أبرز المشكلات الأسرية ( الجزء الأول

الإشراف العام: د. عبد الله بن ناصر السدحان

مقدمة:

المشكلات الأسرية الشائعة هي موضوع الجزء الأول من الدليل الثالث من أدلّة الإرشاد الأسري. فالدليل يعطي توجيها شاملا ووافيا للمرشد في كيفية التعامل مع تلك المشاكل التي تم رصدها بطرق علمية.

ويؤكد الدليل منذ البداية على أن فهم أي مشكلة بشكل كافٍ لا يمكن أن يحدث من خلال طرف واحد، لذا لابد من التعامل بواقعية، وعدم إهمال الصورة الأشمل للمشكلة، وضرورة إدراك أن لكل حالة استرشادية ظروفها الخاصة، والحذر من وضع الحلول المباشرة والسريعة.

ويحث الدليل المرشد على ترك المسترشد ليصل إلى علاج مناسب لمشكلته خلال مراحل العلاج، فهذا أفضل من النصيحة المباشرة.

المشكلة الأولى: العصبية والعنف من قِبل الأزواج:

ترجع مشكلة العصبية والعنف الأسري لأسباب عدة؛ فالزوج قد يعاني عدم قبول الذات، والغضب الداخلي تجاه الذات، والرغبة في الشعور بالقيمة والفضل، وللأسف تنتشر بين الرجال النظرة الدونية للنساء والفهم الخاطئ للقوامة، وربما تعاطي المسكرات والمخدرات. كما أن أميّة الزوجة وجهلها بحقوقها الدينية والمدنية يعتبر أحد الأسباب.

وعلى المرشد تحديد عناصر المشكلة، والنمط في الأحداث المساهمة في وقوعها، مع تحديد مدة المشكلة، وامتلاك مهارات تساعده في التغلب عليها، وأن يصنع دافعا قويا داخليا للتغيير يكون نابعاً من إدراك عواقب عدم التغيير.

المشكلة الثانية: غياب الزوج عن البيت والسهر خارج المنزل:

مظاهر المشكلة تتمثل في تبرم الزوجة من خروج الزوج الدائم، والسهر لساعات متأخرة، وكثرة السفر بدون حاجة، وإحساسه بالانسجام مع الأصدقاء أكثر من الأسرة، والمسارعة في الخروج مع صديق عند أول اتصال.

وتعود أسباب هذه المشكلة إلى أنانية الزوج، إلى جانب عجزه عن تغيير نمط حياة العزوبية بعد الزواج، واستهتاره بالحياة الأسرية وزوجته، وأحياناً فقدان القدرة الجنسية أو نكد الزوجة.

وعلى المرشد في التعامل مع هذه المشكلة أن يلتزم السلوك الإسلامي أثناء الحوار والتوجيه، وأن يقدم الدعم للمسترشد وينتبه إلى أن هذه المشكلة قد تخفي وراءها مشكلة أكبر، وأن يقدم معالجات بديلة بعد التأكد من الأسباب الحقيقية، إضافة إلى تذكير المسترشد بالأضرار التي تسببها المشكلة من تضييع للواجبات الشرعية وضرر بدني واقتصادي واجتماعي.

المشكلة الثالثة: الغيرة المفرطة من قِبل الزوجات:

الغيرة حالة نفسية انفعالية ترتبط بنمو المشاعر والعلاقات. وتتفاوت بين غيرة طبيعية، كأحد مظاهر الحب والاهتمام، وغيرة مشكلة، تنطوي على الخوف من وقوع الخيانة، والغيرة المرضية، التي فيها تملك وحب زائف.

تعود أسباب الغيرة لدى الزوجة بسبب عمل الزوج في أماكن لها علاقة بالمجال النسائي، أو عدم اهتمام الزوج بها وانشغاله المستمر عنها وكثرة حديثه عن النساء الأخريات وانتقاده لها.

ولتهذيب الغيرة في نفس الزوجة يجب مساعدتها في نزع المفاهيم الخاطئة التي أدت إلى الغيرة الزائدة، بأن تقبل عدم كمال أي إنسان، وتقوّي العلاقة بالله تعالى، وتزيد الثقة في نفسها، وتعطي الزوج مزيداً من الحرية في غير معصية الله، إلى جانب توجيه الزوج بأن لا يتعمد الزوج إثارة غيرة زوجته، مع العمل على شغل وقتها وذهنها بموضوعات مفيدة.

المشكلة الرابعة: البخل وعدم الإنفاق على الأسرة:

تعود أسباب هذا البخل إلى قلة الثقة بما عند الله الرزاق -سبحانه وتعالى-، والمرور بمرحلة من الحرمان في الصغر، والخوف من المستقبل، والحرص على المباهاة بجمع المال.

ويترتب على البخل كثرة الشقاق والنزاع في الأسرة، وشعور أفراد الأسرة بالغبن والحرمان، ونمو شعور الكراهة نحو الوالد والزوج، مع تفضيل بعض الزوجات الطلاق على الحياة مع زوج بخيل، وقد يضطر بعض أفراد الأسرة إلى السرقة لتحصيل حاجاتهم من المال.

وللتعامل مع المشكلة، على المرشد التسلح ببعد النظر، وإدراك أبعاد المشكلة على استقرار الأسرة، وتبصير الزوجة بالقناعة، وإيضاح الفرق ما بين البخل والاقتصاد في المعيشة، مع حث أطراف الاسترشاد على البعد عن المقارنة بالآخرين، وحث الزوجة على التكيف ومحاولة ممارسة أعمال منزلية مربحة.

المشكلة الخامسة: خيانة الزوج الجنسية:

لا يقتصر مفهوم الخيانة على الاتصال الجسدي بين شخصين أحدهما زوج وآخر خارج العلاقة الزوجية، وإنما يشمل كل علاقة غير شرعية خارج إطار الزواج، سواء الكلمات أو المراسلات أو اللقاءات.

ومن علامات الخيانة الزوجية؛ كثرة التحجج بالعمل، والتغيّر في العلاقة الجنسية، وظهور عدم التوافق، والتبرّم من الأبناء، وتغيّر الهوايات والاهتمامات. وجميع تلك التغيرات تؤدي إلى آثار نفسية صادمة؛ فتدمر الاستقرار والاطمئنان بين الزوجين.

إعادة التوازن والتوافق في الحياة الزوجية بعد اكتشاف الخيانة أمر ليس بالسهل، ويحتاج وقتا طويلا لاستعادة الثقة، إذ تزيد فترة الإرشاد عن العام لتجاوز آثار الصدمة والأعراض التي نتجت عنها. ومن طرق للوقاية من الخيانة؛ تربية الأبناء على القيم الأساسية وأهمها الحلال والحرام، مع تربية النفس على أن ما لا تقبله على نفسها يجب ألا تقبله للآخرين.

المشكلة السادسة: البرود العاطفي لدى الزوج:

من مظاهر البرود العاطفي لدى الزوج؛ عدم تعبيره عن حبه لزوجته، وغلبة الجدية على سلوكه، وصمته، وجفافه اللفظي وغير اللفظي، وتركيزه في بيته على الأمور الجادة فقط.

ومن مسببات البرود العاطفي في الحياة الزوجية؛ اضطراب الرغبة الجنسية، وعدم التوافق الجنسي، والتباين الثقافي والاجتماعي، والصعوبات المادية، والعنف وسوء المعاملة.

وعلى المرشد توجيه الزوج والزوجة إلى الاعتراف بطبيعة الفروق بين الزوجين وتقبلها، وتجنب كثرة النقد والاتهامات وما ينفر الرجل، والحرص على ما يجذبه، مع حث الزوجين على التصرف بحميمية ومراعاة الحالة المزاجية للطرف الاخر وإشعاره بأهميته، وخرق الاعتياد وإنعاش الحياة الزوجية والتزام الهدوء والصبر، وتقديم الإغراءات الداعمة للنفسية.

المشكلة السابعة: تعاطي المسكرات أو المخدرات:

ترتبط مشكلة الإدمان وتعاطي المسكرات بالأزواج أكثر من النساء. ويمكن معرفة إدمان الزوج بملاحظة إهماله متطلبات أفراد الأسرة، ومشاحنته أفرادها، واقتطاع جزء من الدخل وبيع أثاث المنزل لتحصيل المخدر، وكثرة الاستدانة، والتورط في أعمال غير مشروعة.

ومن العلامات التي يخلفها المخدّر على شخصية الزوج؛ أنه ينطوي وينعزل، ويهمل مظهره، ويبقى كسولاً خاملاً طول الوقت، ويشحب وجهه، ويرتعش ويتعرق، ويتلعثم في الكلام، مع احمرار في العين واتساع الحدقة، وفقدان الشهية، والهزال والإمساك.

ومن أسباب المشكلة؛ التنشئة البعيدة عن الإسلام، والتفكك أسري، وضعف الوازع الديني، وجهل الإنسان بوظيفته في هذه الحياة، والأزمات العاطفية والاضطرابات النفسية ورفاق السوء، وغياب القيم الأخلاقية في مجتمع المدمن، والبطالة وصعوبة الواقع وسهولة الحصول على المخدر.

وعلى المرشد عند التعامل مع هذه المشكلة أن يطمئن المدمن بأن المشكلة قابلة للحل بإذن الله، وأن يبث الصبر والدعم النفسي في الأسرة المصابة، بعد أن يعرف طبيعة الإدمان الذي يعانيه المسترشد، وطرق علاجه، وتأثيراته، مع تقديم الخدمات الاجتماعية للمسترشد.

المشكلة الثامنة: الزوج الشكاك (الشك المرَضي):

تعود أسباب الشك إلى خبرات سابقة سلبية منذ مرحلة الطفولة، أو التعرّض بكثرة لما تقدمه وسائل الإعلام، أو الإصابة بالفصام، أو التعرض سابقاً لخيانة.

تظهر مؤشرات الشك في بحث الزوج في كل ما يخص الطرف الآخر، وعدم الثقة في الطرف الاخر، والعصبية الزائدة، والملل في العلاقة الزوجية.

وعلى المرشد في هذه الحالة، بعد جمع المعلومات والتأكد من وجود المشكلة؛ توضيح وتوصيل فكرة أن المشكلة ناتجة أصلاً عن تفكير الزوج السلبي وليست بسبب الطرف الآخر، وأن يناقش معه أفكاره السلبية ويوضح له زيفها، مع تحويلها إلى أفكار إيجابية، ورفع ثقته في نفسه وإشعاره بأهميته في الأسرة.

المشكلة التاسعة: عدم القيام بالواجبات الدينية (الصلاة):

من أسباب تقصير الزوج في القيام بالواجبات الدينية؛ ضعف تدينه وقلة إيمانه، والصحبة السيئة مع وجود الفراغ، وتغيّر ظروف الحياة، والتوسع في الدنيا.

وعلى المرشد أن يكون على معرفة بالأحكام الشرعية المتصلة بالمشكلة، كحكم ترك الصلاة مثلاً، فهذا موضوع مرتبط بالفتاوى. وعلى المرشد حث الزوجة على ألا تقف كالمعلم الموجه للزوج؛ حتى لا يمتنع عن سماعها، وأن تعمل على إدخال الصالحين في حياة زوجها ممن سيكون لهم الأثر في إبعاده عن السيئين.