بحـث
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
حول
مرحبا بكم فى منتدى الموقع العام لقبيلة البدير في العراق للشيخ شوقي جبار البديري
قبيلة البدير من القبائل الزبيديه
فقه العشائر
صفحة 1 من اصل 1
فقه العشائر
الفصل الخامس:فقه العشائر
٤٣
فقه العشائر(١)
(١) اقترح أحد طلبة العلم على سماحة الشيخ أن يجمع فتاوى السيد الصدر v –إبان مرجعيته- المتعلقة بالعشائر وسنائنها المعمول بها لتصحيح وضعهم فأثنى سماحة الشيخ على الفكرة وراجع ما جمع وكتب له هذه المقدمة وطبع الكراس بعنوان (فقه العشائر) حيث نال صدى واسعاً وتأثيراً وحركة في الأوساط العشائرية وكان ذلك قبل إقامته v لصلاة الجمعة المباركة.
٤٤
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبو القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
لنتعارف لا لنختلف
قال الله سبحانه وتعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ](الحجرات:١٣)، فالهدف إذن من تصنيف البشر إلى شعوب مختلفة وقبائل متنوعة بالملامح واللغات والتقاليد هو التعارف بينهم، أي ليعرف كل إنسان بسماته وخصائصه المميزة له ولتعرف أنسابهم، لا لكي يتفاخروا بها أو يتفاضلوا بها إذ ليس لجنس على آخر ولا لفصيل على آخر فضل وتفوق، كما تتبناه بعض الدعوات العصبية الجاهلية بل أساس التفاضل هو التقرب من الله تبارك وتعالى وتقواه.
معيار التقوى هو المائز بين الناس
٤٥
وبهذا المعيار ينظر الإسلام إلى الناس، فتراه يرفع سلمان الفارسي ويجعله من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً(١)، وبالمقابل تنزل سورة كاملة في القرآن الكريم بذم أبي لهب عم الرسول t وتبقى خالدة إلى يوم القيامة، ولنا عبرة فيما اقتص سبحانه من قصة نبي الله نوح وولده فقال له [إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ] (هود:٤٦)، وقال تعالى: [يوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ](الشعراء:٨٨-٨٩)، وقال تعالى: [فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ] (المؤمنون:١٠١) وقال تعالى: [وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ] (سبأ:٣٧).
الهدف الأسمى هو معرفة الله تعالى
(١) إشارة إلى الحديث النبوي الشريف في سلمان (سلمان منا أهل البيت) في حادثة مروية.
٤٦
فالهدف الأسمى للإنسان في هذه الحياة هي معرفة الله سبحانه وتعالى وطاعته وعبادته [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إلا لِيَعْبُدُونِ] (الذاريات:٥٦)، ولا ينبغي أن يطاع أحد إلا من كانت طاعته من طاعة الله سبحانه، أما إذا كانت طاعة المخلوق تسبب معصية الخالق فهي مرفوضة (لا طاعة لمخلوق في معصية خالق)(١). وهؤلاء الذين يطاعون من دون الله سبحانه يتبرأون من أتباعهم يوم القيامة ولا تنفعهم طاعتهم بل يلعن بعضهم بعضاً ويندمون حيث لا ينفع الندم، [وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ](إبراهيم: ٢١) [وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ، قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ](سبأ:٣١-٣٢).
(١) بحار الأنوار: ٧١:٣٨.
٤٣
فقه العشائر(١)
(١) اقترح أحد طلبة العلم على سماحة الشيخ أن يجمع فتاوى السيد الصدر v –إبان مرجعيته- المتعلقة بالعشائر وسنائنها المعمول بها لتصحيح وضعهم فأثنى سماحة الشيخ على الفكرة وراجع ما جمع وكتب له هذه المقدمة وطبع الكراس بعنوان (فقه العشائر) حيث نال صدى واسعاً وتأثيراً وحركة في الأوساط العشائرية وكان ذلك قبل إقامته v لصلاة الجمعة المباركة.
٤٤
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبو القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
لنتعارف لا لنختلف
قال الله سبحانه وتعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ](الحجرات:١٣)، فالهدف إذن من تصنيف البشر إلى شعوب مختلفة وقبائل متنوعة بالملامح واللغات والتقاليد هو التعارف بينهم، أي ليعرف كل إنسان بسماته وخصائصه المميزة له ولتعرف أنسابهم، لا لكي يتفاخروا بها أو يتفاضلوا بها إذ ليس لجنس على آخر ولا لفصيل على آخر فضل وتفوق، كما تتبناه بعض الدعوات العصبية الجاهلية بل أساس التفاضل هو التقرب من الله تبارك وتعالى وتقواه.
معيار التقوى هو المائز بين الناس
٤٥
وبهذا المعيار ينظر الإسلام إلى الناس، فتراه يرفع سلمان الفارسي ويجعله من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً(١)، وبالمقابل تنزل سورة كاملة في القرآن الكريم بذم أبي لهب عم الرسول t وتبقى خالدة إلى يوم القيامة، ولنا عبرة فيما اقتص سبحانه من قصة نبي الله نوح وولده فقال له [إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ] (هود:٤٦)، وقال تعالى: [يوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ](الشعراء:٨٨-٨٩)، وقال تعالى: [فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ] (المؤمنون:١٠١) وقال تعالى: [وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ] (سبأ:٣٧).
الهدف الأسمى هو معرفة الله تعالى
(١) إشارة إلى الحديث النبوي الشريف في سلمان (سلمان منا أهل البيت) في حادثة مروية.
٤٦
فالهدف الأسمى للإنسان في هذه الحياة هي معرفة الله سبحانه وتعالى وطاعته وعبادته [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إلا لِيَعْبُدُونِ] (الذاريات:٥٦)، ولا ينبغي أن يطاع أحد إلا من كانت طاعته من طاعة الله سبحانه، أما إذا كانت طاعة المخلوق تسبب معصية الخالق فهي مرفوضة (لا طاعة لمخلوق في معصية خالق)(١). وهؤلاء الذين يطاعون من دون الله سبحانه يتبرأون من أتباعهم يوم القيامة ولا تنفعهم طاعتهم بل يلعن بعضهم بعضاً ويندمون حيث لا ينفع الندم، [وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ](إبراهيم: ٢١) [وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ، قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ](سبأ:٣١-٣٢).
(١) بحار الأنوار: ٧١:٣٨.
رد: فقه العشائر
لا تطيعوا من لا يطيع الله تعالى
لذا يجب على كل من يسلّم قياده لأحد أو يدخل في طاعة أحد ومتابعته، أن يراقبه فإن كان في طاعة الله سبحانه سار معه وإلا نبذه وتخلف عنه، فإنه حينئذ –كفرعون- يقدم قومه حتى يوردوهم النار وبئس الورد المورود.
وأظن أن هذه المقدمة واضحة في أذهان الجميع ومتسالم على صدقها، لكن العجب بعد كل ذلك أن نرى كثيراً من الأنظمة العشائرية والتقاليد المتبعة فيها مخالفة صريحة للشريعة، ومع ذلك ترى لها قوة في التطبيق أشد من قوة الشريعة، فيرضخ لها الإنسان وينصاع وإن كان في ذلك معصية الله سبحانه ودخول جهنم.
٤٨
ليس العار في تطبيق الشريعة
فبالرغم مما ينطوي عليه النظام العشائري من حسنات وإيجابيات كالاتحاد والتآزر والتواصل وسد الحاجة، وما تنطوي عليه العشائر من خصال حميدة كالكرم والشجاعة والوفاء والغيرة والنخوة، لكن هذا كله يجب أن يكون في قالب الدين والشريعة ولا يزيغ عنها، ولا يجوز أن يكون ضغط العرف العشائري أكثر من الوازع الديني بل يجب تهذيب وتعديل هذا العرف بما ينسجم مع الشريعة.
وإن الشيطان ليوحي إلى أوليائه بأنه النار ولا العار، والإمام الحسين A يقول (العار أولى من دخول النار)(١)، على أنه ليس في تطبيق الشريعة المقدسة أي عار، بل العار في مخالفتها والشرف في الالتزام بها كما في الحديث (من أراد عزاً بلا عشيرة وشرفاً بلا سلطان فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله)(٢). فإن الإسلام يريد إصلاح البشرية
(١) شطر من بيت شعر ارتجز به الإمام الحسين A يوم عاشوراء.
(٢) حديث عن السجاد A.
٤٩
وسعادتها أما من أغواهم الشيطان فيريدون الضلال والشقاء والتعاسة والفوضى والهمجية.وإذا اجتمع الخصوم عند الله سبحانه فلا ينفع المذنب أن يقول أمرني رئيس عشيرتي بكذا وكان عليّ التنفيذ، فإنه يُرمى هو ورئيس عشيرته في جهنم ويكون مع المشركين الذين اعتذروا بأنه [إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ] (الأعراف:١٧٣).
لا تكونوا فريسة للشيطان
فنهيب بإخواننا أبناء العشائر إلا يكونوا فريسة سهلة للشيطان ويضيّعوا دينهم ودنياهم من أجل تسويلات شيطانية ما أنزل الله بها من سلطان، فإن أشد الناس حسرة من باع دينه لدنيا غيره، فما معنى أن يتقاتل قوم فتذهب النفوس والأموال –وهم يدّعون الإسلام- من أجل كلام مفترى وتهم مدعاة من دون تحقيق، يلقيها مغرض أو منافق أو حاقد ويوقع العداوة والبغضاء بين المسلمين وهو عين ما كان يفعله اليهود بين الآوس والخزرج في المدينة، وسالت أودية من الدماء بسبب كلام فارغ يقال هنا وهناك وقد لا يكون له أساس من الصحة.
٥٠
وحتى لو حدث حادث... –لا سامح الله- بسبب نزوة شيطانية من زنا أو لواط أو قتل أو سرقة فقد جعل له الشارع المقدس ضوابط وحدود [تلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا] (البقرة:٢٢٩) [وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ] (الطلاق:١) أما هذه الأحكام الجزافية التي جرى عليها العرف العشائري فما أنزل الله تعالى بها من سلطان، ومن يشرِّع أحكاماً بغير ما أنزل الله فإن عذابه شديد؛ لأنه ينازع الله تعالى في سلطانه ويجعل نفسه حاكماً في مقابل حاكمية الله تبارك وتعالى.
لذا يجب على كل من يسلّم قياده لأحد أو يدخل في طاعة أحد ومتابعته، أن يراقبه فإن كان في طاعة الله سبحانه سار معه وإلا نبذه وتخلف عنه، فإنه حينئذ –كفرعون- يقدم قومه حتى يوردوهم النار وبئس الورد المورود.
وأظن أن هذه المقدمة واضحة في أذهان الجميع ومتسالم على صدقها، لكن العجب بعد كل ذلك أن نرى كثيراً من الأنظمة العشائرية والتقاليد المتبعة فيها مخالفة صريحة للشريعة، ومع ذلك ترى لها قوة في التطبيق أشد من قوة الشريعة، فيرضخ لها الإنسان وينصاع وإن كان في ذلك معصية الله سبحانه ودخول جهنم.
٤٨
ليس العار في تطبيق الشريعة
فبالرغم مما ينطوي عليه النظام العشائري من حسنات وإيجابيات كالاتحاد والتآزر والتواصل وسد الحاجة، وما تنطوي عليه العشائر من خصال حميدة كالكرم والشجاعة والوفاء والغيرة والنخوة، لكن هذا كله يجب أن يكون في قالب الدين والشريعة ولا يزيغ عنها، ولا يجوز أن يكون ضغط العرف العشائري أكثر من الوازع الديني بل يجب تهذيب وتعديل هذا العرف بما ينسجم مع الشريعة.
وإن الشيطان ليوحي إلى أوليائه بأنه النار ولا العار، والإمام الحسين A يقول (العار أولى من دخول النار)(١)، على أنه ليس في تطبيق الشريعة المقدسة أي عار، بل العار في مخالفتها والشرف في الالتزام بها كما في الحديث (من أراد عزاً بلا عشيرة وشرفاً بلا سلطان فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله)(٢). فإن الإسلام يريد إصلاح البشرية
(١) شطر من بيت شعر ارتجز به الإمام الحسين A يوم عاشوراء.
(٢) حديث عن السجاد A.
٤٩
وسعادتها أما من أغواهم الشيطان فيريدون الضلال والشقاء والتعاسة والفوضى والهمجية.وإذا اجتمع الخصوم عند الله سبحانه فلا ينفع المذنب أن يقول أمرني رئيس عشيرتي بكذا وكان عليّ التنفيذ، فإنه يُرمى هو ورئيس عشيرته في جهنم ويكون مع المشركين الذين اعتذروا بأنه [إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ] (الأعراف:١٧٣).
لا تكونوا فريسة للشيطان
فنهيب بإخواننا أبناء العشائر إلا يكونوا فريسة سهلة للشيطان ويضيّعوا دينهم ودنياهم من أجل تسويلات شيطانية ما أنزل الله بها من سلطان، فإن أشد الناس حسرة من باع دينه لدنيا غيره، فما معنى أن يتقاتل قوم فتذهب النفوس والأموال –وهم يدّعون الإسلام- من أجل كلام مفترى وتهم مدعاة من دون تحقيق، يلقيها مغرض أو منافق أو حاقد ويوقع العداوة والبغضاء بين المسلمين وهو عين ما كان يفعله اليهود بين الآوس والخزرج في المدينة، وسالت أودية من الدماء بسبب كلام فارغ يقال هنا وهناك وقد لا يكون له أساس من الصحة.
٥٠
وحتى لو حدث حادث... –لا سامح الله- بسبب نزوة شيطانية من زنا أو لواط أو قتل أو سرقة فقد جعل له الشارع المقدس ضوابط وحدود [تلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا] (البقرة:٢٢٩) [وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ] (الطلاق:١) أما هذه الأحكام الجزافية التي جرى عليها العرف العشائري فما أنزل الله تعالى بها من سلطان، ومن يشرِّع أحكاماً بغير ما أنزل الله فإن عذابه شديد؛ لأنه ينازع الله تعالى في سلطانه ويجعل نفسه حاكماً في مقابل حاكمية الله تبارك وتعالى.
رد: فقه العشائر
نصيحة لرؤساء العشائر
ونصيحتنا لرؤساء العشائر أن لا تغرهم هذه الرئاسات، فقد حذَّرَنا الأئمة من تولي رئاسة مجموعة من الناس مهما كانت قليلة لأنه يطول موقفه يوم القيامة ويسأل عن كل صغيرة وكبيرة، وإن ممن لا يشم ريح الجنة من تولى عرافة قوم أي رئاستهم ومشيختهم.
وكان السلف الصالح يتهربون من الزعامات ورعاً واحتياطاً لدينهم وفراراً من الوقوع في المزالق، فمن تبوأ مثل هذه المقاعد فليضاعف الحذر أمام الله سبحانه وتعالى وليكن على معرفة تامة بأحكام الشريعة لكي لا يقع في مخالفتها، ويجب أن يكون واسع الصدر رحيماً
٥١
رؤوفاً بالناس يقبل العذر، وجامعاً لشتى الخصال النفسية الحميدة.وهذه أسئلة توجه بها بعض الأخوة المخلصين الغيورين على الدين على شكل حوار فتوائي مع سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد الصدر K، وهي كما هو واضح شاملة لكثير من التقاليد والعادات والقوانين العشائرية المنحرفة الظالمة، وتفضل سماحته بالإجابة ليعلن بصراحة رفض الشريعة المقدسة لها، وليبين رأيه الحق فيها لعل فيها ذكرى لمن يتذكر أو ألقى السمع وهو شهيد. وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو نعم المولى ونعم النصير.
محمد اليعقوبي(١)
٥/شهر رمضان المبارك:١٤١٧ هـ الموافق ١٥/ ١/ ١٩٩٧م
(١) حينما صدر الكراس كانت المقدمة بتوقيع (أحد طلبة الحوزة العلمية الشريفة) حيث لم يشأ سماحة الشيخ التعريف باسمه.
٥٢
ونصيحتنا لرؤساء العشائر أن لا تغرهم هذه الرئاسات، فقد حذَّرَنا الأئمة من تولي رئاسة مجموعة من الناس مهما كانت قليلة لأنه يطول موقفه يوم القيامة ويسأل عن كل صغيرة وكبيرة، وإن ممن لا يشم ريح الجنة من تولى عرافة قوم أي رئاستهم ومشيختهم.
وكان السلف الصالح يتهربون من الزعامات ورعاً واحتياطاً لدينهم وفراراً من الوقوع في المزالق، فمن تبوأ مثل هذه المقاعد فليضاعف الحذر أمام الله سبحانه وتعالى وليكن على معرفة تامة بأحكام الشريعة لكي لا يقع في مخالفتها، ويجب أن يكون واسع الصدر رحيماً
٥١
رؤوفاً بالناس يقبل العذر، وجامعاً لشتى الخصال النفسية الحميدة.وهذه أسئلة توجه بها بعض الأخوة المخلصين الغيورين على الدين على شكل حوار فتوائي مع سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد الصدر K، وهي كما هو واضح شاملة لكثير من التقاليد والعادات والقوانين العشائرية المنحرفة الظالمة، وتفضل سماحته بالإجابة ليعلن بصراحة رفض الشريعة المقدسة لها، وليبين رأيه الحق فيها لعل فيها ذكرى لمن يتذكر أو ألقى السمع وهو شهيد. وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو نعم المولى ونعم النصير.
محمد اليعقوبي(١)
٥/شهر رمضان المبارك:١٤١٧ هـ الموافق ١٥/ ١/ ١٩٩٧م
(١) حينما صدر الكراس كانت المقدمة بتوقيع (أحد طلبة الحوزة العلمية الشريفة) حيث لم يشأ سماحة الشيخ التعريف باسمه.
٥٢
رد: فقه العشائر
الفصل السادس:كيف نستعيد دور العشائر في بناء العراق الجديد
٥٣
كيف نستعيد دور العشائر في بناء العراق الجديد(١)
قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم [وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا] (الحجرات:١٣) أي لتكون بينكم نسبة يعرف بها الشخص ويميز عن الآخرين الذين يشاركونه في بعض الصفات.
(١) من حديث سماحة الشيخ مع وفود من رؤساء عشائر ووجهاء النجف الأشرف يوم ٢٦/ع٢ ويوم ٢٩/ع٢ و مع موكب السراج المنير من عشائر الناصرية يوم ١٥/ع٢/ ١٤٢٧ المصادف ١٣/ ٥/ ٢٠٠٦.
٥٤
صن عشيرتك:وقد حافظت القبائل العربية على هذه النسبة وصانتها وعززتها وصايا المعصومين فيوصي أمير المؤمنين ولده بقوله (صل عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير) وقسم A جيشه في صفين على أساس العشائر لأنه ادعى للبأس والحماس والثبات، وكذا قسِّم جيش المسلمين عندما واجهوا الفرس في القادسية، وكان للقبائل العربية دور مشهود كإشادة أمير المؤمنين A بقبيلة همدان بقوله:
ولو كنتُ بوّاباً على باب جنةٍ
لقلتُ لهمدان ادخلوا بسلامِ
الخصال الكريمة للعشائر
وامتازت العشائر بخصائص توارثها أبناؤها كالشجاعة والكرم، وفي حديث خطبة أم البنين أم العباس و إخوته لأمير المؤمنين A بواسطة أخيه عقيل ما يشير إلى ذلك، حيث روي أن علياً A قال لأخيه : (اطلب لي امرأة قد ولدتها الفحول من العرب كي أتزوجها لتلد لي غلاما ينصر ولدي الحسين بكربلاء) فأرشده عقيل إلى فاطمة أم البنين .
٥٥
دور العشائر على مر التأريخ
وقد أثبتت العشائر عبر التاريخ أنهم مكوِّن مهم في النسيج العراقي وأثّروا في حركة الأمة، وأحداث القرن الأخير شاهدة على ذلك حينما تحمّلت العشائر بقيادة علماء الدين مقاومة الاحتلال الانكليزي في الحرب العالمية الأولى سنة ١٩١٤ – ١٩١٧ وفي ثورة العشرين المباركة عام ١٩٢٠ التي أثمرت إنهاء الاحتلال وإقامة الحكم الوطني بغض النظر عن انحرافه عن أهدافه لاحقا.
مصادر قوة الشعب
وقد التفت الأعداء خصوصا النظام البعثي البائد إلى مصادر القوة في هذا الشعب التي حفظت هويته واستقلاله وحركته دوما لرفض الظلم والانحراف فوجدوها ثلاثة (المرجعية – العشائر – التمويل الذاتي) فوضعوا الخطط لاجتثاث منابع القوة هذه لدى الأمة، أما المرجعية فحاصروها وقيدوها واعدموا عدداً منهم كالشهيدين الصدرين (قدس سريهما)، و قضوا على الحلقة الوسطية الفاعلة بين المرجعية والأمة وهم الفضلاء والمبلغون والخطباء والشباب الرسالي فأعدموهم
٥٦
واعتقلوهم وشرّدوهم، وأما التمويل الذاتي فجففوه وأفقروا الطائفة بمصادرة أموال أثرياء الشيعة وسفروهم إلى إيران بحجة تبعية جنسيتهم وحجّموا كل أصحاب الأموال من أتباع أهل البيت D. ثم التفتوا إلى العشائر فاعدموا عدداً من وجوهها المؤثرين كالمرحوم الشهيد راهي بن الحاج عبد الواحد آل سكر والحاج عبد الحسين جيته وغيرهما، وصنعوا من بعض النكرات رؤساء عشائر وهميين وشتتوا أبناء العشائر بالانتماء إلى الحزب البائد، وكرسوا الجهل والتخلف فيها و عاقبوا كل من يتصل منهم بالمرجعية الدينية والحوزة العلمية و غيرها من الأساليب الشيطانية.
الأحزاب اليوم لا زالت تظلم العشائر
وجاءت الأحزاب اليوم لتمعن في ظلم العشائر وحرمانها فبالرغم من أنها وصلت إلى مواقع الحكم بأصوات أبناء العشائر، إلا أن الأحزاب استأثرت بالمغانم ولم تعط للطليعة والنخب من أبناء العشائر الفرصة الكافية لإدارة مفاصل الدولة، فبقي التهميش والإقصاء للعشائر.
وهذا ما يدعونا إلى إعادة النظر ومراجعة الحالة ووضع البرامج الكفيلة باستعادة
٥٧
العشائر دورها وثقلها الاجتماعي، وأعتقد أنهم قادرون على بناء بلدهم وحل مشاكله أفضل من الذين قدموا من الخارج بعد انقطاع عن بلدهم وشعبهم أزيد من عشرين عاماً، وأعتقد أيضا أن للعشائر فرصة طيبة في حل المشكلة الأمنية لامتدادها في الطائفتين، ووجودها في كل المدن الساخنة حتى أن بعض أبناء العشيرة الواحدة من السنة وآخرين من الشيعة.
انشاء كيان عشائري
فالمطلوب إنشاء كيان عشائري(١) مستقل عن الأحزاب ويضم لجان متعددة تتكفل كل واحدة منها بتحريك وجه من أوجه النشاط المطلوبة كتثقيف العشائر وتوعيتها وتعليمها الأحكام الشرعية والمخالفات التي يتورط بها البعض، وان تتخصص لجنة لمتابعة الحقوق
(١) أثمرت هذه الدعوة المخلصة عن إنشاء مجالس صحوة العشائر التي تصدت لمكافحة الإرهاب والقضاء على تنظيم القاعدة ودولتهم الإسلامية المزعومة.
٥٨
السياسية، وأخرى اجتماعية فتسعى في الإصلاح والتوفيق بين المتخاصمين وحل المشاكل وتقريب وجهات النظر وهكذا. ويحسن أن يكون المقر المركزي في النجف الأشرف لإعطائه زخما وقوة لاحتضان المرجعية له عن قرب ويقوم بمتابعات ميدانية في جميع المدن والقرى والأرياف.
لقد اعترف الأمريكان أنهم ارتكبوا آلاف الأخطاء في العراق، وكان منها إهمال دور العشائر (السنية والشيعية) والاستخفاف بها باعتبارها وضعاً منافياً للمجتمع المدني، وقد غفلوا عن حقيقة أن العشائر تنظيمات لها خصالها الكريمة ودورها المؤثر فهي مكون مهم للمجتمع المدني، وبسبب هذا الإهمال وغيره من الأسباب دفع الأمريكان والعراقيون هذه الأثمان الباهظة، وكان ظنهم أنهم قادرون على تحقيق مخططاتهم وانجاز مشروعهم بالعراقيين الذين جاؤوا بهم من الخارج ففشلوا هذا الفشل الذريع
٥٣
كيف نستعيد دور العشائر في بناء العراق الجديد(١)
قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم [وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا] (الحجرات:١٣) أي لتكون بينكم نسبة يعرف بها الشخص ويميز عن الآخرين الذين يشاركونه في بعض الصفات.
(١) من حديث سماحة الشيخ مع وفود من رؤساء عشائر ووجهاء النجف الأشرف يوم ٢٦/ع٢ ويوم ٢٩/ع٢ و مع موكب السراج المنير من عشائر الناصرية يوم ١٥/ع٢/ ١٤٢٧ المصادف ١٣/ ٥/ ٢٠٠٦.
٥٤
صن عشيرتك:وقد حافظت القبائل العربية على هذه النسبة وصانتها وعززتها وصايا المعصومين فيوصي أمير المؤمنين ولده بقوله (صل عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير) وقسم A جيشه في صفين على أساس العشائر لأنه ادعى للبأس والحماس والثبات، وكذا قسِّم جيش المسلمين عندما واجهوا الفرس في القادسية، وكان للقبائل العربية دور مشهود كإشادة أمير المؤمنين A بقبيلة همدان بقوله:
ولو كنتُ بوّاباً على باب جنةٍ
لقلتُ لهمدان ادخلوا بسلامِ
الخصال الكريمة للعشائر
وامتازت العشائر بخصائص توارثها أبناؤها كالشجاعة والكرم، وفي حديث خطبة أم البنين أم العباس و إخوته لأمير المؤمنين A بواسطة أخيه عقيل ما يشير إلى ذلك، حيث روي أن علياً A قال لأخيه : (اطلب لي امرأة قد ولدتها الفحول من العرب كي أتزوجها لتلد لي غلاما ينصر ولدي الحسين بكربلاء) فأرشده عقيل إلى فاطمة أم البنين .
٥٥
دور العشائر على مر التأريخ
وقد أثبتت العشائر عبر التاريخ أنهم مكوِّن مهم في النسيج العراقي وأثّروا في حركة الأمة، وأحداث القرن الأخير شاهدة على ذلك حينما تحمّلت العشائر بقيادة علماء الدين مقاومة الاحتلال الانكليزي في الحرب العالمية الأولى سنة ١٩١٤ – ١٩١٧ وفي ثورة العشرين المباركة عام ١٩٢٠ التي أثمرت إنهاء الاحتلال وإقامة الحكم الوطني بغض النظر عن انحرافه عن أهدافه لاحقا.
مصادر قوة الشعب
وقد التفت الأعداء خصوصا النظام البعثي البائد إلى مصادر القوة في هذا الشعب التي حفظت هويته واستقلاله وحركته دوما لرفض الظلم والانحراف فوجدوها ثلاثة (المرجعية – العشائر – التمويل الذاتي) فوضعوا الخطط لاجتثاث منابع القوة هذه لدى الأمة، أما المرجعية فحاصروها وقيدوها واعدموا عدداً منهم كالشهيدين الصدرين (قدس سريهما)، و قضوا على الحلقة الوسطية الفاعلة بين المرجعية والأمة وهم الفضلاء والمبلغون والخطباء والشباب الرسالي فأعدموهم
٥٦
واعتقلوهم وشرّدوهم، وأما التمويل الذاتي فجففوه وأفقروا الطائفة بمصادرة أموال أثرياء الشيعة وسفروهم إلى إيران بحجة تبعية جنسيتهم وحجّموا كل أصحاب الأموال من أتباع أهل البيت D. ثم التفتوا إلى العشائر فاعدموا عدداً من وجوهها المؤثرين كالمرحوم الشهيد راهي بن الحاج عبد الواحد آل سكر والحاج عبد الحسين جيته وغيرهما، وصنعوا من بعض النكرات رؤساء عشائر وهميين وشتتوا أبناء العشائر بالانتماء إلى الحزب البائد، وكرسوا الجهل والتخلف فيها و عاقبوا كل من يتصل منهم بالمرجعية الدينية والحوزة العلمية و غيرها من الأساليب الشيطانية.
الأحزاب اليوم لا زالت تظلم العشائر
وجاءت الأحزاب اليوم لتمعن في ظلم العشائر وحرمانها فبالرغم من أنها وصلت إلى مواقع الحكم بأصوات أبناء العشائر، إلا أن الأحزاب استأثرت بالمغانم ولم تعط للطليعة والنخب من أبناء العشائر الفرصة الكافية لإدارة مفاصل الدولة، فبقي التهميش والإقصاء للعشائر.
وهذا ما يدعونا إلى إعادة النظر ومراجعة الحالة ووضع البرامج الكفيلة باستعادة
٥٧
العشائر دورها وثقلها الاجتماعي، وأعتقد أنهم قادرون على بناء بلدهم وحل مشاكله أفضل من الذين قدموا من الخارج بعد انقطاع عن بلدهم وشعبهم أزيد من عشرين عاماً، وأعتقد أيضا أن للعشائر فرصة طيبة في حل المشكلة الأمنية لامتدادها في الطائفتين، ووجودها في كل المدن الساخنة حتى أن بعض أبناء العشيرة الواحدة من السنة وآخرين من الشيعة.
انشاء كيان عشائري
فالمطلوب إنشاء كيان عشائري(١) مستقل عن الأحزاب ويضم لجان متعددة تتكفل كل واحدة منها بتحريك وجه من أوجه النشاط المطلوبة كتثقيف العشائر وتوعيتها وتعليمها الأحكام الشرعية والمخالفات التي يتورط بها البعض، وان تتخصص لجنة لمتابعة الحقوق
(١) أثمرت هذه الدعوة المخلصة عن إنشاء مجالس صحوة العشائر التي تصدت لمكافحة الإرهاب والقضاء على تنظيم القاعدة ودولتهم الإسلامية المزعومة.
٥٨
السياسية، وأخرى اجتماعية فتسعى في الإصلاح والتوفيق بين المتخاصمين وحل المشاكل وتقريب وجهات النظر وهكذا. ويحسن أن يكون المقر المركزي في النجف الأشرف لإعطائه زخما وقوة لاحتضان المرجعية له عن قرب ويقوم بمتابعات ميدانية في جميع المدن والقرى والأرياف.
لقد اعترف الأمريكان أنهم ارتكبوا آلاف الأخطاء في العراق، وكان منها إهمال دور العشائر (السنية والشيعية) والاستخفاف بها باعتبارها وضعاً منافياً للمجتمع المدني، وقد غفلوا عن حقيقة أن العشائر تنظيمات لها خصالها الكريمة ودورها المؤثر فهي مكون مهم للمجتمع المدني، وبسبب هذا الإهمال وغيره من الأسباب دفع الأمريكان والعراقيون هذه الأثمان الباهظة، وكان ظنهم أنهم قادرون على تحقيق مخططاتهم وانجاز مشروعهم بالعراقيين الذين جاؤوا بهم من الخارج ففشلوا هذا الفشل الذريع
رد: فقه العشائر
مكتبة الرحيق المختوم
مكتبة الرحيق المختوم
Toggle
العشائر ودورها في البناء والتنمية
العشائر ودورها في البناء والتنمية
/ 84
سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)
١
العشائر ودورها في البناء والتنمية
نحو إصلاح النظم العشائرية
وتقنينها بضوابط الشريعة الإسلامية
من خطب سماحة المرجع الديني
الشيخ محمد اليعقوبي K
٢
الفصل الأول:موعظة وتذكير
الجاه نعمة يُسأل عنها الإنسان
٣
الجاه نعمة يُسأل عنها الإنسان(١)
(١) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع
٤
الرزق المادي والمعنوي:
يظنُّ أكثر الناس أن الرزق هو خصوص المال، وربما بالغ بعضهم فاعترض وسخط لأنه لم يرزق المال الذي يريده، ولا شك إن المال من أعظم الرزق، لان الإنسان يستطيع بالمال أن يقضي حوائجه ويحفظ كرامته، ويستثمره في الكثير من فرص الطاعة لله تبارك وتعالى كالحج والعمرة وزيارة العتبات المقدسة وأداء الحقوق الشرعية ومساعدة الناس وغيرها.
لكن معنى الرزق أوسع من ذلك، وإن بعضه مادي وبعضه معنوي ، من الأرزاق المعنوية : نعمة الإسلام وولاية أهل البيت D والالتزام بالدين والزوجة الصالحة والذرية الطيبة وغيرها كثير، ومن الرزق الجاه الاجتماعي والسمعة الطيبة والقدرة على التأثير على الآخرين وإقناعهم.
حشد من زعماء عشائر ووجهاء ونخبة من المثقفين في منطقة الحسينية - الراشدية في بغداد يوم السبت ٢٤ ربيع الثاني ١٤٣١هـ المصادف ١٠/ ٤/ ٢٠١٠.
٥
وهذا رزق عظيم لا يقل تأثيره عن المال، ويستطيع صاحبه فعلاً أن يوظفه في كثير من الطاعات التي لا يتمكن غيره من أدائها، كالإصلاح بين الناس الذي هو أفضل من عامة الصلاة والصيام بحسب ما روي في بعض الأحاديث الشريفة، وكالسعي لقضاء حوائج الناس لدى المسئولين أو المتنفذين ولو جاء غير ذي الجاه بها لما وجد من يستمع إليه، وكالتوسط في تزويج المؤمنين الذي هو أعظم بناء في الإسلام كما في الحديث الشريف، أو حلّ الخصومات واستنقاذ الحقوق لأهلها وغيرها من القربات العظيمة عند الله تبارك وتعالى.نعمة الجاه:
وقد منّ عليكم بهذه النعمة باعتباركم زعماء عشائر ووجهاء في مجتمعكم كما منّ به على الحوزة العلمية الشريفة حيث يتمتع العالم الديني بمثل هذا الجاه.
وهذه النعمة يُسأل عنها الإنسان، كما يسأل عن المال : مم أكتسبه وفيم أنفقه، قال تعالى [ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ] (التكاثر: ٨) وهو كل ما أنعم به الله تبارك وتعالى على الإنسان لذا ورد في الحديث الشريف (الولد نعمة يُسأل عنها الإنسان) والجاه نعمة فيسأل
٦
الإنسان عنه نُقل أن أحد العلماء شوهد متألماً ساعة احتضاره، فقيل له لماذا أنتم متألم ولم تدّخر مالاً أو علماً إلا أنفقته في سبيل الله تعالى، قال نعم. ولكن عندي جاه أيضا وأخشى ألاّ أكون قد بذلت كل جاهي في سبيل الله تعالى.إن هذا السؤال وهذه المسؤولية تدفع الإنسان للتفكير ملياً في ما يستخدم فيه جاهه، فقد يُحسِن في استعماله كما في الموارد التي ذكرناها، وقد يُسيء كما سمعنا في الانتخابات الأخيرة أن بعضاً من زعماء العشائر والوجهاء بذلت لهم أموال للتصويت لأشخاص أو جهات فاسدة أساءت إلى الشعب ولا يُرجى منها الخير، من دون الالتفات إلى أن الصوت أمانة ومسؤولية لان الناخب عندما يصوّت إلى شخص فهو شريك له في إحسانه إن أحسن، وإساءته - والعياذ بالله- إن أساء لأنه هو وغيره ممن صوّتوا له أجلسوه في هذا المجلس.
ومثل الجاه أيضاً في النعم : القدرة على التأثير على الآخرين وإقناعهم، وهذه نعمة لان صاحبها يستطيع أن يوفّّر بقدرته هذه جهود كبيرة ووقتاً كثيراً ويحقّق ما لا يستطيع أن يحقق غيره. وقد جربتم انتم كزعماء
٧
عشائر ووجهاء تأثير الإنسان المتكلم الذي يستطيع أن ينتزع من الأخر الحق الذي يريد.وهكذا يجب على الإنسان أن يكون دقيقاً في تصرفاته وملتفتاً إلى عناصر القوة التي زودّه الله تبارك وتعالى فإن الغافل يتورط في معصية الله تبارك وتعالى من حيث يشعر ومن حيث لا يشعر، والله الهادي إلى سواء السبيل.
الفصل الثاني: تخبّط قوى الاحتلال والسياسيين بسبب إهمال دور العشائر وعراقيي الداخل
٨
تخبّط قوى الاحتلال والسياسيين
بسبب إهمال
٩
دور العشائر وعراقيي الداخل (١)
إقصاء أبناء الداخل:
كان من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها الأمريكان والساسة الذين تقاسموا الأدوار معهم في مؤتمرات لندن وصلاح الدين وغيرها إقصاء الشعب العراقي الذي بقي داخل العراق ولم يغادره تحت أي ضغط وأي ترغيب، وخصوصاً أبناء العشائر الغيارى الذين حفظوا الهوية الثقافية والأخلاقية والاجتماعية لهذا الشعب الكريم وتكسّرت عند إرادتهم الصلبة كل مؤامرات تغيير معالم الهوية، وكان منها فتح أبواب العراق على مصراعيها في الثمانينات لملايين المصريين وغيرهم وزجّ أبناء العراق الشرفاء في أتون الحروب الصبيانية وبقي الشعب صامداً. وجاءت الانتفاضة الشعبانية
(١) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي K مع وفد حاشد ضم حوالي (١٥٠) من زعماء عشائر الأوس والخزرج الذين زاروا سماحته لإظهار تأييدهم لمشروعه الوطني يوم السبت ٣/ع٢/ ١٤٢٨ المصادف ٢١/٤/ ٢٠٠٧ وورد بعضه في حديث سماحته مع وفد أطباء ومدّرسي الكوت يوم ٢٤/رجب/١٤٢٧ ومع وفد قلعة سكر يوم ٢٤/ع٢/ ١٤٢٨.
١٠
المباركة عام ١٩٩١ لتكسر قيود الخوف والرعب ولتنطلق الحركة الإسلامية المباركة وتتعاظم، وكان للسيد الشهيد الصدر الثاني v الأثر الكبير في هذه الحركة.كل هذا تناساه أو تجاهله العراقيون الذين غادروا العراق لأي سبب كان (ولا أريد أن احكم على وطنيتهم وصدق انتمائهم) وأوهموا قوى الاحتلال أن العراق هم وتقاسموا المناصب بينهم واستغلوا طيبة الشعب العراقي وحسن ظنّه السابق بهم واستظلّوا برداء المرجعية ليواصلوا تهميشهم لهذا الشعب المظلوم بكل ما يزخر به من كفاءات وطنية مخلصة تضاهي ما في أكثر دول العالم تقدماً، ويكفي شاهدٌ واحد على ذلك وهي وقفتهم الشجاعة بعد انتهاء قصف الحلفاء عام ١٩٩١ ليعيدوا البنية التحتية من جسور وطرق ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وتصفية الماء في ظرف أربعة أشهر رغم الحصار الجائر ورغم كرههم للنظام الصدامي الحاكم لكن حبّهم لبلدهم وشعبهم كان رائدهم في هذا المضمار بينما عجز ساسة اليوم ومن ورائهم القوى التي تسمي نفسها (عظمى) ومليارات الدولارات من ثروة الشعب المحروم عن الحفاظ على المتبقي من البلد فضلاً عن الأعمار والتجديد.
١١
الاعتراف بحق العشائر ودورها
ولما انتخت عشائر الأنبار لتأسيس (مجلس إنقاذ الأنبار) اضطر هؤلاء الساسة للاعتراف بدور العشائر في الذود عن كرامة الوطن وحرماته والقضاء على أعدائه وتبعته مجالس إنقاذ في ديالى وكركوك وجنوب بغداد.
في يومٍ ما كان عندي وفد من رموز الحزب الحاكم اليوم وشكوت لهم سوء الأوضاع الصحية والأمنية في منطقة المعامل على طريق بغداد – بعقوبة القديم وطالبتهم بالوفاء لأزيد من نصف مليون إنسان أعطوا أصواتهم لهم في الانتخابات فالتفت احدهم إلى الأخر وقال: أين تقع المعامل؟!
فكيف تتوقع الخير من أمثال هؤلاء الذين لا يعرفون موقع منطقة يسكنها هذا الجمع الهائل؟
مصطلح عراقيي الخارج والداخل
لقد أصبح مصطلح (عراقيي الخارج والداخل) متداولاً وجزءاً من الثقافة المعاصرة ولابد من التعاطي معه ولكن لا بسذاجة خشية الوقوع في الأهداف التي أراد الانتهازيون توظيف المصطلح لتحقيقها وإنما علينا أن نتعاطى معه بعد تهذيبه، إذ من عراقيي الداخل
١٢
الصداميون وقتلة الشعب، كما لا نريد بعراقيي الخارج كل من هاجر إلى هناك بسبب ظلم صدام وبطشه وعاد إلى بلده بعد أن فرّج الله عنه وعايش هموم شعبه وآلامه وشاركهم في السراء والضراء، وإنما نريد بهم مجموعة القادمين من الخارج الذين امتازوا بالخصائص التالية:
١- أن أحدهم يراعي الانتماء للدولة التي قدم منها وتقيم عائلته فيها إلى الآن ويتمتع بحقوق اللجوء فيها وربما يحمل جنسيتها أكثر مما يراعي الانتماء للعراق بحيث لو تعارضت مصلحة العراق مع مصلحة تلك الدولة فانه يقدم مصلحة الآخرون حتى وان كان في أعلى مواقع السلطة في العراق.
٢- إنه يرى السلطة مغنماً له ولمتعلقيه فيسعى بنهم وشراهة لملء جيوبه وزيادة أرصدته ولا يرى في السلطة وسيلة لإحقاق الحق ورفع الظلم وخدمة الناس وإعمار البلد.
٣- التقوقع في المنطقة الخضراء أو المؤسسة التي غنمها ولا يندمج بالشعب ويعيش معاناته.
٤- النظرة الفوقية والاستعلاء عند التعامل مع إخوانه العراقيين الذين رابطوا في
١٣
أرض العراق ووقفوا في وجه الطاغية حتى ملأ بهم المقابر الجماعية وغياهب السجون.
مفارقة
وهم- أي ما يسمونهم بعراقيي الخارج – يقعون في مفارقة إذ بينما يفخرون بصمود الشعب العراقي وشجاعته في الوقوف في وجه صدام وصبره حتى جعلوا منه كياناً منخوراً سقط بأول ضربة من قوات الاحتلال ويمجّدون الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ التي كسرت شوكة النظام ويجوبون الدول طلباً للمساعدات لشعب المقابر الجماعية والسجون والمعتقلات ينسون أن هذه المآثر إنما سطرها من يسمّونهم عراقيي الداخل وعملوا على إقصائهم وحرمانهم من حقوقهم.
وقد بدا واضحاً خلال الفترة السابقة للقاصي والداني تعمّدهم الواضح لإقصاء هؤلاء المرابطين، وتحمّل البلد بسبب هذا الإقصاء عدة نتائج منها:-
١- الفشل في إدارة البلد لأنهم غرباء على الشعب والبلد ولا يعرفون التغيرات التي طرأت عليه خصوصا في التسعينات.
١٤
٢- الاعتماد على أناس مفسدين وغير كفوئين بعد أن أقصوا أبناء البلد الوطنيين المخلصين الكفوئين.
٣- استمرار العنف لان الاستئثار والاستبداد الذي مارسه القادمون من الخارج استفّز جزءا كبيراً ودفعهم إلى المواجهة ولا يشمل هذا التفسير التكفيريين والصداميين أعداء الشعب والحياة، فالسياسيون شركاء المجرمين القتلة في المسؤولية عن دماء العراقيين الأبرياء وخراب البلد وتبديد ثرواته.
العراق يحتاج الى مشروع وطني من أبنائه المخلصين
لقد دفعت الولايات المتحدة ثمناً كبيرا من سمعتها بسبب إصغائها للتقارير المضلّلة التي أغفلت دور الوطنيين الأحرار المخلصين لبلدهم وشعبهم ممن يسمونهم بـ(عراقيي الداخل) ويطلقون عليهم أوصاف الاستصغار والإهانة، وسوف لا يخرجون من مأزقهم إلا بإعطاء دور ريادي لهؤلاء(١)، وإن لم يعطوه اختياراً فسوف يُجبرون عليه، فإن الشعب وعى الحقيقة وعرف
(١) وعى الأمريكان أهمية هذا الدور وبدأوا تفاهمات مع العشائر لتكوين مجالس الصحوة بينما بقيت القيادات السياسية بحاجة إلى (صحوة) لتدرك أهمية هذا الدور.
١٥
المدافعين بصدق وإخلاص عن حقوقه، وأن حل مشكلة العراق يكمن في السير بمشروع وطني يتسامى عن الانتماءات الطائفية أو العرقية ونحوها ويكون لأبنائه الأوفياء الدور القيادي فيه.قبل أيام صدرت دراسة لأحد الخبراء في الولايات المتحدة امتدت لثلاث سنوات عن مدى افتخار العراقي بانتمائه الوطني فكانت النسبة في العراق ٧٥% بينما يؤكد التقرير أن النسبة في عمان والقاهرة والرياض تتراوح بين ١٢– ١٨ %.
وفاء المرجعية الدينية للعشائر
إن دوركم يا أبناء العشائر الغيارى محفوظ لا يمكن أن يلغيه أحد وإن تمكنوا لفترة محدودة حين أعمتهم الدنيا وشغلهم الصراع على الكراسي، وسأكون بأذن الله تعالى وفياً لكم كما كان رسول الله t وفيّاً للاوس والخزرج حينما وزّع غنائم معركة حنين على الذين اسلموا في فتح مكة من قريش وغيرهم ولم يعطِ للأنصار شيئاً فتأثروا في أنفسهم ظناً منهم أن رسول الله t فضّل قومه عليهم وانه t سيتركهم ويعود إلى قومه فقال t مخاطبا الأنصار
١٦
(أما ترضون أن يعود غيركم بالناقة والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه واله) وعاد معهم إلى المدينة، وانتم أبناء العشائر وعموم الوطنيين الأحرار تعودون بالمرجعية الرشيدة حين فرح غيركم بسلطة زائفة زائلة.
١٧
الفصل الثالث:تأييد مطلب العشائر بتأسيس مكاتب إسناد القانون وحماية مؤسسات الدولة في عموم العراق
١٨
تأييد مطلب العشائر بتأسيس مكاتب
إسناد القانون وحماية مؤسسات الدولة في
١٩
عموم العراق (١)بواكير دعواتنا للعشائر
كنّا من أوائل من نبّه إلى ضرورة أن تعطى العشائر دورها الذي تستحقه في بناء العراق الجديد وحفظ الأمن والاستقرار فيه، ولكن المتصدين لإدارة البلاد اعرضوا عن سماع هذا الصوت المخلص لأنه لا ينسجم مع الأجندات التي يعملون من أجل تحقيقها، مما أدى إلى تمزّق البلاد بهذا الشكل المريع.
ولم تبخل العشائر في منحهم أصواتها في الانتخابات ليتسلقوا إلى مناصب الدولة المختلفة حتى إذا شغلوها جميعاً بخلوا على تلك العشائر حتى بتعيين أبنائها في أدنى وظائف الدولة حيث حصرت تلك الأحزاب الوفية! التعيينات بمن يأتي عن طريقها لتستعبده وتسخّره لخدمة أغراضها الأنانية.
وبقيت الحكومة تتخبط ويزداد الحال سوءاً بسبب إقصائهم لأهل هذا البلد الذين
(١) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع عدد من شيوخ ووجهاء عشيرة بني تميم في التاجي يوم ٢٩/ذ.ح/١٤٢٨ المصادف ٩/ ١/ ٢٠٠٨ ومع عدد كبير من شيوخ عشائر البصرة في اليوم التالي
٢٠
عاشوا معاناته بكل فصولها وصمدوا على هذه الأرض الطيبة في وجه كل مؤامرات تغيير الهوية وحافظوا على خصوصيات هذا البلد وأهله، حتى التفت المحللون والخبراء واللجان التي أرسلتهم الإدارة الأمريكية إلى فداحة خطر هذا الإقصاء وارتكابهم لهذا الخطأ الجسيم فبدأوا بمشاريع لاستيعاب العشائر في مجالس الصحوات ومجالس الإسناد ونحوها، وكان لعدد منها دور مخلص في القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه والقضاء على حواضنه وهو ما دعوناهم إلى القيام به خصوصاً عشائر الأنبار في خطاب بعد التفجير الإجرامي الأول الذي استهدف الروضة العسكرية الشريفة في شهر شباط/٢٠٠٦ كما كان لعشائر الوسط والجنوب دور بارز في تأمين الطرق والمحافظة على مؤسسات الدولة وملاحقة العصابات الإجرامية وحماية الأنابيب الناقلة للنفط وغيرها.
الانطلاقة الايجابية للعشائر
وقد لمس جميع المراقبين آثار هذه الانطلاقة الايجابية البناءة لعشائر العراق، ثم كان لها الدور البارز في وقف الفتنة الطائفية التي جاء بها عملاء الأجانب فأعادوا اللحمة الوطنية وتلاقوا على حب هذا الوطن ونبذ الإرهاب أياً كان مصدره وتوجّهه ورفض تقسيم
٢١
البلد وحفظ وحدة أرضه وشعبه فتبادلوا الزيارات واللقاءات.
الأسف الى التفات الأعداء الى أهمية العشائر قبل الحكومة
لكن الذي يؤسف له أن الإدارة الأمريكية البعيدة عن هذا الشعب ثقافياً ودينياً واجتماعياً وجغرافياً تلتفت إلى أهمية هذا المشروع بينما يغفل عنه المحسوبون على العراق ظاهراً، ومادام الحل يأتي أمريكياً فانه حتماً سوف لا يتطابق مع الرؤية العراقية من بعض الجهات على الأقل لذا نرى كيف ظهرت خلافات عميقة عن مصير مجالس الصحوة والأعمال المناطة بها وأهداف تشكيلها وغيرها بعد أن تعارضت المصالح وهذه نتيجة طبيعية لسياسة خاطئة لا تعتمد المصالح الوطنية العليا وتتلاعب بها مصالح الدول المتدخّلة في الشأن العراقي.
الالتفات الى مشاركة العشائر في إدارة البلد
إن هذا الخلاف لا يمكن أن يلغي دور العشائر وضرورة إشراكهم في إدارة البلد من خلال تحمّلهم المسؤوليات التي تناسب وضعهم، وهذا الدور لا يقتصر على مواجهة القاعدة والمجاميع الإرهابية حتى يقول البعض إننا لسنا بحاجة إلى مجالس إسناد العشائر في وسط
٢٢
وجنوب العراق لخلوّها من القاعدة وأمثالها، فهذه إن كانت كلمة حق فانه يراد بها باطل وهو الاستمرار في سياسة إقصاء أبناء هذا البلد الغيارى والوطنيين الأحرار الذين لا يركعون للأجانب، لان دور العشائر لا يقتصر على مواجهة الإرهاب بل إن لهم القدرة على المساهمة في بناء البلد وفرض سلطة القانون وحماية مؤسسات الدولة وهذه مطلوبة في كل أنحاء العراق.
الصفات النبيلة في عشائرنا
وإن هذه العشائر تأبى حياة الضيم والذل فكيف ترضى بأن يبلغ بها الحال أن تطرق أبواب الأحزاب وتستجدي موافقتها على تعيين أبنائها الأصلاء في سلك الجيش والشرطة ولا يجدون أذاناً صاغية وهذا ابسط حق لهم على تلك الأحزاب التي تسللّت إلى المناصب بأصوات العشائر، فلماذا تحصر التعيينات بالأحزاب وتحرم منها العشائر مع وضوح بؤس هذه السياسة الحمقاء التي حولت مؤسسات الدولة إلى مكاتب للأحزاب ترعى مصالحها؟
إن العشائر العربية الأصيلة تتصف بالكثير من خصال الخير يجب على كل قائد أو مربي أو مصلح أو سياسي أن يستثمرها للإصلاح والأعمار كما فعل رسول الله (صلى
٢٣
الله عليه وآله وسلم) حينما استثار هذه الخصال وانطلق بالإسلام المبارك من أحضان الجزيرة العربية حتى ملأ بنوره الشرق والغرب.
٢٤
الفصل الرابع:إصلاح النظام العشائري القائم
٢٥
إصلاح النظام العشائري القائم(١)
الحمد لله كما هو أهله وكما يستحقه حمداً كثيراً والصلاة على خير خلقه أبي القاسم محمد وعلى آله الطاهرين.
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا:
قال الله تبارك وتعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] (الحجرات:١٣).
فالغرض من جعل الشعوب والقبائل والعشائر لتُعرفوا بها ولتتميز الأنساب فإن
(١) الخطبة الثانية لصلاة عيد الفطر السعيد عام ١٤٣١.
٢٦
الأسماء كثيراً ما تتشابه وإنما تتميز بالعشيرة واللقب، والمعنى الآخر لقوله تعالى: [لِتَعَارَفُوا] أي لتتعارفوا بينكم وتتواصلوا وتنسجموا ويتكامل بعضكم بالبعض الآخر ويسودكم عمل المعروف فيما بينكم. وليس لتتفاخروا بأنسابكم أو لتتنابزوا بالألقاب بينكم أو لتتباهوا بكثرتكم أو لتتحزبوا لعشائركم وتتعصبوا لها حتى وإن كانت على باطل.
أهمية الرابطة العشائرية
هذا ما أراده الله تبارك وتعالى ورتّب عليه آثاراً وهي صلة الأرحام والإحسان إليهم ورعايتهم وعظّم حرمة الرحم فقال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً] (النساء:١) وكان أول ما بدأ به رسول الله t حين بعثه الله تعالى بالنبوة أن جمع عشيرته ودعاهم إلى هذا الخير الكثير حينما نزل قوله تعالى: [وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ] (الشعراء:٢١٤).
مضافاً إلى أن النظام العشائري يجعل من الأفراد كياناً فيكسبهم قوة إلى قوتهم وتنظيماً لشؤونهم والتنظيم قوة، وفي ذلك يوصي أمير
٢٧
المؤمنين A (صل عشيرتك فإنهم جناحك الذين بهم تطير).
انحراف الرابطة العشائرية عن أهدافها
لكن هذه الرابطة التي جعلها الله تعالى لتلك الأغراض الإنسانية تحوّلت منذ القدم إلى نظام اجتماعي يحكم أبناءه ويدير شؤونهم وربما أملاه نمط الحياة التي يعيشونها كمجتمعات بداوة ونمط الأعمال كامتلاك الثروة الحيوانية ورعيها أو الزراعة ونحوها، وأصبح بديلاً للنظام السياسي والدولة والحكومة كما هو المعروف من حال العرب قبل الإسلام، وكان نظاماً متخلفاً متعصباً ً قائماً على التفرد وإلغاء الآخر ولو بإبادته ومصادرة ممتلكاته فأزهقت الأرواح وانتهكت الأعراض وسالت أبحر من الدماء لا لشيء إلا لتلبية نداء هذه العصبية الجاهلية، وكان من أيسر الأمور إذكاء الحروب الجنونية بين القبائل لأتفه الأمور كحرب داحس والغبراء التي استمرت أربعين سنة على إثر مسابقة للخيول، وأشعلت حرب أخرى لأن شخصاً قتل كلباً كان شيخ العشيرة الأخرى قد أجاره ونحو هذه الأمور مما لا يصدقها عاقل لولا أنها قد وقعت فعلاً.
وكان حول العرب أمم نبذت هذا النظام وأنشأت لنفسها أنظمة سياسية للدولة والحكم
٢٨
فتقدمت مادياً وأنشأت حضارات مرموقة كالرومان والفرس.حتى بعث الله تعالى نبيه t بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله أي على كل الأنظمة والقوانين التي حكمت البشر وأردتهم في الهلاك فذوَّب هذه الانتماءات وآخى بين المهاجرين والأنصار والذين جاءوا بعدهم من سائر الذين اعتنقوا دين الإسلام، فكانوا كما وصفهم الله تعالى: [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ] (الحجرات: ١٠) ووصف حالهم السابق من التشرذم والتفرق وما آلوا إليه من الوحدة والأخوة فقال تعالى: [وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ] (آل عمران:١٠٣).
ولكن لما ارتحل رسول الله t إلى الرفيق الأعلى وانقلبت الأمة على الأعقاب رجعت إليها بعض العادات الجاهلية ومنها العصبية القبلية وكان بنو أمية يغذّون هذا التقسيم ويذكون التفرقة ويقرّبون بعض القبائل على حساب بعض ليملكوا زمام الجميع.
٢٩
حال العشائر اليوم
واليوم حينما تنظر إلى وضع العشائر تجده في حال سيئ وتعيس ومتخلف، والغالب في رؤساء العشائر ومن بيدهم الأمر والنهي أنهم يحكمون بغير ما أنزل الله تعالى، والظلم متفشي في أرجائها وعلى مختلف الأصعدة، ويئن أبناء العشائر من قساوة هذا النظام وأحكامه الجائرة ولكنهم لا يستطيعون الخروج من قبضته، أو يستطيعون ولكنهم لا يملكون الشجاعة لاتخاذ مثل هذا القرار.
جهود المرجعية الرشيدة في إصلاح الواقع العشائري
لقد بذلت المرجعية الرسالية جهداً في سبيل إصلاح نظام العشائر وكتب سيدنا الشهيد الصدر v كتاب (فقه العشائر) لتصحيح تصرفاتهم وأحكامهم على وفق الشريعة، ووضع سنينة عشائرية على طبق التشريع الإسلامي لتكون بديلاً عن السنينة العشائرية المتعارفة.
وأصدرنا بعده كتاب (رؤى إسلامية في نظام العشائر وتقاليدها) لتصحيح الجانب الفكري والثقافي لدى العشائر وإقناعهم بتطبيق النظام الإسلامي، وتبعته فتاوى كثيرة في ما
٣٠
يتعرضون له من حالات، لكن هذا الجهد كله لم يُجدِ نفعاً إلا عند القلة ممن وفقهم الله تعالى لطاعته، وتردى الحال إلى الأسوأ بعد سقوط صدام واختلال النظام وانتشار الفوضى والعنف ووقوع السلاح بيد الجهلة والغوغائيين، ولم يعد للدولة والسلطة وجود مهاب مما شجع على بروز قيادات محلية اجتماعية أو دينية أو عشائرية وأصبح كل منهم حاكماً في مساحته ويحصل الصدام بينهم أحياناً بحسب تضارب المصالح والولاءات.
الايجابي والسلبي من مبررات النظام العشائري
إننا نفهم بعض المبررات لوجود النظام العشائري كحفظ الأرض وزراعتها والدفاع عنها وتقارب ذوي الأرحام لزيادة الأواصر بينهم، ولكن ما لا نفهمه ولا نقبله تحوّله إلى نظام استبدادي ظالم يحكم بالأهواء والعصبية وشهوات النفس والأنانية، ونحذّر من تحوله إلى نظام متخلف يكون غالباً من أكبر المعوقات لقيام مجتمع مدني متحضّر، وإذا بقي على وضعه الحالي فسيبقى التخلف والجهل سائداً في أمة كبيرة تخضع لقوانينه، وقد أثبتت التجارب التي أشرنا إليها أن محاولات إصلاحه غير مجدية ما دام يدار بنفس الذهنية السائدة.
٣١
العشائر والعمل الجماعي المشترك
أيها الأحبة..
أنتم تعلمون أنا جميعاً مطالبون بأن يكون لنا دور في التمهيد لظهور الإمام (أرواحنا له الفداء) وتمكينه من إقامة دولة العدل الإلهي، والجميع مشتركون بدورهم كأفراد وأعني به أن يكونوا صالحين يعملون ما يرضي الله تبارك وتعالى ويجتنبون ما يسخطه تعالى ويبعدهم عنه وهو باب ينفتح منه ألف باب كما هو واضح.
ومضافاً إلى هذا الدور الفردي فإن على كل فرد تكاليف اجتماعية أوسع من ذلك وهي متباينة ومتفاوتة من فرد لآخر بحسب موقعه وعنوانه ومؤهلاته والأدوات المتاحة لديه مادياً –كالمال- ومعنوياً –كالعلم أو الجاه أو النفوذ- ونحوها. ولعل الأغلب إن لم يكن الكل مشمولون بهذا التكليف أيضاً لأن لهم شيئاً مما ذكرنا وإن تفاوتوا فيه. وتدخل في هذا التكليف وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتشييد مشاريع الخير والجهاد لإقامة السنن الصالحة وإقامة الشعائر الدينية وغيرها كثير.
دور العشائر في التمهيد للظهور الميمون
ورؤساء العشائر ممن لهم تكليف واسع على النحو الثاني لامتلاكهم عناصر تأثير عديدة
٣٢
كالجاه والنفوذ والسطوة وكثرة الأتباع والقوة وربما المال والسلاح وغيرها، وهذا يعني أن مسؤوليتهم أوسع من غيرهم بكثير؛ لأن هذه كلها نعمٌ يُسأل الإنسان عن توظيفها في طاعة الله تعالى، قال عز من قائل: [ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ] (التكاثر:٨) والنعيم شامل لكل نعمة أنعم بها الله تعالى على عبده، وقال تعالى: [وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ] (الصافات:٢٤) وهذه المساءلة شاملة لكل أنحاء المسؤولية وأشكالها، وأعتقد أن رؤساء العشائر وغيرهم من المسؤولين -كأعضاء الحكومة وأصحاب السلطان- لو كُشف لهم الغطاء وعرفوا خطورة موقعهم وطول وقوفهم للسؤال بين يدي الله تعالى لما تنافسوا على شيء من هذا، ولنبذوه وراء ظهورهم وهربوا منه.
التحذير من الرئاسات الباطلة
وقد ورد في الحديث عن النبي t (ألا ومن تولى عرافة قوم حبسه الله عز وجل على شفير جهنم بكل يوم ألف سنة وحشر يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه، فإن قام فيهم بأمر الله أطلقه الله، وإن كان
٣٣
ظالما هوى به في نار جهنم وبئس المصير)(١).وقد بيّن رسول الله t والأئمة الطاهرون D لأصحابهم الواعين الصادقين في طاعة ربهم هذه الحقيقة، روى الشيخ الطوسي في كتاب الأمالي عن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري أن النبي t قال: (يا أبا ذر إني أحبّ لك ما أحبّ لنفسي، إني أراك ضعيفاً فلا تأمّرنّ على اثنين ولا تولّينّ مال يتيم)(٢) فإذا كان مثل أبي ذر الذي تشتاق له الجنة والذي قال فيه رسول الله t: (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر) يشفق عليه رسول الله t ويدعوه إلى عدم الإمرة ولو على اثنين لأنه يعجز عن القيام بالأمر كما يجب فكيف بغيره؟ خصوصاً رؤساء العشائر الذين نعلم افتقاد أكثرهم لمؤهلات الإمرة وهي العلم بأحكام الدين والورع والحلم والحكمة والرحمة والشفقة على الناس.
(١) بحار الأنوار: ٧٢/ ٣٤٣ في مناهي النبي t.
(٢) بحار الأنوار: ٧٥/ ٤.
٣٤
على العشائر أن تكون زيناً لا شيناً
فالذي نأمله من رؤساء العشائر وهم مسلمون موالون لأهل البيت D وأولى الناس باتباعهم أن يكونوا لهم زيناً كما قال إمامنا جعفر الصادق A ولا يكونوا عليهم شيناً، ومن المقترحات التي نتبناها في هذا المجال أن ننظم لهم دورات دراسية في النجف الأشرف، مدة الدورة شهر واحد، نستضيفهم فيها ونعطيهم ما يحتاجونه في عملهم من دروس في الفقه والعقائد والأخلاق والعلاقات الإنسانية والإدارة ليكونوا مباركين دالين على الخير وآمرين بالمعروف وناهين عن المنكر(١).
خطوات عملية في إصلاح النظام العشائري
وندعوهم كما ندعو كل أبناء العشائر إلى اتخاذ خطوات عملية لتحويل مجتمعهم إلى أمة متحضرة متمدنة واعية منها:
١- المطالبة بإنشاء المدارس الأكاديمية في كل تجمع من الناس مهما كان نائياً ولو بأبسط صورها ـ كالمدارس المتنقلة ـ والقضاء على الأمية تماماً وإلزام الفئات العمرية جميعاً
(١) راجع أخبار استجابة العشائر في قسم الكلمات المختارة من صحيفة الصادقين.
٣٥
بالالتحاق بها.
٢- نشر المؤسسات الثقافية والإنسانية والصحية والاجتماعية والخيرية والدينية مما يعرف بمؤسسات المجتمع المدني في كل العشائر والقرى والأرياف والمدن في أنحاء البلاد لتؤدي كل منها دورها بحسب الغرض الذي أسست له.
٣- دعوة الخطباء والمبلغين إلى كل ناحية أو قرية أو عشيرة أو أي مكان ممكن لتعليم الأحكام وإرشاد الناس ووعظهم.
٤- انخراط أبناء العشائر في الوظائف وتحصيل الشهادات العلمية العالية وتشجيع من يتمكن منهم على السكن في المدن.
٥- وضع القوانين الرسمية الصارمة التي تحرّم بعض التقاليد العشائرية البالية وتعاقب عليها بحسب نوع الجناية أو الخطأ كالنهوة أو القتل لغسل العار في غير ما حددته الشريعة وسائر الأحكام الظالمة الأخرى.
الخطر من الانفتاح على المفاسد الإخلاقية
وهنا قد يقال بأن تحويل المجتمع العشائري إلى مجتمع مدني -كما لو فتحت فيه الجامعات والمؤسسات الحكومية- يعني الانفتاح على المفاسد الأخلاقية ونحوها.
والجواب:
٣٦
١- إن حالات الفساد والانحراف في العشائر ليست قليلة كالقتل بلا ذنب والزنا والنهوة والنهيبة والظلم والبطش وامتهان المرأة وغيرها.
٢- إن الخلل المذكور ليس بسبب كون المجتمع مدنياً وإنما بسبب النفوس الأمارة بالسوء وقلة الواعظين والمتعظين فالجميع معرضون للفساد والانحراف إلا من عصم الله تعالى.
٣- إننا لو سلّمنا الإشكال فإن عملية الإصلاح في مجتمع متحضر ومثقف أسلس وأثبت مما في مجتمع عشائري متخلف ونحن نجد اليوم كيف انغمست العشائر أكثر من ذي قبل في الظلم وابتداع العادات والتقاليد المنكرة.
إن مما يؤسف له أن الكثير من القيادات الدينية والسياسية تعي حقيقة هذا الوضع البالي الذي يعيشه حوالي نصف المجتمع العراقي ولكنهم لا يتحركون لإصلاحه، بل قد يعملون على إبقائه ودعم رؤساء العشائر من أجل المحافظة على مواقعهم وسلطتهم كما يحصل قبيل الانتخابات، فيتحمل هؤلاء وزر هذا الوجود ودوامه وإذا كانوا لا يعون ذلك فالمصيبة أعظم.
وإزاء هذا كله لا يحل لنا أن نهمل الإشادة بدور بعض زعماء العشائر أو الأفخاذ الذين
٣٧
وعوا مسؤوليتهم أمام ربّهم وقادتهم المعصومين D فأصلحوا أنفسهم وسعوا بحزم وشجاعة إلى إصلاح وضع عشائرهم فطوبى لهم، وضاعف الله تعالى لهم الحسنات بعدد من اهتدى بهم من الموجودين ومن الذين يأتون بعدهم والله ولي التوفيق.
رؤساء العشائر في ضيافة المرجعيةوالحوزة العلمية(١)
(١) نشر في العدد (٩٤) من صحيفة الصادقين.
٣٨
بعد الدعوة الكريمة التي أطلقها سماحة المرجع اليعقوبي في خطبة صلاة عيد الفطر إلى رؤساء العشائر ليضعوا أيديهم بأيدي المرجعية والحوزة العلمية للنهوض بواقعهم وإصلاح أوضاعهم، فقد أبدى الكثير من هؤلاء الزعماء تأييدهم لهذه المبادرة واستعدادهم للاستجابة.
وقد وفدت الطليعة الأولى منهم على سماحته يوم السبت ٩ شوال ١٤٣١ المصادف ١٨/ ٩/ ٢٠١٠ وقد ضمت حوالي خمسين من رؤساء ووجهاء عشائر الظوالم وآل زياد وآل جيّاش وآل حسان وغيرهم من قضاء الرميثة وعموم محافظة المثنى وشَكرَهم سماحته في حديثه على هذه الاستجابة التي تأتي تطبيقاً للآية الشريفة [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ] (الأنفال:٢٤) فإن الحياة الطيبة السعيدة هي في ظل طاعة الله تبارك وتعالى والسير على هدى نبيه الكريم والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
احذروا عرض أعمالكم على رسول الله t
وقال سماحته: ((إننا لسنا متروكين في
٣٩
هذه الدنيا نفعل ما نشاء بلا حساب ولا رقابة، فإن الله تعالى يقول [وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ] (التوبة:١٠٥) أي اعملوا ما شئتم ولكن عليكم أن تعلموا أن عملكم هذا هو تحت نظر الله تبارك وتعالى وان رسول الله t والأئمة الأطهار D يطلعون عليه فيفرحون لما يجدون من أعمال صالحة ويحزنون لما يرون من أعمال سيئة والعياذ بالله، فعلينا أن نبذل جهدنا لإدخال السرور على نبيّنا وأئمتنا (صلوات الله عليهم أجمعين) ولا نشعرهم بالخجل أمام الأنبياء والأوصياء الآخرين D حين تعرض الأعمال أمام الأشهاد)).
لنصلح ما فسد
وقال سماحته: ((إن واقعنا مؤلم وقاسٍ وحينما تحدثنا بحرقة وألم وقسوة في خطبة العيد فلأننا نقلنا صوراً من هذا الواقع، فإذا كنا صادقين في موالاتنا لأئمتنا الأطهار D فلنكن زيناً لهم وليس شيناً وعاراً.
ولنعمل بهمّة وإخلاص لإصلاح ما فسد من أمورنا تمهيداً لقيام صاحب الأمر f فإنه ينتظرنا كما ننتظره، ينتظر منا النصرة والتمهيد والتمكين وتوطيد الأرض ونشر راية الهدى، كما أن جدّه المصطفى t لما وجد
٤٠
النصرة الصادقة من أهل يثرب هاجر إليهم وأقام فيهم دولة الحق والعدل.
انتهزوا فرص الخير
وأنتم بفضل الله تبارك وتعالى تملكون من أدوات النصرة الكثير وتستطيعون أن تقدموا أعمالاً أكثر من غيركم فانتهزوا فرص الخير)).
هذا وقد أوعز سماحته إلى فروع جامعة الصدر الدينية في المحافظات لاستقبال الراغبين في الانخراط في الدورات الفقهية والأخلاقية المخصصة لأبناء العشائر ريثما يتم إعداد المناهج والمحاضرات المقررة للدورات التي تُنظّم في النجف الأشرف.
لكن الطليعة المذكورة أصرت على القدوم إلى النجف الأشرف والاستفادة من أجوائها المباركة والنفحات العلوية المطهرة، وقد شُكلّت لجنة من عدد من فضلاء الحوزة العلمية لاستضافتهم في مقر جامعة الصدر الدينية وجرى لهم استقبال حافل وبرنامج مكثف على مدى يومي الخميس والجمعة (٥، ٦ ذو القعدة ١٤٣١ المصادف ١٤-١٥/ ١٠/ ٢٠١٠) تضمن زيارة الحرم العلوي المطهر مرتين وإقامة صلاة الفريضة جماعة هناك وقراءة دعاء كميل وزيارة مسجد الكوفة صباح الجمعة وقراءة دعاء الندبة، وألقيت ست محاضرات في فقه
٤١
العشائر وصفات رئيس العشيرة والتنبيه لبعض الممارسات غير الشرعية في سلوك العشائر ونحوها.كما قام سماحة المرجع بزيارة المشاركين في مقر إقامتهم وألقى فيهم كلمة توجيهية واعتبر حضورهم هذا نصرة لله ولرسوله واستباقاً للخيرات كما أمر الله تعالى، وفي نهاية الدورة مُنح المشاركون شهادات تقديرية تثبت إنهاءهم لهذه الدورة الشريفة.
٤٢
الفصل الخامس:فقه العشائر
٤٣
فقه العشائر(١)
(١) اقترح أحد طلبة العلم على سماحة الشيخ أن يجمع فتاوى السيد الصدر v –إبان مرجعيته- المتعلقة بالعشائر وسنائنها المعمول بها لتصحيح وضعهم فأثنى سماحة الشيخ على الفكرة وراجع ما جمع وكتب له هذه المقدمة وطبع الكراس بعنوان (فقه العشائر) حيث نال صدى واسعاً وتأثيراً وحركة في الأوساط العشائرية وكان ذلك قبل إقامته v لصلاة الجمعة المباركة.
٤٤
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبو القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
لنتعارف لا لنختلف
قال الله سبحانه وتعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ](الحجرات:١٣)، فالهدف إذن من تصنيف البشر إلى شعوب مختلفة وقبائل متنوعة بالملامح واللغات والتقاليد هو التعارف بينهم، أي ليعرف كل إنسان بسماته وخصائصه المميزة له ولتعرف أنسابهم، لا لكي يتفاخروا بها أو يتفاضلوا بها إذ ليس لجنس على آخر ولا لفصيل على آخر فضل وتفوق، كما تتبناه بعض الدعوات العصبية الجاهلية بل أساس التفاضل هو التقرب من الله تبارك وتعالى وتقواه.
معيار التقوى هو المائز بين الناس
٤٥
وبهذا المعيار ينظر الإسلام إلى الناس، فتراه يرفع سلمان الفارسي ويجعله من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً(١)، وبالمقابل تنزل سورة كاملة في القرآن الكريم بذم أبي لهب عم الرسول t وتبقى خالدة إلى يوم القيامة، ولنا عبرة فيما اقتص سبحانه من قصة نبي الله نوح وولده فقال له [إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ] (هود:٤٦)، وقال تعالى: [يوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ](الشعراء:٨٨-٨٩)، وقال تعالى: [فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ] (المؤمنون:١٠١) وقال تعالى: [وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ] (سبأ:٣٧).
الهدف الأسمى هو معرفة الله تعالى
(١) إشارة إلى الحديث النبوي الشريف في سلمان (سلمان منا أهل البيت) في حادثة مروية.
٤٦
فالهدف الأسمى للإنسان في هذه الحياة هي معرفة الله سبحانه وتعالى وطاعته وعبادته [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إلا لِيَعْبُدُونِ] (الذاريات:٥٦)، ولا ينبغي أن يطاع أحد إلا من كانت طاعته من طاعة الله سبحانه، أما إذا كانت طاعة المخلوق تسبب معصية الخالق فهي مرفوضة (لا طاعة لمخلوق في معصية خالق)(١). وهؤلاء الذين يطاعون من دون الله سبحانه يتبرأون من أتباعهم يوم القيامة ولا تنفعهم طاعتهم بل يلعن بعضهم بعضاً ويندمون حيث لا ينفع الندم، [وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ](إبراهيم: ٢١) [وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ، قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ](سبأ:٣١-٣٢).
(١) بحار الأنوار: ٧١:٣٨.
٤٧
ومثل هذه المخاصمات بين الأتباع ورؤسائهم كثيرة ومنتشرة في كتاب الله [حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ] (الأعراف:٣٨) وكل ذلك للتحذير مما وقعت فيه الأمم السابقة فإنهم أطاعوا كبراءهم فأضلوهم السبيل ولم يغنوا عنهم شيئاً من الله.
لا تطيعوا من لا يطيع الله تعالى
لذا يجب على كل من يسلّم قياده لأحد أو يدخل في طاعة أحد ومتابعته، أن يراقبه فإن كان في طاعة الله سبحانه سار معه وإلا نبذه وتخلف عنه، فإنه حينئذ –كفرعون- يقدم قومه حتى يوردوهم النار وبئس الورد المورود.
وأظن أن هذه المقدمة واضحة في أذهان الجميع ومتسالم على صدقها، لكن العجب بعد كل ذلك أن نرى كثيراً من الأنظمة العشائرية والتقاليد المتبعة فيها مخالفة صريحة للشريعة، ومع ذلك ترى لها قوة في التطبيق أشد من قوة الشريعة، فيرضخ لها الإنسان وينصاع وإن كان في ذلك معصية الله سبحانه ودخول جهنم.
٤٨
ليس العار في تطبيق الشريعة
فبالرغم مما ينطوي عليه النظام العشائري من حسنات وإيجابيات كالاتحاد والتآزر والتواصل وسد الحاجة، وما تنطوي عليه العشائر من خصال حميدة كالكرم والشجاعة والوفاء والغيرة والنخوة، لكن هذا كله يجب أن يكون في قالب الدين والشريعة ولا يزيغ عنها، ولا يجوز أن يكون ضغط العرف العشائري أكثر من الوازع الديني بل يجب تهذيب وتعديل هذا العرف بما ينسجم مع الشريعة.
وإن الشيطان ليوحي إلى أوليائه بأنه النار ولا العار، والإمام الحسين A يقول (العار أولى من دخول النار)(١)، على أنه ليس في تطبيق الشريعة المقدسة أي عار، بل العار في مخالفتها والشرف في الالتزام بها كما في الحديث (من أراد عزاً بلا عشيرة وشرفاً بلا سلطان فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله)(٢). فإن الإسلام يريد إصلاح البشرية
(١) شطر من بيت شعر ارتجز به الإمام الحسين A يوم عاشوراء.
(٢) حديث عن السجاد A.
٤٩
وسعادتها أما من أغواهم الشيطان فيريدون الضلال والشقاء والتعاسة والفوضى والهمجية.وإذا اجتمع الخصوم عند الله سبحانه فلا ينفع المذنب أن يقول أمرني رئيس عشيرتي بكذا وكان عليّ التنفيذ، فإنه يُرمى هو ورئيس عشيرته في جهنم ويكون مع المشركين الذين اعتذروا بأنه [إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ] (الأعراف:١٧٣).
لا تكونوا فريسة للشيطان
فنهيب بإخواننا أبناء العشائر إلا يكونوا فريسة سهلة للشيطان ويضيّعوا دينهم ودنياهم من أجل تسويلات شيطانية ما أنزل الله بها من سلطان، فإن أشد الناس حسرة من باع دينه لدنيا غيره، فما معنى أن يتقاتل قوم فتذهب النفوس والأموال –وهم يدّعون الإسلام- من أجل كلام مفترى وتهم مدعاة من دون تحقيق، يلقيها مغرض أو منافق أو حاقد ويوقع العداوة والبغضاء بين المسلمين وهو عين ما كان يفعله اليهود بين الآوس والخزرج في المدينة، وسالت أودية من الدماء بسبب كلام فارغ يقال هنا وهناك وقد لا يكون له أساس من الصحة.
٥٠
وحتى لو حدث حادث... –لا سامح الله- بسبب نزوة شيطانية من زنا أو لواط أو قتل أو سرقة فقد جعل له الشارع المقدس ضوابط وحدود [تلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا] (البقرة:٢٢٩) [وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ] (الطلاق:١) أما هذه الأحكام الجزافية التي جرى عليها العرف العشائري فما أنزل الله تعالى بها من سلطان، ومن يشرِّع أحكاماً بغير ما أنزل الله فإن عذابه شديد؛ لأنه ينازع الله تعالى في سلطانه ويجعل نفسه حاكماً في مقابل حاكمية الله تبارك وتعالى.
نصيحة لرؤساء العشائر
ونصيحتنا لرؤساء العشائر أن لا تغرهم هذه الرئاسات، فقد حذَّرَنا الأئمة من تولي رئاسة مجموعة من الناس مهما كانت قليلة لأنه يطول موقفه يوم القيامة ويسأل عن كل صغيرة وكبيرة، وإن ممن لا يشم ريح الجنة من تولى عرافة قوم أي رئاستهم ومشيختهم.
وكان السلف الصالح يتهربون من الزعامات ورعاً واحتياطاً لدينهم وفراراً من الوقوع في المزالق، فمن تبوأ مثل هذه المقاعد فليضاعف الحذر أمام الله سبحانه وتعالى وليكن على معرفة تامة بأحكام الشريعة لكي لا يقع في مخالفتها، ويجب أن يكون واسع الصدر رحيماً
٥١
رؤوفاً بالناس يقبل العذر، وجامعاً لشتى الخصال النفسية الحميدة.وهذه أسئلة توجه بها بعض الأخوة المخلصين الغيورين على الدين على شكل حوار فتوائي مع سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد الصدر K، وهي كما هو واضح شاملة لكثير من التقاليد والعادات والقوانين العشائرية المنحرفة الظالمة، وتفضل سماحته بالإجابة ليعلن بصراحة رفض الشريعة المقدسة لها، وليبين رأيه الحق فيها لعل فيها ذكرى لمن يتذكر أو ألقى السمع وهو شهيد. وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو نعم المولى ونعم النصير.
محمد اليعقوبي(١)
٥/شهر رمضان المبارك:١٤١٧ هـ الموافق ١٥/ ١/ ١٩٩٧م
(١) حينما صدر الكراس كانت المقدمة بتوقيع (أحد طلبة الحوزة العلمية الشريفة) حيث لم يشأ سماحة الشيخ التعريف باسمه.
٥٢
الفصل السادس:كيف نستعيد دور العشائر في بناء العراق الجديد
٥٣
كيف نستعيد دور العشائر في بناء العراق الجديد(١)
قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم [وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا] (الحجرات:١٣) أي لتكون بينكم نسبة يعرف بها الشخص ويميز عن الآخرين الذين يشاركونه في بعض الصفات.
(١) من حديث سماحة الشيخ مع وفود من رؤساء عشائر ووجهاء النجف الأشرف يوم ٢٦/ع٢ ويوم ٢٩/ع٢ و مع موكب السراج المنير من عشائر الناصرية يوم ١٥/ع٢/ ١٤٢٧ المصادف ١٣/ ٥/ ٢٠٠٦.
٥٤
صن عشيرتك:وقد حافظت القبائل العربية على هذه النسبة وصانتها وعززتها وصايا المعصومين فيوصي أمير المؤمنين ولده بقوله (صل عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير) وقسم A جيشه في صفين على أساس العشائر لأنه ادعى للبأس والحماس والثبات، وكذا قسِّم جيش المسلمين عندما واجهوا الفرس في القادسية، وكان للقبائل العربية دور مشهود كإشادة أمير المؤمنين A بقبيلة همدان بقوله:
ولو كنتُ بوّاباً على باب جنةٍ
لقلتُ لهمدان ادخلوا بسلامِ
رد: فقه العشائر
الخصال الكريمة للعشائر
وامتازت العشائر بخصائص توارثها أبناؤها كالشجاعة والكرم، وفي حديث خطبة أم البنين أم العباس و إخوته لأمير المؤمنين A بواسطة أخيه عقيل ما يشير إلى ذلك، حيث روي أن علياً A قال لأخيه : (اطلب لي امرأة قد ولدتها الفحول من العرب كي أتزوجها لتلد لي غلاما ينصر ولدي الحسين بكربلاء) فأرشده عقيل إلى فاطمة أم البنين .
٥٥
دور العشائر على مر التأريخ
وقد أثبتت العشائر عبر التاريخ أنهم مكوِّن مهم في النسيج العراقي وأثّروا في حركة الأمة، وأحداث القرن الأخير شاهدة على ذلك حينما تحمّلت العشائر بقيادة علماء الدين مقاومة الاحتلال الانكليزي في الحرب العالمية الأولى سنة ١٩١٤ – ١٩١٧ وفي ثورة العشرين المباركة عام ١٩٢٠ التي أثمرت إنهاء الاحتلال وإقامة الحكم الوطني بغض النظر عن انحرافه عن أهدافه لاحقا.
مصادر قوة الشعب
وقد التفت الأعداء خصوصا النظام البعثي البائد إلى مصادر القوة في هذا الشعب التي حفظت هويته واستقلاله وحركته دوما لرفض الظلم والانحراف فوجدوها ثلاثة (المرجعية – العشائر – التمويل الذاتي) فوضعوا الخطط لاجتثاث منابع القوة هذه لدى الأمة، أما المرجعية فحاصروها وقيدوها واعدموا عدداً منهم كالشهيدين الصدرين (قدس سريهما)، و قضوا على الحلقة الوسطية الفاعلة بين المرجعية والأمة وهم الفضلاء والمبلغون والخطباء والشباب الرسالي فأعدموهم
٥٦
واعتقلوهم وشرّدوهم، وأما التمويل الذاتي فجففوه وأفقروا الطائفة بمصادرة أموال أثرياء الشيعة وسفروهم إلى إيران بحجة تبعية جنسيتهم وحجّموا كل أصحاب الأموال من أتباع أهل البيت D. ثم التفتوا إلى العشائر فاعدموا عدداً من وجوهها المؤثرين كالمرحوم الشهيد راهي بن الحاج عبد الواحد آل سكر والحاج عبد الحسين جيته وغيرهما، وصنعوا من بعض النكرات رؤساء عشائر وهميين وشتتوا أبناء العشائر بالانتماء إلى الحزب البائد، وكرسوا الجهل والتخلف فيها و عاقبوا كل من يتصل منهم بالمرجعية الدينية والحوزة العلمية و غيرها من الأساليب الشيطانية.
الأحزاب اليوم لا زالت تظلم العشائر
وجاءت الأحزاب اليوم لتمعن في ظلم العشائر وحرمانها فبالرغم من أنها وصلت إلى مواقع الحكم بأصوات أبناء العشائر، إلا أن الأحزاب استأثرت بالمغانم ولم تعط للطليعة والنخب من أبناء العشائر الفرصة الكافية لإدارة مفاصل الدولة، فبقي التهميش والإقصاء للعشائر.
وهذا ما يدعونا إلى إعادة النظر ومراجعة الحالة ووضع البرامج الكفيلة باستعادة
٥٧
العشائر دورها وثقلها الاجتماعي، وأعتقد أنهم قادرون على بناء بلدهم وحل مشاكله أفضل من الذين قدموا من الخارج بعد انقطاع عن بلدهم وشعبهم أزيد من عشرين عاماً، وأعتقد أيضا أن للعشائر فرصة طيبة في حل المشكلة الأمنية لامتدادها في الطائفتين، ووجودها في كل المدن الساخنة حتى أن بعض أبناء العشيرة الواحدة من السنة وآخرين من الشيعة.
انشاء كيان عشائري
فالمطلوب إنشاء كيان عشائري(١) مستقل عن الأحزاب ويضم لجان متعددة تتكفل كل واحدة منها بتحريك وجه من أوجه النشاط المطلوبة كتثقيف العشائر وتوعيتها وتعليمها الأحكام الشرعية والمخالفات التي يتورط بها البعض، وان تتخصص لجنة لمتابعة الحقوق
(١) أثمرت هذه الدعوة المخلصة عن إنشاء مجالس صحوة العشائر التي تصدت لمكافحة الإرهاب والقضاء على تنظيم القاعدة ودولتهم الإسلامية المزعومة.
٥٨
السياسية، وأخرى اجتماعية فتسعى في الإصلاح والتوفيق بين المتخاصمين وحل المشاكل وتقريب وجهات النظر وهكذا. ويحسن أن يكون المقر المركزي في النجف الأشرف لإعطائه زخما وقوة لاحتضان المرجعية له عن قرب ويقوم بمتابعات ميدانية في جميع المدن والقرى والأرياف.
لقد اعترف الأمريكان أنهم ارتكبوا آلاف الأخطاء في العراق، وكان منها إهمال دور العشائر (السنية والشيعية) والاستخفاف بها باعتبارها وضعاً منافياً للمجتمع المدني، وقد غفلوا عن حقيقة أن العشائر تنظيمات لها خصالها الكريمة ودورها المؤثر فهي مكون مهم للمجتمع المدني، وبسبب هذا الإهمال وغيره من الأسباب دفع الأمريكان والعراقيون هذه الأثمان الباهظة، وكان ظنهم أنهم قادرون على تحقيق مخططاتهم وانجاز مشروعهم بالعراقيين الذين جاؤوا بهم من الخارج ففشلوا هذا الفشل الذريع.
اهتمام المرجعية الرشيدة بالعشائر
لقد أصدرنا كتباً وخطابات، و سبقنا أستاذنا السيد الشهيد الصدر الثاني v بكتابه (فقه العشائر) وكلها تصلح أن تكون
٥٩
جزءا من هذه الحركة المباركة إذا نفِّذت ميدانيا .ومن الآليات التي أثبتت جدواها في مثل هذا المشروع تأسيس مواكب أو تشكيلات من الشباب الرسالي داخل كل عشيرة ليقوم بهذه النشاطات، وستنتج من مجموع هذه الحركة أجواء إيمانية واعية وقادرة على التأثير في مجمل الحياة في البلد، وستعرف القائمين على المشروع بأصحاب الكفاءات والقادرين على العطاء.
٦٠
الفصل السابع:مظاهر عشائرية خاطئة
٦١
عدم تزويج العلويات لغير السادة
بسمه تعالى: سماحة آية الله الشيخ الأجلّ محمد اليعقوبي K.
توجد فكرة خاطئة لدى بعض العشائر من السادة المنتسبين إلى رسول الله t وهي عدم تزويج بناتهم إلى غير السادة، حتى لو أدّى ذلك إلى تعطيل البنت وحرمانها من الزواج. وقد بالغ بعض السادة فمنعوا من تزويج بناتهم من سادة آخرين لا يرونهم بمستواهم، كما حصل لبعض السادة الياسريين؛ حيث استردّ ابنته كرهاً من زوجها
٦٢
الذي هو من سادة غيرهم، واعتبر ذلك الزواج غير شرعي (زنا) بنظره. وقد سرت هذه الفكرة إلى بعض العشائر من غير السادة أيضاً. فما أصل هذه الفكرة؟ وهل يوجد دليل يستند إليه هؤلاء؟ وما وجهة نظر الشريعة فيها ونحن نرى أنها تؤدي إلى ظلم المرأة وحرمانها من حق مهم من حقوقها؟.
بسمه تعالى:
معنى بنونا لبناتنا وبناتنا لبنونا
إذا أردنا أن نحسن الظن بهم فإن هؤلاء يستندون إلى قول منسوب للإمام أمير المؤمنين A حاصله: (بنونا لبناتنا وبناتنا لبنينا) وهو إن صحت نسبته إليه A، فلا يصلح أن يكون دليلاً على هذه الظاهرة السيئة لعدة أمور:
١- إنها كلمة خاصة في واقعة معينة ولا يستفاد منها التعميم؛ فقد خطب الأشعث بن قيس إلى أمير المؤمنين ابنته العقيلة زينب وهو يومئذ زعيم لقبيلة كبيرة وهي كندة ومن وجوه المجتمع الإسلامي، لكن أمير المؤمنين يعلم
٦٣
خبث معدنه فأراد أن يرده بلطف فقال هذه الكلمة.
٢- ويحتمل أنها خاصة ببناتهم وأبنائهم D المباشرين لا مطلق ذريتهم وإن ابتعدت عنهم.
٣- ويمكن فهم الكلمة معنوياً ففي الحديث الشريف: (يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة) ويكون معنى كلمته A أن أبناءنا المؤمنين يتزوجون بناتنا المؤمنات وبالعكس، ويؤيده في القرآن الكريم قوله تعالى حكاية عن إبراهيم [فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي] (إبراهيم:٣٦) وبالمقابل يقول عن ابن نوح [إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ] (هود:٤٦)، فالبنوّة الحقيقية هي الانتساب بالعقيدة والولاء. لذا روي عن الإمام الصادق A: (ولائي لعلي خيرٌ من ولادتي منه)، فيكون معنى الكلمة هو لزوم تزوج المؤمنين بالمؤمنات، ولا يجوز التزويج لغيرهم وهو معنى صحيح أكّدته آيات عديدة.
هذا إذا قلنا بصحة صدور هذه الكلمة منه A ولم نناقش فيه، باعتبار أنه قد ورد عنهم D أنه: إذا جاءكم الحديث عنا فاعرضوه على كتاب الله وسنة نبيه
٦٤
t فما خالفهما فإنه زخرف باطل لم نقله وارموا به عرض الجدار.
بطلان هذه الفكرة
وتوجد عدة أدلة على بطلان هذه الفكرة من الأساس هي:
أولاً: إن الميزان الحقيقي للتفضيل بين البشر هي التقوى. قال تعالى: [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ] (الحجرات:١٣) وقد رفع الإسلام سلمان الفارسي فجعله من أهل البيت، وبالمقابل أنزل سورة في القرآن تتلى إلى يوم القيامة في ذم ولعن أبي لهب عم رسول الله t.
ونفس رسول الله t يخاطبه القرآن: [لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ] (الزمر:٦٥) فشرفه بطاعته لله تبارك وتعالى.
وفي آية أخرى [وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ ، لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ](الحاقة: ٤٤-٤٦) وهو t يقول عن نفسه: (ولو عصيت لهويت) أي في نار جهنم. فالانتساب إلى رسول الله t وإن كان شرفاً في نفسه لا يدانيه شرف إلا أنه لا يكسب صاحبه مرتبة أعلى من غيره إلا بالتقوى.
٦٥
وقد وردت الأحاديث الشريفة في النكاح تشترط الدين والعقل في كفاءة الزوج (إذا رضيتم من الرجل عقله ودينه فزوجوه، إلاَّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، فهل يرضى رسول الله t لأولاده أن يخالفوا سنته ويتسببوا في الفتنة والفساد الكبير.ثانيا : إن رسول الله t وأهل بيته كذبوا هذه الفكرة عملياً؛ ففي الحديث عن الإمام الصادق A قال: (إن رسول الله t زوّج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب، وإنما زوّجه لتتضع (أي تتسهل وتتسامح) المناكح، وليتأسّوا برسول الله t وليعلموا [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ])(١). وكان الزبير أخا عبد الله وأبي طالب لأبيهما وأمهما.
ثالثاً: لقد ورد عن الإمام الصادق A استنكار هذه الفكرة بقوله (أتتكافأ دماؤكم ولا تتكافأ فروجكم) فإن العلوي إذا قتل غيره اقتصّ به منه، فإذا كانت دماؤهم متكافئة، فلماذا لا يتكافؤون بالتزويج.
(١) وسائل الشيعة: كتاب النكاح، أبواب: مقدماته وآدابه، باب ٢٦، ح١.
٦٦
رابعاً: قد جرت سيرة العلماء وهم ورثة الأنبياء والأئمة على تزويج العلويات من غير السادة، وقد دونت كتب التراجم والسير الكثير من هذه الحالات، حتى اشتهر عندهم لقب (الميرزا) لمن كانت أمّه علوية وإن لم يكن أبوه كذلك. فظهر من كل ما تقدم عدم وجود دليل على صحة هذه الفكرة، بل الدليل على خلافها من القرآن والسنة وسيرة العلماء. فما هو منشأ هذه الفكرة المخالفة للقرآن والسنة رسول الله t؟
منشأ هذه الفكرة
الذي أعتقده أن منشأ ذلك شعور بالعصبية الجاهلية وروح الاستعلاء وأن الآخرين هم أدنى مرتبة فلا يستحقون التزويج منهم، وإنما سمّيتها بالجاهلية لأن القرآن يسمي كل عقيدة أو سلوك بعيداً عن المنهج الالهي (جاهلية)، وقد كان قوم في الجاهلية لا يزوّجون نساءهم إلى غيرهم ويعتقدون بأفضليتهم على الناس ويسمون أنفسهم (الحمس)، وقد تسربت هذه الروح إلى المسلمين فكان العرب الفاتحون يرون أنفسهم أفضل من غير العرب فلا يزوّجونهم ويسمونهم (الموالي)، وقد شكى الموالي ذلك إلى أمير المؤمنين A
٦٧
فخرج إليهم وهو مغضب ووبخهم، لكنهم عصوا أمره وأصرّوا على استكبارهم.إن روح الاستعلاء هذه من نزعات الشيطان وتسويلات النفس الأمّارة بالسوء، فعلى الأخوة المؤمنين نبذها وتركها والاستنان بسنة رسول الله t، وإني أقول قولي هذا مراعاة لذرية الزهراء A، فقد بلغني أن الكثير من العلويات تعنس ويفوتها الزواج بسبب هذه الفكرة الظالمة، حيث ينهى عنها أولاد عمها ولا يتزوجونها، فيحرمونها من ممارسة حقها في الحياة كزوجة وكأم لأولاد يرعونها في الكبر، فلماذا هذا الظلم؟! ألم يعلموا أن الله يحشر الظالمين في سرادق من نار خاصة بهم.
لكي تنجح الحياة الزوجية
وأرى أن تزويج العلوية من غير العلوي سيضيف لها فرصاً أكبر لنجاح حياتهما الزوجية؛ لأن الزوج سيحفظ لها هذه القربى من رسول الله t وسيكرم مقامها ويرعاها أحسن رعاية، لأنها وفرت له فرصة مصاهرة رسول الله t والزهراء A وتسببت في انتساب ذريته إلى رسول الله (صلى الله عليه
٦٨
وآله وسلم) من جهة الأم، ولا يظلمها احتراماً لجدتها الزهراء A .فعلى الجميع أن يتعاونوا في القضاء على هذه الفكرة الجائرة التي استشرت في أوساط الكثير من عشائر السادة، بل بلغني أن بعض السادة (الياسريين) حرموا إحدى بناتهم من زوجها لأنه من سادة غيرهم، ويعتبرون بقائها معه (زنا) والعياذ بالله؟! وهذه جناية كبيرة أن يتكبر أحدهم حتى على أولاد عمه من ذرية رسول الله t، إنها (الجاهلية) تعود من جديد بشعارات دينية … فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون، وعودوا إلى كتاب ربكم وسنة نبيكم t، واستغفروا الله من ظلمكم للنساء؛ فإن رسول الله t أوصى بهن، وقال: اتقوا الله في الضعيفين - المرأة واليتيم- وفي حديث آخر ما أكرمهن الا كريم وما أهانهن إلا لئيم .
نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لطاعته ويدلنا على سبيل رضاه إنه ولي النعم.
محمد اليعقوبي
٢٢/صفر/١٤٢٢هـ الموافق ١٦/ ٥/ ٢٠٠١م
مواضيع مماثلة
» قانون العشائر ينافس القضاء بالعراق العشائر العراقية
» اصل بعض العشائر
» عرف العشائر
» نَخْوة العشائر
» الجواهنه للعزاوي
» اصل بعض العشائر
» عرف العشائر
» نَخْوة العشائر
» الجواهنه للعزاوي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:58 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ المرحوم عبد الهادي
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:53 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ شوقي البديري والاخ حمود كريم الركابي
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:51 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الاستاذ المخرج عزيز خيون البديري وعمامه البدير
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:48 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ صباح العوفي مع الشيخ عبد الامير التعيبان
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:45 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» الشيخ المرحوم محمد البريج
الخميس أكتوبر 03, 2024 3:41 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» جواد البولاني
الإثنين سبتمبر 23, 2024 10:13 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» المرحوم السيد هاشم محمد طاهر العوادي
الإثنين سبتمبر 23, 2024 10:03 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري
» رموز البدير
الجمعة سبتمبر 20, 2024 8:41 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري