بحـث
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
حول
مرحبا بكم فى منتدى الموقع العام لقبيلة البدير في العراق للشيخ شوقي جبار البديري
قبيلة البدير من القبائل الزبيديه
تحليل نظرية الشهادة:
الموقع العام لقبيلة البدير في العراق للشيخ شوقي جبار البديري :: 101-منتدى ثورة الحسين عليه السلام ضد الظلم والطغيان
صفحة 1 من اصل 1
تحليل نظرية الشهادة:
تحليل نظرية الشهادة:
لقد حازت نظرية الشهادة قبولاً كبيراً في الأوساط العلمية، وذُكر لها عدّة أدلّة وشواهد تعرّضنا لها مسبقاً، بَيدَ أنّه لا يمكن قبول هذه النظرية إلّا بمتمّمٍ، وهو عبارة ذُكرت في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) وهي: "وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة"[24].
فإنّ العبارة تدلّ بوضوح على أنّ الأُمّة الإسلاميّة مع قلّة الفاصل الزمني بينها وبين رحيل النبي (صلى الله عليه وآله) إلّا أنّها تعرّضت للضلال والتحريف، والتَّيه والنسيان؛ إذ صار أفسد الناس حكّاماً يتسلّطون على رقاب المسلمين، ويجلسون مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذه الجهالة والحماقة هي السبب الذي في ظلّه يمكن تحريف الدين، وتعطيل أحكامه وحدوده، فإنّ السبب في بؤس وتخلّف الأُمّة، هو ابتعادهم عن أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتركهم أقواله، فاستولى خلفاء الجور عليهم لعشرات السنين؛ كما قال الإمام الحسين (عليه السلام) : إنّ الأُمّة لِتخلّفها عن تعاليم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابتلاها الله بأسوأ منها، كيزيد بن معاوية. وفي هذا المضمار ذكر صاحب الفتوح: أنّ بسر بن أرطاة قد سبى نساء المسلمين، وكشف عن سيقانهن؛ لغرض إغراء الناس بشرائهنّ[25].
وقال سيد قطب عند تعرّضه لفتوحات معاوية: "قد تكون رقعة الإسلام قد امتدّت على يدي معاوية ومَن جاء بعده، ولكن روح الإسلام قد تقلّصت وهُزمت، بل انطفأت، فإن يهشّ إنسان لهزيمة الروح الإسلاميّة الحقيقية في مهدها، وانطفاء شعلتها بقيام ذلك المُلك العضوض، فتلك غلطة نفسيّة وخُلقية لا شكّ فيها"[26]. فلم يبقَ من الإسلام إلّا رسمه، وقد ذكر هذا المعنى أنس بن مالك، فقال: "ما أعرف شيئاً ممّا كان على عهد النبي (صلى الله عليه وآله). قيل: الصلاة. قال: أليس ضيّعتم ما ضيّعتم فيها؟"[27]. وقريب منه ما ذكره معاوية بن قرّة؛ حيث قال: "أدركت سبعين من الصحابة، لو خرجوا فيكم اليوم، ما عرفوا شيئاً ممّا أنتم فيه"[28]. وينقل ابن أبي الحديد في شرحه: أنّ معاوية قال للمغيرة بن شعبة: أُقسم بالله لأدفن اسم محمد ما دمت حيّاً[29].
ومن كلمات البيهقي في جواب مَن قال: إنّ معاوية قد خرج عن الإيمان؛ لمحاربته علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ قال: "إنّ معاوية لم يدخل في الإيمان حتى يخرج منه، بل خرج من الكفر إلى النفاق في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثمّ رجع إلى كفره الأصلي بعده"[30]. وكانت الأُمّة آنذاك ترى نفسها ملزمة بطاعة الشيطان لا طاعة الرحمن "ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله"[31]. إنّ هذه العبارة وإن كانت تُشير إلى حكّام ذلك الزمان، لكنّ الناس آنذاك قبلوا هذا المنهج، بل كان في شيوعٍ واتّساع.
وفي عبارةٍ أُخرى للإمام الحسين، قال (عليه السلام) في ذي حسم: "ألا ترون أنّ الحقّ لا يُعمل به، وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله مُحقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا شهادة"[32]. وإن أشار (عليه السلام) في الذيل إلى الشهادة، لكن هذه الإشارة بسبب ما ذكره (عليه السلام) في أوّل الكلام من: "أنّ الحقّ لا يُعمل به، وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه... لا أرى الموت إلّا شهادة". فذكر الشهادة. وفي نصٍّ آخر يقول (عليه السلام) : " فلعمري، ما الإمام إلّا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحقّ، والحابس نفسه على ذات الله"[33].
وهنا يُثار تساؤل، وهو: ما هي الضرورة التي دعت الإمام (عليه السلام) أن يُبيّن حقيقة الإمام وخصائصه؟ فهل يُعدّ ذلك رفضاً منه (عليه السلام) ليزيد وأتباعه؟ أو كان يجول في خاطره الشريف شيئاً مهمّاً غير ذلك، كأن تكون الأُمّة قد وصلت إلى مرتبة من الانحطاط والضياع، بحيث فقدت القدرة اللازمة على تمييز الإمام الحق من غيره؛ مما دعا الإمام (عليه السلام) أن يُبيّن خصوصيات الإمام؟
لقد أضحت الأُمّة في سباتٍ عميق، وغطّت عقولها جهالةٌ ظلماء صمّاء، ووقعت في التّيه والضلال، وتركت الواجبات، وارتكبت المحرمات، وفي مثل تلك الظروف لا سبيل لإيقاظ الأُمّة وانتشالها من الجهل والضلال إلّا أن يتقدّم الإمام (عليه السلام) وصحبه، ويضحّي بدمه الشريف لإيقاظ الأُمّة، بل كُلّ الأُمم إلى يوم القيامة، وقد نال بهذه التضحية مقاماً ووساماً لم ينله أحدٌ من قبل. وعلى هذا؛ فمَن ذهب إلى أنّ خروج الإمام (عليه السلام) كان لأجل الشهادة بهذا المعنى، أي: إنّه (عليه السلام) كان طالباً للشهادة لإيقاظ الأُمّة لا لنفس الشهادة؛ فهو مصيبٌ في رأيه.
وبهذا؛ تكون النتيجة والهدف من وراء هذا الخروج ليس استلام السلطة، أو القضاء على حكومة يزيد، أو الشهادة بما هي هدف، بل الهدف هو إحياء الأُمّة وإرواء أوردتها الجافّة؛ فإنّ الإسلام عاد هشّاً مُفرّغاً من قيمه السامية، وفاقداً للروح الحقيقية، فكيف لمثل هكذا دين أن يستمرّ ويكون ديناً عالمياً؟ وكيف يمكن تصوّر ختم النبوّة في ظلّ هكذا شريعة؟ وكيف للقرآن أن يكون حيّاً ومَعيناً لا ينضب لحياة الناس والمجتمعات البشرية؟ وكيف تُفتح أبواب السعادة والهداية للأجيال القادمة؟ فإنّ هذا النوع من الإسلام جعل الناس أسوء حالاً ممّن عاش زمن الجاهلية، بل أرجع الناس إلى ما قبل ألف سنة من نزول الوحي وتشريع الديانات السماوية.
نتائج نظرية الشهادة يترتب على نظرية الشهادة بمعناها المتقدّم عدّة أُمور: يتّضح مما تقدّم أنَّ خروج الإمام (عليه السلام) من الواجبات الدينيّة الأساسيّة، ولم يكن خروجاً ندبياً بحيث يمكن تركه؛ ولذا لا يمكن قبول ما يُنقل ويُشمّ منه أنّ الإمام (عليه السلام) أراد الانصراف والتراجع عن حركته، فإن وُجد مثل ذلك في النصوص يجب حمله على أنّ الحسين (عليه السلام) أراد بذلك إلقاء الحجة على الأعداء، وليُثبت للبشرية أنّ معاوية واتباعه ويزيد وأنصاره ماذا صنعوا بهويّة الناس، بحيث خالفوا كُلّ القوانين العرفية والإنسانية وهذه المهمّة كانت على مستوى من الأهمية؛ بحيث تُعدّ مهمّة إقامة الدولة ومحاربة الظالم قياساً بها من صُغريات تلك المهمّة العظمى، فإنّه في ظلّ إيقاظ الأُمّة يتجسّد معنى الحكومة العادلة ومحاربة الظلم، وفي ظلّ هذا الإيقاظ تتجوهر الأحكام ويصبح لها معنىً. النتيجة الأُخرى التي تظهر من هذا التحليل هي: أنّ إمامة الأُمّة تحمل على عاتقها مسؤولية قِبال الأُمّة، تتمثّل في إيقاظها من سباتها، وإخراجها من غفلتها، وأنّ الإمام لا بدّ أن يقف جادّاً بوجه انجراف الأُمّة صوب الانحراف واللامبالاة والغفلة، وهذه الخصائص يتمتّع بها الفكر الديني، خاصّةً في القاموس الشيعي الذي حمل أئمّته وقادته ذلك الفكر طوال التاريخ. في ظلّ هذا التحليل تكتسب مسألة إقامة العزاء إلى قيام الساعة مفهوماً ومعنًى آخر غير ما عُهد، من أنّه تعظيمٌ لشعائر الله؛ لكونه مصداقاً لقوله تعالى: ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[34]. ومع غضّ النظر عن الثواب الجزيل للبكاء والجزع على سيد الشهداء (عليه السلام) بل سيكون العزاء ردّاً لذلك الجميل من التضحية والفداء الذي قدّمه الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وصحبه لإحياء الدين وإيقاظ الأُمّة، وإنّ ما اكتسبته الأُمّة الإسلاميّة طوال التاريخ من مناهضة الظلم والجور، والوقوف أمام الظالمين هو ببركة تلك النهضة. إنّ للحسين (عليه السلام) حقّاً عظيماً على الأُمّة لا يُنسى إلى يوم الدين. لا يُتصوّر طريق في مثل هذه النهضة لإيقاظ الأُمّة إلّا الشهادة، فلا شيء له الأثر في ذلك إلّا الشهادة، التي تُحيي القلوب المظلمة والمنكفئة، وتقيم الأفكار المنحرفة والملوّثة، ولا يخفى على أحد في هذه الثورة أنّ الأمر المحتّم والقضاء المبرم الذي لا يمكن دفعه هو الشهادة، ولا حاجة في ذلك للعلم اللّدنّي، الذي هو من خصائص المعصوم (عليه السلام) ، فالكلّ يعلم أنّ مصير أمثال هذه الثورات هو الشهادة، وكلّ مصلحٍ يريد الثورة لا بدّ أن يُوطّن نفسه على الشهادة. نظرية إقامة الحكومة:
وما ينبغي أن يخضع للبحث والتحليل في الآراء والاتجاهات التي ذكرناها في بداية البحث في تفسير هدف الثورة الحسينية هو: أنّ أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) هل تحرّك بقصد إقامة حكومة إسلامية؟ وهل تشكيل الحكومة كان مطروحاً في هذه النهضة العظيمة أو لا؟
هناك مَن ذهب إلى أنّ هدف الإمام الحسين (عليه السلام) من ثورته المباركة تشييد أركان حكومة عادلة تطبّق الإسلام، وتقيم حدود الله، فالأمر الذي سعى إليه الإمام هو إقامة حكومة إسلامية، وقد ذُكرت عدّة أدلّة من أجواء النهضة الحسينية لتأييد هذه النظرية.
أدلّة نظرية الحكومة
من المناسب أن نتعرّض لبعض النصوص التي يُستدلّ بها على نظرية الحكومة، ونضعها في ميزان التحليل؛ لنرى مدى دلالتها على المدّعى، وفيما يلي جملة من تلك الأدلّة:
ما قاله الإمام الحسين (عليه السلام) لوالي المدينة: "أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجلٌ فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلنٌ بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نُصبح وتُصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة"[35]. وفي هذا النّص نرى أنّ الإمام (عليه السلام) يمتنع من مبايعة يزيد، وأنّ الخلافة لا تجوز ليزيد، وأنّ الإمام (عليه السلام) هو أوْلى بها. إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) عند لقائه بمروان بعد ما استرجع قال: على الإسلام السلام؛ إذ قد ابتُليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد، ولقد سمعت جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه. وقد رآه أهل المدينة فلم يبقروا؛ فابتلاهم الله بيزيد الفاسق[36]. قال (عليه السلام) في نصٍّ آخر: "وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي (صلى الله عليه وآله)، أُريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فمَن قبلني بقبول الحقّ فالله أوْلى بالحقّ، ومَن رد عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين"[37]. كتب (عليه السلام) إلى وجهاء البصرة: "ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ المستحقّ علينا... وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيه (صلى الله عليه وآله)، فإنّ السنَّة قد أُميتت، وإنّ البدعة قد أُحييت، وإن تسمعوا قولي وتُطيعوا أمري أهدِكم سبيل الرشاد"[38]. وفي كلام له (عليه السلام) لأهل الكوفة، قال: "فلعمري، ما الإمام إلّا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحقّ، والحابس نفسه على ذات الله"[39] مناقشة أدلّة نظرية الحكومة: إنّ نظرية الحكومة بالمعنى المتقدّم يمكن أن تُناقَش من ناحية ثبوتية وإثباتية، نقدّم فيما يلي مناقشات على كلا المستويين:
اولا: - المناقشة الثبوتية: لو أخذنا بنظر الاعتبار الظروف الحاكمة في ذلك الوقت، من حيث وجود السلطة الحاكمة وولاتها، وضعف الإيمان الذي ابتُليت به الأُمّة آنذاك، فهل من الممكن التحرّك لإقامة حكومة؟ أم أن الشواهد التاريخية تُبيّن أن معاوية قد مسخ عقائد الناس واستحوذ عليهم؛ بحيث استطاع على خلاف ما كان يتوقعه أن يأخذ البيعة ليزيد بسهولة، هذا من جهة.
ومن جهةٍ أُخرى: إنّ الإمام (عليه السلام) كان واقفاً على حقيقة أهل الكوفة، وصنيعهم بأبيه وأخيه÷ من قبل، وعالماً بما سيأول إليه الأمر في مواجهته لدولة بني أُميّة، بل كذلك هناك شخصيات، أمثال ابن عباس وعبد الله بن عمر وغيرهما ـ حتى قبل وصول خبر مقتل مسلم بن عقيل (عليه السلام) ـ كانوا على علمٍ بمصير الثورة وما يأول إليه الأمر، أضف إلى ذلك أنّ تشكيلة وهيئة الركب الذي خرج به الحسين (عليه السلام) لم يكن مناسباً لإقامة الدولة.
وعلى هذا مع غضّ النظر عن علم الإمام (عليه السلام) بشهادته يمكن أن يُقال: إنّ احتمال إقامة الدولة غير ممكن ثبوتاً، وإذا لاحظنا الطريقة التي رسمها الحسين (عليه السلام) لخروجه منذ البداية، لاتّضح لنا بجلاء، أنّ هذه النهضة لم تستهدف إقامة الدولة أبداً؛ وحينئذٍ لا حاجة لإقامة الأدلة والشواهد على إثبات ذلك.
ثانيا: المناقشة الإثباتية: ولو تنزّلنا جدلاً وقلنا بإمكان إقامة الدولة الإسلاميّة في ذلك الوقت ثبوتاً، فإنّه من الناحية الإثباتية لا شاهد ولا قرينة تؤيّد ذلك، ولم نجد في الكلمات والنصوص الحسينية ما يدل أو يُشعر بأنّ الإمام (عليه السلام) كان يهدف إلى إقامة دولة إسلامية في ثورته. نعم، كلماته (عليه السلام) تُصرِّح بأنّه هو الأوْلى بالخلافة من غيره، وهذا لا يعني أنّه خرج لذلك. وأمّا النّصوص المتقدّمة فيمكن مناقشتها بما يلي:
أمّا النّص الأوّل، فلا دلالة فيه على أنّ الهدف الذي قام من أجله هو السلطة والخلافة. وبقية النّصوص المتقدّمة لا دلالة فيها على أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد دعا الناس إلى إقامة الدولة، وعلى الرغم من أنّه (عليه السلام) قد صرّح أكثر من مرّة: أنّه أحقّ بالخلافة من غيره، وأنّ الخلافة حقّه. ولكنّه (عليه السلام) لم يسعَ لاستلام السلطة.
نعم، إنه (عليه السلام) دعا الناس إلى كتاب الله وإحياء سنّة نبيه (صلى الله عليه وآله)، وإنّ السنَّة قد أُميتت، وعلى المسلمين إحياء هذه السنَّة، بمواجهة السلطة الظالمة.
وأمّا النص الأخير، فقد تعرّض الإمام (عليه السلام) فيه لبيان حقيقة الإمام والإمامة وشروطهما، وهذا لا يعني أنّ ثورته كانت لأجل الوصول إلى ذلك الهدف.
ومن الممكن أن يدّعي بعضٌ أنّ من شؤون الإمامة بيان الأحكام والحفاظ على الشريعة من التحريف، وهذا بطبيعة الحال يقتضي أن تسعى تلك النهضة للوصول إلى السلطة، أوقُل على الأقل: إنّ تَسلُّم السلطة هو أحد أهداف وغايات تلك النهضة.
فيُقال في جواب ذلك: إنّ البحث ليس في ما تقتضيه الإمامة وشؤونها، بل الكلام في استنتاج هدفٍ كهذا من هذه النهضة وعدمه، فلا يمكن الوقوف من خلال النّصوص الحسينية لا من قريب ولا من بعيد على أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) كان يسعى من خلال تلك النهضة الخالدة أن يُقيم الدولة الإسلاميّة.
الباحث الاسلامي الشيخ محمد جواد فاضل اللنكراني
[1] اُنظر: الأمين، محسن، أعيان الشيعة: ج1، ص581. الصافي الگلبایگاني، لطف الله، حسين شهيد آگاه الحسین الشهید العالم: ص80.
[2] مطهري، مرتضـى، مجموعه آثار أُستاد شهيد مطهري المجموعة الكاملة لمؤلفات الأُستاذ الشهيد مطهري: ج17، ص371.
[3] العسكري، مرتضى، معالم المدرستين: ج3، ص308.
[4] الصالحي النجف آبادي، نعمة الله، شهيد جاويد الشهيد الخالد: ص215.
[5] الذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام: ج5، ص5.
[6] ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، الردّ على المتعصّب العنيد: ص71.
[7] المفيد، محمد بن محمد، المسائل العكبرية: ص69 ـ 71.
[8] اُنظر: أُستادي، رضا، سرگذشت كتاب شهيد جاويد قصة كتاب الشهيد الخالد: ص339.
[9] الفاضل اللنکراني وشهاب الدین الإشراقي، باسداران وحيحُرّاس الوحي بالفارسيّة: ص275.
[10] الجواهري، محمد حسن، جواهر الكلام: ج21، ص296.
[11] اُنظر: زاهدي قمي، أبو الفضل، مقصد الحسين: ص9.
[12] النراقي، مهدي، محرق القلوب: ص40.
[13] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص157، ح20.
[14] الفاضل اللنکراني وشهاب الدین الإشراقي، باسداران وحي حُرّاس الوحي بالفارسيّة: ص275.
[15] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص299.
[16] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص43.
[17] المصدر السابق.
[18] اُنظر: المصدر السابق: ص49 ـ50.
[19] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص132.
[20] ابن نما الحلي، محمد بن جعفر، مثير الأحزان: ص29.
[21] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص132.
[22] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص308.
[23] الحرّاني، ابن شعبة، تحف العقول: ص245.
[24] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص788.
[25] اُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى، فتوح البلدان: ج2، ص433.
[26] سيد قطب، كُتب وشخصيات: ص236، وص253، نقلاً عن كتاب معالم الفتن: ج2، ص458.
[27] البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري: ج1، ص134.
[28] الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج5، ص145.
[29] اُنظر: ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج5، ص129.
[30] الطبري، الحسن بن محمد، كامل بهائيبالفارسية: ج2، ص204.
[31] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص48.
[32] أبو مخنف الأزدي، لوط بن يحيى، مقتل الحسين (عليه السلام) : ص86.
[33] المصدر السابق: ص17
[34] الحج: آية32.
[35] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص17.
[36] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص326. الكوفي، أحمد بن أعثم، الفتوح: ج5، ص17.
[37] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص329 ـ 330.
[38] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص266.
[39] المصدر السابق: ص262.
لقد حازت نظرية الشهادة قبولاً كبيراً في الأوساط العلمية، وذُكر لها عدّة أدلّة وشواهد تعرّضنا لها مسبقاً، بَيدَ أنّه لا يمكن قبول هذه النظرية إلّا بمتمّمٍ، وهو عبارة ذُكرت في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) وهي: "وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة"[24].
فإنّ العبارة تدلّ بوضوح على أنّ الأُمّة الإسلاميّة مع قلّة الفاصل الزمني بينها وبين رحيل النبي (صلى الله عليه وآله) إلّا أنّها تعرّضت للضلال والتحريف، والتَّيه والنسيان؛ إذ صار أفسد الناس حكّاماً يتسلّطون على رقاب المسلمين، ويجلسون مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذه الجهالة والحماقة هي السبب الذي في ظلّه يمكن تحريف الدين، وتعطيل أحكامه وحدوده، فإنّ السبب في بؤس وتخلّف الأُمّة، هو ابتعادهم عن أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتركهم أقواله، فاستولى خلفاء الجور عليهم لعشرات السنين؛ كما قال الإمام الحسين (عليه السلام) : إنّ الأُمّة لِتخلّفها عن تعاليم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابتلاها الله بأسوأ منها، كيزيد بن معاوية. وفي هذا المضمار ذكر صاحب الفتوح: أنّ بسر بن أرطاة قد سبى نساء المسلمين، وكشف عن سيقانهن؛ لغرض إغراء الناس بشرائهنّ[25].
وقال سيد قطب عند تعرّضه لفتوحات معاوية: "قد تكون رقعة الإسلام قد امتدّت على يدي معاوية ومَن جاء بعده، ولكن روح الإسلام قد تقلّصت وهُزمت، بل انطفأت، فإن يهشّ إنسان لهزيمة الروح الإسلاميّة الحقيقية في مهدها، وانطفاء شعلتها بقيام ذلك المُلك العضوض، فتلك غلطة نفسيّة وخُلقية لا شكّ فيها"[26]. فلم يبقَ من الإسلام إلّا رسمه، وقد ذكر هذا المعنى أنس بن مالك، فقال: "ما أعرف شيئاً ممّا كان على عهد النبي (صلى الله عليه وآله). قيل: الصلاة. قال: أليس ضيّعتم ما ضيّعتم فيها؟"[27]. وقريب منه ما ذكره معاوية بن قرّة؛ حيث قال: "أدركت سبعين من الصحابة، لو خرجوا فيكم اليوم، ما عرفوا شيئاً ممّا أنتم فيه"[28]. وينقل ابن أبي الحديد في شرحه: أنّ معاوية قال للمغيرة بن شعبة: أُقسم بالله لأدفن اسم محمد ما دمت حيّاً[29].
ومن كلمات البيهقي في جواب مَن قال: إنّ معاوية قد خرج عن الإيمان؛ لمحاربته علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ قال: "إنّ معاوية لم يدخل في الإيمان حتى يخرج منه، بل خرج من الكفر إلى النفاق في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثمّ رجع إلى كفره الأصلي بعده"[30]. وكانت الأُمّة آنذاك ترى نفسها ملزمة بطاعة الشيطان لا طاعة الرحمن "ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله"[31]. إنّ هذه العبارة وإن كانت تُشير إلى حكّام ذلك الزمان، لكنّ الناس آنذاك قبلوا هذا المنهج، بل كان في شيوعٍ واتّساع.
وفي عبارةٍ أُخرى للإمام الحسين، قال (عليه السلام) في ذي حسم: "ألا ترون أنّ الحقّ لا يُعمل به، وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله مُحقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا شهادة"[32]. وإن أشار (عليه السلام) في الذيل إلى الشهادة، لكن هذه الإشارة بسبب ما ذكره (عليه السلام) في أوّل الكلام من: "أنّ الحقّ لا يُعمل به، وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه... لا أرى الموت إلّا شهادة". فذكر الشهادة. وفي نصٍّ آخر يقول (عليه السلام) : " فلعمري، ما الإمام إلّا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحقّ، والحابس نفسه على ذات الله"[33].
وهنا يُثار تساؤل، وهو: ما هي الضرورة التي دعت الإمام (عليه السلام) أن يُبيّن حقيقة الإمام وخصائصه؟ فهل يُعدّ ذلك رفضاً منه (عليه السلام) ليزيد وأتباعه؟ أو كان يجول في خاطره الشريف شيئاً مهمّاً غير ذلك، كأن تكون الأُمّة قد وصلت إلى مرتبة من الانحطاط والضياع، بحيث فقدت القدرة اللازمة على تمييز الإمام الحق من غيره؛ مما دعا الإمام (عليه السلام) أن يُبيّن خصوصيات الإمام؟
لقد أضحت الأُمّة في سباتٍ عميق، وغطّت عقولها جهالةٌ ظلماء صمّاء، ووقعت في التّيه والضلال، وتركت الواجبات، وارتكبت المحرمات، وفي مثل تلك الظروف لا سبيل لإيقاظ الأُمّة وانتشالها من الجهل والضلال إلّا أن يتقدّم الإمام (عليه السلام) وصحبه، ويضحّي بدمه الشريف لإيقاظ الأُمّة، بل كُلّ الأُمم إلى يوم القيامة، وقد نال بهذه التضحية مقاماً ووساماً لم ينله أحدٌ من قبل. وعلى هذا؛ فمَن ذهب إلى أنّ خروج الإمام (عليه السلام) كان لأجل الشهادة بهذا المعنى، أي: إنّه (عليه السلام) كان طالباً للشهادة لإيقاظ الأُمّة لا لنفس الشهادة؛ فهو مصيبٌ في رأيه.
وبهذا؛ تكون النتيجة والهدف من وراء هذا الخروج ليس استلام السلطة، أو القضاء على حكومة يزيد، أو الشهادة بما هي هدف، بل الهدف هو إحياء الأُمّة وإرواء أوردتها الجافّة؛ فإنّ الإسلام عاد هشّاً مُفرّغاً من قيمه السامية، وفاقداً للروح الحقيقية، فكيف لمثل هكذا دين أن يستمرّ ويكون ديناً عالمياً؟ وكيف يمكن تصوّر ختم النبوّة في ظلّ هكذا شريعة؟ وكيف للقرآن أن يكون حيّاً ومَعيناً لا ينضب لحياة الناس والمجتمعات البشرية؟ وكيف تُفتح أبواب السعادة والهداية للأجيال القادمة؟ فإنّ هذا النوع من الإسلام جعل الناس أسوء حالاً ممّن عاش زمن الجاهلية، بل أرجع الناس إلى ما قبل ألف سنة من نزول الوحي وتشريع الديانات السماوية.
نتائج نظرية الشهادة يترتب على نظرية الشهادة بمعناها المتقدّم عدّة أُمور: يتّضح مما تقدّم أنَّ خروج الإمام (عليه السلام) من الواجبات الدينيّة الأساسيّة، ولم يكن خروجاً ندبياً بحيث يمكن تركه؛ ولذا لا يمكن قبول ما يُنقل ويُشمّ منه أنّ الإمام (عليه السلام) أراد الانصراف والتراجع عن حركته، فإن وُجد مثل ذلك في النصوص يجب حمله على أنّ الحسين (عليه السلام) أراد بذلك إلقاء الحجة على الأعداء، وليُثبت للبشرية أنّ معاوية واتباعه ويزيد وأنصاره ماذا صنعوا بهويّة الناس، بحيث خالفوا كُلّ القوانين العرفية والإنسانية وهذه المهمّة كانت على مستوى من الأهمية؛ بحيث تُعدّ مهمّة إقامة الدولة ومحاربة الظالم قياساً بها من صُغريات تلك المهمّة العظمى، فإنّه في ظلّ إيقاظ الأُمّة يتجسّد معنى الحكومة العادلة ومحاربة الظلم، وفي ظلّ هذا الإيقاظ تتجوهر الأحكام ويصبح لها معنىً. النتيجة الأُخرى التي تظهر من هذا التحليل هي: أنّ إمامة الأُمّة تحمل على عاتقها مسؤولية قِبال الأُمّة، تتمثّل في إيقاظها من سباتها، وإخراجها من غفلتها، وأنّ الإمام لا بدّ أن يقف جادّاً بوجه انجراف الأُمّة صوب الانحراف واللامبالاة والغفلة، وهذه الخصائص يتمتّع بها الفكر الديني، خاصّةً في القاموس الشيعي الذي حمل أئمّته وقادته ذلك الفكر طوال التاريخ. في ظلّ هذا التحليل تكتسب مسألة إقامة العزاء إلى قيام الساعة مفهوماً ومعنًى آخر غير ما عُهد، من أنّه تعظيمٌ لشعائر الله؛ لكونه مصداقاً لقوله تعالى: ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[34]. ومع غضّ النظر عن الثواب الجزيل للبكاء والجزع على سيد الشهداء (عليه السلام) بل سيكون العزاء ردّاً لذلك الجميل من التضحية والفداء الذي قدّمه الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وصحبه لإحياء الدين وإيقاظ الأُمّة، وإنّ ما اكتسبته الأُمّة الإسلاميّة طوال التاريخ من مناهضة الظلم والجور، والوقوف أمام الظالمين هو ببركة تلك النهضة. إنّ للحسين (عليه السلام) حقّاً عظيماً على الأُمّة لا يُنسى إلى يوم الدين. لا يُتصوّر طريق في مثل هذه النهضة لإيقاظ الأُمّة إلّا الشهادة، فلا شيء له الأثر في ذلك إلّا الشهادة، التي تُحيي القلوب المظلمة والمنكفئة، وتقيم الأفكار المنحرفة والملوّثة، ولا يخفى على أحد في هذه الثورة أنّ الأمر المحتّم والقضاء المبرم الذي لا يمكن دفعه هو الشهادة، ولا حاجة في ذلك للعلم اللّدنّي، الذي هو من خصائص المعصوم (عليه السلام) ، فالكلّ يعلم أنّ مصير أمثال هذه الثورات هو الشهادة، وكلّ مصلحٍ يريد الثورة لا بدّ أن يُوطّن نفسه على الشهادة. نظرية إقامة الحكومة:
وما ينبغي أن يخضع للبحث والتحليل في الآراء والاتجاهات التي ذكرناها في بداية البحث في تفسير هدف الثورة الحسينية هو: أنّ أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) هل تحرّك بقصد إقامة حكومة إسلامية؟ وهل تشكيل الحكومة كان مطروحاً في هذه النهضة العظيمة أو لا؟
هناك مَن ذهب إلى أنّ هدف الإمام الحسين (عليه السلام) من ثورته المباركة تشييد أركان حكومة عادلة تطبّق الإسلام، وتقيم حدود الله، فالأمر الذي سعى إليه الإمام هو إقامة حكومة إسلامية، وقد ذُكرت عدّة أدلّة من أجواء النهضة الحسينية لتأييد هذه النظرية.
أدلّة نظرية الحكومة
من المناسب أن نتعرّض لبعض النصوص التي يُستدلّ بها على نظرية الحكومة، ونضعها في ميزان التحليل؛ لنرى مدى دلالتها على المدّعى، وفيما يلي جملة من تلك الأدلّة:
ما قاله الإمام الحسين (عليه السلام) لوالي المدينة: "أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجلٌ فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلنٌ بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نُصبح وتُصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة"[35]. وفي هذا النّص نرى أنّ الإمام (عليه السلام) يمتنع من مبايعة يزيد، وأنّ الخلافة لا تجوز ليزيد، وأنّ الإمام (عليه السلام) هو أوْلى بها. إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) عند لقائه بمروان بعد ما استرجع قال: على الإسلام السلام؛ إذ قد ابتُليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد، ولقد سمعت جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه. وقد رآه أهل المدينة فلم يبقروا؛ فابتلاهم الله بيزيد الفاسق[36]. قال (عليه السلام) في نصٍّ آخر: "وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي (صلى الله عليه وآله)، أُريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فمَن قبلني بقبول الحقّ فالله أوْلى بالحقّ، ومَن رد عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين"[37]. كتب (عليه السلام) إلى وجهاء البصرة: "ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ المستحقّ علينا... وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيه (صلى الله عليه وآله)، فإنّ السنَّة قد أُميتت، وإنّ البدعة قد أُحييت، وإن تسمعوا قولي وتُطيعوا أمري أهدِكم سبيل الرشاد"[38]. وفي كلام له (عليه السلام) لأهل الكوفة، قال: "فلعمري، ما الإمام إلّا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحقّ، والحابس نفسه على ذات الله"[39] مناقشة أدلّة نظرية الحكومة: إنّ نظرية الحكومة بالمعنى المتقدّم يمكن أن تُناقَش من ناحية ثبوتية وإثباتية، نقدّم فيما يلي مناقشات على كلا المستويين:
اولا: - المناقشة الثبوتية: لو أخذنا بنظر الاعتبار الظروف الحاكمة في ذلك الوقت، من حيث وجود السلطة الحاكمة وولاتها، وضعف الإيمان الذي ابتُليت به الأُمّة آنذاك، فهل من الممكن التحرّك لإقامة حكومة؟ أم أن الشواهد التاريخية تُبيّن أن معاوية قد مسخ عقائد الناس واستحوذ عليهم؛ بحيث استطاع على خلاف ما كان يتوقعه أن يأخذ البيعة ليزيد بسهولة، هذا من جهة.
ومن جهةٍ أُخرى: إنّ الإمام (عليه السلام) كان واقفاً على حقيقة أهل الكوفة، وصنيعهم بأبيه وأخيه÷ من قبل، وعالماً بما سيأول إليه الأمر في مواجهته لدولة بني أُميّة، بل كذلك هناك شخصيات، أمثال ابن عباس وعبد الله بن عمر وغيرهما ـ حتى قبل وصول خبر مقتل مسلم بن عقيل (عليه السلام) ـ كانوا على علمٍ بمصير الثورة وما يأول إليه الأمر، أضف إلى ذلك أنّ تشكيلة وهيئة الركب الذي خرج به الحسين (عليه السلام) لم يكن مناسباً لإقامة الدولة.
وعلى هذا مع غضّ النظر عن علم الإمام (عليه السلام) بشهادته يمكن أن يُقال: إنّ احتمال إقامة الدولة غير ممكن ثبوتاً، وإذا لاحظنا الطريقة التي رسمها الحسين (عليه السلام) لخروجه منذ البداية، لاتّضح لنا بجلاء، أنّ هذه النهضة لم تستهدف إقامة الدولة أبداً؛ وحينئذٍ لا حاجة لإقامة الأدلة والشواهد على إثبات ذلك.
ثانيا: المناقشة الإثباتية: ولو تنزّلنا جدلاً وقلنا بإمكان إقامة الدولة الإسلاميّة في ذلك الوقت ثبوتاً، فإنّه من الناحية الإثباتية لا شاهد ولا قرينة تؤيّد ذلك، ولم نجد في الكلمات والنصوص الحسينية ما يدل أو يُشعر بأنّ الإمام (عليه السلام) كان يهدف إلى إقامة دولة إسلامية في ثورته. نعم، كلماته (عليه السلام) تُصرِّح بأنّه هو الأوْلى بالخلافة من غيره، وهذا لا يعني أنّه خرج لذلك. وأمّا النّصوص المتقدّمة فيمكن مناقشتها بما يلي:
أمّا النّص الأوّل، فلا دلالة فيه على أنّ الهدف الذي قام من أجله هو السلطة والخلافة. وبقية النّصوص المتقدّمة لا دلالة فيها على أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد دعا الناس إلى إقامة الدولة، وعلى الرغم من أنّه (عليه السلام) قد صرّح أكثر من مرّة: أنّه أحقّ بالخلافة من غيره، وأنّ الخلافة حقّه. ولكنّه (عليه السلام) لم يسعَ لاستلام السلطة.
نعم، إنه (عليه السلام) دعا الناس إلى كتاب الله وإحياء سنّة نبيه (صلى الله عليه وآله)، وإنّ السنَّة قد أُميتت، وعلى المسلمين إحياء هذه السنَّة، بمواجهة السلطة الظالمة.
وأمّا النص الأخير، فقد تعرّض الإمام (عليه السلام) فيه لبيان حقيقة الإمام والإمامة وشروطهما، وهذا لا يعني أنّ ثورته كانت لأجل الوصول إلى ذلك الهدف.
ومن الممكن أن يدّعي بعضٌ أنّ من شؤون الإمامة بيان الأحكام والحفاظ على الشريعة من التحريف، وهذا بطبيعة الحال يقتضي أن تسعى تلك النهضة للوصول إلى السلطة، أوقُل على الأقل: إنّ تَسلُّم السلطة هو أحد أهداف وغايات تلك النهضة.
فيُقال في جواب ذلك: إنّ البحث ليس في ما تقتضيه الإمامة وشؤونها، بل الكلام في استنتاج هدفٍ كهذا من هذه النهضة وعدمه، فلا يمكن الوقوف من خلال النّصوص الحسينية لا من قريب ولا من بعيد على أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) كان يسعى من خلال تلك النهضة الخالدة أن يُقيم الدولة الإسلاميّة.
الباحث الاسلامي الشيخ محمد جواد فاضل اللنكراني
[1] اُنظر: الأمين، محسن، أعيان الشيعة: ج1، ص581. الصافي الگلبایگاني، لطف الله، حسين شهيد آگاه الحسین الشهید العالم: ص80.
[2] مطهري، مرتضـى، مجموعه آثار أُستاد شهيد مطهري المجموعة الكاملة لمؤلفات الأُستاذ الشهيد مطهري: ج17، ص371.
[3] العسكري، مرتضى، معالم المدرستين: ج3، ص308.
[4] الصالحي النجف آبادي، نعمة الله، شهيد جاويد الشهيد الخالد: ص215.
[5] الذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام: ج5، ص5.
[6] ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، الردّ على المتعصّب العنيد: ص71.
[7] المفيد، محمد بن محمد، المسائل العكبرية: ص69 ـ 71.
[8] اُنظر: أُستادي، رضا، سرگذشت كتاب شهيد جاويد قصة كتاب الشهيد الخالد: ص339.
[9] الفاضل اللنکراني وشهاب الدین الإشراقي، باسداران وحيحُرّاس الوحي بالفارسيّة: ص275.
[10] الجواهري، محمد حسن، جواهر الكلام: ج21، ص296.
[11] اُنظر: زاهدي قمي، أبو الفضل، مقصد الحسين: ص9.
[12] النراقي، مهدي، محرق القلوب: ص40.
[13] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص157، ح20.
[14] الفاضل اللنکراني وشهاب الدین الإشراقي، باسداران وحي حُرّاس الوحي بالفارسيّة: ص275.
[15] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص299.
[16] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص43.
[17] المصدر السابق.
[18] اُنظر: المصدر السابق: ص49 ـ50.
[19] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص132.
[20] ابن نما الحلي، محمد بن جعفر، مثير الأحزان: ص29.
[21] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص132.
[22] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص308.
[23] الحرّاني، ابن شعبة، تحف العقول: ص245.
[24] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص788.
[25] اُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى، فتوح البلدان: ج2، ص433.
[26] سيد قطب، كُتب وشخصيات: ص236، وص253، نقلاً عن كتاب معالم الفتن: ج2، ص458.
[27] البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري: ج1، ص134.
[28] الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج5، ص145.
[29] اُنظر: ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج5، ص129.
[30] الطبري، الحسن بن محمد، كامل بهائيبالفارسية: ج2، ص204.
[31] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص48.
[32] أبو مخنف الأزدي، لوط بن يحيى، مقتل الحسين (عليه السلام) : ص86.
[33] المصدر السابق: ص17
[34] الحج: آية32.
[35] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص17.
[36] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص326. الكوفي، أحمد بن أعثم، الفتوح: ج5، ص17.
[37] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص329 ـ 330.
[38] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص266.
[39] المصدر السابق: ص262.
مواضيع مماثلة
» الثورة الحسينية بين نظرية الشهادة وإقامة الحكومة
» المشاركة السياسية للشباب وأثرها فى تنمية المجتمع
» منهجية تحليل نص نظري
» مراحل تحليل نص فلسفي
» تحليل ومناقشة نص فلسفي
» المشاركة السياسية للشباب وأثرها فى تنمية المجتمع
» منهجية تحليل نص نظري
» مراحل تحليل نص فلسفي
» تحليل ومناقشة نص فلسفي
الموقع العام لقبيلة البدير في العراق للشيخ شوقي جبار البديري :: 101-منتدى ثورة الحسين عليه السلام ضد الظلم والطغيان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:58 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ المرحوم عبد الهادي
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:53 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ شوقي البديري والاخ حمود كريم الركابي
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:51 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الاستاذ المخرج عزيز خيون البديري وعمامه البدير
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:48 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ صباح العوفي مع الشيخ عبد الامير التعيبان
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:45 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ المرحوم محمد البريج
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:41 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» جواد البولاني
الإثنين سبتمبر 23, 2024 10:13 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» المرحوم السيد هاشم محمد طاهر العوادي
الإثنين سبتمبر 23, 2024 10:03 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» رموز البدير
الجمعة سبتمبر 20, 2024 8:41 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري