فلسفة العدالة الاجتماعية عند الامام علي عليه السلام

فلسفة العدالة الاجتماعية عند الامام علي عليه السلام

عباس عبد الرزاق الصباغ
مــقالات ٢٩/٠١/٢٠٠٩ الخميس ٠٣/صفر/١٤٣٠ هجري
فلسفة العدالة الاجتماعية عند الامام علي بن ابي طالب عليه السلام عباس عبد الرزاق الصباغ a1_1964@yahoo.comالكثير من عظماء التأريخ ومشاهيره من الممكن اجمال سيرهم وتفاصيل حياتهم ونشاطاتهم واستقصاؤها وتحليلها واستنباطها واستنتاج الدروس والعبر والحكم والمثل والمبادئ للوصول الى محصلة تعطي بصمة واضحة تدل بجلاء على ما تركه هؤلاء الافذاذ من آثار سيما اولئك الذين خدموا البشرية في مجالات الخير واعطوها عصارة شبابهم ونتاج افكارهم ...ولكن الحديث يطول ويطول ويمتد الى مالا نهاية وهو ذو شجون عن رجل اقل مايمكن ان يقال عنه كجزء من خصائصه التي لا تعد ولا تحصى ويكاد ان يكون مستحيلا ... يقال عنه انه مؤسس فلسفة العدالة الاجتماعية في الاسلام وهو الرائد الاول لها كما هو الرائد الاول في جميع العلوم والمعارف والميادين والساحات التي شهدت ملامح عبقريته والمعيته وشجاعته وزهده وعلمه وحلمه وتفوقه على سواه وتفرده على غيره في كل شيء ...وفي هذا المجال (العدالة الاجتماعية) اصبح امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) الاول من يشار اليه بالبنان و يطأطئ امام عظمة مبادئه الاجتماعية المشرعون والفلاسفة ومقننو حقوق الانسان ومؤسسو المواثيق الدولية التي تحث على صيانة كرامة الانسان وحياته ..بحيث صار كل هؤلاء عيالا عليه كما صار غيرهم عيالا عليه كذلك وفي كل المجالات والاختصاصات ولم يحتج (عليه السلام) الى احد في حياته وبعد مماته في حين احتاج الكل اليه في كل حين الى يومنا هذا وسيستمر احتياج البشرية كلها اليه الى ان تقوم الساعة ولا داعي للتذكير باحتياج الخلق اليه يوم القيامة فهو قسيم الجنة والنار يومئذ ....فكما ادهشت سيرته الشريفة العقول في كل المناحي وفي كل منحى يحتاج الى جهد شمولي وموسوعي للاحاطة به ولو الماما فقد ادهشت تلك السيرة الباحث المجد واصابته بالحيرة الشديدة اذ من اين يبدأ والى اين ينتهي وفي عند اي يتوقف؟ وهو الذي ملأ جزء من مناقبه الخافقين وسارت به الركبان فلم يحصل في التأريخ اطلاقا ان يساوي الحاكم الذي بيده مقاليد الامور نفسه بالرعية التي يحكمها بل ويساوي نفسه باقل الناس فقرا ومسكنة وعوزا وفاقة في الدولة التي يحكمها ومن المعروف ان الدولة التي كان الامام علي بن ابي طالب يتولى شؤون ادارتها كانت تترامى اطرافها على رقعة جغرافية تمتد الآن لاكثر من خمسين دولة مؤلفة اكبر امبراطورية في التاريخ واكثرها اتساعا واعظمها قوة في الوقت الذي كان امام المتقين(عليه السلام) وهو حاكم هذه الامبراطرية يمشي في اسواق الكوفة وهي العاصمة آنذاك لابسا ثوبا هو اقل قيمة من ثوب خادمه قنبر(رضي الله عنه) الذي كان بالتالي ثوبه اقل من درهم واحد!!! مساويا نفسه الشريفة بالجمهور العريض من الفقراء والمساكين والمحتاجين وابناء السبيل والمغرمين والايتام و الارامل وفي الرقاب وقد كانت الاموال تجبى اليه من المشرق والمغرب ...كان (عليه السلام) يسير ولا يكاد يعرفه احد ليس نكرانا لشخصه وهو امير المؤمنين بل لكونه في اقصى غايات التواضع واعلى درجات المساواة في مراتب التصنيف الاجتماعي لشرائح المجتمع ...فكم من موقف وموقف ذكره التأريخ لنا ـ وما لم يصل كان اعظم ـ حصل مع رعيته دون ان يحصل التعرف على شخصه الكريم الا بعد حين من انجلاء الموقف مؤسسا بذلك الاسس العليا ،ومن القمة، لفلسفة العدالة الاجتماعية بين افراد المجتمع مبتدئا من اعلى الهرم السلطوي وبدون تطبيل او بث الدعايات التي تلمع وجه السلطة او الحاكم وراسما لغيره ممن يتصدر الإمرة ويتولى امور المسلمين بان يقتدي به ويسير على نهجه الذي هو ذات منهج النبي الاكرم ( صلى الله عليه وآله ) ...ان اول مبدأ من مبادئ فلسفة العدالة الاجتماعية عند الامام علي (ع) هو ان يكون الامام (الراعي) ذا وجه واحد في كل حالاته ويكون المثل الاول والقدوة الحسنة فأن لم يكن في مستوى اقل فرد من الرعية ولم يكن يعيش معاناة الناس سيما الفقراء منهم والمحرومين فلا يصح منه ان يكون راعيا لهم وواليا عليهم فيكون عندئذ ذا صفة اخرى تختلف عن الصفة التي رسمها لنا علي بن ابي طالب حول شخصية الحاكم وبهذا لن يكون بمقدور هذا الحاكم ان يحقق العدالة الاجتماعية ولو في ادنى مستوياتها ومن هنا تنشأ الديكتاتورية ..ويقدم امير المؤمنين (عليه السلام) مبدأ آخر من مبادئ فلسفته للعدالة الاجتماعية وهو ان يبدأ الحاكم في النصيحة والايثار واعطاء الصورة الحسنة للقيادة من نفسه ومن بيته وفي سره قبل ان يبدأ ذلك من الشارع او المجتمع وفي الجهر والعلانية..فمن كان هكذا في سره وفي خاصته كان عادلا في جهره وعامته وصولا الى تعميم ذلك على مجمل مفاصل الدولة ليكون مصداقا لقوله تعالى (كنتم خير امة اخرجت للناس ) اذا كان القائد علي بن ابي طالب... (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) واولى مراتب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ان يبدأ المرء بنفسه وفي سره وفي بيته وينطبق هذا تماما على الامام امير المؤمنين(عليه السلام) الذي كان يضع الحزام على بطنه الشريفة مناديا لها : صوتي ما تشائين لا تشبعين حتى يشبع فقراء المؤمنين..وهذا هو عين العدالة الاجتماعية ..... وفي مضمار العدالة الاجتماعية يعطينا كذلك الامام علي (ع) اعلى واكمل المبادئ ذات الامثلة العملية فضلا عن النظرية حيث يتطابق العمل مع التطبيق وتتساوق المبادئ والافكار مع الافعال والاعمال وينسجم المثال مع الواقع ونجد ان كل ذلك قد تطابق تطابقا كاملا في فكر وعمل امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) الى حد اذهل كل متصفح لسيرته العظيمة بل وجعل ذلك التطابق من الصعب او المستحيل تكرار ذلك عند غيره (عليه السلام) فصارت عدالته الاجتماعية بصمة انفرد بها وحده غير قابلة للتقليد وعصية على من حاول ان ينال من شخصه الكريم.. ومن جملة المبادئ التي ارساها (سلام الله عليه) انه لم يكن يستنكف وهو خليفة ـ فضلا عن مجمل عمره الشريف ـ من ان ينزل بنفسه الى الساحات والميادين والاسواق مختلطا مع العامة ودون حرس او شرطة او خدم وحشم عدا خادمه الامين (سيدنا قنبر رضي الله عنه) ومتفاعلا مع كل شرائح المجتمع سيما الفقيرة والمعدمة منها بالاضافة الى اصحاب الحرف والمهن الوضيعة والبسيطة معطيا نصائحه السديدة وتوجيهاته القيمة وحكمه الرشيدة مردفا اياها بالفعل والتطبيق ..وهذا الاجراء لم يألفه الناس على مدى التاريخ البشري ..ومن هذه المبادئ ان امير المؤمنين (عليه السلام) كان من النماذج النادرة التي يكون عندها الفعل والتطبيق موافقا للكلام والتنظير بل واكثر منه وأهم اذ حين كان يؤكد باستمرار على العناية بالفقراء والمحتاجين والاحسان اليهم كان يجعل من نفسه الشريفة واحدا منهم ومن اقلهم ليتطابق القول والفعل تماما تطابقا عجز التاريخ عن ايجاد شبيه له ..والامثلة على ذلك لاتعد ولا تحصى فقد روي انه (عليه السلام) داهمه الغيث ذات يوم فاضطر الى دخول احد المحال التي يبدو من الرواية انها اختصت بصناعة الحلوى وبحسب مستوى تلك الايام ، فلم يقبل صاحب المحل بدخول امير المؤمنين الى محله كونه لم يعرفه شخصيا لبساطة منظره وتقشف مظهره وتواضع شخصه وكذلك ان صاحب المحل هذا لم يكن ليرضى بدخول احد ( من الفقراء) الى محله حتى في الحالات الطارئة فكان ان طلب من الامام(عليه السلام) ومن مرافقه قنبر بان يخرجا فرفض الامام ذلك وعندما توقف الغيث ورأى الناس يتهافتون للتشرف بالسلام على الامام الذي بادر بدوره الى معاقبته وقد اعترض صاحب المحل على العقوبة معتبرا ان الامام هو خليفة وصاحب سلطة ويستطيع ان يفعل ما يشاء الا ان الامام اوضح له الامر بانه ليس كذلك كما يظن وانما هذا درس اخلاقي له ولامثاله ممن يمنعون فقراء المسلمين من بعض الحقوق العامة والمشروعة اضافة الى استعمال اللين واللطف مع الناس والتعامل معهم بحسن الخلق وقد اعطى امير المؤمنين هذا الدرس الاخلاقي المهم للجميع بادئا من نفسه جاعلا منها احد فقراء المسلمين ولم يتعامل مع هذا الرجل على كونه خليفة ومسؤولا اعلى في الدولة الاسلامية وانما كأي انسان عادي وبسيط فارضا العقوبة على اساس ان المعصية جاءت على اساس وجود شخص لا يتعامل مع فقراء ومساكين المسلمين تعاملا حسنا وليس لغرض شخصي آخر.. وهناك مبدأ آخر من مبادئ العدالة الاجتماعية عند مولانا امير المؤمنين(عليه السلام) الا وهو انه لم يكن يميز نفسه في المواطن التي يجب ان يميزها تواضعا منه وزهدا وتكرما عن ذلك حتى انه لم يعهد عنه انه قال لشخص ما لم يعرفه الم تعرفني ؟ وبالتأكيد انه لو وجد مثل هذا شخص لما تردد بالقول بالايجاب فمن الذي لا يعرف علي بن ابي طالب ويذكر التاريخ انه (سلام الله عليه) وقف على محل لبيع الاقمشة فحاول صاحب المحل ان يعطي الامام افضل ماعنده فتركه عليه السلام ومضى ولم ياخذ منه واخذ من غيره لم يعرفه .. ويضيف امام المتقين (عليه السلام ) مبدأ آخر يضاف الى جملة مناقبه الثرة وهو انه استمرت حياته الشريفة على منوال واحد قبل توليه الخلافة ( الزمنية) وبعدها فاستمر بعد الخلافة في نفس المستوى من الزهد والتقشف وان كان لايحتاج الى بيان وتوضيح فهو رأس الزهد وسيد الزهاد واليه ينتهي الناس وكلهم عيال عليه في هذا الباب ...وهل يوجد مبدأ ابلغ واعظم من هذا المبدأ الدال على العدالة الاجتماعية في رجل يكون من افقر فقراء الناس وهو خليفة عليهم وكما كان قبل ان يكون خليفة فتساوى عنده الحالان ؟..

الإثنين	الثلاثاء	الأربعاء	الخميس	الجمعة	السبت	الأحد
				1	2	3
4	5	6	7	8	9	10
11	12	13	14	15	16	17
18	19	20	21	22	23	24
25	26	27	28	29	30

مرحبا بكم فى منتدى الموقع العام لقبيلة البدير في العراق للشيخ شوقي جبار البديري

فلسفة العدالة الاجتماعية عند الامام علي عليه السلام

فلسفة العدالة الاجتماعية عند الامام علي عليه السلام