لـي سنـودي
أهمية علم الأنساب (لأؤلي الألباب) Counter
أ
الحمد لله المهدي للرشاد الفاتح لعباده باب الرضوان والسّداد ، والصلاة والسلام على المرسل كافة للعباد ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأمجاد .
وبعد : لا يخفى على المتتبع اللبيب أن العرب قبل الإسلام اعتنت بالأنساب وحفظتها بالرواية وكان الدافع الأهم عندهم لحفظ الأنساب وروايتها آنذاك ليحموا أنفسهم من الطعن بهم ، فتكون حصناً لجمعهم ووسيلة لانضمام شملهم وشد عرى أزرهم ، فكانوا يفتخرون بها ، فمن كانت مآثر آبائه أكثر كان ارفع عندهم نسباً ، فنلاحظ إن اغلب البيوتات وسمت بالشرف وقرنت بالفضل لذلك قيل : فلان في بيت نبوة ، وبيت إمامة ، وبيت علم ، وبيت شجاعة ، وبيت كرم ، لما سبق له من العروق المتناسبة فنسبت العلماء البيوتات وأعطتها الفضل والنجابة ،
ولكن العرب في جاهليتهم قد بالغوا في التفاخر بأنسابهم فيما بينهم وصارت عندهم نخوة في التفاخر بالآباء مما أدى إلى ارتفاع العصبية القومية الناتجة عن تفاضلهم وتفاخرهم .
إلى أن بزغ النور الإلهي في الأفق بظهور خاتم الأنبياء ورسول هذه الأمة حبيب إلهِ العالمين أبي القاسم محمد صل الله عليه وآله وسلم ، وانتشار الدين الإسلامي الحنيف فجعل الله تعالى التقوى مكرمة للإنسان فقال سبحانه (إنّ أكرَمَكُمَ عِندَ اللهِ اتقاكُم).
فصارت التقوى محل حمية الجاهلية ، والأكرم هو الاتقى وحارب الرسول الكريم صل الله عليه وآله وسلم نخوة الجاهلية وفخرها للآباء وكان القصد من محاربة النبي صل الله عليه وآله وسلم هو الوقوف ضد العصبية القومية لرفعها بين العرب فأصبحت علقة الإيمان بينهم أقوى سبباً من علقة نسبية .
وبعد استمرار ذرية الرسول الأعظم صل الله عليه وآله وسلم من سيدة نساء العالمين زهراء رسول الله (عليها وعلى أبيها أفضل السلام) ومولى الموحدين الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ()، فجاءت الأهمية الكبرى في التحفظ على الذرية الطاهرة وذوي القربى النبوية الذين نزل في الكتاب التصريح بوجوب مودتهم على جميع المسلمين ووجوب إيصال الأخماس إليهم ومنع الصدقة عنهم إجلالا لهم.
ــــــــــــــــــــــــــ
فجاء بحثنا هذا ألا وهو (أهمية علم النسب) في خصوص هذا الفرع المحمدي الطاهر بكل فروع بني هاشم : الفاطمي والعلوي والطالبي والهاشمي وهي انساب آل بني هاشم .
وللتعرف على أهمية علم النسب الهاشمي جعلنا البحث على هيأة نقاط وأمور مهمة من خلالها تتبين لنا هذه الأهمية وتلكم الأمور هي :
1- النسب في القرآن الكريم .
2- النسب في أحاديث الرسول الأعظم (ص) .
3- علم النسب تم تدوينه وجمعه من القرون الأولى حتى عصرنا هذا .
4- علم النسب علم مستقل كبقية العلوم .
5- علم النسب والصفات المفروضة على صاحب هذا الفن .
.
6- أقوال عدد من الأعلام وعلماء هذا الفن في أهمية علم النسب .
7- ضرورة علم النسب في وقتنا الحاضر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الأول :النسب في القرآن الكريم :
قال سبحانه وتعالى (إنّا خَلَقنَاكُم من ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلنَاكُم شُعُوباً وَقبائلَ لِتعارَفُوا)
فالتعارف الذي هو نتيجة جعلهم شعوبا وقبائل لا يحصل إلا بمعرفة أنسابهم حتى لا ينتسب احد إلى غير أبيه وقبيلته .
وقوله تعالى ( ذريّة بعضها من بعض والله سميع عليم )
والذرية : الذكور والإناث من الولد وولد الولد لأن الذريّة من ذرّ الله الخلق ، والذرية أولاد الابن وأولاد البنات ، وقد جعل الله تعالى عيسى (ع) من ذرية إبراهيم (ع) وهو من ولد البنات . وأصل الذّر إظهار الخلق بالإيجاد ،
وإن الله تعالى اصطفى آدم بالحسب ، واصطفى أولاده بالحسب والنسب، حيث قال ( ذرّيّة بعضها من بعض ) .
وقوله تعالى على لسان نبيه صل الله عليه وآله وسلم (وَأنذِر عَشِيرَتَكَ الاقربين).
هذا مضافا إلى الكثير من الآيات الكريمة التي تصرح وتشير بفضل أهل البيت (عليهم السلام) قال تعالى (قُلَ لا أسألُكُم عَلَيهِ أجراً إلا المودّة في القُربى)
وقوله تعالى (إنما يُريدُ اللهُ ليذهِبَ عنكُمُ الرّجس أهل البيتِ ويُطهّرَكُم تَطهِيراً)
وقوله تعالى (كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ أصلُهَا ثابِتٌ وَفَرعُهَا في السّماءِ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الثاني : النسب في أحاديث الرسول الأعظم صل الله عليه وآله وسلم:
قال النبي الأعظم(ص) (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سبـبي ونسبي))
وقوله (ص) : ((تعلموا أنسابكم تصلوا (لتصلوا) أرحامكم))
وقوله (ص) : ((تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فان صلة الرحم محبة في الأهل ، ومثراة في المال ، ومنساة في الأثر)).
وقوله (ص) في حديث الاصطفاء : ((إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى من كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الثالث : علم النسب تم تدوينه وجمعه من القرون الأولى حتى عصرنا هذا :
أهمية علم النسب تظهر لدى المتفحص من خلال عملية تدوينه وجمعه من القرون الأولى من قبل العلماء بكافة طبقاتهم فمن مشاهير النسابين في القرن الأول وبداية القرن الثاني
أبي بكر عبد الله بن عثمان التيمي ، وعقيل بن أبي طالب (رض) ، فقد كان انسب قريش وأعلمهم، وأبي صالح ومحمد بن السائب الكلبي
فبادر العلماء منذ القرون الأولى لتدوين هذا العلم علماً مستقلا وكثر فيه التأليف غير أن أول من افرده بالتدوين هو
النسابة أبو المنذر هشام الكلبي المتوفى سنة 206هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الرابع : علم النسب علم مستقل كبقية العلوم :
إن النسب علم كبقيةالعلوم الذي يلزم الكتابة فيه ما يلزم الكتابة في العلوم الأخرى من الدقة والحذر والتثبت من الحق والواقع وصياغة
الحقائق والتأكد من الرواية والراوي واكتشاف الصحة وعدمها ومعرفة الأدلة والبراهين والجرح والتعديل للاستعانة في مدلولاتها تمهيدا للوصول إلى نتيجة خالصة وبعيدة عن الضيق والتحيز وصافية من الشوائب .
فهذا العلم علم مستقل بذاته له فوائده ومصطلحاته ورموزه التي يفهمها المتضلع في هذا الفن .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
الأمر الخامس : علم النسب والصفات المفروضة على صاحب هذا الفن :
تظهر أهمية هذا العلم واضحة من خلال الصفات التي دونها العلماء والمؤرخون في مصنفاتهم على صاحب هذا الفن فليس كل من له معرفة سطحية بهذا العلم له الحق أن يتصدى لمسائله وموضوعاته
فإضافة إلى صفة التقوى والصدق وقوة النفس التي يجب أن تكون متوفرة في أوصاف صاحب علم النسب فقد ذكر علماؤنا الأبرار رضوان الله عليهم انه يجب على صاحب هذا العلم أن يكون ملماً بعلم الرجال والحديث والفقه والأصول والمنطق والأخلاق لكي يكون رأيه
شرعياً ومبرءاً للذمة في حق السائل لما تتطلبه مسائل هذا العلم لان في النسب الهاشمي توجد مسائل دقيقة تتعلق بحياة الفرد فالعالم الشرعي في هذا الفن تكون له نظرة ثاقبة في تلكم المسائل والمواضيع .
الأمر االسادس : أقوال عدد من الأعلام وعلماء هذا الفن في أهمية علم النسب :
يعتبر علم الأنساب حسب الدراسات الأكاديمية شكل من أشكال التعبير التاريخي، وذلك لانه ليس امراً جديدا وانما هو قديم مستمد من المنهجية العربية القديمة ، فبأهميته هذه يعد أمرا لا يقل أهمية عن أي دراسة تاريخية فذكر هذه الأهمية العلماء قديماً وحديثاً .
نورد هنا بعض أقوال العلماء في أهمية هذا العلم :
(1) قال ابن الأثير الجزري في لبابه : ((وهو مما يحتاج طالب العلم إليه ويضطر الراغب في الاداب والفضل إلى التعويل عليه )) .
(2) قال أبو محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم الاندلسي المتوفى 456هـ : ((فوجب بذلك إن علم النسب علمٌ جليلٌ رفيعٌ، إذ به يكون التعارف . .))
(3) قال أبو العباس احمد القلقشندي المتوفى سنة (821هـ) : ((مع مسيس الحاجة إليه في كثير من المهمات ودعائه الضرورة إلى معرفته في الجليل من الوقائع والملمات))
(4) قال العلامة والنسابة الشهير السيد جمال الدين احمد بن علي الحسني المعروف بابن عنبه والمتوفى سنة 828هـ في عمدته : ((أما بعد . . فان علم النسب علم عظيم المقدار ، ساطع الأنوار ؛ أشار الكتاب الإلهي إليه فقال سبحانه وتعالى (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) وحث النبي الأمي عليه فقال : (تعلموا أنسابكم لتصوا أرحامكم) ، لا سيما نسب آل الرسول عليه السلام ، لوجوب توخيهم بالإجلال والإعظام كما وضح فيه البرهان ودل عليه القرآن . . . الخ )).
وهناك الكثير من أقوال العلماء في مقدمات مصنفاتهم فاكتفينا بهذا الذكر الذي مر آنفاً كمثال على أهمية هذا العلم ، ومن أراد الإطلاع أكثر فليراجع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر السابع : ضرورة علم النسب في وقتنا الحاضر :
من المعلوم لدى المتتبع أن أغلب مصنفات العلماء والمؤرخين في هذا الفن ذكرت أن هناك بعض الأسر في القرون الأولى ادعتّ الانتساب إلى النسب الهاشمي ، وتصدى العلماء في وقتها لبيان حقيقة أمر هذه الأُسر بين الصحيح منها وغير الصحيح . حتى كادت بعض عناوين المؤلفات توحي بما كان من هذا الأمر مثل كتاب
(غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار) لمؤلفه تاج الدين بن زهرة على احد الأقوال الذي كان حياً سنة 753هـ،
وكتاب (صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار) لأبي المعلي محمد سراج الدين المتوفى سنة 885هـ .
{ومن المعلوم أيضا انه ليست كل الأُسر التي ادعت الانتساب إلى الآل (عليهم السلام) غير صحيحة وإنها تدعي ما ليس من حقها لأن البعض من هذه الأسر لها أدلتها الشرعية ودلائل أخرى يمكن من خلالها البت في صحة انتمائها من قبل العالم النسابة المتخصص بفنه}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
5- أنساب آل البيت في الوطن العربي والإسلامي .
وختاماً نوجه خطاباً لهذه الأُسر والقبائل والعشائر والبيوتات رعاهم الله تعالى على إن الاستمرار على هذا الأمر له عواقب سيئة ربما لا يدركها المدعي الآن ، وان هذا الامر ليس ايجابيا ولا احساناً كما يظنه البعض منهم بل هو إساءة لذرية الرسول الأعظم صل الله عليه وآله وسلم .
فانتبهأوا أيها المسلمون حفظكم الله تعالى إلى هذا الأمر فالقرآن الكريم يخاطب الناس بقوله (إنّ أكرَمَكُمَ عِندَ اللهِ اتقاكُم)، فهذه بعض التعاليم الربانية التي تدعو الناس إلى التسابق في التقوى والطاعة والعمل الصالح . والاعتماد على الانتساب إلى آل البيت النبوي غير مجدٍ ولا نافعٍ بعدما جاء قوله تعالى (وقل أعملوا فسيرى اللهُ عملَكُم ورسُولُهُ والمؤمنون)
وقوله تعالى : (يرفع الله الذينَ امنُوا منكم والذينَ أُوتوا العِلَم درجاتٍ)
وقوله تعالى : (والذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ أولئكَ اصحابُ الجنةِ هم فيها خالدون)
وقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ لهم مغفرةٌ واجرٌ عظيم)
وقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الذين امنوا منكم وعمِلُوا الصالحاتِ لَيَستَخلِفنَّهُم في الارضِ كما استخلف الذين من قبلهم)
وقوله تعالى : (الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ لنُدخِلنَّهُم في الصالحين).
وقوله تعالى : (إنَّ الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ لهم اجرٌ غيرُ ممنونٍ)
وقوله تعالى : (إلاَّ الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ فلهم اجرٌ غيرُ ممنونٍ)
وقوله تعالى : (إنَّ الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ أولئكَ هم خَيرُ البريّةِ)
إلى غير هذا من الآيات المباركات التي تحث وتخص على العمل الصالح والتقوى.
نسأل المولى العلي القدير أن يزيل هذه الشبهة عن نفوسهم أنه سميع مجيب الدعاء
والحمد لله رب العالمين
بحث بقلم علي بن السيد حسين أبو سعيدة الموسوي
_________________ تــوقــيـع
أهمية علم الأنساب (لأؤلي الألباب) DjvWDVLW0AAaB-L
لاتحسبنًي بشتكـي مـن مساويـــــــــك= مـن دون حدًي بحكمك في حدودي
ماني ونالعاصـي تضـن الرجـاء فيـك=رجــــاي بالله والـخـلايـق شـهــودي
فيني طناخه يافتى الجــــود وطغيـك = أبــــك إقحطانـن كـلهـم لـي سنـودي
أهمية علم الأنساب (لأؤلي الألباب) Counter
أ
مواضيع مماثلة
» أهمية علم الأنساب
» أهمية الأنساب من الناحية الشرعية
» طرق حفظ الأنساب
» علم الأنساب:&&&&
» تاريخ علم الأنساب:
» أهمية الأنساب من الناحية الشرعية
» طرق حفظ الأنساب
» علم الأنساب:&&&&
» تاريخ علم الأنساب:
الموقع العام لقبيلة البدير في العراق للشيخ شوقي جبار البديري :: 43- منتدى علم الانساب في االعرف العشائري
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين نوفمبر 25, 2024 8:42 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» التراث السومري داخل حسن
الجمعة نوفمبر 22, 2024 9:04 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» تراث الناصريه الغنائي حضري ابو عزيز
الجمعة نوفمبر 22, 2024 8:50 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» البو حسين البدير
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:58 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ المرحوم عبد الهادي
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:53 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ شوقي البديري والاخ حمود كريم الركابي
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:51 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الاستاذ المخرج عزيز خيون البديري وعمامه البدير
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:48 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ صباح العوفي مع الشيخ عبد الامير التعيبان
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:45 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ المرحوم محمد البريج
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:41 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري