بحـث
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
حول
مرحبا بكم فى منتدى الموقع العام لقبيلة البدير في العراق للشيخ شوقي جبار البديري
قبيلة البدير من القبائل الزبيديه
تاريخ علم الأنساب:
الموقع العام لقبيلة البدير في العراق للشيخ شوقي جبار البديري :: 43- منتدى علم الانساب في االعرف العشائري
صفحة 1 من اصل 1
تاريخ علم الأنساب:
تاريخ علم الأنساب: العقلية العربية، التأثير السياسي، الانقسامات الاجتماعية … ـــــــــ
لم يكن معروفاً لدى عرب الجاهلية سوى واحدٍ من أشكال عملية التأريخ وتسجيل الأحداث، وهو أنساب القبائل، وأيام الحروب، والتي امتزج سردهم لها بالقصة والشعر، وأحياناً بالأساطير والخرافات([36]). وحيث كان هذا الأسلوب مثيراً وجذاباً كان له أنصارٌ وأتباع حتى في العصر الإسلامي وداخل بلاط الخلفاء وقصورهم([37]).
وللأسف الشديد لم يبلغنا في هذا المجال ولم يصل أيدينا شيءٌ من الآثار والمؤلّفات التي يمكن أن تكون قد كتبت ودوّنت في زمان الجاهلية؛ ولذا فالمعلومات التي استفدناها بشأن سير وحركة علم الأنساب في الجاهلية تعدّ ـ في مجملها ـ معلوماتٌ مستقاة من أشعارٍ وخواطر شفاهية تمّت كتابتها في العصر الإسلامي، أو كانت قد نقشت على القبور أو الحجارة. ولا ننسى ـ بالطبع ـ الدور الكبير الذي تسهم به الأشعار الجاهلية في هذا الإطار.
لقد أولى العرب أهمية كبرى للتمييز والتفضيل بين الأقوام والأفراد، وكان النسب والهوية العشائرية للفرد هو ما يحدّد مرتبته عندهم وما ينزله منزله، الأمر الذي شكّل مفترقاً أساسياً بين كتابة السيرة عندهم وبين كتابتها لأغراضٍ أخلاقيةٍ أو علميةٍ، كما يجري في كتابة سير العلماء والشهداء كأنموذجٍ يقتدى به ويحتذى. أما عرب الجاهلية، فلم يكن لهم غرضٌ في كتابة السيرة ولا في تتبّع الأنساب إلا التكبر والتفاخر والتفاضل([38]). ولو قمنا بالمقارنة بين علم الأنساب عندهم وعلم الرجال ـ وهو العلم الباحث عن الرواة ـ لوجدنا أنّ غرض الرجالي من البحث عن نسب الراوية يخلو من تلك المظاهر وينحصر في معرفة صحيح الروايات من سقيمها. وفي المقام لا ينبغي أن نتناسى الجهود المخلصة والمساعي الحثيثة التي بذلها بعض المؤرّخين في سبيل إثبات طهارة وعظمة أجداد النبي الأكرم’، وأن هؤلاء كانوا الطليعة الذين مهّدوا السبيل بمساعيهم لتطوّر علم الأنساب وارتقائه، وكانت جهودهم هذه هي التي دفعت بعجلته ومكّنته من الذهاب أشواطاً إلى الأمام.
إلى جانب ذلك، كان الاستغلال السياسي عاملاً مهماً آخر ترك أثره على مسيرة رشد هذا العلم ونموّه وازدهاره، حيث كان يتم استغلال نسب الحاكم وادّعاء القرب من أفراد السلطة طمعاً بكسب المشروعية والمقبولية.
لكن اعتبر بعض الباحثين أن تطوّر علم الأنساب كان نتيجةً للتفاعل بين توجّهين اثنين: التوجّه القبلي الذي كان لدى قسمٍ من المؤرخين، والتوجه الحديثي والروائي لدى بعضهم الآخر([39]). وقد رأينا في أوائل القرن الثاني الهجري أن بعضهم ترك مؤلفاتٍ تعرض فيها لأنساب قبائلهم، بل إن بعض هؤلاء أقدم على رسم صورٍ نقش فيها نسب قبيلته خاصةً([40]). واللغة التي كانت تستخدم في هذا النحو من التأليفات تركبت، في معظمها، من الشعر والأقوال العامية الشفاهية([41]).
أدى توسّع النفوذ الإسلامي إثر الفتوحات إلى إحداث تحولٍ في الرؤى لدى علماء الأنساب؛ إذ أثر عليهم من الناحية الكمية، وهو ما استتبع تحوّلاً في أساليبهم ومبادئهم الأولية أيضاً([42]). وهكذا أخذ علم التاريخ العام باحتواء علم الأنساب وابتلاعه تدريجياً([43]).
وبالنسبة لأول من كتب في الأنساب، فقد اعتبر بعضهم أنه محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (124هـ) في كتابه (نسب قومه)، والذي لم يصل إلينا([44]). وأنّ من قام بنشر هذا العلم وبسطه هو أبو يقظان (190هـ) في كتابيه: (أخبار تميم)، و(نسب خندف). لكن لم يصلنا من هذه الآثار شيءٌ، باستثناء بضع موارد قليلة مبثوثة في كتب متفرّقة. مقابل ذلك، ذهب بعضهم إلى أنّ أوّل من سجل له نشاطٌ علمي فعّال في هذا الفن، هو هشام بن محمد بن سائب الكلبي (206 أو 204هـ)، وقد ترك خمسة مؤلفات في هذا المجال([45]).
لكن الظاهر أن هذه الدعوى بعيدةٌ عن الصواب، وإن كنّا نقرّ بأن كلاً من هشام ووالده قد أسهما في إيجاد انعطافةٍ كبرى في هذا العلم، لاسيما أنّ الأخير لم يصلنا من آثاره شيءٌ. وقد رأى السيد حسن الصدر أن أبا عبد الله الجهمي هو أوّل المؤلّفين في علم الأنساب في العصر الإسلامي، والكتاب الذي تركه حمل عنوان <أنساب قريش وأخبارها>([46]). وكتب المؤرخ العراقي جواد علي قائلاً: لا نعرف ولم نسمع بأي أثرٍ مكتوبٍ من العصر الجاهلي يتناول مسائل علم الأنساب، وأول تقريرٍ رسمي مكتوب يعود إلى عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، ففي ذلك الزمن برزت الحاجة إلى علم النسب بشكلٍ واضحٍ، إذ كان لابد من تسجيل أسماء كافة المواطنين لاستلام حقوقهم من بيت المال، كل بحسب شأنه العائلي والاجتماعي؛ إلا أنّ ما يدعو للأسف أن شيئاً من الأسناد الرسمية لهذا الديوان لم يصل إلينا، بل ولم نعثر على تصريحٍ من أحد النسّابين بالأخذ أو حتى بالاقتباس من دفاتره([47]).
لم يكن الاهتمام بالأنساب أمراً من ابتكار العرب واختراعهم، بل كان الاهتمام بالروابط النسبية والأسرية سائداً لدى غيرهم من الأمم، كالهيلينيين (Hellen) والرومانيين والفرس والهنود والأوروبيين والساميين([48]). كما أن التوراة كانت تشير ـ أحياناً ـ إلى أجداد الشخص على مدى أجيالٍ عدّة. وهذا ما لا وجود له أصلاً في القرآن الكريم، وربما استطعنا أن نعزو هذا الاختلاف إلى التباين بين الطريقة التي ينظر القرآن بها إلى النسب والأجداد وبين الطريقة السائدة في التوراة([49]).
وفي العام 15 أو 20 للهجرة، أمر الخليفة الثاني عمر بضبط الأنساب وتسجيلها وترتيبها في الديوان العالي للدولة آنذاك([50]). والطريقة التي اتّبعها أصحاب ذلك الديوان تمثلت في تقسيم العرب وتصنيفهم إلى صنفين: قحطانيين وعدنانيين، فالعدنانيون مقدّمون على غيرهم لظهور النبي فيهم. ثم بعد ذلك يتم تصنيف العدنانيين إلى طبقتين: مضر، وهي المقدمة عندهم، وربيعة. وبدورها مضر تعرّضت للتفكيك والتقسيم عندهم إلى مجموعتين هما: قريش وغير قريش، فأعطوا لقريش الحقّ في الأفضلية والتقدم، ثم قسمت قريش أيضاً إلى فرقتين هما: بنو هاشم، وهم المقدّمون، وغيرهم.
وبالتأمل قليلاً في هذه التصنيفات، يظهر أن المعيار لتفضيل مجموعةٍ وتقديمها على أخرى عند هؤلاء كان عبارةً عن ظهور النبي في تلك المجموعة أو عدمه، وعلى هذا الأساس، كان بنو هاشم المحور الأصلي الذي تدور حوله هذه التصنيفات، ثم الأقرب منهم فالأقرب، على الترتيب([51]).
كتب ابن الأثير في حوادث سنة 15 هجرية ما يلي: <وفي سنة خمس عشرة فرض عمر للمسلمين الفروض ودوّن الدواوين، وأعطى العطايا على السابقة، وأعطى صفوان بن أمية والحارث بن أمية وسهيل بن عمرو في أهل الفتح أقلّ ما أخذ من قبلهم، فامتنعوا من أخذه وقالوا: لا نعترف أن يكون أحدٌ أكرم منّا، فقال: إني إنما أعطيتكم على السابقة في الإسلام لا على الأحساب>([52]). فهذه التقارير إن دلّ مثلها على شيءٍ، فإنما يدلّ على أن المعيار والملاك الذي كان عندهم لم يكن يقتصر على القبيلة والنسب.
لقد كان الذي وضع خطة تنظيم الأنساب في الديوان المذكور كلّ من عقيل بن أبي طالب ومحزمة بن نوفل وجبير بن مطعم([53]). وبحسب بعضهم، فإن هذه الخطة استشفّت من كيفية تعاطي الروم في عطاياهم لأهل الشام([54]). وعلى كل حالٍ، فقد كان للقيام بهذه الخطوة، من إنشاء الديوان وتدوين الأسماء، أعظم الأثر في ارتقاء هذا العلم ونموّه([55]). وقد أدّى وجود هذه العمليات التوثيقية إلى أن يتم ـ وبشكلٍ دقيق ـ فرز وضبط أنساب القبائل بدءاً من العهد الأموي فصاعداً. إلا أن الذي بقي مجهولاً وفاقداً للضبط والتحديد: الغصون والفروع الحادثة في كل قبيلةٍ، والعلاقات التي تربط كل قبيلةٍ بالأخرى. وكان ضياع الأسناد والمدارك الحكومية والديوانية، منذ زمن عمر فما بعد، سبباً جديداً آخر جاء ليضاعف من حالة التشويش والإرباك القائمة وليؤدي إلى مراكمتها([56]).
وكان للفتوحات أثرٌ كبيرٌ على علم الأنساب من جهاتٍ مختلفة:
1 ـ وصول الغنائم والأموال الطائلة إلى خزينة الخلافة الإسلامية ممّا ولّد الشعور بضرورة تأسيس نظامٍ يتكفل بدقة الحساب والتوزيع العادل للثروة. وكانت المعايير المعتمدة في دفوعات هذا النظام، هي: القرابة للنبي الأعظم’، السابقة في الإسلام، والشجاعة في الحروب، هذا طبعاً إلى جانب النسب([57]).
2 ـ انفتاح المجتمع المكّي والمدني وعلى أوسع نطاق، بعد أن كان مغلقاً على نفسه، وانتشار الكثير من العرب في مختلف نقاط العالم واندماجهم بسائر الأقوام الذين خالطوهم.
3 ـ وفود الكثير من غير العرب على المجتمع العربي.
4 ـ انخفاض مستوى العصبيات القبلية بالترافق مع الرشد والمدنية والثقافات الجديدة.
لكن، وعلى الرغم من تمدّد وتوسّع المجتمع العربي إبان الفتوحات، إلا أن الذي ساد فيه في العصر الأموي تأجّج نار الفتن واشتعال المنازعات القبلية، حيث كانت السياسة الأموية تقوم على تحريك الاختلافات وتعميقها وتوسعتها. وهذا ما يفسّر مجيء أدبيات هذا العصر مشحونةً بمفردات التفاخر والمنقصة. هذا من جهة. ومن جهةٍ أخرى، كانت الخلافة الأموية تسعى بشتى الوسائل والطرق لكسب شرعيتها السياسية والاجتماعية وتحسينها والحفاظ عليها، ومن بين الوسائل التي اتّبعتها في هذا المجال، التفاخر بنسبها وأنساب قبيلتها، وهو ما أدى شيئاً فشيئاً إلى الترويج لمبدأ التفاخر والتباهي بالنسب. وحقاً نقول: إن علم الأنساب قد شكل ملجأً حصيناً وكهفاً منيعاً أمّنت الخلافة الأموية لنفسها الغطاء والحماية من خلاله([58]).
وهكذا عندما وصل الأمر إلى عهد الخلافة العباسية، والذي بدأ برفع شعار الرضا من آل محمد، وأعلن العباسيون أن الهدف من تحرّكهم إرجاع الخلافة إلى أهلها أحفاد النبي’؛ فبدؤوا لذلك بطرح مسألة أحقية قريش بالخلافة من وجهة نظرٍ فقهية وكلامية، وأرادوا من قريش المنتسبين من علي وجعفر والعباس، أي العلويون والجعفريون والعباسيون، أما بنو أمية فكانوا يعتبرونهم خارجين عن البيت القرشي.
أسفرت هذه الاختلافات السياسية عن طرح مباحث جديدةٍ أكثر جديةً فيما يتعلّق بعلم الأنساب([59]). كما وأدت النزعة العروبية التي تشبّث بها بنو أمية إلى استيلاد النزعة الشعوبية التي أخذت على عاتقها مهمّة الطعن على العرب وتتبع عثراتهم، حتى أن أصحابها قد أجهدوا أنفسهم في سبيل تحويل مناقب العرب وفضائلهم إلى مثالب ورذائل([60]). ورداً على حملات الشعوبيين، قام جمعٌ كبيرٌ من المؤلّفين بتدوين كتبٍ تسرد فضائل النسب العربي، مثل كتاب: فضائل قريش، لعلي بن محمد المدائني، ومناقب قريش، لابن عبده. وقد ساهم هذا الجدال والأخذ والرد بدوره في إثراء علم الأنساب وتقديم مادةٍ جديدة له([61]).
وثمة عاملٌ آخر كان له دورٌ بارز في النهوض بعلم الأنساب أيضاً، وهو النزاعات التي تمحورت حول مسألة الخلافة، أو حول تعاليم الدين التي تعطي المشروعية لحكم الحاكم، كالنزاع الذي دار بين بني هاشم وبني العباس حول الخلافة وشرائط الحاكم، والتي تطفح بها مصادر الشريعة عند الفريقين([62]).
لم يكن معروفاً لدى عرب الجاهلية سوى واحدٍ من أشكال عملية التأريخ وتسجيل الأحداث، وهو أنساب القبائل، وأيام الحروب، والتي امتزج سردهم لها بالقصة والشعر، وأحياناً بالأساطير والخرافات([36]). وحيث كان هذا الأسلوب مثيراً وجذاباً كان له أنصارٌ وأتباع حتى في العصر الإسلامي وداخل بلاط الخلفاء وقصورهم([37]).
وللأسف الشديد لم يبلغنا في هذا المجال ولم يصل أيدينا شيءٌ من الآثار والمؤلّفات التي يمكن أن تكون قد كتبت ودوّنت في زمان الجاهلية؛ ولذا فالمعلومات التي استفدناها بشأن سير وحركة علم الأنساب في الجاهلية تعدّ ـ في مجملها ـ معلوماتٌ مستقاة من أشعارٍ وخواطر شفاهية تمّت كتابتها في العصر الإسلامي، أو كانت قد نقشت على القبور أو الحجارة. ولا ننسى ـ بالطبع ـ الدور الكبير الذي تسهم به الأشعار الجاهلية في هذا الإطار.
لقد أولى العرب أهمية كبرى للتمييز والتفضيل بين الأقوام والأفراد، وكان النسب والهوية العشائرية للفرد هو ما يحدّد مرتبته عندهم وما ينزله منزله، الأمر الذي شكّل مفترقاً أساسياً بين كتابة السيرة عندهم وبين كتابتها لأغراضٍ أخلاقيةٍ أو علميةٍ، كما يجري في كتابة سير العلماء والشهداء كأنموذجٍ يقتدى به ويحتذى. أما عرب الجاهلية، فلم يكن لهم غرضٌ في كتابة السيرة ولا في تتبّع الأنساب إلا التكبر والتفاخر والتفاضل([38]). ولو قمنا بالمقارنة بين علم الأنساب عندهم وعلم الرجال ـ وهو العلم الباحث عن الرواة ـ لوجدنا أنّ غرض الرجالي من البحث عن نسب الراوية يخلو من تلك المظاهر وينحصر في معرفة صحيح الروايات من سقيمها. وفي المقام لا ينبغي أن نتناسى الجهود المخلصة والمساعي الحثيثة التي بذلها بعض المؤرّخين في سبيل إثبات طهارة وعظمة أجداد النبي الأكرم’، وأن هؤلاء كانوا الطليعة الذين مهّدوا السبيل بمساعيهم لتطوّر علم الأنساب وارتقائه، وكانت جهودهم هذه هي التي دفعت بعجلته ومكّنته من الذهاب أشواطاً إلى الأمام.
إلى جانب ذلك، كان الاستغلال السياسي عاملاً مهماً آخر ترك أثره على مسيرة رشد هذا العلم ونموّه وازدهاره، حيث كان يتم استغلال نسب الحاكم وادّعاء القرب من أفراد السلطة طمعاً بكسب المشروعية والمقبولية.
لكن اعتبر بعض الباحثين أن تطوّر علم الأنساب كان نتيجةً للتفاعل بين توجّهين اثنين: التوجّه القبلي الذي كان لدى قسمٍ من المؤرخين، والتوجه الحديثي والروائي لدى بعضهم الآخر([39]). وقد رأينا في أوائل القرن الثاني الهجري أن بعضهم ترك مؤلفاتٍ تعرض فيها لأنساب قبائلهم، بل إن بعض هؤلاء أقدم على رسم صورٍ نقش فيها نسب قبيلته خاصةً([40]). واللغة التي كانت تستخدم في هذا النحو من التأليفات تركبت، في معظمها، من الشعر والأقوال العامية الشفاهية([41]).
أدى توسّع النفوذ الإسلامي إثر الفتوحات إلى إحداث تحولٍ في الرؤى لدى علماء الأنساب؛ إذ أثر عليهم من الناحية الكمية، وهو ما استتبع تحوّلاً في أساليبهم ومبادئهم الأولية أيضاً([42]). وهكذا أخذ علم التاريخ العام باحتواء علم الأنساب وابتلاعه تدريجياً([43]).
وبالنسبة لأول من كتب في الأنساب، فقد اعتبر بعضهم أنه محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (124هـ) في كتابه (نسب قومه)، والذي لم يصل إلينا([44]). وأنّ من قام بنشر هذا العلم وبسطه هو أبو يقظان (190هـ) في كتابيه: (أخبار تميم)، و(نسب خندف). لكن لم يصلنا من هذه الآثار شيءٌ، باستثناء بضع موارد قليلة مبثوثة في كتب متفرّقة. مقابل ذلك، ذهب بعضهم إلى أنّ أوّل من سجل له نشاطٌ علمي فعّال في هذا الفن، هو هشام بن محمد بن سائب الكلبي (206 أو 204هـ)، وقد ترك خمسة مؤلفات في هذا المجال([45]).
لكن الظاهر أن هذه الدعوى بعيدةٌ عن الصواب، وإن كنّا نقرّ بأن كلاً من هشام ووالده قد أسهما في إيجاد انعطافةٍ كبرى في هذا العلم، لاسيما أنّ الأخير لم يصلنا من آثاره شيءٌ. وقد رأى السيد حسن الصدر أن أبا عبد الله الجهمي هو أوّل المؤلّفين في علم الأنساب في العصر الإسلامي، والكتاب الذي تركه حمل عنوان <أنساب قريش وأخبارها>([46]). وكتب المؤرخ العراقي جواد علي قائلاً: لا نعرف ولم نسمع بأي أثرٍ مكتوبٍ من العصر الجاهلي يتناول مسائل علم الأنساب، وأول تقريرٍ رسمي مكتوب يعود إلى عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، ففي ذلك الزمن برزت الحاجة إلى علم النسب بشكلٍ واضحٍ، إذ كان لابد من تسجيل أسماء كافة المواطنين لاستلام حقوقهم من بيت المال، كل بحسب شأنه العائلي والاجتماعي؛ إلا أنّ ما يدعو للأسف أن شيئاً من الأسناد الرسمية لهذا الديوان لم يصل إلينا، بل ولم نعثر على تصريحٍ من أحد النسّابين بالأخذ أو حتى بالاقتباس من دفاتره([47]).
لم يكن الاهتمام بالأنساب أمراً من ابتكار العرب واختراعهم، بل كان الاهتمام بالروابط النسبية والأسرية سائداً لدى غيرهم من الأمم، كالهيلينيين (Hellen) والرومانيين والفرس والهنود والأوروبيين والساميين([48]). كما أن التوراة كانت تشير ـ أحياناً ـ إلى أجداد الشخص على مدى أجيالٍ عدّة. وهذا ما لا وجود له أصلاً في القرآن الكريم، وربما استطعنا أن نعزو هذا الاختلاف إلى التباين بين الطريقة التي ينظر القرآن بها إلى النسب والأجداد وبين الطريقة السائدة في التوراة([49]).
وفي العام 15 أو 20 للهجرة، أمر الخليفة الثاني عمر بضبط الأنساب وتسجيلها وترتيبها في الديوان العالي للدولة آنذاك([50]). والطريقة التي اتّبعها أصحاب ذلك الديوان تمثلت في تقسيم العرب وتصنيفهم إلى صنفين: قحطانيين وعدنانيين، فالعدنانيون مقدّمون على غيرهم لظهور النبي فيهم. ثم بعد ذلك يتم تصنيف العدنانيين إلى طبقتين: مضر، وهي المقدمة عندهم، وربيعة. وبدورها مضر تعرّضت للتفكيك والتقسيم عندهم إلى مجموعتين هما: قريش وغير قريش، فأعطوا لقريش الحقّ في الأفضلية والتقدم، ثم قسمت قريش أيضاً إلى فرقتين هما: بنو هاشم، وهم المقدّمون، وغيرهم.
وبالتأمل قليلاً في هذه التصنيفات، يظهر أن المعيار لتفضيل مجموعةٍ وتقديمها على أخرى عند هؤلاء كان عبارةً عن ظهور النبي في تلك المجموعة أو عدمه، وعلى هذا الأساس، كان بنو هاشم المحور الأصلي الذي تدور حوله هذه التصنيفات، ثم الأقرب منهم فالأقرب، على الترتيب([51]).
كتب ابن الأثير في حوادث سنة 15 هجرية ما يلي: <وفي سنة خمس عشرة فرض عمر للمسلمين الفروض ودوّن الدواوين، وأعطى العطايا على السابقة، وأعطى صفوان بن أمية والحارث بن أمية وسهيل بن عمرو في أهل الفتح أقلّ ما أخذ من قبلهم، فامتنعوا من أخذه وقالوا: لا نعترف أن يكون أحدٌ أكرم منّا، فقال: إني إنما أعطيتكم على السابقة في الإسلام لا على الأحساب>([52]). فهذه التقارير إن دلّ مثلها على شيءٍ، فإنما يدلّ على أن المعيار والملاك الذي كان عندهم لم يكن يقتصر على القبيلة والنسب.
لقد كان الذي وضع خطة تنظيم الأنساب في الديوان المذكور كلّ من عقيل بن أبي طالب ومحزمة بن نوفل وجبير بن مطعم([53]). وبحسب بعضهم، فإن هذه الخطة استشفّت من كيفية تعاطي الروم في عطاياهم لأهل الشام([54]). وعلى كل حالٍ، فقد كان للقيام بهذه الخطوة، من إنشاء الديوان وتدوين الأسماء، أعظم الأثر في ارتقاء هذا العلم ونموّه([55]). وقد أدّى وجود هذه العمليات التوثيقية إلى أن يتم ـ وبشكلٍ دقيق ـ فرز وضبط أنساب القبائل بدءاً من العهد الأموي فصاعداً. إلا أن الذي بقي مجهولاً وفاقداً للضبط والتحديد: الغصون والفروع الحادثة في كل قبيلةٍ، والعلاقات التي تربط كل قبيلةٍ بالأخرى. وكان ضياع الأسناد والمدارك الحكومية والديوانية، منذ زمن عمر فما بعد، سبباً جديداً آخر جاء ليضاعف من حالة التشويش والإرباك القائمة وليؤدي إلى مراكمتها([56]).
وكان للفتوحات أثرٌ كبيرٌ على علم الأنساب من جهاتٍ مختلفة:
1 ـ وصول الغنائم والأموال الطائلة إلى خزينة الخلافة الإسلامية ممّا ولّد الشعور بضرورة تأسيس نظامٍ يتكفل بدقة الحساب والتوزيع العادل للثروة. وكانت المعايير المعتمدة في دفوعات هذا النظام، هي: القرابة للنبي الأعظم’، السابقة في الإسلام، والشجاعة في الحروب، هذا طبعاً إلى جانب النسب([57]).
2 ـ انفتاح المجتمع المكّي والمدني وعلى أوسع نطاق، بعد أن كان مغلقاً على نفسه، وانتشار الكثير من العرب في مختلف نقاط العالم واندماجهم بسائر الأقوام الذين خالطوهم.
3 ـ وفود الكثير من غير العرب على المجتمع العربي.
4 ـ انخفاض مستوى العصبيات القبلية بالترافق مع الرشد والمدنية والثقافات الجديدة.
لكن، وعلى الرغم من تمدّد وتوسّع المجتمع العربي إبان الفتوحات، إلا أن الذي ساد فيه في العصر الأموي تأجّج نار الفتن واشتعال المنازعات القبلية، حيث كانت السياسة الأموية تقوم على تحريك الاختلافات وتعميقها وتوسعتها. وهذا ما يفسّر مجيء أدبيات هذا العصر مشحونةً بمفردات التفاخر والمنقصة. هذا من جهة. ومن جهةٍ أخرى، كانت الخلافة الأموية تسعى بشتى الوسائل والطرق لكسب شرعيتها السياسية والاجتماعية وتحسينها والحفاظ عليها، ومن بين الوسائل التي اتّبعتها في هذا المجال، التفاخر بنسبها وأنساب قبيلتها، وهو ما أدى شيئاً فشيئاً إلى الترويج لمبدأ التفاخر والتباهي بالنسب. وحقاً نقول: إن علم الأنساب قد شكل ملجأً حصيناً وكهفاً منيعاً أمّنت الخلافة الأموية لنفسها الغطاء والحماية من خلاله([58]).
وهكذا عندما وصل الأمر إلى عهد الخلافة العباسية، والذي بدأ برفع شعار الرضا من آل محمد، وأعلن العباسيون أن الهدف من تحرّكهم إرجاع الخلافة إلى أهلها أحفاد النبي’؛ فبدؤوا لذلك بطرح مسألة أحقية قريش بالخلافة من وجهة نظرٍ فقهية وكلامية، وأرادوا من قريش المنتسبين من علي وجعفر والعباس، أي العلويون والجعفريون والعباسيون، أما بنو أمية فكانوا يعتبرونهم خارجين عن البيت القرشي.
أسفرت هذه الاختلافات السياسية عن طرح مباحث جديدةٍ أكثر جديةً فيما يتعلّق بعلم الأنساب([59]). كما وأدت النزعة العروبية التي تشبّث بها بنو أمية إلى استيلاد النزعة الشعوبية التي أخذت على عاتقها مهمّة الطعن على العرب وتتبع عثراتهم، حتى أن أصحابها قد أجهدوا أنفسهم في سبيل تحويل مناقب العرب وفضائلهم إلى مثالب ورذائل([60]). ورداً على حملات الشعوبيين، قام جمعٌ كبيرٌ من المؤلّفين بتدوين كتبٍ تسرد فضائل النسب العربي، مثل كتاب: فضائل قريش، لعلي بن محمد المدائني، ومناقب قريش، لابن عبده. وقد ساهم هذا الجدال والأخذ والرد بدوره في إثراء علم الأنساب وتقديم مادةٍ جديدة له([61]).
وثمة عاملٌ آخر كان له دورٌ بارز في النهوض بعلم الأنساب أيضاً، وهو النزاعات التي تمحورت حول مسألة الخلافة، أو حول تعاليم الدين التي تعطي المشروعية لحكم الحاكم، كالنزاع الذي دار بين بني هاشم وبني العباس حول الخلافة وشرائط الحاكم، والتي تطفح بها مصادر الشريعة عند الفريقين([62]).
مواضيع مماثلة
» عالم الإجتماع د. فالح عبد الجبار .. حول تاريخ المجتمع العراقي و تاريخ الدولة الوطنية
» طرق حفظ الأنساب
» علم الأنساب النسوي
» علم الأنساب ((جينيالوجيا))
» علم الأنساب:&&&&
» طرق حفظ الأنساب
» علم الأنساب النسوي
» علم الأنساب ((جينيالوجيا))
» علم الأنساب:&&&&
الموقع العام لقبيلة البدير في العراق للشيخ شوقي جبار البديري :: 43- منتدى علم الانساب في االعرف العشائري
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:58 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ المرحوم عبد الهادي
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:53 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ شوقي البديري والاخ حمود كريم الركابي
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:51 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الاستاذ المخرج عزيز خيون البديري وعمامه البدير
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:48 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ صباح العوفي مع الشيخ عبد الامير التعيبان
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:45 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ المرحوم محمد البريج
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:41 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» جواد البولاني
الإثنين سبتمبر 23, 2024 10:13 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» المرحوم السيد هاشم محمد طاهر العوادي
الإثنين سبتمبر 23, 2024 10:03 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» رموز البدير
الجمعة سبتمبر 20, 2024 8:41 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري