بحـث
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
حول
مرحبا بكم فى منتدى الموقع العام لقبيلة البدير في العراق للشيخ شوقي جبار البديري
قبيلة البدير من القبائل الزبيديه
ثورة الإمام الحسين قراءة في الأبعاد والدلالات
الموقع العام لقبيلة البدير في العراق للشيخ شوقي جبار البديري :: 101-منتدى ثورة الحسين عليه السلام ضد الظلم والطغيان
صفحة 1 من اصل 1
ثورة الإمام الحسين قراءة في الأبعاد والدلالات
المقدمة
حمل ثورة الإمام الحسين عليه السلام الكثير من المعاني والأبعاد والدلالات، فهي ليست تلك الثورة والحركة التي حصلت أحداثها قبل ما يقرب من 1400عام وانتهت بشكل طبيعي كما تنتهي المعارك التي يقوم بها الإنسان، بل لا بد ومن اجل الوقوف على عظمة هذه الثورة الحسينية أن ندقق في معانيها وأسبابها والظروف المحيطة بها وبالتالي لا بد من التوقف طويلا عند النتائج والآثار التي حملتها والتي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا...
ولعل ابلغ من تحدث عن ثورة الإمام الحسين عليه السلام في عصرنا الحاضر، هو الإمام الخميني قدس سره إذ قدم صورة واضحة لعظمتها فاعتبر أن كل ما لدينا هو من عاشوراء. وبهذه العبارة المختصرة أراد الإمام الخميني قدس سره القول بان كل ما ننعم به اليوم من سيادةٍ للدين والإيمان، وحكمٍ للشريعة الإلهية، وتأصلٍ للقيم الإنسانية الراقية وغير ذلك، فالفضل يعود إلى تلك الثورة التي كانت بكامل تفاصيلها مدرسة حقيقية تستقي منها الأجيال اللاحقة كل معاني العز والشرف والكرامة الإنسانية...
وعلى هذا الأساس فإن ثورة الإمام الحسين عليه السلام هي استمرار لخط النبوة وبها ثبات واستقامة القيم الإنسانية بعد أن عمل المبطلون على إزالتها، وبالتالي فهي ثورة لإنقاذ الدين وإحياء الشريعة ورفع البشرية من أدنى ما وصلت إليه إلى عالم النور والضياء.
وثورة الإمام الحسين عليه السلام فيها حكاية عن مستقبل البشرية باجمعها، إذ رأى الإمام عليه السلام أن مستقبل البشرية يتوقف على شهادته ودماءه التي روت الأرض بالجهاد والإيثار والتضحية لتنبت في كل الأزمنة أشخاص يسيرون على دربه لا يرضون الضيم ولا يقبلون الذل.وقد حدد الإمام عليه السلام المعالم الحقيقية للثورة عندما قال: "إني لم اخرج اشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ..."
المقدمة
والإصلاح فيه رؤية بعيدة المدى إلى مستقبل الأمة الذي كان الإمام عليه السلام يقرأه ويعرف عدم إمكانية الوصول إليه إلا عن طريق الشهادة...
وهنا يطول بنا المقام في الحديث عن معاني ودلالات ثورة الإمام الحسين عليه السلام حيث نوكل القارئ العزيز إلى مجموعة من المقالات نضعها بين يديه، وهى عبارة عن مقالات قيمة قدمتها شخصيات هامة على مستوى الفكر والتأصيل العلمي في فترات مختلفة في مركز الإمام الخميني الثقافي على أمل الاستفادة منها.
الفصل الأول: إطلالة على بعض مفردات مدرسة الإمام الحسين عليه السلام
دور المجالس الحسينية في مسيرة الإسلام المحمدي الأصيل
الشيخ نعيم قاسم
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
قبل أن ندخل في تفاصيل استنتاج دور هذه المجالس في مسيرة الإسلام المحمدي الأصيل، تطرح إقامة المجالس الحسينية بعض الملاحظات العامة التي يدور النقاش حولها، وهي ثلاثة:
الملاحظة الأولى
دعا نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأئمتنا عليهم السلام في روايات متعددة للتركيز على البكاء وتذكر المأساة وضرورة الاهتمام بذكر سيد الشهداء عليه السلام وكربلاء وما تحمله من مضامين، لا بما تجسدّه من مأساة لفردٍ أو جماعة، ولو كان المقصود إبراز مأساة الفرد لكان الأمر مخالفاً لتربية الإسلام لنا في أنَّ الحياة الدنيا فانية، وأنَّ كل نفس ذائقة الموت في يوم من الأيام، ولكن لوجود قضية يجب أن تبقى حيَّة ومؤثِّرة لما تمثله واقعة كربلاء في إحياء القضية الإسلامية الكبرى لتعزيز الإسلام المحمدي الأصيل مفهوماً ومضموناً.
الملاحظة الثانية
مَرَّ إحياء عاشوراء من خلال المجالس بتاريخ طويلٍ، وفي بلدانٍ وظروفٍ مختلفة، ما أدخل على عاشوراء تصرفاتٍ وآداب وروايات وقصص ليست من عاشوراء، بل يعتبر بعضها
الفصل الأول: إطلالة على بعض مفردات مدرسة الإمام الحسين عليه السلام
موهناً للإسلام كالتطبير على الرأس، لكنَّ هذه الأمور التي تحصل هنا وهناك في طريقة إحياء المجالس لا تبرِّر على الاطلاق أن نشنَّ حملة على أصل إقامة هذه المجالس، أو على المضمون العاطفي الذي تحدثه هذه المجالس، لأنَّنا في المجلس الذي يبالغ المقرئ فيه، وفي المجلس الذي يمارس فيه البعض ممارسات لا تنسجم مع الإسلام، سنجد أشخاصاً طيبين يحبون مسيرة الحسينعليه السلام ، لكن الظروف دفعتهم لأن يستمعوا إلى هذا المقرئ أو ذاك، أو أن يكونوا في هذا المجلس، فعلينا أن ننظر إلى مجالس عاشوراء نظرة إيجابية في محاولة توجيهها واستثمارها بدل أن نشنَّ الحملة عليها كمجالس، وإن كان المطلوب أن نتحدَّث عن بعض السلبيات في المكان والمقام المناسبين لإصلاح الأمر وتعديل الصورة السيئة التي يحاول المستكبرون والمعادون والجهلة تسليطها من خلال تقاريرهم أو إثاراتهم أو تضخيمهم لبعض التصرفات.
الملاحظة الثالثة
هناك حركة منهجية منظمة قادها مراجعنا وعلماؤنا الأعلام في السابق، وهم يقودونها اليوم مع العلماء والمربين والمثقفين وقرّاء العزاء، لإجراء أفضل إطار مناسبٍ لتنقية عرض عاشوراء من الشوائب، وتشذيبه من الأخطاء، وملء المضمون بما يساعد على تأجيج العاطفة وتثبيت الفكر السليم الذي ينسجم مع طروحات الإسلام، وهذه الحركة جدية. وفي عصرنا هذا، خاصة بعد انتصار الثورة الإسلامية المباركة، خطت المسألة خطوات هامة، حتى أصبحنا نجد وعياً هاماً ينشأ من خلال حضور مجالس عاشوراء لا يتسنّى في غيرها من المجالس، وما يستفيده الناس من حضور عاشوراء لا نجده في كثير من الحالات في المسجد أو في المحاضرة أو في الإطار الذي يثقف بالإسلام، إلى درجة أن البعض لا يتثقف بالإسلام إلا من خلال مجالس عاشوراء، فالعمل مستمر لملء مضمون هذه المجالس بالتوعية والتربية الإسلامية الصحيحة، وهذه ملقاة على عاتق العلماء وقراء العزاء، وهذا ما يحتاج إلى عقل وعاطفة، وسلامة في الطرح يؤسّس لفهم إسلامي مستقبليٍّ عميق ينطلق لأداء الدور وتحقيق الهدف الذي أراده الإمام الحسين عليه السلام.
أحببت أن أذكر هذه الملاحظات الثلاث قبل أن أبدأ بالحديث عن دور المجالس الحسينية في مسيرة الإسلام المحمدي الأصيل، الذي نلمسه ونستفيده من نقاط عدة.
الفصل الأول: إطلالة على بعض مفردات مدرسة الإمام الحسين عليه السلام
يرة عاشوراء هي مسيرة مواجهة بين حاكم ظالم وقائدٍ يريد أن يثبِّت قيادة الإسلام الحقة، هذا الصراع هو صراع مزمن، من يقود؟ وبمن يقتدي الناس؟ هناك نظرية عند بعض المسلمين تقول بأنَّ وليَّ الأمر أكان برّاً أو فاجراً، يجب على المسلمين أن يطيعوه، تفسيراً للآية الكريمة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ النساء: 59.
، وهذا يعني أن يكون يزيد في موقعه قد قام بدور ولي الأمر كحاكم، بصرف النظر عن كونه ظالماً، وبصرف النظر عن النماذج الأخرى التي تبرّر الظلم لحكام بني أمية وبني العباس ولعددٍ كبيرٍ من الحكام الذين مرّوا عبر التاريخ الإسلامي، وهذه رؤية خطرة وخاطئة في آن معاً، لأنَّ الحاكم إذا كان ظالماً وسمع له القوم ووافقوه على مساره، يعني أن الظلم سيسود باسم الإسلام، وبالتالي يُفرَّغ الإسلام من محتواه العملي، ويبقى في دائرة النظرية الرائعة غير القابلة للتطبيق لعدم وجود الحاكم العادل الذي يقود ويحكم كمقياس تطبيقي للإسلام الأصيل.
كانت ثورة الإمام الحسين عليه السلام ثورة إسقاط الحاكم الظالم عن المشروعية لقيادة الأمة، ليقول بأن مشروعية القيادة إنما هي من الاستقامة على ضوء منهج الإسلام، فما لم تكن كذلك فلا مشروعية للقيادة، ولذا أعلن الإمام الحسين عليه السلام موقفه المشهور"يزيد فاسقٌ شاربٌ الخمر، قاتلٌ النفس المحرّمة، معلنٌ بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله"، فهو لا يستحق أن يكون قائداً، ولا يستحق أن يكون ولياً يحكم المسلمين، وبالتالي نفهم درساً أساسياً بأنَّه يجب أن يكون الحاكم عادلاً حتى يستحق الحكم، ويجب أن ينسجم الولي مع تعاليم الإسلام الحقة لا مع مصالحه وفساده ليكون مقبولاً، وهذا التأسيس يساعد بشكل مباشر على إعطاء القيادة أهميتها، وما لم تكن هناك قيادة مستقيمة فلا ينتظرنَّ أحد من الناس أن يكون التطبيق صحيحاً للإسلام، فالتلازم قائم بشكل كبير بين القيادة والحكم، ولا إمكانية لحكم صحيح من دون قيادة مستقيمة، ولا إمكانية لحكم صحيح لقيادة مستقيمة لا تتمكَّن من الحكم، فلا بدَّ أن تجتمع القيادة المستقيمة مع الحكم بالإسلام كي نحصل على النتيجة، وإلا ستكون النتيجة سلبية، وستكون الشعارات مختلفة تماماً عن التطبيق.
الفصل الأول: إطلالة على بعض مفردات مدرسة الإمام الحسين عليه السلام
ثانياً: التأويل الصحيح لفهم تعاليم الإسلام
أنتم تعلمون بأنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نُزِّل عليه القرآن الكريم، وأعطانا من أحاديثه وأفعاله وتقريراته ما أسَّس للإسلام، وأعطانا نظرية متكاملة للحياة. لكنَّ هذه النظرية تحتاج إلى تطبيق، وإلى متابعة وتفسير، كيف نتعاطى مع التفسير؟ هنا تكمن المشكلة! فقد اختلف المسلمون في كيفية التفسير والتفصيل، بل حصل قتال على التفسير، وهذا القتال أدى إلى نشوب صراعات، بدأت بعد وفاة الرسولصلى الله عليه وآله وسلم ، وامتدت لتبلغ أوجهها في عهد خلافة أمير المؤمنين علي عليه السلام في معارك ثلاث: في "صفين" و"الجمل" و"النهروان"، وتُرجمت في أقصى تعابيرها في الجريمة الكبرى التي ارتكبها "يزيد" في كربلاء، ما يعني أن خلافاً كبيراً وواسعاً نشأ على التأويل، ولم ينشأ على أصل الشريعة، فالأصل موجود، وآيات القرآن موجودة، والأحاديث الشريفة موجودة، لكن كيف تفسرون آيات القرآن والأحاديث الشريفة؟ ولقد صدر عن علماء كبار، وفي محطات تاريخية مختلفة، تفسيرات مختلفة للآية الواحدة، وربطت الآيات بطريقة تبرر لواقع عملي دون آخر، حتى أنَّ شيخاً كبيراً من المشايخ أفتى بجواز الصلح مع العدو الإسرائيلي! على قاعدة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صالح في صلح الحديبية، فاستفاد من كلمة صلح، ومن واقعة الصلح التي حصلت، ليبرِّر صلحاً بالمعاهدات التي جرت مع اليهود في المدينة المنورة، ليجعل من الصلح مع إسرائيل كيفما كان وبتثبيت الكيان الإسرائيلي أمراً مقبولاً! هذا تفسير خاطئ لحادثة تاريخية، وربط خاطئ بواقع معاش.
لكن من أجل رفع الالتباس في التفسير أو التأويل، نلجأ إلى تصحيح المنهجية باعتماد طريق الأئمة عليه السلام ما يساعدنا على سلوك طريق الإمام المعصوم الذي يقف مع الحق، فيسهِّل علينا الاستنتاج في مسار الأحداث. إنَّ موقفنا مع الحسين عليه السلام كسيد شباب أهل الجنة، ومؤهل للقيادة الشرعية الحقَّة، يسهِّل علينا فهم الأحداث التي جرت معه، ويحدد موقفنا بوضوح من يزيد وأعماله وعماله. مع الحسينعليه السلام نحدد القيادة العادلة ونرفض القيادة الظالمة، ونثبت مفهوم الجهاد وإحياء الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعنى الإصلاح في الأمة.
يشرح لنا أمير المؤمنين علي عليه السلام -كما ورد في نهج البلاغة-كيفية تعاطيه مع
الفصل الأول: إطلالة على بعض مفردات مدرسة الإمام الحسين عليه السلام
الخوارج، وأنه قاتلهم لما دخل في فهمهم من الزيغ والإعوجاج، ولو كانوا بالعنوان العام أخوة في الدين، فلقد قاتل المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخوتهم وأقاربهم من الرحم لإعلاء كلمة الدين، وكذلك عليهم أن يقاتلوا من انحرف من المسلمين، فيقول:
"فلقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإنَّ القتل ليدور على الآباء والأبناء والاخوان والقربات، فما نزداد على كل مصيبة وشدة إلاَّ إيماناً، ومضياً على الحق، وتسليماً للأمر، وصبراً على مضض الجراح. ولكنَّا إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام، على ما دخل فيه من الزيغ والإعوجاج والشبهة والتأويل. فإذا طمعنا في خصلة يلمُّ الله بها شعثنا، ونتدانى بها إلى البقية فيما بيننا، رغبنا فيها، وأمسكنا عما سواها".
فالقتال مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان على التنزيل لتثبيت الإسلام في مواجهة الجاهلية وأهلها، والقتال مع الخوارج الذين ينتسبون إلى أخوَّة الإسلام قتال على التأويل وتصحيح الفهم والإعوجاج. وفي نقد أمير المؤمنين علي عليه السلام لمعاوية، يؤكد على أنَّ الخلاف على التأويل، وهل هناك أجدر من الإمام علي عليه السلام في تأويل القرآن وتبيان تعاليمه الصحيحة؟ وهل يعقل أن يدرك معاوية تأويله الصحيح في مقابل علي عليه السلام ؟ قال الأمير عليه السلام: "وقد ابتلاني الله بك، وابتلاك بي، فجعل أحدَنا حجةً على الآخر، فعدوتَ على طلب الدنيا بتأويل القرآن، فطلبتني بما لم تجن يدي ولا لساني، وعصبته أنت وأهل الشام بي، وألَّب عالمُكم جاهلَكم، وقائمُكم قاعدَكم، فاتَّقِ الله في نفسك، ونازِع الشيطان قيادَك".
إنَّ موقف الإمام الحسين عليه السلام في عاشوراء لم يترك مجالاً لأي تأويل وتفسير، فموقفه هو الصحيح، وهذا ما جعلنا نقرأ عاشوراء قراءة تاريخية سليمة نرى من خلالها كيفية المحافظة على أصالة ونقاء المشروع الإسلامي.
ثالثاً: عاشوراء والتضحية
إذا لم يضحِّي المسلم بنفسه وماله في سبيل رفعة الإسلام فلن يكون للإسلام حضور ووجود في حياة الناس، وعندما يتخلَّى المسلم عن الجهاد ويرفعه عنه فهذه بداية الوهن والضعف والانحراف في الأمة، حيث نحتاج دائماً إلى شعلة الجهاد للنفس وللأعداء. وها هي نهضة الإمام الحسينعليه السلام تثبِّت المسار الذي يعتبر عزَّة المسلمين هدفاً تهون لأجله
الفصل الأول: إطلالة على بعض مفردات مدرسة الإمام الحسين عليه السلام
الحياة الدنيا، ففي خطبة الإمام الحسين عليه السلام في عاشوراء: "ألا وإنَّ الدعيَّ ابن الدعي قد ركز بين اثنتثين: بين السِلَّة والذِّلة، وهيهات منَّا الذِّلة"، وفي شعر منسوب إليه:
إن كان دين محمد لا يستقم
إلاَّ بقتلي فيا سيوف خذيني
لا بدَّ من التضحية لتثبيت المسيرة واستقامتها، وهذا ما يتوضح من التجربة العملية المعاصرة، فلنلاحظ كيف كان واقع المسلمين عندما تخلوا عن الجهاد؟ تكاثرت عليهم الأمم تكاثر الأكلة على قصعتها، واستُعمرت بلدانهم، وحُرموا من أبسط حقوقهم، وتجزأت أوطانهم، وتركوا دينهم، وتعلقوا بالقشور التي تركها لهم الاستكبار أو ألهاهم بها. أمَّا عندما عادوا إلى جذوة الجهاد المستفادة من التضحية العاشورائية، واستُحضرت كربلاء في نفوس شبابنا وأمتنا، رأينا أن دولةً إسلاميةً مباركة في إيران قامت، مستلهمة من عاشوراء، وقامت المقاومة الإسلامية في لبنان مستلهمة من عاشوراء، واستطاعت الحركة الإسلامية عموماً أن تحقق إنجازاً هاماً في إثبات هويتها المستقلة والواضحة والأصيلة، ما جعل المستكبر يحسب حساباً لرؤية حضارية منافسة لها مستقبلها عند شعوب المنطقة، بل عند شعوب العالم، كمنارة هدى. ولذا بدأت الحرب الأمريكية والغربية عموماً حرباً طاحنة على الإسلام، لمحاصرته فكرياً وسياسياً وثقافياً وإعلامياً وبكل الوسائل، على قاعدة أنَّ هذه الروح الجهادية التي انطلقت مستلهمة من عاشوراء ستؤسس للتمرد على النظام الدولي، وللتمرد على القرارات المتفق عليها بين المستكبرين، وتؤسِّس لاستقلال شعوبٍ لا يُفترض بها أن تستقلَّ بفكرها وإرادتها وقراراتها وإمكاناتها، وهذه مخالفة للمسار الدولي العام الذي يريد أن يحتكر كل شيء بيد المستكبرين ويمنع المستضعفين من أن يأخذوا حقوقهم.
رابعاً: العاطفة
في عاشوراء تأجيجٌ للعاطفة والمشاعر، تأجيجٌ للحب للحسين وأصحاب الحسين وأهل بيت الحسين عليه السلام، والبعض يستنكر، ويعتبر أن عاشوراء يجب أن تُعقلن، وأن نناقش الأمور فيها بموضوعية وفكر كي نتمكن من فهم أبعادها والاقتداء بها. نقول لهؤلاء: لو كان الفكر يصنع جهاداً لما كانت العاطفة أساسية في العملية التربوية، لكنَّ الفكر يؤسِّس ويضع القواعد، إلا أنه إذا غرق الإنسان فيه فإنه يجمد عند التحليلات والرؤى النظرية
الفصل الأول: إطلالة على بعض مفردات مدرسة الإمام الحسين عليه السلام
التي لا تنسجم مع الواقع العملي، عدا عن أن الذين يفكرون بالقواعد والأسس لا يتجاوزون نسبة قليلة في الأمة، وعلينا أن نعطيهم النتائج والتحليلات، وإلاَّ فماذا نفعل بعوام الناس وبالقاعدة الكبيرة منهم؟
العاطفةُ مطلوبةٌ، وتعزيزها أساسي، ولذا ركز أئمتناعليه السلام على البكاء، لا لصنع المأساة، وإنما لتأجيج العاطفة التي تتحول إلى حب وعشق للإمام الحسين عليه السلام ، فنصبح هائمين بحركته وثورته، ونتخيَّل أنفسنا مكانه، وفي موقعه، فنعطي نزراً مما أعطى، لأنَّ درجة حبه لله تعالى جعلته ينسى جسده ليتعلق بالسماء، وإنما نحاول أن نشحن عواطفنا تجاه الإمامعليه السلام لنتزود من طريقته وأدائه في تذويب الذات لله تعالى، كي نعطي كما أعطى، فتكون العاطفة بذلك مقدمة مؤججةً للعطاء والتضحية، ولا تكون محبطة ومذلة ومختلة كما يتصور البعض. لا يمكن أن نُغفل مشاعر الناس، ولا يمكننا أن نبني قوة لا تنطلق من الحب والتفاعل، حتى أن الله تعالى عندما حدثنا عن المقارنة بين شؤوننا الدنيوية والارتباط بالله قارن بالحب كعنوان عاطفي أساسي يؤثر على الاختيار، فقال: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ التوبة: 24.
، فذكر الحب في عملية المقارنة ولم يذكر العقل، ليقول لنا بأنَّ تعلقنا بالدنيا تعلقٌ عاطفي وليس تعلقاً عقلياً، ولو سألتَ الذين يحبون الدنيا ويتبعون أهوائهم وينحرفون: هل أنتم مقتنعون بانحرافكم؟ لقالوا: لا. وإنما بعد لحظات ينحرفون، لأن مشاعرهم مشدودة إلى الحرام، وأحاسيسهم قد غلبت عقولهم.
يريد الله تعالى أن يركز فينا الحب له، على قاعدة أنَّ هذا الحب لله ولرسوله وللجهاد في سبيله هو الذي يؤسس المشاعر والعواطف بشكل سليم، لنتخلى عما يشدُّ إلى الأرض، وهذا ما ينسجم مع طريقة إحياء مجالس عاشوراء في تأجيج العاطفة التي تربط بالحقُ والقيادة وبالإسلام العظيم الثوري برفض الظلم، وهذا كله في إطار عاطفي، لتخرج المواقف مملوءة بالأحاسيس، وتؤثر في واقع الأمر، بدل أن تكون المواقف عُقلائية بحتة تُبعد الناس عن التضحية. فلو فكَّر الإنسان بعقله، بين قوته وقوة الآخرين لوقف جامداً، أمَّا عندما يعيش
الفصل الأول: إطلالة على بعض مفردات مدرسة الإمام الحسين عليه السلام
بأحاسيسه حب التضحية والجهاد في سبيل الله، فإنه يقلِّل من قوة الآخرين، ويندفع بقوة الله تعالى، ويسمو بعطائه، فتتجاوز عاطفته جسده، وتتجاوز عاطفته تحليله العقلي والمنطقي، ما يؤدي دوراً أساسياً في الدفع إلى الأمام من أجل تثبيت الإسلام المحمدي الأصيل.
خامساً: كل ما عندنا من عاشوراء
إنَّ ما عندنا من عاشوراء، كما يقول الإمام الخميني قدس سره :"كل ما عندنا من عشوراء"، كيف يكون ذلك؟ وكيف نرسِّخ الإسلام المحمدي الأصيل بما عندنا من عاشوراء؟ لأنَّ عاشوراء خططت لمنهجية ترفض غير الإسلام، ولا تقبل إلا بالإسلام المستقيم، ترفض الظلم ولا تقبل إلا بالعدالة، ترفض الجور ولا تقبل إلا بإنصاف الناس، ولذا يركز الإمام الخميني قدس سره في بداية وصيته حديثه عن الإمام الحسين عليه السلام طالباً من الشعوب المسلمة عدم التهاون، "وعدم الغفلة عن مراسم عزاء الأئمة الأطهار، وخاصة سيد المظلومين والشهداء حضرة أبي عبد الله صلوات الله الوافرة وصلوات أنبيائه وملائكته والصالحين على روحه الوثَّابة العظيمة. وليعلموا بأنَّ تعاليم الأئمة عليه السلام لإحياء هذه الملحمة التاريخية الإسلامية، وكما أن كلِّ اللعن والاستنكار على ظالمي أهل البيت إنما هو بأجمعه صرخة مدوية للشعوب في وجه الحكام الظلمة على مر التاريخ وإلى الأبد، كما ينبغي الحرص على تضمين المنائح والمراثي والمدائح المنظومة في أئمة الحق عليه السلام استعراض جرائم الظالمين في كل عصر ومصر"، نلاحظ من خلال كلام الإمام الخميني قدس سره في مسألة إحياء هذه المجالس، وجوب رفض الظلم على المستوى العملي، وربط الحاضر بالتاريخ الكربلائي، والانتفاضة على الواقع القائم، والتأسيس للإسلام الأصيل، وهذا ما يفسر معنى كل ما عندنا من عاشوراء، لأنه ربط للواقع بالواقعة التي حصلت في عاشوراء، للاستفادة من دروسها وعبرها لحياتنا.
سادساً: مشاركة الجميع
حصلت في كربلاء حالة ملفتة، فالمعركة في مكان لا ماء فيه، والعدد قليل لا يتجاوز النيف والسبعين من الرجال، والمعركة بحضور النساء والأطفال، الطفل موجود عبد الله الرضيع، والشاب موجود علي الأكبر، والعجوز موجود حبيب بن مظاهر، والمرأة موجودة العقيلة
الفصل الأول: إطلالة على بعض مفردات مدرسة الإمام الحسين عليه السلام
زينب، والقائد المعصوم موجود الإمام الحسين عليه السلام ، فالكل موجود على أرض المعركة: القيادة، والرعية، والمقاتلون والصغار والنساء، بمعنى آخر كل فئات المجتمع على اختلاف مواقعها وأدوارها وانتماءاتها موجودة في المعركة، ما يعني بأنَّ الإسلام المحمدي الأصيل لا يمكن أن تكتمل قوته إلا بتظافر كل الجهود ومن دون استثناء، كل واحد من أفراد المجتمع معنيٌ بالعمل في سبيل الإسلام، وكل واحد يجب أن يقوم بما عليه، ولعلَّنا الآن نشعر بقوة مميزة لأنَّ بيوتنا بأسرها قد تفاعلت مع الإسلام. فلو كانت المقاومة الإسلامية مقتصرة على شباب مجاهد منفصل عن بيئته وأهله وأطفاله وبيته لما كانت لها تلك القوة المتأججة التي تصنع المستقبل، إنَّها مسارُ الشباب والنساء والعجزة والأطفال، بحيث تتفاعل مع كل بيت وكل قرية بما فيها من تنوع، كجزءٍ لا يتجزأ من مسيرة الجهاد والعمل للإسلام. لولا هذا لما كنا على القوة التي نحن عليها اليوم، ولما كانت كربلاء على القوة التي عليها، والتي نستمد منها هذا المعنى، كان يمكن أن يقال لولا ما حصل في كربلاء لقُتل الإمام الحسين عليه السلام وحده وقيل أنه اغتيل وانتهى الأمر، ولو قاتل الرجال وحدهم لقيل بأنَّ النساء لا علاقة لهنَّ، لكن عندما حضر الجميع في المعركة، فهذا يعني أنَّ بناء مسيرة الإسلام المحمدي الأصيل يحتاج إلى كل الطاقات من دون استثناء، ولكل طاقةٍ دورٌ في المسيرة الواسعة التي تحتاج إلى أداء الدور من خلال العطاء
سابعاً: القدوة
مهما تحدثنا عن سلامة الخط تبقى القدوة هي الأساس، ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾الأحزاب: 21.، ولو كان يكفي أن ينزل القرآن من دون قدوة لوزعت الكتب علينا وتعلمناها من دون أنبياء وأوصياء، لكن الكتاب لا يكفي وحده، ولذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدوتنا ثم تابع الأئمة المسيرة، وفي الحديث الشريف تأكيد للتلازم بين القرآن والعترة الطاهرة القدوة: "إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض".
نحن نستفيد من عاشوراء القدوة، من الذي يستطيع أن يحتج اليوم ويقول بأني غير معنى بالتضحية أو بمسيرة الإسلام المحمدي الأصيل أو بالعطاء أو ما شابه؟ إذا كنت تعتقد بأنّ
الفصل الأول: إطلالة على بعض مفردات مدرسة الإمام الحسين عليه السلام
ما قام به الإمام الحسين عليه السلام إنما قام به كإمام معصوم وأنت لست في مستواه، لماذا لا تنظر إلى علي الأكبر؟ وإلى حبيب بن مظاهر؟ بحسب عمرك وبحسب وضعك الشخصي! تستطيعين أن تنظري إلى زينب، ماذا فعلت؟ وكيف تصرفت؟ كل هذه النماذج قدوة، والقدوة أساسية في مسارنا العملي، وفي إحياء الإسلام المحمدي الأصيل. في المحصلة فإنَّ مجالس عاشوراء مجالس تربية وتعبئة وتعريف بالإسلام، وهي مجالس رفض الظلم، والتأسيس للإسلام الصحيح، وبناء القدوة، وتحميل المسؤولية لجميع أفراد الأمة، وربط التاريخ بالواقع، والاستعداد للتضحية، وكلها عناوين تؤسس لمنهجية إسلامية تثبِّت معالم الإسلام المحمدي الأصيل، فإذا أحسن المسلمون إحياء هذه المجالس وفق هذه القواعد استطاعوا أن ينقلوا التاريخ إلى حاضرهم، ولكم في تجربة إيران الإسلام أسوة حسنة، ولكم في المقاومة الإسلامية في لبنان أسوة حسنة، فنحن لسنا أمام فكرة مجرَّدة، وإنما نحن أمام واقع يمتلىء بالعاطفة والأحاسيس التي نحتاج أن نؤججها لتعبِّر عن المضمون الذي ذكرناه، عندها نستطيع أن ننقل مجالس عاشوراء إلى واقعنا، وأن نقول: كل ما عندنا من عاشوراء، فيطبق الإسلام المحمدي الأصيل في حياتنا الشخصية، وفي علاقاتنا، وفي نهضة أمتنا بشكل عام، في مواجهة القضايا المختلفة التي نتصدى لها، وعندها لا يمكن أن تكون هناك أي عقبة من العقبات*
مجالس عاشوراء ليست مجالس للماضي، مجالس عاشوراء ليست مجالس للذكرى، مجالس عاشوراء لصنع الحاضر والمستقبل، وعليه فإنَّنا من عاشوراء نتعلم أن نقف بوجه ظالمي العالم وناهبي ثروات العالم، ونتعلم أن لا نرضخ للقرار الأمريكي الدولي، لا نسلِّم للكيان الإسرائيلي، ونحن مقتنعون بأنَّ من نَصَر الثورة العاشورائية بأبعادها ونتائجها التي أينعت بعد فترة من الزمن ينصر المجاهدين العاشورائيين إذا صدقوا مع الله، ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُم﴾ آل عمران: 160.، ينصر كل جماعة تسير في هذا الخط، قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ القصص: 5.
*- محاضرة ألقيت في محرم 1416هـ في مركز الإمام الخميني الثقافي – بيروت
المحاضرة الثانية: الحسين عليه السلام مدرسة الأحرار
المحاضرة الثانية: الحسين عليه السلام مدرسة الأحرار
الأديب الراحل سليمان كتاني
أيها الحضور الكريم، نحن في اليوم الخامس من مجزرة كربلاء. بعد خمسة أيام أُخر، يُسدل الستار على المأساة الممدودة فوق صفحة الرمل بنقلها من حزام كربلائي الخشبة، يئنّ فوقها الموت المجبول بصرخات الدم والذّل الممرّغ بآهات العطش، إلى حزام ملحمي الامتداد، تموج فيه الحياة بأسرار البقاء وينِّزُ عليه العزّ الملقح بأمجاد العنفوان.
إنّ لي كتاباً ألفته أفتخر بالإشارة إليه، أحرز الجائزة الأولى في مضمار التأليف عن الإمام الحسين عليه السلام، ليس لأنه انخط بحرف من حروفي الأدبية، بل لأنه ازدان بلون الصدق المطرّز بالإمام الحسين عليه السلام، عنوان الكتاب "الإمام الحسين في حلة البرفير".والبرفير أو الأرجوان، هو الأحمر الزاهي الذي تضرجت به جبة الحسين عليه السلام وهو يخوض غُمار المعمعة الوسيعة التي نقلته من خشبةٍ حزينة رُسمت لمسرح كربلائي، إلى امتداد ملحمي يحيى فيه أبطال الملاحم من دون أن تمسهم لا هفوات المكان ولا لهوات الزمان، بل تنشرهم إلى علاء أُبهة الفضاء وصفوة الضياء.
يحلو لي أن أشير إلى ثلاث صفحات وردن في هذا الكتاب، أركز على كل واحدة منها موضوع حديثي المتواضع الموجّه إليكم في هذه الأمسية العاشورائية، علّكم ولعلّي معكم نسرح في هيامٍ صادق، ندور به في فضاءٍ حسيني مُستخلص من الحزن الممسوح بطعم المكاره، ولكنه المُدبّج بأريج من طيب لا يُشيعه علينا إلا عنفوانٌ زرعه في مدانا نهج الحسين عليه السلام، حتى نحقق به طموحات مدانا.
جاء في الصفحة 152 من هذا الكتاب قطعة عنوانها "كربلاء" ما يلي: والملاحم إنها نادرةٌ في الشوق والتطبيق، لهذا بقيت حصة من حصص المتشوقين إليها، وإنهم ما قدروا
21
14
المحاضرة الثانية: الحسين عليه السلام مدرسة الأحرار
أن يعالجوها ويقدموا أنماطاً عنها إلا في صنيع أدبي مجنح بالخيال، هرقوا عليه جهداً واسعاً وسنوات طويلة في البحث، والتدقيق والتنقيح حتى يجيئ قريباً من الواقع الإنساني إلا انه بقي تعبيراً عن واقع آخر لا يقدر الانسان ان يحياه إلا بشوقه وخياله واحلامه إن ملحمة الأُلياذة تشهد لهوميروس كيف خصص عمره كله لها، فإذا هي صنيغٌ أدبيٌ شعري خيالي، ليس فيه غير أبطال آلهة خاضوا الأجواء كلها، وربطوها بالميدان الأوسع، وأجّجوا الصراع وألهبوه بالبروق والرعود، وبقي القرّاء وحدهم المشاهدين كيف يتم زرع البطولات الخارقة، وكيف يتم الانتصار في المعركة الإلهية التي يحاول أن يُقلدها الإنسان.
ما أروع الحسين عليه السلام يجمع عمره كله ويربطه بفيضٍ من معاناته ويجمعه إلى ذاته جمعاً معمقاً بالحس والفهم والإدراك فإذا هو كله تعبير عن ملحمة قائمة بذاتها، صمّم لها التصميم المنبثق من واقع إنساني عاشه وعاناه وغرق فيه إن الملحمة التي قدمها على خشبة المسرح في كربلاء، هي الصنيع الملحمي الكبير، ما أظن هوميروس تمكن من تجميع مثله في إلياذته الكبيرة والشهيرة هنالك أبطال اعتروا الجوّ خشبةً لعبوا عليها، وهنا بطولةٌ واحدة أتمت ذاتها بذاتها، فذّة في مسراها، ومصممة في عزمها، وإنسانية في قضيتها، وواضحة في أهدافها، وحقيقية في عرضها المشاهد؛ وهي بالوقت ذاته مُركّزة على ملحمة أخرى أصيلة، هي التي قدمها جدّه العظيم، ونفذها فوق الأرض وتحت السماء، فإذا هي ملحمة تنتصر بالإنسان فوق أرض الإنسان وتحت سماء الإنسان، لا خيال فيها، بل واقع إنساني محض، لَحمَتَ الأمة وعجنتها بعضها ببعض في وقت لم يتجاوز العشر من السنين، أما الفترة التي اظهر فيها الحسين ملحمته الثانية والمشتقة منها فلم تتجاوز عشرين يوماً من أول خطوة خرج بها من مكة إلى آخر خطوة خرّ بها صريعاً في كربلاء العطشى، وهي ضفة من ضفاف الفرات.
وجاء في الصفحة 150 ما هو تتمة لحديثٍ كان دائراً بين الإمام الحسين عليه السلام وأخيه محمد بن الحنفية، وذلك في مكة بعد أن انسحب إليها الإمام عليه السلام من المدينة يثرب لتوضيب أموره وإنجاز قراراته قال: "ليست الأمة إلا دائماً بحاجةٍ إلى عملية من عمليات التنبيه وها إني أقوم بالعملية، سأبدأ بيزيد فأُعلمه أن خلافة جدي ليست له أصلاً ولأيِّ آخر يخسر الفهم والتصميم!!! وإني إن لم أستردها بضربة السيف، فبمكنتي أن أحررها بخفقة الرف
المحاضرة الثانية: الحسين عليه السلام مدرسة الأحرار
وسيحصل ذلك تحت عيني الامة، تعليما لها ان العنفوان الصحيح هو في النفوس الابية، وانه وحده المتلقط بروعة التصميم، وعندئذ تفتش عني الامة فتجدني في دائرة التصميم، انا لا ابشر الامة بالذل والاستكانة، اما القدوة الحية فستكون البادرة الاولى الاولى اقوم بها وانا في روعة الرفض، فاذا كان للرفض، بعد، ان يعلم يزيد قراءة الحق، فانه المتنحي امامي عن ولاية ليست له، اما أن لا يرضى إلا بعنقي ثمناً لمجده الأسود. فعندئذٍ تعرف الأمة أن من دمي الفِدية التي هي الثورة المكتنزة وهي التي ستبقى لها من جيل إلى جيل تزرعها في خزائن روحها، فتورق وتُزهر وتُثمر المجد الذي يحيا به مجتمع الإنسان".
مواضيع مماثلة
» الأبعاد المعنوية في ثورة الإمام الحسين(ع)
» ثورة الإمام الحسين عليه السلام ثورة الحرية والكرامة والإباء.
» الأبعاد السياسية لثورة الإمام الحسين عليه السلام
» نتائج وآثار ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)
» نتائج وآثار ثورة الإمام الحسين ((عليه السلام))
» ثورة الإمام الحسين عليه السلام ثورة الحرية والكرامة والإباء.
» الأبعاد السياسية لثورة الإمام الحسين عليه السلام
» نتائج وآثار ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)
» نتائج وآثار ثورة الإمام الحسين ((عليه السلام))
الموقع العام لقبيلة البدير في العراق للشيخ شوقي جبار البديري :: 101-منتدى ثورة الحسين عليه السلام ضد الظلم والطغيان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:58 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ المرحوم عبد الهادي
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:53 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ شوقي البديري والاخ حمود كريم الركابي
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:51 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الاستاذ المخرج عزيز خيون البديري وعمامه البدير
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:48 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ صباح العوفي مع الشيخ عبد الامير التعيبان
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:45 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ المرحوم محمد البريج
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:41 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» جواد البولاني
الإثنين سبتمبر 23, 2024 10:13 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» المرحوم السيد هاشم محمد طاهر العوادي
الإثنين سبتمبر 23, 2024 10:03 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» رموز البدير
الجمعة سبتمبر 20, 2024 8:41 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري