أثر النفوذ العشائري على السلطة الحكومية

المقدمة
*******
أتسم تاريخ العراق السياسي المعاصر ببروز العديد من المشاكل التي كان لها الأثر الواضح على الأوضاع العامة في الدولة العراقية ومنها زيادة النفوذ العشائري
وما يحويه من قيم وعادات وتقاليد متوارثة وبسبب ضعف الدولة وعدم سيطرتها على مناطق من العراق من جهة ولطبيعة المجتمع العراقي وتأثيرات الاحتلال من جهة أخرى أصبح لسلطة العشائر أثرها الواضح على أوضاع الدولة وسيادتها فتارة تكون في صالحها وتارة ًأخرى تكون ضدها وتركزت خلال المدة 1934-1935 إذ كثرت انتفاضات العشائر في العراق وازداد تدخلها في الشؤون السياسية وفي رسم معالم الدولة العراقية في العهد الملكي .

لقد جاءت الدراسة في قسمين ٬ تناول القسم الأول ٬ أثر النفوذ العشائري على المجلس النيابي الذي كان قسم كبير من أعضائه شيوخ لعشائر معروفة مارسوا دورهم في إمرار مشاريع تخدم مصالحهم واعترضوا خلاله على بعض القوانين التي كانت ستحد من سلطاتهم وتقوض من نفوذهم .

وتضمن القسم الثاني أثر النفوذ العشائري على السلطة الحكومية ومحاولة تدخل العشائر في مناهج الوزارات العراقية وكيفية تحالفها مع عدد من شخصيات السياسة المعارضة والتي أسهمت بدورها في زيادة نفوذها حتى أدت إلى سقوط وزارتين متتابعتين وكادت إن تهوي بالثالثة ٬ وأفرزت نتائج خطيرة كادت أن تؤدي إلى حرب عشائرية داخلية لولا سياسة الحزم والقوة التي أبدتها الوزارة الثالثة في مواجهة النفوذ العشائري ٬ كما بينت الدراسة أثر النفوذ العشائري في تأخير تطبيق نظام التجنيد الإجباري لأنها أدركت إن ذلك القانون سيؤدي إلى تقوية السلطة المركزية للدولة على العشائر العراقية ويضعف نفوذ وهيبة زعماء العشائر داخل القبيلة .


1

أولا ً:- أثر النفوذ العشائري على المجلس النيابي

يعد المجلس النيابي العراقي من المجالس التي ساهمت في استقطاب عدد من فئات المجتمع العراقي وبما أن الحكومة كانت تسيطر على انتخابات المجلس النيابي فأن أعضائه كانوا أقرب إلى الموظفين منهم إلى ممثلي الشعب وكان نظام انتخابات المرشحين هو السائد(1) ٬ ويلاحظ أن نفوذ العشائر داخل ذلك المجلس كان واضحا ً لاسيما الإقطاعيين والأغنياء والتجار من شيوخ العشائر الذين شكلوا نسبة ما يقارب 50٪ من أعضاء المجلس النيابي العراقي (2) .

إن احتواء هذا الكم من شيوخ العشائر في مثل هذا المحفل السياسي أعطاهم ثقل ودور في تحقيق الاستقرار داخل الدولة العراقية الحديثة من عدمه،إذ شكلت العشائر غالبية السكان وبسطت نفوذها على المناطق الريفية التي كانت تمثل ثلثي حجم السكان فضلا ً عن تأثيرهم في سكان المدن فجعل لهم ثقلا ً ملموسا ً في قرارات البرلمان العراقي (3) .

لقد كان على المجلس النيابي العراقي أن يراعي شؤون العشائر وأحوالها٬ وعدم تجاوزهم ليس بسبب وجود عدد كبير منهم داخل المجلس فحسب بل بسبب العادات والتقاليد الطاغية على المجتمع والمكانة التي يمتلكونها في مناطقهم من خلال التأثير الواضح لهم على عامة الناس ٬ فكثيرا ًما كانت القرارات التي تصدر في المجلس النيابي تعبر عن مصالح تجارية أو أقطاعية لهؤلاء المتنفذين من شيوخ العشائر ٬ كما أن الاحتلال البريطاني لم ينكر التأثير الكبير الذي تمتع به رؤساء العشائر لذلك ومنذ الأيام الأولى للاحتلال (4) منح للعشائر نظاما ً خاصا ً سمي بنظام (دعاوى العشائر ) حتى أصبح بعد ذلك قانونا ً ورغم أن أيجاد ذلك النظام كان لأسباب سياسية الغرض منها هو أشغال هذه العشائر بمشاكلها حتى لا تتدخل بالأمور السياسية ثم عكس اهتمام البريطانيين والحكومة العراقية بشؤون العشائر آثارا ً ايجابية بالنسبة للعشائر من خلال تزايد تأثيرهم ونفوذهم داخل سلطة المجلس النيابي (5) .

لقد حاول المجلس النيابي أن يتخطى قوانين العشائر لكنه واجه معارضة من النواب الذين أغلبهم رؤساء لهذه العشائر وقد جرت العديد من المناقشات داخل المجلس كان الغرض منها الحد من نفوذ العشائر في محاولة لإيجاد قوانين جديدة تخضع العشائر لها كما يخضع لها بقية السكان في المدن فعندما ناقش المجلس النيابي قانون العقوبات العراقي كان هنالك جدل واضح داخل المجلس حول إخضاع العشائر لهذا القانون أو سن قانون خاص بهم فأكد غالبية النواب أنه لا يمكن أيجاد قانونين في دولة واحدة قانون يكون لسكان العشائر في الريف وقانون أخر يكون لسكان المدينة . وبسبب تأثير نواب العشائر في المجلس والذين طالبوا أن يكون للعشائر دورهم الواضح في الأحكام التي تتعلق بأمور الثأر والدية والعادات والتقاليد المتوارثة داخل المجتمع العشائري . فقد فرض نواب العشائر على المجلس النيابي الأخذ
2
بنظرية (الجورى )(6)٬ والتي كانت تتبع في كل من فرنسا وبريطانيا ٬ حيث أمكن من خلال هذه النظرية دمج قانون العشائر في قانون العقوبات الأمر الذي أرضى نواب العشائر وجعلهم يصوتون من أجل إمرار القانون(7).

لقد مارست العشائر ضغوطها على المجلس النيابي من أجل تأخير أقرار نظام التجنيد الإجباري وذلك لخشيتهم على هيبتهم والقلق من تحول ولاء الناس من القبيلة إلى الحكومة والوطن ( بل حاولوا أضعاف قوة الدولة وهيبتها لان وجود دولة قوية يضعف سلطة العشائر (9) .




















3
ثانيا ً:- أثر النفوذ العشائري على السلطة الحكومية

أصبح للعشائر العراقية ولاسيما في مرحلة الثلاثينات دورا ً أساسيا ً وكبيرا ً في السياسة العراقية وذلك لعدة عوامل هي :-
1- ضعف سلطة الحكومة .
2- الخلافات بين المسؤلين في السلطة .
3- ارتباط بعض المسؤلين في السلطة بشيوخ العشائر ٬ والذين كانوا يقومون بإسناد أولئك الشيوخ .
4- امتلاك العشائر للأسلحة .

أن هذه العوامل زادت من سلطتهم ونفوذهم بين العشائر على حساب سلطة الحكومة المركزية(10).

لقد توسع دور العشائر والناتج عن العوامل أعلاه تدخلها بإدارة مفاصل الدولة وعمل الوزارات العراقية ٬ ثم دخلوا في تحالفات مع كتل سياسية داخل الحكومة وخارجها فعقدوا مؤتمرات عديدة في كل من بغداد وكربلاء والنجف وديالى وكركوك وتباحثوا في أمور البلاد السياسية وقد انبعثت وحدة العشائر بصورة جلية وواضحة في معارضتهم للوزارة الأيوبية والتي استمرت من (27أب1934-23شباط1935) وكانت وزارة ضعيفة لا تستطيع أن تفرض السيطرة أو أن تقوم بأي عمل . لذلك فقد أكد رؤساء العشائر على أقرار مقررات مؤتمر الصليخ(11) الذي عارض الوزارة الأيوبية وقاموا بالاجتماع في الحادي عشر من كانون الثاني عام 1935 في دار الشيخ عبد الواحد الحاج سكر في النجف ونتج عن الاجتماع أقرار جملة مطالب قدمت نسخة منها إلى الملك غازي (1933-1939) وأخرى إلى كبار رجال الدين ٬ وتضمنت العريضة ما يلي :-
1- حل المجلس النيابي الذي جمعت الوزارة أعضائه على خلاف القانون الأساسي وقانون الانتخابات .
2- إسقاط الوزارة الحاضرة التي قامت بتلك التصرفات وبسبب ارتياب الشعب منها وتبديلها بأناس يثق الشعب بهم ويخدمون حقوقه وحرياته ويغارون على أحكام الدستور ومصالح الشعب .
3- انتخاب مجلس جديد وفق الدستور والقوانين(12) .
حاول رئيس الوزراء علي جودة الأيوبي استخدام القوة ضد العشائر٬ وفعلا ً تم إحاطة العشائر المنتفضة بقوات من الجيش ثم أرسلت طائرات لضربها حتى تستسلم أو التفاوض معها لحقن الدماءمن جهة والحفاظ على كرامة الجيش ومعنوياته من جهة أخرى سيما وأنه كان يضم عددا ًكبيرا ًجدا ًمن أبناء العشائر(13) وبالتالي كان خيار رئيس الوزراء هو الاستقالة

4

بعد أن أصبحت هنالك انقسامات داخل مجلس الوزراء ولا سيما بين كل من وزير الخارجية نوري السعيد ووزير الدفاع جميل المدفعي حول سبل تلافي هذه الأزمة وأسباب معالجتها وعلى الرغم من المحاولات الجادة لرئيس الوزراء للتوفيق بين أعضاء وزارته إلا أن جهوده باءت بالفشل وهذا ما كان يبتغيه قادة العشائر والسياسيين الموالين لهم(14) .

لقد مارست العشائر أساليب الضغط على السلطة ومنها العصيان المدني أو التهديد بالسلاح ضد الحكومة ومحاولة الإضرار بالمصالح والخدمات العامة وحاولت كذلك أن تزيد من تدخلها بشؤون السلطة فبعد إسقاط وزارة الأيوبي اتجهت لإسقاط الوزارة الجديدة التي شكلت في الرابع من آذار عام 1935(15) ٬ فقد احتجت وأكدت تمردها على الوزارة مما أدى إلى أن تعم الفوضى في سائر أنحاء البلاد وكانت الحجة هذه المرة أنهم لم يروا في أعضاء الوزارتين القديمة والجديدة الصفات التي كانوا يطمحون لها ويرون ضرورة أن تتولى المسؤولية وزارة من الأخائيين(أعضاء حزب الأخاء )أو أية وزارة تؤدي إلى تأمين مصالحهم(16).

لقد قام عدد من رؤساء العشائر بحمل الأسلحة في سياراتهم والذهاب بها إلى مناطقهم العشائرية وكان من أبرزهم محسن أبو طبيخ الذي شوهد يغادر بغداد بسيارة ممتلئة بالأسلحة والأعلام العراقية الكبيرة قاصدا ًالنجف والديوانية ويقول وزير الداخلية آنذاك عبد العزيز القصاب ((طلبت من الشرطة أن تعيده إلى بغداد وبعد ساعتين قابلته في الدائرة وتحدثنا في الموضوع طويلا ًوجربت أن أقنعه بالعدول عن هذه الأعمال فلم أفلح لأنه أدعى معتذرا ًبأنه ينتمي إلى حزب يخدم البلاد والمصلحة العامة وأنه لا يتخلى عن حزبه وإذا كانت الحكومة تريد أن تمنعه من السفر فلتتفضل ..... فأجبته أن الحكومة على استعداد لإجابة مطاليبهم أذا كانت محقة وعادلة ))(17).

لقد أجتمع مجلس رئاسة الوزراء وأناط إلى كل من وزير الدفاع ووزير الداخلية لاتخاذ ما يلزم لأعداد حملة ضد العشائر ولكن المناورات السياسية كانت دائما ًتعرقل التفكير والعمل لدى الحكومة (18) ٬ وحينما شعر روؤساء العشائر المتمردة بأن الحكومة عازمة على اتخاذ إجراءات صارمة ضدها سارعت قبائل الأكرع التي يرأسها شعلان العطية إلى صدر نهر الدغارة فاحتلت القلعة هناك وأقامت قوة مسلحة فيها ٬ كما قامت عشائر آل فتلة التي يرأسها الشيخ عبد الواحد الحاج سكر بتهديم القناطر والجسور لتقطع الطريق على قوات الحكومة وإقامة قوة مسلحة ٬ كما أن لواء ديالى سيطرت عليه قبائل العزة التي يرأسها الشيخ حبيب الخيزران واحتلت منصورية الجبل في التاسع من آذار 1930 وأقامت قوة فيها(19) .

لم تكن تصرفات العشائر بمعزل عن المعترك السياسي وعن تصرفات القادة السياسيون فقد أنقسم شيوخ العشائر في بناء تحالفات مع هؤلاء الساسة سواء كانوا في الحكم آنذاك أو في المعارضة السياسية التي كانت غالبا ً في البرلمان أو بعيدا ًعن أعين السلطة(20) ٬فحينها كان
5

وزير الداخلية عبد العزيز القصاب في الديوانية في محاولة للتوصل إلى تسوية سلمية لهذه
المشكلة فقد كان عبد الواحد الحاج سكر وبعض رؤساء العشائر الآخرين على اتصال يومي برشيد عالي الكيلاني وزعماء المعارضة في بغداد وكانوا يحثونهم على رفض الوصول إلى تسوية مع ممثل الحكومة عبد العزيز القصاب(21).

لقد جاءت تقارير الحكومة لتشير إلى كثرة القبائل المعارضة للحكومة حتى أن متصرف كركوك آنذاك طلب إرسال كتيبة من الخيالة وقطعات أخرى إلى متصرفيته لأنه يخشى من هجوم قبائل العبيد في كركوك٬ سيما وأن قوة الجيش آنذاك لا تتجاوز الخمسة عشر فوجا ً٬ ثلاثة منها على الحدود وثلاثة أفواج أخرى موزعة على البصرة والديوانية والحلة وباقي الأفواج موزعة في الموصل وكركوك وبغداد ويذكر طه الهاشمي بهذا الصدد ((فدلت هذه القبائل بوضوح على سعة نطاق المؤامرة واشتركت جميع قبائل الديوانية فيما عدا قسم قليل منها ٬ وانضمام القسم الكبير من قبائل الحلة وبعض قبائل ديالى وكركوك إليها فضلا ًعن رجال المعارضة في بغداد والذين أخذوا يحبذون المؤامرة ويبيتون الدعوى لها ويحرضون الناس على معاضدتها ومنهم من صرح بآرائه في تمجيد الثورة بمقال رئيس في جريدته))(22)٬
فبذلك تأكد بأن تعاون أقطاب المعارضة ورؤساء العشائر قد بدأ ورفعت راية العصيان المسلح لإسقاط وزارة جميل المدفعي الثالثة (23).

لقد كان رئيس الوزراء جميل المدفعي يأمل في تهدئة مناطق الفرات بالطرق السلمية ولذلك أرسل بعض الوزراء للتجوال في المناطق التي يسطر عليها شيوخ العشائر محاولا ً أقناع الأعيان باستئناف واجباتهم كما طالب المعارضة والصحافة للعمل على تحقيق الوحدة ورص الصفوف(24) . لكنه أدرك بأنه لا يمكن تحقيق أنجاز كبير في هذا المضمار فعلى الرغم من أن رئيس أركان الجيش طه الهاشمي حرك القوات العسكرية التي احتلت أبو صخير بدون مقاومة من العشائر وكانت قادرة على التقدم نحو المناطق الأخرى المسيطر عليها من قبل العشائر رغم الصعوبات والمشاكل التي قد تواجههم في الطريق إلا أنه كانت هنالك شكوك كبيرة تحوم حول ولاء العديد من الضباط الذين يتعاطفون مع رجال العشائر الذين هم من جلدتهم(25)٬ أن التقارير التي بدأت ترد إلى رئيس أركان الجيش سيما تقرير قائد الفرقة الأولى آنذاك الفريق الركن عبد اللطيف نوري كانت تأكد عدم قدرة الجيش على كبح جماح الثورة فقد قطع أفراد من العشائر الطرق(26)٬ وأن لا فائدة من أعداد الحملة حيث أن حالة الجنود غير مطمئنة ووسائط النقل قليلة وكانت الخشية كبيرة من أن يلتحق قسم من الجنود بالثوار لا سيما أن قسما منهم ينتسب إلى العشائر الثائرة(27).

كان رئيس الحكومة يطلب بإلحاح الإسراع بالقصف بينما كان رئيس أركان الجيش يريد عدم قصف العشائر قبل اكتمال القوات من المشاة وعلى الرغم من سوق الأفواج بالسيارات

6

إلى أبي صخير فأن ضعف جسر العباسيات والكوفة أخر عملية التحشد وبعد إنهاء هذه الإجراءات ٬ قرر رئيس الوزراء التنحي عن الحكم حقنا ًللدماء فاستقالت الوزارة في 14اذار1935 ونجحت العشائر في تحقيق المكاسب السياسية التي زادت من نفوذها داخل الحكومة(28) .
لقد اعتادت العشائر أن يكون لها ما يسمى (بالبصيرة ) وهي أن يجتمع رؤسائهم في مجلس ويتبادلون الرأي حول خطة الحرب أو ما ينشأ عنها من مشاكل طارئة وفي هذا الاجتماع يتوصلون إلى رأي موحد أو يتنازعون ويتجادلون(29) وإزاء ذلك فقد أزداد تدخل العشائر في واجبات السلطة الحكومية فقد وقفت هذه العشائر في وجه قانون التجنيد الإجباري حينما صدرت الإرادة الملكية في 2 مايس عام 1935 بتنفيذ قانون الدفاع الوطني وأخذت وفود العشائر تتوجه إلى بغداد في محاولة منها على عدم تطبيق القانون وقد تزعم السياسيون المعارضون هذه الفكرة وحرضوا على إحباط القانون ومقاومة التجنيد الإلزامي وقد نجحت نوعا ً ما في أثارة السخط والتذمر بين أبناء هذه القبائل والتي نتج عنها قيام ثورة الشيخ خوام إلا أن الحكومة استطاعت هذه المرة أن تخمد الثورة في 5 حزيران عام 1935الا أن هذه الثورة وجدت لها مناصرين ففي العشرين من حزيران وبينما فتحت مراكز للتطوع في أنحاء متعددة من البلاد ثار عدد من الشيوخ على السلطة وهم كل من عجيل الشويلي رئيس الحسينيات وكاطع البطي رئيس الأزيرج ومنشد الحبيب رئيس آل غزي ٬ كذلك ثارت شيوخ عشائر المدينة قرب القرنة وكانوا يريدون إعفاء أبنائهم من التجنيد الإلزامي(30) ٬ فأعلنت الحكومة الإدارة العرفية وضربت تلك العشائر مما نتج عنه قتلى وجرحى(31) .

لقد تدخلت العشائر في سلطة الدولة بفعل النفوذ الكبير الذي أخذوا يحصلون عليه من السياسيين المعارضين أو السياسيين الذين هم في السلطة لأجل الدعم والإسناد وأصبح هؤلاء الشيوخ يطالبون بحقوق وسلطات وتصفية حسابات نافعة لهم ومضرة لغيرهم سواء في الأراضي أو الممتلكات أو النفوذ(32) حتى أن العديد من المشاريع التي أنجزت كانت لفائدة أشخاص معينين من رؤساء هذه العشائر فأخذ البعض منهم يفاخر بان ملكيته من الأراضي تعادل مساحة سويسرا(33) .









7
الخاتمة
************

لقد اتسمت العلاقة بين العشائر والدولة بالتجاذب في أحيان والتنافر في أحيان أخرى وعلى الرغم من أن النفوذ العشائري كان يراد له أن يكون أداة من أدوات استقرار الدولة كي يساهم في تحقيق نتائج ايجابية على المجتمع إلا أنه وبفعل عوامل عديدة أخذ يسهم في أضعاف الدولة ومنها ما يلي :-

1- وجود الاحتلال البريطاني الذي كان يتحكم بسياسة البلاد العامة .
2- ضعف ولاء ووطنية عدد من الشخصيات السياسية الحاكمة وسعيها لمصالحها الشخصية على حساب المصلحة الوطنية العليا .
3- سعي البعض من شيوخ العشائر إلى تفضيل مصلحته الشخصية على مصالح قبيلته أو المصلحة الوطنية .
4- تدني المستوى التعليمي والثقافي للغالبية العظمى من السكان والتي تركت أثارها على الحياة السياسية والاجتماعية للبلاد .
5- وجود خروقات كبيرة في مناهج وعمل الوزارات والتي تبرر مطاليب العشائر بإسقاطها أو تغييرها .

أن من عوامل قوة العشائر هو تفوق الولاء للقبيلة والوطن على الولاء للطائفة مما جعلها متماسكة ولعقود طويلة من الزمن الأمر الذي أدى إلى أن يكون لها دور مؤثر في الحياة السياسية العراقية أبان تلك الفترة حتى أصبحت على طرفي نقيض مع سلطة الدولة .








8
الهوامش والمصادر
*********************
1- فيليب ويلارد آيرلند ٬ العراق دراسة في تطوره السياسي ٬ ترجمة جعفر الخياط ٬ دار الكشاف للنشر والطباعة والتوزيع ٬ لبنان ٬ 1949 ٬ ص340؛ وميض جمال عمر نظمي وآخرون ٬ التطور السياسي المعاصر في العراق ٬ مطبعة جامعة بغداد ٬ د ت٬ ص162 .

2- فائز عزيز أسعد ٬ انحراف النظام البرلماني في العراق ٬ مطبعة السندباد ٬ ط3 ٬ بغداد ٬ 1984 ٬ ص9 .

3- عبد الأمير هادي العكام ٬ الحركة الوطنية في العراق 1921 – 1933 ٬ مطبعة الآداب٬ النجف٬ 1975 ٬ ص ص 30-31.

4- نزار توفيق الحسو ٬ الصراع على السلطة في العراق الملكي ٬ دراسة تحليلية في الإدارة والسياسة ٬ مطبعة أفاق عربية ٬ بغداد ٬ 1984 ٬ ص67 .

5- محاضر مجلس النواب ٬ الاجتماع ألاعتيادي لسنة 1934 ٬ الجلسة الثالثة عشرة ٬ 18شباط 1935 ٬ص15 .

6- تتضمن هذه النظرية أن تجري المحاكمات العشائرية بانتخاب أشخاص من رؤساء العشائر وهم يقومون بالحكم بالمسائل المتعلقة بالشرف والثأر والدية وغيرها مع بيان أرائهم إلى الموظف الإداري ٬ وبعد ذلك يستعمل ذلك الموظف العقوبة المنصوص عليها بقانون العشائر . محاضر مجلس النواب ٬ المصدر السابق ٬ ص52 .

7- المصدر نفسه ٬ ص58 .

8- علاء جاسم محمد ٬ جعفر العسكري ودوره السياسي والعسكري في تاريخ العراق حتى عام 1936 ٬ منشورات مكتبة اليقظة العربية ٬ بغداد 1987 ٬ ص151 .

9- لطفي جعفر فرج ٬ عبد المحسن السعدون ودوره في تاريخ العراق السياسي المعاصر ٬ مكتبة اليقظة العربية ٬ بغداد ٬ 1988 ٬ ص75 .

10- نزار توفيق الحسو ٬ المصدر السابق ٬ ص118 .


9
11- نصت مقررات المؤتمر على ما يلي :-
1- الإخلاص لجلالة الملك .
2- المحافظة على القانون الأساسي العراقي وتنفيذ ما يسنه البرلمان من قوانين .
3- حل المنازعات بين القبائل بشكل يؤدي إلى الأمن والاستقرار .
4- لا يجوز لأحد أن يشترك في الحكم دون موافقة القائمين بهذا الحلف .
5- تنظيم الرأي العام والاتصال بقادته وخاصة رؤوساء القبائل واشتراك جميع القوى في مواجهة الوزارة وأسقاطها .
أنظر٬ حازم المفتي ٬ العراق بين عهدين ٬ ياسين الهاشمي وبكر صدقي٬ مطبعة سومر٬ بغداد ٬ 1990 ٬ ص46 .

12- المصدر نفسه ٬ ص ص 49 – 50 .

13- عبد الرزاق الحسني ٬ تاريخ الوزارات العراقية ٬ ج3 ٬ مطبعة دار الكتب ٬ ط5 ٬ بيروت ٬ 1978 ٬ ص ص 67 – 68 .

14- حازم المفتي ٬ المصدر السابق ٬ ص51 .

15-عبد الرزاق الحسني ٬ تاريخ العراق السياسي الحديث ٬ ج3 ٬ دار الشؤون الثقافية العامة ٬ ط7 ٬ بغداد ٬ 1989 ٬ ص135 .

16- عبد الرزاق الحسني ٬ تاريخ العراق السياسي ٬ ص69 .

17- عبد العزيز القصاب ٬ من ذكرياتي ٬ ط1 ٬ بيروت ٬ 1962 ٬ ص301 .

18- توفيق السويدي ٬ مذكراتي نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية ٬ دار الحكمة للطباعة والنشر والتوزيع ٬ ط2 ٬ بغداد ٬ 1999 ٬ ص259 .

19- عبد الرزاق الحسني ٬ تاريخ العراق السياسي ٬ ص69 .

20- لقد حصل علي جودة الأيوبي وجميل المدفعي على تأييد وإسناد شيوخ العشائر كل من مرزوق العواد وعلوان الحاج سعدون من بني حسن ٬ ورايح العطية من الحميدات فخذ عشيرة الأقرع ٬ وخوام الفرهود من بني زريق ٬ وداخل الشعلان من عشيرة الأبراهيم ٬ قابله تحالف معارض تكون من ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني وحكمت سليمان وجعفر أبو التمن وأسندوا من قبل رؤوساء العشائر وهم كل من شعلان العطية من عشيرة شبانة فخذ عشيرة الأقرع ٬ وعبد الواحد الحاج سكر ٬ وسماوي الجلوب من الفتلة ٬
10
وحبيب الخيزران من عشيرة العزة . لمزيد من التفاصيل أنظر ٬ نزار توفيق الحسو٬ المصدر السابق ٬ ص118 .

21- نجدة فتحي صفوة ٬ العراق في الوثائق البريطانية سنة 1936 ٬ منشورات مركز دراسات الخليج العربي ٬ ط1 ٬ البصرة ٬ 1983 ٬ ص114 .

22- طه الهاشمي ٬ مذكرات طه الهاشمي 1919 – 1943 ٬ منشورات الطليعة ٬ ط1 ٬ بيروت٬ 1967 ٬ ص436 .

23- فؤاد حسين الوكيل ٬ جماعة الأهالي في العراق ٬ دار الحرية للطباعة ٬ بغداد ٬1979ص320 .

24- ستيفن همسلي لونكريك ٬ العراق الحديث من عام 1900 إلى سنة 1950 ٬ ترجمة سليم طه التكريتي ٬ ج2 ٬ مطبعة حسام ٬ط1 ٬بغداد٬ 1988 ٬ ص386 .

25- نجدة فتحي صفوة ٬ المصدر السابق ٬ ص115 .

26- هاشم الرفاعي ٬العراق بين عهدين ٬ ج 1 ٬مطبعة النجاح ٬ بغداد ٬ 1941 ٬ ص ص 15-16 .

27- توفيق السويدي ٬ المصدر السابق ٬ ص 259 .

28- عبد الرزاق الحسني ٬ تاريخ العراق السياسي ٬ ص73 ؛ هاشم الرفاعي ٬المصدر السابق ٬ ص16 .

29- علي الوردي ٬ لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث٬ ج1 ٬المكتبة الوطنية ٬ بغداد ٬ 1977 ٬ ص346 .

30حازم المفتي ٬ المصدر السابق ٬ ص ص78 – 76 .

31- عبد العزيز القصاب ٬ المصدر السابق ٬ ص307 .

32- توفيق السويدي ٬ المصدر السابق ٬ ص263 .

33- نزار توفيق الحسو ٬ المصدر السابق ٬ص118 .