موقع قبيلة البديرالعام للشيخ شوقي جبارالبديري


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

موقع قبيلة البديرالعام للشيخ شوقي جبارالبديري
موقع قبيلة البديرالعام للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» شيوخ الشهد البدير
الدين والفلسفة؛ أية علاقة بينهما Emptyاليوم في 6:08 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

» قصائد حسينيه
الدين والفلسفة؛ أية علاقة بينهما Emptyاليوم في 3:07 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

» سية العصور القديمة اكتشف ترتيب الحضارات في بلاد الرافدين
الدين والفلسفة؛ أية علاقة بينهما Emptyاليوم في 2:51 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

» الأدلة الأثرية
الدين والفلسفة؛ أية علاقة بينهما Emptyاليوم في 2:43 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

»  الدور السياسي للعشائر العراقية بين التأييد والمعارضة
الدين والفلسفة؛ أية علاقة بينهما Emptyاليوم في 2:22 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

»  الإمامُ الصّادقُ عليه السلام -
الدين والفلسفة؛ أية علاقة بينهما Emptyاليوم في 3:40 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

» مقالات و دراسات » منهج التعريف بأهل البيت
الدين والفلسفة؛ أية علاقة بينهما Emptyاليوم في 3:37 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

» أهل البيت (ع) والرأي الآخر
الدين والفلسفة؛ أية علاقة بينهما Emptyاليوم في 3:32 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

» حبّ أهل البيت (عليهم السلام) بين الادّعاء والانتماء
الدين والفلسفة؛ أية علاقة بينهما Emptyاليوم في 3:29 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

مايو 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
  12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
2728293031  

اليومية اليومية

التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



حول

مرحبا بكم فى منتدى موقع قبيلة البديرالعام للشيخ شوقي جبارالبديري

مرحبا بكم فى منتدى موقع قبيلة البديرالعام للشيخ شوقي جبارالبديري

قبيلة البدير من القبائل الزبيديه


الدين والفلسفة؛ أية علاقة بينهما

اذهب الى الأسفل

الدين والفلسفة؛ أية علاقة بينهما Empty الدين والفلسفة؛ أية علاقة بينهما

مُساهمة  الشيخ شوقي جبار البديري الأحد أبريل 28, 2024 6:26 am


منذ بداية الاجتماع البشري، كان للدّين والفلسفة دورٌ مهمٌ في حياة الناس، لإدراك ما لم يتم تفسيره من الظواهر الكونية والطبيعية والاجتماعية؛ إذ استطاع الدين والفلسفة الإجابةَ عن الأسئلة الحائرة التي كان تدور في خلد الإنسان قديمًا. وكانت الفلسفة الوسيلةَ العقلانية لتفسير معاني الخلق والحياة وقوى ما خلف الطبيعة، فنجحت قبل ظهور الأديان، كما في اليونان والهند والصين وغيرها، ثم جاءت الأديان لتجيب عن الأسئلة الفلسفية الخالدة، من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟!

ولكن عندما تم تحويل الدين إلى وسيلة للسيطرة على الشعوب، من قبل القصر والكنيسة، والفقيه والسلطان؛ وقع الصدام بين الفلاسفة ورجال الدين، لا بين الدين والفلسفة؛ إذ وجد رجال الدين أن الفلاسفة سيكشفون خداعهم، وسيحررون الإنسان من قيود الوهم التي كبلوه بها، فتم اضطهاد الفلاسفة من قبل السلطات الدينية والسياسية، بتهمة الهرطقة، حتى قيل لا يوجد فيلسوف قتلَ رجلَ دين، ولكن هناك العشرات من رجال الدين قتلوا فلاسفة.

وهنا يأتي السؤال: لمَ هذا الصراع بين رجال الدين والفلاسفة؟

كي نفكّك هذا الموضوع الشائك عند أنصار الطرفين؛ لا بد أن نمرّ بطرقات ممتلئة بالألغام، وقد لا نصل إلى رضا أيّ من الطرفين، ولكننا نريد لذوي الألباب أن يعرفوا ألّا تضاد بين الدين والفلسفة، ولكنّ هناك صراعًا بين رجال الدين والفلاسفة، والفارق عندئذ يغدو كبيرًا، لذا لا بدّ من المرور بمحطات ونحن في الطريق للإجابة عن هذا السؤال.

معنى الدين والفلسفة

الدين -في تعريفه البسيط- هو عقيدة وشريعة وأخلاق. يلتزم بها المؤمن، ليعبّر عن صدق انتمائه للدين. ويتفق أتباع الملل والنحل كلهم على أن شرط التكليف الديني هو العقل أولًا. لذلك قال اللاهوتيون: “العقل مناط التكليف”. وهنا، يلتقي الدين بالفلسفة، لكن قبل ذلك ما تعريف الدين عند الفلاسفة؟

يقول سيسرون، في كتابه (عن القوانين): “الدين هو الرباط الذي يصل الإنسان بالله”. أما كانط، فقال في كتابه (الدين في حدود العقل): “الدين هو الشعور بواجباتنا، من حيث كونها قائمة على أوامر إلهية”. وقال الأب شاتل، في كتاب (قانون الإنسانية): “الدين هو مجموعة واجبات المخلوق نحو الخالق: واجبات الإنسان نحو الله، وواجبـاته نحو الجماعة، وواجباتـه نحو نفسه” ([1]).

وأما معنى الفلسفة، فما زال ملتبسًا حتى عند بعض أنصارها، وعلى محركات البحث الإلكتروني، حيث يعرفون الفلسفة بأنها “حبّ الحكمة”، والفيلسوف هو “محبّ الحكمة”. ولكن بتمحيص هذا التعريف، نكتشف أنه ليس دقيقًا. فلو رجعنا تاريخيًا إلى اللحظة التي وُلِد فيها المصطلح، فستتجلى لنا حقيقته، إذ تقول الرواية بأن مجموعة من البحارة اليونانيين، في القرن السادس قبل الميلاد، وجدوا كنزًا في بحر “إيجة”، فاتفقوا على أن هذا الكنز يستحقه أحد أصحاب الحكمة السبعة في أثينا، فجاؤوا إلى أولهم وقالوا له: “أنت صاحب الحكمة وتستحق هذا الكنز”. فقال لهم: “أنا لستُ صاحب الحكمة، ولذلك لا أستحقه”. فذهبوا إلى الحكيم الثاني، فكان جوابه كالأول، وكذلك الثالث والرابع حتى وصلوا إلى فيثاغورث الحكيم السابع: فقال لهم: “أنا لستُ صاحب الحكمة، إنما صديق الحكمة”. ومن هنا؛ جاء لقب فيلسوف أي صديق الحكمة المتواضع؛ فهي في اليونانية (فيلوش) وتعني الصديق، و(شوفيا) وتعني الحكمة.

وإذا كان للدين أجوبة قطعية حول نصوص سماوية، تحتمل التأويل، فإن الفلسفة هي تساؤل مستمر عن الواقع، ومحاولة للإجابة عنه منطقيًا، فكلّ ما لا يقدر العِلم على الإجابة عنه تأتي الفلسفة والدين للإجابة عنه.

فالفلسفة هي أن تعيش حياتك بحكمة، وتفهم إيمانك بعقلانية، وتتعامل مع الأشياء برشد، وهذا مقصد رئيس من مقاصد الدين، يحاول أن يقربه لنا الفيلسوف ابن رشد، في التلاقي بين الدين والفلسفة، بقوله: هي “النظر في الموجودات، واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع، وكلما كانت المعرفة بصنعتها أتم، كانت المعرفة بالصانع أتم” ([2]). والأمر ذاته ذهب إليه كانط، بقوله: “إن الفلسفة هي المعرفة الصّادرة من العقل” ([3]). إذن بحسب التعريفين، نستطيع القول إن الإيمان الحقيقي يجب أن يكون عقلانيًا.

عوامل التلاقي بين الدين والفلسفة!

هناك عوامل كثيرة يلتقي فيها الدين بالفلسفة، على اعتبار أننا في هذه الورقة نرفض فكرة التضاد بينهما، كما نرفض فكرة اتهام الفلاسفة جملة واحدة بالإلحاد، فالطرق إلى معرفة الخالق بعدد أنفاس الخلائق، ومنها طريق الفلسفة. وأهمّ عوامل التلاقي أنّ الفلاسفة والأنبياء لا يموتون، فهم باقون مدى الحياة، بذكرهم وأفكارهم وأجوبتهم، إضافة إلى دورهم في الأخلاق الإنسانية، وهذا ما لم يدركه بعض المتدينين، والفلسفة تجيب عن الأسئلة التي لا يستطيع العلم الإجابة عنها، وهنا تلتقي بالدين، عندما يجيب عن أسئلة ماورائية.

وبما أن الفلسفة معناها الحكمة، فكل الأنبياء ملكوا هذه الخاصية العظيمة، فما من نبي تحدث عنه القرآن إلا وذُكِر أنه يمتلك الحكمة إلى جانب النبوة، فذُكِرت الحكمة (18) مرة في القرآن الكريم، منها: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} البقرة:129، ومنها: {وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} النساء:113. ثم يبين القرآن الكريم أن الخير الكثير عند من يمتلك الحكمة: {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} البقرة:269. فكما أن كل نبي فيه شيء من الفلسفة باعتبار التعريف السابق، فإن كلّ فيلسوف فيه شيء من النبوة، باعتبار الحكمة والمنطق.

واليوم، الحاجة ملحة إنسانيًا إلى الدين والفلسفة، إذ لا يمكن أن يُترك للعلم الذي تسيطر عليه الشركات العملاقة متعددة الجنسيات، وتسيِّره وفق مصالحها، أن يتصرف في الإنسانية كما يشاء بماديته المتوحشة، ليصوغها وفق استراتيجية مصالحه وأرباحه، ومن هنا تكون الحاجة إلى الدين والفلسفة.ويقول المفكر الفلسفي محمد أركون: “إن الإنسان لا يمكن أن يعيش بلا دين، وهذا ما يقوله علم الأنثروبولوجيا، ولكن يجب أن يدرك المتديّن أنّ هذا الدين له تجلياته وتحولاته ([4]).

والفلسفة تجيب بمنطق عاقل عن الأسئلة التي يطرحها العقل، حول غربة الإنسانية في عصر العلم والجشع الاقتصادي، والدين يمنحه تلك الروحانية في عصر الخواء الإنساني الذي تفرضه المادية المحتلة لكل زوايا الحياة المعاشية باسم العلم، فكما تجيب الفلسفة بعقلانية عن التساؤلات، يأتي الدين ليفيض بروحانيته على النفس البشرية ليسمو بإنسانيتها.

دور الفلسفة في العملية التنويرية

للفلسفة دور كبير في تنوير العقل والقلب، لتنتشلهما من التديّن المزيف والمغشوش، وتخلّص الإنسانَ من قيود الدين الموازي الخاوي إنسانيًا والمهزوم عقلانيًا، من خلال إضاءات تنويرية، فتعيد للعقل دوره الوظيفي في فهم الأشياء، فالفلسفة هي أرقى أدوار التنوير، وهي المؤسِسة له؛ ففي عام 1784، طرحت صحيفة ألمانية على الفلاسفة سؤالًا: ما التنوير؟ فكانت إجابة الفيلسوف كانط هي المتفق عليها: التنوير هو خروج الإنسان من القصور الذي ارتكبه في حق نفسه، من خلال عدم استعماله لعقله إلا بتوجيه إنسان آخر. ولهذا يكون التنوير صرخة الفلاسفة (اجرُؤ على استخدام فهمك الخاص).

وبذلك، يتحرر الإنسان من التبعية للآخرين ومن الأغلال الموهومة التي أشار إليها أفلاطون في رمزيته “أسطورة الكهف”، في الباب السابع من كتاب (الجمهورية). فالكهف يرمز إلى المعرفة الموهومة والخاطئة في تصور الأشياء، وقد شبّهها بسجين في كهفٍ مقيد بسلاسل، وخلفه نار ملتهبة تضيء الأشياء وتطرح ظلالها على جدار أقيم أمامه، فهو لا يرى الأشياء على حقيقتها، بل يرى ظلالها المتحركة المنعكسة من الضوء، ويظنها حقائق. فالكهف في هذه الرمزية هو العالم المحسوس، والظلال هي المعرفة الحسية، والأشياء الحقيقية التي تحدث هذه الظلال هي المُثُل. وعلى هذا، فإن الفيلسوف -بحسب أفلاطون- هو الذي يرتقي بنفسه ويفكر في المُثُل الجوهرية التي تكمن وراء المظاهر الخارجية، ويعرف الحقيقة، ويميّز العَرَض من الجوهر. فبحكمة الفيلسوف وتنويره، يفك تلك الأغلال الفكرية الموهومة التي اعتقلت المجتمع، لذلك عندما يكشف التنوير الديني والفلسفي هذه الأوهام، فإن هذا السجين يظنّ أنه قد تم الاعتداء على مقدساته الموهومة، الممنوع الاقتراب منها، أو نقدها، أو بيان بطلانها ([5]).

ولذلك، فإن التنوير، لمّا بدأ رحلته، قاومه المجتمع بتحريض من المؤسسة الدينية، فساعد المجتمعُ المقيد بتلك الأباطيل رجالَ الدين على فلاسفة التنوير، فهم يعيشون نوعًا من “المازوخية” مع الباطل، ولقد أطلق على هذا الفهم الفيلسوف الإيطالي جوردانو برونو اسم “الجهل المقدس”، فهو لم يغضب عندما حكمت عليه الكنيسة بالهرطقة والموت حرقًا لأفكاره التنويرية، ولكن ما أحزنه كثيرًا أن عجوزًا جاءت بخشبة وألقتها بالنار، وحينما سُئلت العجوز عن سبب فعلها، قالت: “إنه أمرُ الكنيسة”. فقال لها: “اللعنة على الجهل المقدس”.

والأمر ذاته تكرر عند اغتيال فرج فودة، لأفكاره التنويرية، إذ سأل المحققُ القاتلَ: هل قرأت هذه الكتب؟ فأجاب القاتل: “لا، أنا لا أقرأ ولا أكتب”. إنه الجهل المقدس ذاته. فكثيرون من الذين كفّروا محمد شحرور وفرج فودة ونصر حامد وغيرهم من التنويريين، لم يقرؤوا كتبهم، إنما لعبوا دور تلك العجوز، ومارسوا جهلهم المقدس. فالجهل المقدس يمنح أتباعه طمأنينة مزيفة، يروجها سدنة الدين الموازي، فيأتي الدين الحنيف والفلسفة ويكشفا زيف تلك الطمأنينة الموهومة. فالفلاسفة أمثال “سبينوزا” و”كانط” و”باين” “وشيلر ماخر” وآخرين، هم الذين أسسوا للتنوير الديني في المسيحية، لتتصالح مع العصر، وتبدأت النهضة الأوروبية.

العلم بين الدين والفلسفة

اهتمّ الدين بالعلم، وجعل العمل به من أجَلِّ العبادات، ولو تتبعنا مفردة (علم) في القرآن، فسنجد أنها تكررت بمشتقاتها (779) مرة، بمعدّل تقريبي سبع مرات في كلّ سورة، إضافة إلى مفردات أخرى جاءت في القرآن الكريم ذات دلالة علمية مثل الهدى، والعقل، واليقين، والحُجّة، والبيّنة، والفكر، والنظر، والفقه، والبرهان، والحكمة، والدليل، والآية.

كذلك الفلسفة فتحت أبوابًا أخرى للعلم، ولقد باتت المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية، التي ابتدعها الفيلسوف نيوتن، عام 1687، هي مبادئ علوم الفيزياء والفلك والطب. وفي القرن التاسع عشر، فتحت الفلسفة بابًا لعلوم غاية في الأهمية، كعلم الاجتماع والنفس والتربية والأخلاق، وعاش العلم عقودًا طويلة على كتاب (الشفاء) للفيلسوف ابن سينا، الذي يُعدُّ موسوعةً علمية وفلسفية، تتحدث عن المنطق، والعلوم الطبيعية، والرياضيات، والميتافيزيقا. وقد قدّم ابن سينا للبشرية كتابه “القانون في الطب”، وهو موسوعة في مجال الطب، الذي اعتُمِد كمرجع أساسي لتدريس الطب في كثير من الجامعات حتى القرن الثامن عشر. وكذلك الفيلسوف أبو بكر الرازي، الذي قدّم للعلم كتابه (الحاوي في الطب) الذي وُصِف بأنه موسوعة عظيمة في الطب، وبقي مرجعًا علميًا في بابه قرونًا عددًا، حتى وصفته سيغريد هونكه، في كتابها (شمس العرب تسطع على الغرب) بأنه “أعظم أطباء الإنسانية على الإطلاق”. بهذا المعنى، كان الفلاسفة أصحاب التطبيق العملي لدعوة الدين إلى الاهتمام بالعلم، في سبيل الإنسانية كلّها، على حين أن رجال الدين كانوا يعدّون الأمراض “من حقد الشيطان وغضب الله”، كما ادعى أحد آباء الكنيسة أوغسطين؛ إذ قال: “إن أمراض المسيحيين مردّها إلى الشياطين”. وكانت الكنيسة تتربح من أمراض الناس، وتبيع التعاويذ والتمائم لهم، واعتبرت الكيمياء فنًا شيطانيًا خبيثًا، فأدان البابا المشتغلين بها عام 1317م، وسُجن “روجر بيكون” عام 1292، بسبب اشتغاله بالبحث العلمي، ثم أصدر البابا “أنوسنت” الثامن الأمرَ البابوي عام 1484 الذي أكد فيه أن “الطاعون من عمل الساحرات”، فأعدموا كلّ مشتبه به، آنذاك ([6]).

لا يوجد دين وضعي أو سماوي يتعارض مع العلوم، وإنّ ادعاء تعارض الفلسفة مع الدين باطلٌ. فلا تعارض بين الدين الحنيف والفلسفة، لأن كليهما يبغي الحق والحكمة، وخير الإنسانية جمعاء. والفلسفة تساءلت قبل الأديان وما قبل سقراط: ممّ صُنع هذا الكون؟ وكانت أسئلتها مقلقة للكهنة، لذلك أُطلق على سقراط لقب “الذبابة”، لأنه بدأ يتحرش بالعقل الراكد، بأسئلة تحتاج إلى إجابات، ويقول الكاتب حسن مدن: “لعل أفلاطون هو من وصف أستاذه سقراط بأنه كالذبابة التي تلدغ الخيل، فتدفعها إلى الحركة”، قائلًا: “إن حواراته الفلسفية تلدغ البشر وتدفعهم إلى التفكير والتبصر”، وهو تعبير أطلقه سلامة موسى على نفسه، حين قال: “إنني العضو المقلق للمجتمع المصري، مثل ذبابة سقراط أنبّه الغافلين وأثير الراكدين وأقيم الراكعين الخاضعين” ([7]).

هل اصطدمت الفلسفة بالدين؟

إن الفلسفة لم تصطدم مع الدين، لكنها اصطدمت مع رجال الدين، ورفضت سلطتهم على الناس، وإذا قيل إن الفلسفة تطرح الشك من خلال أسلتها، فالشك ممدوح للوصول إلى المعرفة، وهذا ما طرحه القرآن الكريم في حوارية إبراهيم مع ربه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} البقرة 260؛ فالشك جائز في البحث الإيماني، لأنه سبيل للمعرفة الحقيقية، والدين لم يطرح الإيمان كمسألة تسليم انقيادي دون وعي عقلي، إنما أراد إخضاع قمة الإيمان للبحث العلمي والعقلانية قائلًا: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} محمد 19.

ففي الآية، الفعل (اعلم) لم يستوفِ مفعوله، والفعل لغةً إنْ لم يستوفِ مفعوله أفاد العموم، فكأنما الآية عندما طرحت موضوع التوحيد، وهو موضوع قمة الإيمان، أرادت أن يستخدم الإنسانُ البرهانَ العقلي العلمي، ومثل هذه الآية، لا يمكن فهمها إلا بالمنطق الصوري، حتى تجعل الإيمان مستقرًا، وليس عملية اتباع عمياء.

وعودة إلى مسألة الشك التي تطرحها الفلسفة، فلمّا طرح القرآن الشك من قبل إبراهيم، للوصول إلى اليقين عن طريق التجربة والمشاهدة، أكد النبي الكريم هذا الأمر بقوله: (نحن أحقُّ بالشك من إبراهيم) ([8]). ولكن سدنة الدين الموازي ما يزالون يستخدمون وهم الظل الموجود في كهف أفلاطون، ليدلسوا على الناس بأن الفلسفة كفر والفلاسفة زنادقة، والتنوير يريد هدم الدين، مستخدمين اللهب والظل، كما في الكهف الأفلاطوني. وكل من يريد الخروج من الكهف، صندوق العقل الجمعي، يرمونه بتهم الردة والهرطقة والزندقة.

وهذه العقلانية مطلوبة من الجميع، وتختلف في نسبتها عند العقول، كما في تقسيم محمد عابد الجابري، للعقل في مشروعه النهضوي (نقد العقل العربي)، عندما قسمه إلى ثلاثة أقسام: العقل العرفاني، كما هو الحال عند أهل التصوف والإيمان الشعبي؛ والعقل البياني (النصوصي) كحال المدرسة التقليدية الإسلامية التي تهتم بالنقل المروي تراثيًا دون إعمال حقيقي للعقل فيه؛ والعقل البرهاني الذي اعتبره عقلًا ناضجًا يبحث في العلّة، ويهتم بالسببية، وهو العقل الفلسفي إنْ جاز لنا ذلك، وضرب عليه مثالًا بـالمعتزلة، وتجلى في أرقى صوره من خلال الفيلسوف الإسلامي ابن رشد.

العلاقة بين الدين والفلسفة

إنّ الحقيقة هي العلة المنشودة دينيًا وفلسفيًا، والبحث عنها كانت مهمة الفلاسفة الأوائل، وكذلك كان هدف الدين، مما جعلنا نجد أوجه تشابه كثيرة بينهما، ولقد طرح الدكتور توفيق الطويل، أحد أهم رواد الفلسفة الأخلاقية في شرقنا البائس، موضوع العلاقة بين الدين والفلسفة، في كتابه المهم (قصة النزاع بين الدين والفلسفة)، إذ أوضح أن غالبية فلاسفة الإسلام توصلوا إلى أنّ هدف الدين يتشابه مع هدف الفلسفة، إذ إنّ كليهما يريد تحقيق السعادة للإنسان ([9]).

وهذا لا يعني أن علاقة الفلسفة مع أعلام إسلامية تاريخية كانت على ما يرام، ولكن هذا الخلاف كان مع أصحاب العقول النصوصية، الذين نفّروا المسلمين من كلّ ما يتعلق بالفلسفة، وأوّلوا زورًا وبهتانًا قولَ الرسول حينما استعاذ بربّه من “علم لا ينفع”، فقالوا إنما أراد علوم الأوائل التي هي الفلسفة اليونانية، وهذا تأويل باطلٌ لا دليل عليه.

فهم ذمّوا من قبلُ علم الكلام “اللاهوت الإسلامي”، لأنه يعالج قضايا الإيمان والاعتقاد عقليًا، الذي أبدعه الأشاعرة والماتريدية، لكونه في بعض جوانبه يستخدم الأدوات الفلسفية. والعقل النصّي عقلٌ تمت أدلجته عبر قرون تحالف السلطة والفقهاء، وكان من نتائج هذا التحالف خصومة وحرب على الاتجاه الفلسفي الإسلامي، ولكي يذمّوا التيار العقلاني (معتزلة وماتريدية وأشاعرة)، قاموا بشيطنة الفلسفة وزندقتها، والتحذير من العمل بها.

وربّما يتحمل وزر هذه الخصومة شيخ التيار السلفي “ابن تيمية”، إذ اعتبره علمًا غير نافع، وإذا وجدنا العذر لابن تيمية السلفي المُتَبِع للنصوص، فكيف نجد عذرًا لأبي حامد الغزالي الذي أطّر الخصومة بين الفلسفة والدين، قبل ابن تيمية بثلاث قرون! فقد قسم الفلاسفة إلى ثلاثة أقسام: الملاحدة، وأطلق عليهم اسم الدهريين وعدّهم زنادقة؛ والطبيعيون الذين اعترفوا بوجود مبدع لهذا الكون، ولكنهم أنكروا البعث والحساب، وأضافهم إلى القسم الأول من حيث الحكم، وأما القسم الثالث، فهو “الإلهيون“، وهم متأخرو الفلاسفة، كسقراط وأفلاطون وأرسطو، وهؤلاء لم يتفقوا مع القسمين السابقين، وقبلوا ببعض أفكارهم، لذلك عاد وكفَّرَهم وكفّر أتباعهم من الفلاسفة الإسلاميين، كالفارابي وابن سينا وغيرهما.

لكن ابن رشد انبرى للدفاع عن الفلاسفة، وردّ على الغزالي، في كتابه الشهير (تهافت التهافت) مثبتًا إمكانية التوفيق بين الفلسفة والدين، وجاء بنصوص قرآنية تدعم ذلك، وبيّن ضرورة الانتفاع من الإرث الفلسفي، وأن عملية التأويل تُخرج التضادية من كل التباس، وأن التعارض متوهم بين الدين والفلسفة، “لأن الحق لا يضاد الحق”، وإذا وقع تعارض بين العقل والنقل (الحق الديني والحق الفلسفي) يخضع النقل للتأويل لإزالة الالتباس؛ إذ “لا يمكن أن يمنحنا الله عقولًا وينزل علينا شرائع تخالفها”، على حد قول ابن رشد ([10]).

ولا شك في أن الفلاسفة ليسوا جميعًا في سلة واحدة في موضوع الإيمان، وكذلك لم يكن علماء المسلمين على قراءة واحدة للفلسفة، فكانت الحملة شنيعة على الفلسفة والفلاسفة، لكن لم يستطع أي منهم أن يأتي بنص قرآني يمنع الفكر الحر والرؤية العقلانية، فتحميل الفلاسفة جريرة كفرية فيه تمحّل، واعتماد ظاهر آرائهم فيه حكمٌ على النيات، إذ لا محاكم تفتيش في الإسلام.

ربّما كان لرأي الغزالي بعدٌ سياسي، خصوصًا أنه كان متهمًا بعلاقته بسلاطين السلاجقة، الذين استخدموا الغزالي وتبنوا التصوّف الشعبوي، لإشغال المسلمين عن شؤون السياسة والدنيا! لأن الاتجاه الفلسفي سيطرح الأسئلة المسكوت عنها، والمقلقة للاستبداد، فإذا كان التيار السلفي سيستخدم النصوص لمعارضة الاستبداد؛ فإن الفلسفة ستُلهم العقل الوعي بعدم قبول الاستبداد. ومن أجمل ما قيل في ذلك مقولة فيكتور هيجو: “نحن مع الدين على رجاله”.

وبالعودة إلى كتاب الغزالي، نلحظ اجتزاء لكلامه في تكفير الفلاسفة، فهو لم يكفرهم بالإطلاق، كما هو شائع عنه، بدليل قوله: “فأما ما عدا هذه المسائل الثلث من تصرّفهم في الصفات الإلهية واعتقاد التوحيد، فيها فمذهبهم قريب من مذاهب المعتزلة، ومذهبهم في تلازم الأسباب الطبيعية هو الذي صرح المعتزلة به في التولد، وكذلك جميع ما نقلناه عنهم قد نطق به فريق من فرق الإسلام، إلا هذه الأصول الثلث. فمن يرى تكفير أهل البدع من فرق الإسلام يكفّرهم أيضًا به، ومن يتوقف عن التكفير يقتصر على تكفيرهم بهذه المسائل ([11]).

وربما انتماء بعض فلاسفة الإسلام إلى طوائف من غير الطائفة السنّية، كان له بعدٌ في هذا التكفير.

النتيجة

لم تختلف الفلسفة مع الإيمان، فكلاهما ينشدُ الحق والحقيقة، وكلاهما من مقاصده سعادة الإنسان، ولكن بالتأكيد وقع خلاف بين الفلاسفة ورجال الدين الموازي، وليس بين الدين والفلسفة. وبعض الفلاسفة كان لهم مفهوم آخر للدين، ولكن ليس كل الفلاسفة.

فالفلسفة تمثل القدرة العقلية على التفكير النقدي ضد الأوهام، وهنا تلتقي مع الدين. والدين يمنحك القدرةَ على ممارسة الحياة نفسها، ومعرفة معناها، وكذلك الفلسفة. وكما أن الدين الحنيف يمنحك القدرة على العيش المشترك، كذلك الفلسفة. والدين يأمرك أن تمرر تعاليمه على عقلك، فإن اقتنع بها، استقرت في فؤادك كيقين، وهنا يكون دور الفلسفة عقليًا. وما زال رجال الدين الموازي يضيقون ذرعًا بالفلسفة والفلاسفة، لأنها تكشف زيف أباطيلهم.

يقول ديكارت، في كتابه (مبادئ الفلسفة): إن الفلسفة وحدها هي التي تميّزنا عن الأقوام المتوحشين والهمجيين، وإنما تُقاس حضارة الأمة وثقافتها بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها، ولذلك فإن من أجلِّ نعمة يُنعم الله بها على بلد من البلاد هو أن يمنحه فلاسفة حقيقيين.

[1] ـ الدكتور عبد الله دراز: الدين. دار القلم: الكويت 1982. ص: 34.

[2] ـ ابن رشد: فصل المقال، دار المشرق، بيروت ط2، 1968 ص: 27-28

[3] ـ Sahli Yacine: تعريف الفلسفة. 2011. over blog.

[4] ـ محمد أراكون: الإسلام والحداثة. ترجمة هاشم صالح، دار بدايات، جبلة، 2008. ص:29.

[5] ـ أسطورة الكهف (Allegory of the Cave): [وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

[6] ـ راجع كتاب: “قصة النزاع بين الدين والفلسفة” لمؤلفه: د. توفيق الطويل.

[7] ـ حسن مدن: ذبابة سقراط. [وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

[8] ـ أخرجه مسلم في صحيحه، وكذلك البخاري في صحيحه بـ “كتاب التفسير”.

[9] ـ د. توفيق الطويل: قصة النزاع بين الدين والفلسفة. الناشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2019.

[10] ـ ت ج دي بور: تاريخ الفلسفة في الإسلام. دار النهضة العلمية. ط:5. ترجمة وتعليق د. عبد الهادي أبو ريدة. ص: 382 ـــ 390. بتصرف

[11] ـ أبو حامد الغزالي: تهافت الفلاسفة، دار المعارف، القاهرة/ مصر، ط6، ص:30
الشيخ شوقي جبار البديري
الشيخ شوقي جبار البديري

عدد المساهمات : 2134
تاريخ التسجيل : 04/04/2012
العمر : 59
الموقع : قبيلة البدير للشيخ شوقي البديري

https://shawki909.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى