موقع قبيلة البديرالعام للشيخ شوقي جبارالبديري


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

موقع قبيلة البديرالعام للشيخ شوقي جبارالبديري
موقع قبيلة البديرالعام للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
»  أشهر أقوال الفلاسفة في الحب
 قراءات في المدارس الفكرية التاريخية  نحو مدرسة عراقية تاريخية Emptyاليوم في 1:19 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

» المياسة والمقداد
 قراءات في المدارس الفكرية التاريخية  نحو مدرسة عراقية تاريخية Emptyاليوم في 1:14 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

»  قصص قديمه ومفيده المرآة_العجيبه
 قراءات في المدارس الفكرية التاريخية  نحو مدرسة عراقية تاريخية Emptyاليوم في 1:07 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

»  قصة (لا تقطع سبيل المعروف)
 قراءات في المدارس الفكرية التاريخية  نحو مدرسة عراقية تاريخية Emptyاليوم في 1:05 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

»  قصة_هزيمة_الشيطان
 قراءات في المدارس الفكرية التاريخية  نحو مدرسة عراقية تاريخية Emptyاليوم في 1:02 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

» اسباب الطلاق والعوامل السلبية - الشيخ فارس البديري واعطاء رأيه
 قراءات في المدارس الفكرية التاريخية  نحو مدرسة عراقية تاريخية Emptyاليوم في 6:50 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

» شيوخ عشائر قضاء آل بدير في الديوانيه نرفض الدگة العشائرية
 قراءات في المدارس الفكرية التاريخية  نحو مدرسة عراقية تاريخية Emptyاليوم في 6:45 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

»  حديث شيخ فارس البديري|في تشيع الشهداء بحيرة الثرثار ال بدير كوكبة من خيرة شبابنا الشيخ فارس البديري_ القناة
 قراءات في المدارس الفكرية التاريخية  نحو مدرسة عراقية تاريخية Emptyاليوم في 6:42 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

» لقطات للشيخ مهدي رحم الصكبان وهوسات فاتحة الشيخ عبد العزيز البدر
 قراءات في المدارس الفكرية التاريخية  نحو مدرسة عراقية تاريخية Emptyاليوم في 6:39 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

يونيو 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930

اليومية اليومية

التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



حول

مرحبا بكم فى منتدى موقع قبيلة البديرالعام للشيخ شوقي جبارالبديري

مرحبا بكم فى منتدى موقع قبيلة البديرالعام للشيخ شوقي جبارالبديري

قبيلة البدير من القبائل الزبيديه


قراءات في المدارس الفكرية التاريخية نحو مدرسة عراقية تاريخية

اذهب الى الأسفل

 قراءات في المدارس الفكرية التاريخية  نحو مدرسة عراقية تاريخية Empty قراءات في المدارس الفكرية التاريخية نحو مدرسة عراقية تاريخية

مُساهمة  الشيخ شوقي جبار البديري الأحد يونيو 09, 2024 6:03 am


قراءات في المدارس الفكرية التاريخية

نحو مدرسة عراقية تاريخية



الاستاذ الدكتور

ابراهيم سعيد البيضاني



هذه الورقة البحثية العلمية المتواضعة ليس ترف فكري او نشاط اعتيادي ، بل هو مشروع او بداية مشروع لتأسيس مدرسة تاريخية عراقية ، اذ انه في الوقت الذي يمتلك فيه العراق ارثا حضاريا وتاريخيا وقاعدة واسعة من المؤرخين في التاريخ الاسلامي والفكر الاسلامي ، نحن نتخبط هنا وهناك وليست لنا قواعد وسلوكيات وفكر تاريخي ، فضلا عن ان ما مر بنا من مخاطر وتحديات لعله يستفزنا ويحفزنا للتفكير والتساؤل هل ان دراسة التاريخ كانت سببا وراء ذلك الاخفاق ، وهل ان دراسة التاريخ تشكل قاعدة للتفكير والانطلاق بمشروع حضاري لمواجهة المخاطر .

لذلك فاني قبل ان اشرع بالحديث عن طبيعة وشكل الاسس التي تنطلق منها لتأسيس مدرسة عراقية لابد من تقديم قراءة لاهم المدارس الفكرية التاريخية العالمية ، واعتقد ان من المناسب عدم التشعب بالبحث ، وسأبدأ من القرن التاسع عشر ، وابدا من الاخير ، حتى اتمكن من مسك خيوط البحث ورسم التصورات المناسبة .

يوصف القرن الثامن عشر بانه عصر التنوير ، ويدور التفكير فيه حول الانسان ، وسادت فيه فلسفة عقلية تجريبية اهتمت بالرياضة والفلك والطبيعة والكيمياء والتاريخ الطبيعي والجغرافية والطب ، وهي فلسفة تؤمن بالتقدم وتسعى الى التجديد ، وكانت ردة فعل على سيطرة الكنيسة التي قتلت ومنعت روح الاجتهاد ورسخت فكرة عجز العقل البشري وضعف الارادة الانسانية ، وان الانسان بحاجة الى عقل اسمى من عقله وارادة اقوى من ارادته وهي العقل الالهي والارادة الالهية ، وفي القرن الثامن عشر اهتم بدراسة التاريخ على اسس من النقد والتحليل ، وظهرت حركة التنوير عند فولتير مثلا 1694-1778 بهدف انهاء العصر الديني في تاريخ البشرية ، وان فلسفة التاريخ لم تظهر بصورة واضحة الا في القرن الثامن عشر على يد فيكو ، اذ كان القرن الثامن عشر بداية التفكير الحر.[1]

منذ عام 1840 شرع لفيف من الاقتصاديين الالمان بجمع الوثائق والوقائع المتعلقة بالظواهر الاقتصادية ، ويؤكدون ان اي مذهب اجتماعي سيكون عديم الجدوى ما لم يستند الى دراسة لتطور الوثائق الاقتصادية ، وبالتالي فان هذه المدرسة اهتمت بالوقائع ومراقبتها بهدف الوصول الى معرفة البيانات المختفة للنظم الاقتصادية ، واكد فريدريك ليست 1789-1846 على الاقتصاد القوي ، وايد الحماية التجارية ، وانتقد مبادئ التجارة الحرة ، وجرى وفق لفريدريك ليست فقد صنف درجات التقدم من مجتمعات القنص الى الصيد والرعي والزراعة والصناعة وبعدها الزراعة والصناعة والتجارة .[2]

المدرسة الفكرية التاريخية العراقية (العربية)لابد ان تأخذ بما دعي اليه شمولر احد ابرز رواد المدرسة التاريخية الالمانية الثانية الذي اكد ان الاستنتاج والاستقراء هما ركني البحث العلمي ، فضلا عن ان ( فريدريك ليست ) من رواد المدرسة التاريخية الالمانية الاولى انطلق من سياسة اقتصادية لتطوير بلاده ، فان المؤرخ والمثقف العراقي عليه ان يحدد اولوياته ، واعتقد ان المشكلة تكمن في النظام السياسي .وعلى الرغم من ان مولر وريموند كانوا من السابقين من الكتاب في الاقتصاد القومي ، الا ان فريدريك ليست يعد مومنا بهذا الاتجاه ، وقد الف كتابا في سنة 1840 بعنوان النظام الاقتصادي للاقتصاد السياسي ، اكد فيه على الاهتمام بالصناعة الوطنية وانتقد اراء اصحاب التجارة الحرة لادم سمث .[3]

فالمدرسة الوضعية ظهرت في ظل الحركات القومية التي شهدتها أوروبا خلال القرن التاسع عشر٬ وخاصة في إطار الجمهورية الفرنسية الثالثة وعزمها على استعادة منطقة الألزاس واللورين وتدعيم برنامجها الاستعماري. لقد أفصح رائد المدرسة الوضعية بفرنسا المؤرخ مونود في البيان الذي نشره في 1876 بمناسبة صدور العدد الأول من “المجلة التاريخية” عن مبادئ المدرسة والتي تؤكد على فرض بحث علمي في التاريخ بعيد عن كل المزايدات الفلسفية ، وبلوغ الموضوعية المطلقة في مجال التاريخ ، وتطبيق تقنيات صارمة في جرد الوثائق ونقدها .

أن دراسة التاريخ تتم فقط بالاعتماد على الوثائق الرسمية المكتوبة ٬ وبالتركيز على الوقائع وتحقيقها٬ فمهمة المؤرخ الرئيسية هي تجميع الوثائق وصيانتها وحفظها في دور الأرشيف٬ فالمؤرخين الوضعانيين مجدوا العمل حول الوثائق .

واهتم المؤرخ الوضعاني بتحقيق تاريخ كتابة الوثيقة٬ ومكان كتابتها وطبيعتها٬ ومدى موضوعيتها وصدق معلوماتها ،ويقوم المؤرخ بتحليل محتوى الوثيقة٬ ونقدها نقدا إيجابيا ، فضلا عن ذلك حاولت المدرسة الوضعية البحث عن القوانين التي تتحكم في تطور الجنس البشري .

وان سمات الكتابة التاريخية الوضعية الاهتمام بالحدث والواقعة السياسية العسكرية والإدارية والدبلوماسية ، الاهتمام بالأحداث المنفردة المعزولة وذات التأثير القصير، والاعتماد على التفسير البسيط لسلوك الأفراد مهما كانوا ملوكا أو زعماء أو قادة ، فضلا عن استعمال السرد البسيط المتمثل في الرواية التي تغلب عليها الصبغة الدينية والأدبية ، والتركيز على الشخصيات البارزة واللامعة. والاستعمال المحدود للوثيقة واختزالها في الوثائق الرسمية والمكتوبة.

لذلك فاني انبه الى عدد من النقاط المهمة من هذه المدرسة ، اذ ان هناك حاجة سياسية قومية فرنسية على اثر هزيمة فرنسا امام بروسيا ، فوجدوا ان الخلل في دراسة التاريخ ، وثانيا هناك رواد للمدرسة الوضعية (مونود) ، فضلا عن سمات في طريقة التفكير والبحث وهناك مجلة (المجلة التاريخية).

المدرسة التاريخية الاخرى التي يمكن الاستفادة من اتجاهاتها وافكارها ، هي مدرسة الحوليات الفرنسية التي من ابرز روادها (لوسيا فيفر) و (مارك بلوخ) و (فرناند بروديل) ، اذ ان ابرز اتجاهات الدراسات التاريخية في مدرسة الحوليات في بداية النصف الاول من القرن العشرين هو انفتاح الدراسات التاريخية على العلوم الاخرى ، واخذت ابعادا سيوسيولوجية ولسانية وجغرافية وديمغرافية ، وتحول التاريخ الى دراسة كل ما له علاقة بالإنسان ، وتجاوز التاريخ السردي الى دراسة البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، فدراسة التاريخ لا تقتصر على دراسة الماضي وتحول اهتمام المؤرخين من دراسة الخاص الى دراسة العام ، ومن دراسة الجزء الى دراسة الكل ومن الاهتمام بالفرد الى دراسة المجتمع ، وهذا يتطلب اعتماد اسلوب التفكير القائم على التحليل الملموس للوقائع ودراسة البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الراهنة .

هناك ثلاثة مظاهر تعد علامات بارزة لوصف اي حقل معرفي ، اولهما تأكيد علمية حقول المعرفة تتخطى عتبة التبسيط الجامعي ، والمظهر الثاني هو ان التجديد الذي يشمل العلوم التقليدية او يخوض في مستوى اشكاليات البحث او على مستوى التعليم ، وثالثهما يتمثل في تداخل الاختصاصات وظهور علوم مركبة تجمع بين علمين في التسمية مثل التاريخ الاجتماعي او الديمقراطية التاريخية او الأنثروبولوجيا التاريخية. فضلا عن ذلك يحتل التاريخ موقعا متميزا في هذا الحقل المتجدد للعلوم ، وهناك تاريخ جديد كان اول رواده هنري بار الذي استخدم هذا المصطلح عام 1930 ، فقد اصبح التاريخ الجديد يتميز بخاصيتين الاولى في تجدده الكامل والثانية في تجذره في صلب تقاليد قديمة صلبة ، ومن رواده ايضا لوسيان فافر ومارك بلوخ وفرناد بروديل .[4]

ووفقا لمدرسة الحوليات الفرنسية لابد ان يكون التاريخ شموليا وكليا ، ويطالب بتغيير جذري في مجالاته ، فضلا عن انه يهتم بكل ما هو خاص بالمجتمع ،[5] وفي الوقت الذي نؤكد حاجة الاطار النظري للمدرسة العراقية الجديدة تحتاج الى اعادة مناهج قراءة ودراسة التاريخ في المدارس الاولية والثانوية ، فضلا عن تقديم قراءات ومحاور واليات مختلفة جديدة في تدريس التاريخ في الجامعات ، فان من المناسب ايلاء اهمية للدراسات العليا والبحث في موضوعات واثارة تحديات واشكاليات تاريخية يمكن الاجابة عنها من خلال الرسائل والاطاريح الجامعية .

وفي قراءة ومتابعة لكتاب مدرسة الحوليات الفرنسية وتجديد كتابة التاريخ .. ومحاولة للتأصيل في الفهم العراقي ، وقفت على عدد من المؤشرات في الاستفادة من تجربة الفرنسيين في كتابة التاريخ وفي توظيفه والاستفادة من دروسه ، وقد توقف الباحث عند عدد من الامثلة على ذلك ، اذ على اثر حرب المائة عام 1337-1453 مع انكلترا ، كانت تجربة جان دارك في استحضار روح الامة الفرنسية ، فضلا عن ان هزيمة الفرنسيين في حرب السبعين (1870) مع المانيا ، دفع المؤرخين الفرنسيين في البحث في اسباب الهزيمة ، وهم يعتقدون ان سبب هزيمة فرنسا لا تعود فقط الى اخطاء السياسيين والعسكرين ، بل تعود ايضا الى مناهج تدريس التاريخ والجغرافية في الجامعات ، واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان دراسة التاريخ في كل من فرنسا والعراق لها اهمية استثنائية وهما يميلان للتاريخ بشدة ويتعاطون معه ، وبالتالي فان الاستفادة ممكنة من التجارب الفرنسية في مجالات وضع الاطار النظري للمدارس الفكرية التاريخية ، وعلى الرغم من كل الجهود والمحاولات للمؤرخين العراقيين ، الا انه لا توجد مدرسة تاريخية عراقية .[6] وهذا بالتأكيد يحفزنا للتفكير في صياغة الاطار النظري لمدرسة فكرية تاريخية عراقية وعربية ، وما يعطينا مبرر لذلك هو ان التاريخ سلاح مهم يؤثر على النخبة العراقية ن زيادة على ان الصدمة التي نعيشها اليوم في العراق ، ويعيشها كل العرب تكون مدعاة للاهتمام والتفكير بان نبحث من بين الحلول في اسباب الفشل والتردي من خلال دراسة التاريخ .

ومن مدرسة الحوليات الفرنسية فنحن ملزمين بالوقوف امام عدد من الدروس والعبر ، فالتحدي الذي نعيشه واهمية دور التاريخ في حياتنا ، واهمية منهج ودراسة التاريخ ، زيادة على اهمية ودور النخبة من المؤرخين الذين يمكن ان يتصدوا لفكرة مدرسة تاريخية جديدة ، وتوفير الادوات التي تسهم في وضع الاطار النظري ، من مجلات وكتب وقراءات جديدة ومناهج بحث جديدة .

في مدرسة التقنيات يعتمد الفكر التاريخي الامريكي على نظرية تؤكد ان التقنيات هي التي تحرك التاريخ في القرن الحادي والعشرين ، ويعتقدون ان هذه التقنيات هي التي لعبت دورا محركا في الثورة المصرية ، كما كانت محركا لتطور الاحداث التاريخية منذ العصور القديمة ، فهي تسهم في صناعة التاريخ وتدفع الى حركته ، وان أي تقنية جديدة تفرض تغييرا في حركة الناس وحركة السلطة ، فهناك عصر الطباعة وعصر الصناعة وعصر القطارات وعصر الآلات البخارية وعصر الطاقة الذرية وعصر المعلوماتية ، واصبحت الصورة مؤثرة كما كانت الوثيقة ، وان التطور الرقمي والنقل الحي المباشر للأحداث اصبح حالة مؤثرة في الراي العام وخلق التوجهات ، وما يؤكد ذلك ان التكنولوجيا هي التي جعلت الولايات المتحدة تحسم الصراع لصالحها .

ويستدل اصحاب هذا الراي على ان التقنيات الحديثة لعبت دورا في نجاح الثورة المصرية ، وان التقنيات كانت محرك لتطور الاحداث التاريخية منذ العصور القديمة .

في حين ان مدرسة الاستشراق الامريكية التي تعد امتداد لمدرسة الاستشراق البريطانية والتي بدأت عمليا بعد الحرب العالمية الثانية ، فأنها ارتبطت مع المكانة الدولية للولايات المتحدة التي حلت محل بريطانيا ، لذلك فان الولايات المتحدة رات نفسها بحاجة الى متخصصين في شؤون الشرق الاوسط ، وانها بحاجة الى افتتاح اقسام للدراسات العربية الاسلامية ومراكز الدراسات العربية والاسلامية ، واهتمت هذه المدرسة بالأحوال الاقتصادية والسياسية للشرق واهتمت بالدراسات التاريخية الحديثة والمعاصرة ، مع اعطاء اولوية واهتمام بالدراسات الاجتماعية ، والتركيز على خدمة اهداف الامن القومي الامريكي وحماية اسرائيل وخدمة اهداف الحركة الصهيونية .

ومن مدرسة شيكاغو التاريخية نقف عند المؤرخ وليم ماكنيل الذي ينتمي الى مدرسة شيكاغو التاريخية وهو مؤلف كتاب صعود الغرب : تاريخ المجتمع البشري ، الذي صدر عام 1964 ، درس فيه التاريخ الكوني ، وكيف تكون العالم الراهن ، وانه في سياق حديثه عن الاسلام وانتشاره والحديث عن الحضارة الاسلامية وعوامل ازدهارها ، فانه توقف عند عامل كان وراء ضعف وجمود المجتمع الاسلامي ، وكان يرى ان مرد ذلك يعود الى الصراع السني الشيعي ، ويقصد الصراع بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية ، وبالتالي فانه وضع يده على مسالة مهمة نعيشها اليوم في اطار البلد الواحد ، وحجم تأثير الصراع الطائفي على مستقبل العراق ، فضلا عن الصراع الاقليمي الذي يأخذ هوية طائفية ، فالتنافس التركي الايراني والتنافس السعودي الايراني ، والتنافس المصري الايراني والصراعات والخلافات السعودية العراقية ، فأنها ان كانت وراء الجمود والتخلف في وقت سابق ، فأنها ستكون عاملا اساسيا وراء السقوط النهائي والانهيار.



اسس انطلاق المدرسة التاريخية العراقية

لذلك وانطلاقا من هذه القراءات للمدارس التاريخية العالمية ، نقول ان هناك عوامل مشتركة وعناصر اساسية لاي تفكير نحو اقامة مدرسة او قراءة تاريخية جديدة او وضع اطار نظري ، فالعامل الاول يتمثل في وجود تحدي خطير يحفز ويعطي مبرر ويؤكد ضرورة التفكير بطريقة جديدة ، اذ ان ظهور المدارس التاريخية كان نتيجة او استجابة لحاجات بناء الدول والتحديات التي تواجهها ، مثلما ظهرت المدرسة الوضعية التي كانت استجابة للحركات القومية وفي ظل الجمهورية الفرنسية الثالثة ، والمدارس الفكرية الامريكية وخاصة مدرسة الاستشراق الامريكية جاءت استجابة لمكانة الولايات المتحدة الدولية ، لذلك فنحن في العراق والوطن العربي لابد ان تكون الاحداث التي عاشتها الامة العربية والتي عاشها العراق منذ ما اطلق علية ربيع الثورات العربية وطيلة مرحلة التحول الخطيرة تشكل التحدي الاكبر الذي يدفع المؤرخين للتفكير في اطار نظري وفكري يحدد اتجاهاتنا وحاجاتنا ، ولعل العراقي الذي عاش تحدي الارهاب والقاعدة وداعش الذي تصاعد بشكل خطير عام 2014 ليشكل اطارا لانطلاقة فكرية متطورة .فضلا عن ان التراجع الذي اصاب بلداننا ، وفي الوقت الذي تعيش فيه الدول الاوربية والامريكية والدول المتقدمة تطورا هائلا في ميادين المعرفة والادارة والاستقرار ، نعيش نحن في ازمات الفقر والعوز والفساد والتردي ، وهذا لوحده يشكل التحدي الاكبر.

والعامل الثاني المشترك من دراسة التجارب العالمية الفكرية والذي يشكل منطلقا في وضع اطار نظري لمدرسة عراقية تاريخية انه لابد ان يكون هناك عدد من المؤرخين المتصدين والمبادرين للتفكير بذلك ، فان المدارس الفكرية التاريخية العالمية لها روادها ومفكريها .وبالتالي لابد من رواد ومتصدين . والعامل الثالث هو امتلاك ادوات العمل والتفكير ، من خلال اصدار مجلات تاريخية واصدارات وتأليف كتب تعني بهذا الفكر وهذه التوجهات الجديدة ، وبالتالي نكون قادرين على الانطلاق نحو صياغة هوية او مفاهيم لهذه المدرسة بناء الى حاجتنا ، وضع وصياغة الاطار النظري .

لذلك فان المنطلق الاول الذي نبدأ فيه كمؤرخين عراقيين لتأسيس المدرسة التاريخية العراقية يتطلب دراسة علمية دقيقة للمدارس التاريخية الفكرية العالمية والاستفادة من اتجاهاتها وتجاربها وطريقة تفكيرها ، من خلال ذلك نقدم رؤيا وقراءة لما نريد وكيف نفكر.

فضلا عن ذلك فان الانطلاق نحو مدرسة تاريخية عراقية يتطلب دراسة علمية واقعية جريئة لتاريخ العراق والوطن العربي خلال المائة عام الماضية التي تشكلت فيها الدول العربية الحديثة والوقوف على اهم المحركات للواقع العراقي والعربي ، وتشخيص عوامل الضعف التي كانت وراء الفشل من خلال تقييم موضوعي جرئ وعلمي .

يمكن ان نؤسس انطلاقا من هذه الرؤية مدرسة تحليلية فكرية تعالج الصراعات الطائفية السنية الشيعية الاقليمية الجديدة التي ظهرت في مطلع الالفية الثالثة ، ونحتاج الى وصف دقيق وموضوعي لطبيعة الصراع وانعكاساته ، والبحث عن اليات للتوافق والمصالح المشتركة . فالمؤرخ العراقي عليه كتابة تاريخه الحاضر ليبني للاجيال المستقبلية حياة جديدة تحقق لهم الوحدة والانسجام والهوية والمصلحة المشتركة .

والاطار النظري للمدرسة التاريخية الجديدة ينطلق من اعتماد التحليل الدقيق للواقع واعتماد دراسات شمولية تغطي وتقرا مرحلة تاريخية ذات بعد واسع ، وعلى المؤرخ العراقي او العربي ان يحدد لنفسه دور ومشاركة واداء ايجابي لخدمة مجتمعة ، ويبحث عن اليات لتطور واقع امته ان يطلق العنان لعقله في التفكير والاستنتاج واستخلاص الدروس والعبر من دراساته التاريخية ، ويفسر الاحداث والاسباب ويحدد الثغرات ونقاط الضعف واسباب تدهور امته .والتخلي عن بعض الاليات الشكلية المنهجية في البحث التاريخي واعطاء فسحة من البحث للحوار واستنباط الاحكام ، اذ ان المؤرخ الذي وصل الى درجة علمية تؤهله لإعطاء الراي والاستنباط مطالب بان يخوض في ذلك .بل يمكن القول ان التحليل على الرغم من اهميته اصبح لوحده لا يحقق النتائج المطلوبة ، اذ لابد من استقرار من استقراء المستقبل والتنبؤ بحركة المجتمع وحركة الحياة ، ووضع السيناريوهات المناسبة للأحداث والتحديات المتوقعة ، فضلا عن ذلك نحن بحاجة الى ذكاء تحليلي ولقواعد سلوكية ، وتعد التربية مرتكز للبحث التاريخي تحتاج الى اجواء اخلاقية .[7]

ان الكتابة التاريخية تضع في الحسبان ان الحقائق المكتوبة ليست هي كل الحقائق النهائية ، لان هناك ما هو دفين ، تمنع ظهوره عوامل واعتبارات مختلفة ، لذلك فان من واجب المؤرخ البحث والتقصي والوصول الى المخفي من التاريخ من خلال الاستقصاء والتحليل والاستدلال.[8]

نحن مطالبون الخوض في تقديم قراءات استشرافية للمستقبل ، وان اول ما تفتضيه البحوث الاستشرافية وجود نظرية شمولية قادرة على دراسة وفهم الماضي وتفسير حركته ، وان تكون النظرية ذات بعدا ايديولوجيا ، فضلا عن اهمية توفر دراسات علمية حول الواقع ونشوئه وتطوره التاريخي ، زيادة على ضرورة وجود نماذج ممكنة تلائم الواقع ومتصلة بمواقفه .[9]

واذا اردنا ان نثور او ننتفض على اي قيم وتقاليد واطار نظري فكري تاريخي ،هل نحن نعمل وفق منهج محدد ، ام اننا نسعى لتأسيس منهج ، فالتاريخ الجديد نشا في اطار ثورة على التاريخ الوصفي الذي ساد خلال القرن التاسع عشر ، وفيه يجب ان يكون هناك تصور جديد للوثيقة ونقدها ، وبالتالي فقد توفرت قاعدة منهجية واليات جامعية .[10] واعتقد ان الوثيقة ستحتفظ بأهميتها العلمية في المدرسة التاريخية الجديدة ، اذ لم تستغن عنها المدرسة الوضعية او مدرسة الحوليات الفرنسية ، وفي دراساتنا الحديثة والمعاصرة لا تزال الوثيقة تشكل اهمية كبيرة في البحث التاريخي ، اذ اخذت الوثائق الامريكية والبريطانية فضلا عن الوثيقة المحلية مساحة كبيرة من الاهتمام في الدراسات التاريخية ، وبالتالي فنحن امام اهتمام اكبر في التدقيق والتمحيص والتحليل للوثائق ، بل لابد من الخوض في قراءة تفكير ودوافع صانع هذه الوثيقة وصاحب القرار الذي وراءها ، فضلا عن اهمية تصنيف وحفظ وارشفة الوثائق المحلية ، لما لها من اهمية في دراسة الوقائع .

والحاجة تدعو الى امكانيات وقدرات عالية في تشخيص المشكلات والمحركات الرئيسية للواقع العراقي والعربي ، اذ ان التشخيص العلمي الدقيق يكون مفتاحا لكل الخطوات المقبلة والمكملة وصولا لتقديم قراءات ووضع مسارات فكرية علمية تاريخية . وان يجيب المؤرخ عن اسئلة واشكاليات مجتمعية ويضع تصوراته وقراءاته امام النخب الثقافية والعلمية والسياسية بهدف المساعدة في التطوير والانضاج وخلق مناخ علمي تفاعلي يسترشد به المعنيين .

ان خطوات المنهج العلمي لمدرسة تاريخية جديدة تركز على الملاحظة الدقيقة لمحركات الواقع العراقي والواقع العربي ، والخوض في الوصف والتحليل ، فضلا عن اهمية وضع المعايير العلمية للبحث العلمي التاريخي الجديد ، والبحث في استشراف ابعاد وافاق المستقبل والتفكير بالبدائل والضمانات ودراسة التفاعلات والعلاقات ، والوقوف بشكل دقيق على المصالح والمشتركات من جهة وعلى عوامل واسباب الصراع والتناقض من جهة ثانية .[11]

وانطلاقا من رؤيا قدمها هربرت شنيدر في كتابه تاريخ الفلسفة الامريكية يمكن ان اركز على جملة من الافكار المهمة في اطار البحث عن مساحة من الوعي والفكر لتأسيس المدرسة التاريخية العراقية ، اذ ان معرفة الظروف كما هي يعد الاساس الوحيد المتين للمشاركة والاتصال ، وهذا يعني دراسة الواقع دراسة حقيقية موضوعية واعطاء الوصف بكل موضوعية وصدق ، ليشكل ذلك الارضية المناسبة للانطلاق بمشروع جديد يؤسس لفكر وقيم واتجاهات .

وعلى الرغم من ان الكتابة التاريخية هي جزء من الموروث الثقافي والحضاري لأي مجتمع خلال الحقبة التاريخية مجال البحث ، الا انه من المفروض ان لا تكون انعكاس لإفرازات ونتائج للمرحلة التاريخية بكل سلبياتها وقصورها ، بل ان تكون مرتكز للتحدي وللتنبيه والتركيز ورسم الاتجاهات الفكرية والثقافية وخلق المناخات الايجابية لنمو السلوكيات والافكار والابداعات . نحن بحاجة الى عصر جديد يسوده الفكر والفلسفة والجرأة في التفكير وخوض غمار مرحلة تحدي فكري وقيمي جديدة لمواجهة التحديات الخطيرة التي تمس جوهر الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، بل تمس الوجود الانساني .

في الوقت الذي نحتاج فيه الى صياغات وافكار وفلسفات متقدمة نافذة في المجتمع ، الا انه في الوقت نفسه نحتاج الى وضوح وافكار نسترشد بها يمكن ان يتعامل معها الافراد وعموم المجتمع ، فالتوفيق بين الوضوح والواقعية من جهة وبين الفلسفة والفكر الثاقب يعد امر ضروري ومهم .[12]

ان كل ثقافة او ميدان معرفي يشكل صورة معينة عن الواقع ، فالتصور لا يعدو كونه اكثر من وجهة نظر او زاوية ، فالتصورات وجهات او زوايا نظر ، وان عدم امتلاك تصورات تعبر عن الحاجات النفسية والاجتماعية يخلق حالة شعور بعدم الامان وعدم الرضى عن النفس ، في حين ان امتلاك تصور للعالم يمنح الشعور بالانتماء الى مجتمع عبر الانتماء الى تصوراته الثقافية .[13] لذلك هذا يؤكد اهمية دراسة الواقع وامتلاك رؤيا فلسفية لتشخيص عوامله ومحركاته ، لتشكل ارضية لرسم مستقبله ومواجهة التحديات ولوضع الحلول .

الديمقراطية هي قدرة التجربة الانسانية على خلق الاهداف والمناهج التي تنمو بها تجربة ابعد واغنى ، وهي الايمان بان عمل التجربة اهم من اي شي ، والتجربة هي التفاعل الحر للكائنات الانسانية الفردية مع الظروف المحيطة .[14] ويبدو ان كل التجارب والحكومات السياسية التي ادارت دفة الحكم منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 حتى اليوم لم تقلح في خلق اجواء ديمقراطية حقيقية تفضي الى استقرار وخلق مناخات لأطلاق الافكار والابداع ، لذلك فان السلطة والثروة هي المحرك في تفسير كل حدث وكل قضية ، وبالتالي ضاعت على العراق امكانية تأسيس تجربة انسانية حقيقية .وفي هذا القدر نفسه الذي فشلت فيه النخبة الحاكمة ، فان المعارضة السياسية هي الاخرى لم ترتقي الى مستوى مناسب من الاداء الذي يسهم في بناء مناخات ايجابية ، وكانت تبالغ في مطالبها ، وتعرقل الخطوات التي كان ن الممكن ان تنفذ بالتدريج ، وتخلق اجواء من الصراع والاضطراب ، وهي الاخرى فشلت في صياغة الفكر والفلسفة للحكم والادارة .

والمشروع الفكري التاريخي الجديد ينطلق من استيعاب التقنيات العلمية في البحث العلمي ومعاييره العالمية من جهة ، ويضع نصب عينه تأثير التكنولوجيا وعصر المعلومات والمعرفة في مجرى تكوين عناصر الدفاع والقوة في مواجهة التحديات ، اذ لابد ان نبدأ من حيث انتهى العالم ، ان نبدأ من ادراك اهمية ودور المعرفة وعصر المعرفة في الشخصية وفي ادارة الدولة والحكم الرشيد وفي التفكير .اذ ان من المؤكد ان عدم امتلاك المعرفة وغياب التعامل مع التكنولوجيا كان احد اهم الاسباب وراء تراجع الامة وضعف دورها وعدم تقدمها .

فضلا عن ذلك ان استكمال صياغة الاطار النظري للمدرسة التاريخية الجديدة بحاجة الى هوية وطنية ، و بناء وامتلاك عناصر القوة القادرة على تنفيذ برنامج اصلاحي كبير ، فالتشظي والهويات الصغيرة والتناقض والاختلاف لا يمكن ان توفر فرصة امتلاك عناصر وشروط النهضة والقدرة على مواجهة التحديات ، فالدولة الوطنية يجب ان تمتلك اقتصاد قوي وخطط للتنشئة الاجتماعية والبناء الثقافي والانساني والمجتمعي للإنسان العراقي والعربي ، فالاطار النظري يدعونا الى ان نضع في الحسبان الحاجة الى اعتماد قيم ثقافية واقتصادية وسياسية ومعنوية تعزز الهوية الوطنية والمصلحة الوطنية .

واستلهاما من نهج واراء فريدريك ليست مؤسس المدرسة التاريخية التي تقوم على الاقتصاد القومي وجاءت ردا على اراء ادم سمث التي تقوم على الاقتصاد الحر والتجارة الحرة ، اذ اكد ليست على الاقتصاد القومي .[15]

تعود العقل البشري على نفي ذاته من اجل خلق ذاته ، وهي ما توصف بانها عمليات النفي الايجابية ، نفي الجهل لبناء المعرفة ، ثم تحويلها الى جهل عبر اكتشاف جديد من خلال التفاعل مع الطبيعة ومع الاخرين ، اذ ان العقل البشري نشاط فعال يكشف ويجد الاشياء والحلول ويدعو الى التغيير ، ولابد ان تتحول الافكار والنظريات العلمية والفلسفية او العلوم الاخرى الى تصورات مهيمنة مؤثرة على باقي اشكال الثقافة المحلية والعالمية ، فالثقافة العلمية التي نتطلع اليها هي نظريات او نظرية تصف وتفسر العالم بهدف فرض وخلق ثقافة سائدة لنفسها ، وبالتالي فهي رؤية وتصور للإنسان والعالم ، وصولا لتقديم تصور علمي يترجم الوضع المعاصر للمعرفة العلمية ، انه حسب وجهة نظر (دافيد نوغل) ليس هناك ما هو اعمق او اقوى من شكل ومحتوى وعي الانسان وتفسيره الاساسي لطبيعة الاشياء .[16]ومن خلال حالة الوعي وتفسير الاشياء يمكن ان نحدد طريقة التفكير ونسك بخيوط الاطار النظري لمدرسة فكرية تاريخية .

نحن بحاجة الى كتابات ونظريات تستند وترتكز عليها الاسس الجديدة المدرسة التاريخية العراقية ، فضلا عن ان تجارب المدارس التاريخية الفكرية التي سبقتها كالمدرسة الالمانية اهتمت في مسالة طرائق البحث ، كالاستنباط والاستنتاج والاستقراء ، ونحن بحاجة الى اكتشاف قوانين اجتماعية وتاريخية يمكن ان تكون قوانين متحركة للتطور . زيادة على ذلك فان المدرسة التاريخية العراقية تتطلب دراسة اسباب الهزائم العسكرية القومية والوطنية ، واسباب فشل بناء منظومة واليات العمل السياسي وغياب الحكم الرشيد ، وغياب المشاركة والوعي .

من المؤكد القول ان النخبة التي تتصدى للعملية السياسية والتي تتولى الحكم هي مع بيئتها ومع كل الظروف التي ساهت في صيرورتها تتحمل المسؤولية التاريخية في الفشل في خلق دول مؤسسات وبناء حكم رشيد ، اذ ان الصيرورة التاريخية تتشكل بحسب طبيعة التجربة البشرية ، وان الانسان هو صاحب الكلمة النهائية في تكوين الحدث ، وان الجماعة البشرية هي التي تصنع تاريخها من خلال تأثير عاملين اساسيين في التكوين الاجتماعي وهما البيئة الاجتماعية وما يطلق عليهم الابطال او الطليعة الرائدة .[17]لذلك تبرز الحاجة الى خلق بيئة اجتماعية تساعد في بناء منظمة سياسية حقيقية وفاعلة وايجابية ، زيادة على ذلك فان المؤسسات السياسية العربية عموما تحتاج الى ابطال ونخب فذة وطنية ومقتدرة تضع على سلم اولوياتها المصلحة الوطنية العليا .وليس دكتاتوريات او انظمة قبلية بعيدة عن امال شعوبها .

الاطار النظري لمدرسة تاريخية يحتاج الى كتابات جديدة جريئة تحدد اطار فكري فلسفي جديد يحدد المشكلات والاشكاليات التاريخية ، لذلك فان المهم وجود من يتصدى ويتقدم الصفوف بجراة وقوة للخوض في غمار البحث التاريخي الجديد .

ان فهم مسارات السياسة الدولية والعوامل التي تتحكم بمساراتها ، ومعرفة جوانب الخلاف والصراع والمصالح لكل طرف من الاطراف المحركة للسياسة الدولية كفيل بان يجلعنا قادرين على تحديد موقفنا ورسم سياستنا وخيارتنا ، فنحن ضحية مصالح واجندات دولية كانت لها التأثيرات السلبية الكبيرة على حياتنا ، فضلا عن فشلنا في التعامل مع العوامل الدولية والاقليمية ، مع الاعتراف بغياب بالدور والارادة الوطنية ، كلها عوامل جعلا منا ضحية عوامل واجندات ومصالح متناقضة ، لم تراعي ابدا مصالحنا .

في عام 2008 وقعت حادثتان مهمتان عدت مؤشر ينذر بنهاية النظام العالمي الجديد الذي تهيمن فيه القوة العالمية والاقتصادية الامريكية ، ففي اب 2008 شنت روسيا حرب وهجوم على جورجيا ، اذ كانت هذه الجمهورية السوفياتية سابقا محط اهتمام الامريكان ، ويعد جيشها المدرب والمسلح من الولايات المتحدة ومن اسرائيل ثالث اكبر الجيوش التي شاركت بحرب العراق ، وكان الرئيس الجورجي يسعى لانضمام بلاده الى حلف شمال الاطلسي ، فكان الصراع الروسي الجورجي في المنطقة المتنازع عليها (باوسيتيا) نقطة تحول دولية ، تحدت فيها روسيا الولايات المتحدة وقوضت سيطرتها العسكرية ، والحادثة الثانية التي حدثت بعد ثلاث اسابيع من الاولى كانت قد هددت صلب المنظومة المالية الاقتصادية للولايات المتحدة ، اذ انهار رابع اكبر مصرف استثماري في الولايات المتحدة وهو افلاس مصرف ليمان براذرز فاغرق العالم الغربي في ازمة تعد اخطر ازمة بعد ازمة عام 1929 المالية العالمية .[18]

فضلا عن ذلك فان هناك حقيقة قد تجسدت بشكل واقعي على الارض ان القوى الغربية الكبرى والولايات المتحدة لم تكن تصلح لان تكون حليف استراتيجي يحقق للعرب امالهم وطموحاتهم وتضعهم على مسار التقدم ، وبالتالي فأننا امام مفترق طرق في تحديد سياستنا الخارجية ، فأما ان نتمكن من اقناع او اجبار الولايات المتحدة على تعديل مسارات سياستها نحو افاق تعاون بناء مثمر يحقق الامن والاستقرار يمنح الفرصة للعمل والابداع والعطاء والبناء ، او نحدد خياراتنا في التحالف مع روسيا وفق رؤيا وفلسفة تحقق مصالح الطرفين من جهة وتدفع العالم الى افاق مراحل جديدة من التعايش والامان والعلاقات الودية ، وسيادة التوازن الدولي وتامين مصالح الحليف الاستراتيجي (روسيا) من جهة ومصالحنا الاستراتيجية من جهة اخرى ، بل ان من مصلحتنا ان نخلق عالم متعدد الاقطاب يحقق التوازن والسلام ، وبالتالي فان المؤرخ مطالب بقراءة التطورات والسياسات في مجال فهم مسارات السياسة الدولية وانعكاسها على الامن القومي العربي .

على الامة ان تبحث عن ضمانات اكيدة تمنحها قدرة للدفاع في مواجهة المخاطر ، او تكون ضماناتها في تحقيق الامن والاستقرار والتطور ، ولعل ابرز المؤسسات الضامنة الحكم الرشيد والمؤسسة العسكرية المهنية والمرجعيات الدينية والمجتمع المدني ، او اي خيار اخر يمنح الامة قدرة الصمود وقدرة المواجهة والبناء .

البحث في جذور ومسببات العنف وزيادة مساحة استخدامه في التعامل مع الخلافات السياسية والدينية ، والبحث عن عناصر مشتركة توحد الامة وتمنع او تحد من استخدام العنف والتعصب والاقصاء في الحياة الاجتماعية والسياسية ، نحن بحاجة الى تعزيز وترسيخ الهوية الوطنية الجامعة .

الحروب والصراعات سواء كانت على صعيد القضية الفلسطينية او على صعيد القضية الكردية او الحروب غير المبررة القت بضلالها على الداخل العراقي من حيث وجود الخطر الخارجي او الازمة الداخلية ، وما افرزته من خلافات ووجهات نظر وولاءات مختلفة عرقلت او منعت تحقيق التوافق الوطني والانسجام الداخلي ، بل ادت الى تفتيت وضياع الجهود .

ومن ذلك نخلص الى القول ان المدرسة التاريخية العراقية الجديدة ، انها مدرسة فكرية تمتلك اطار نظري وفلسفة وهوية ، وهي مدرسة تحليلية واقعية استقرائية ، ينبثق اطارها النظري من خلال دراسة تاريخ العراق وتاريخ الوطن العربي والعلاقات الدولية خلال المائة عام لوضع اطار نظري لها ينطلق من دراسة التاريخ وفقا للمحاور التالية :

قراءات في المدارس التاريخية العلمية العالمية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين .
دراسة واعادة تقييم لمناهج لبحث التاريخي للمؤرخين العراقيين والعرب الرواد والجيل اللاحق لهم دراسة علمية منهجية دقيقة .
دراسة واعادة تقييم وبحث للدراسات التاريخية لتاريخ العراق المعاصر منذ الحرب العالمية حتى الوقت الحاضر .
وضع اطار نظري فكري لمدرسة عراقية عربية على ضوء الواقع وعلى ضوء التجارب العالمية .








[1] عطيات محمد ابو السعود ، فلسفة التاريخ عند جامبا تيستا فيكو ، دار التنوير للطباعة وانشر والتوزيع ، (بيروت 2006) ،ص/20.

[2] طارق يوسف العزاوي ، تاريخ المجتمعات ومدارس الفكر الاقتصادي ، دار البرهان ، ط/1 ، (بغداد 2014) ،ص/14 .

[3] المصدر نفســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه ، ص/204 .

[4] جاك لوغوف ، التاريخ الجديد ، ترجمة محمد الطاهر المنصوري ، (بيروت المنظمة العربية للترجمة ، 2007) ،76-77.

[5] المصدر نفســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه ،81

[6] محمود عبدالواحد محمود ، مدرسة الحوليات الفرنسية وتجديد كتابة التاريخ : محاولة للتأصيل في الفهم العراقي ،(بغداد ، دار ومكتبة عدنان 2013) 17-25.

[7] هربرت شنيدر ، تاريخ الفلسفة الامريكية ، ترجمة محمد فتحي الشنيطي ، مكتبة النهضة المصرية ، (القاهرة 1964)، 407.

[8] باسم سلمان محمود ، الكتابة التاريخية في القرن السادس الهجري في بغداد ، دار الكتب العلمية ، (بغداد 2013) ، 68.

[9] عبدالباسط عبدالمعطي ، البحث الاجتماعي ، محاولة نمو رؤية نقدية لمنهجه وابعاده ، دار المعرفة الجامعية 1985، 132.

[10] جاك لوغوف ، المصدر السابق ، التاريخ الجديد ،81

[11] عبدالباسط عبدالمعطي ، البحث الاجتماعي ، محاولة نمو رؤية نقدية لمنهجه وابعاده ، دار المعرفة الجامعية 1985، ص/128.

[12] هربرت شنيدر ، المصدر السابق ، تاريخ الفلسفة الامريكية ، 406.

[13] يوسف تيبس ، التصورات العلمية للعالم .. قضايا واتجاهات في فلسفة العلم المعاصرة ، ابن النديم للنشر والتوزيع ، ودار الروافد الثقافية /ناشرون ، ط/1 ، (الجزائر ، بيروت 2014) ، 31 .

[14] هربرت شنيدر ، المصدر السابق ، تاريخ الفلسفة الامريكية ، 410.

[15] طارق يوسف العزاوي ، تاريخ المجتمعات ومدارس الفكر الاقتصادي ، دار البرهان ، ط/1 ، (بغداد 2014) ،ص/205 .

[16] يوسف تيبس ، التصورات العلمية للعالم .. قضايا واتجاهات في فلسفة العلم المعاصرة ، ابن النديم للنشر والتوزيع ، ودار الروافد الثقافية /ناشرون ،ط/1 ، (الجزائر ، بيروت 2014) ،ص/27-31 .

[17] صائب عبدالحميد ، فلسفة التاريخ في الفكر الاسلامي : دراسة مقارنة بالمدارس الغربية الحديثة والمعاصرة ، دار الهادي ، 601.

[18] شيموس مين ، انتقام التاريخ ، معركة القرن الحادي والعشرين ، ترجمة اميرة المصري ، دار التنوير للطباعة والنشر ، ط/1 ، (بيروت 2014) ، 6 .
الشيخ شوقي جبار البديري
الشيخ شوقي جبار البديري

عدد المساهمات : 5126
تاريخ التسجيل : 04/04/2012
العمر : 59
الموقع : قبيلة البدير للشيخ شوقي البديري

https://shawki909.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى