موقع قبيلة البديرالعام للشيخ شوقي جبارالبديري


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

موقع قبيلة البديرالعام للشيخ شوقي جبارالبديري
موقع قبيلة البديرالعام للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
»  ((أثر الفقر))
 عشائر العراق عرف البدو عباس العزاوي   Emptyأمس في 9:20 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

» مقال اجتماعي عن الفقر أثاره على المجتمع
 عشائر العراق عرف البدو عباس العزاوي   Emptyأمس في 9:14 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

» مقال اجتماعي عن الفقر أثاره على المجتمع
 عشائر العراق عرف البدو عباس العزاوي   Emptyأمس في 9:13 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

» دعاء الصباح للإمام علي عليه السلام /بصوت المرجع الديني الشيخ فاضل المالكي
 عشائر العراق عرف البدو عباس العزاوي   Emptyأمس في 9:00 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

»  نعي الشيخ مرتضى الشاهرودي لعام 1403هـ - الجزء الأول
 عشائر العراق عرف البدو عباس العزاوي   Emptyالجمعة يوليو 05, 2024 1:14 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

» دعاء كميل بن زياد بصوت الشيخ مرتضى الشاهرودي ( طريقة حزينة جداً وخاصة
 عشائر العراق عرف البدو عباس العزاوي   Emptyالجمعة يوليو 05, 2024 12:49 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

» دعاء الندبة بصوت الحاج مهدي سماواتي - النسخة الأصلية
 عشائر العراق عرف البدو عباس العزاوي   Emptyالجمعة يوليو 05, 2024 12:40 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

» زيارة عاشوراء | الحاج علي الكعبي (صوت جميل)
 عشائر العراق عرف البدو عباس العزاوي   Emptyالجمعة يوليو 05, 2024 12:13 pm من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

» زيارة ال ياسين من العتبة العتبة العباسية المقدسة المقدسة |
 عشائر العراق عرف البدو عباس العزاوي   Emptyالجمعة يوليو 05, 2024 6:10 am من طرف الشيخ شوقي جبار البديري

يوليو 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
293031    

اليومية اليومية

التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



حول

مرحبا بكم فى منتدى موقع قبيلة البديرالعام للشيخ شوقي جبارالبديري

مرحبا بكم فى منتدى موقع قبيلة البديرالعام للشيخ شوقي جبارالبديري

قبيلة البدير من القبائل الزبيديه


عشائر العراق عرف البدو عباس العزاوي

اذهب الى الأسفل

 عشائر العراق عرف البدو عباس العزاوي   Empty عشائر العراق عرف البدو عباس العزاوي

مُساهمة  الشيخ شوقي جبار البديري الجمعة يونيو 14, 2024 6:32 am


عشائر العراق
عباس العزاوي

- 15 -
عرف البدو
1
- الزواج - النسب
1 - الحالة العامة
مرّ البحث عن تكون القبائل وتفرعها، وحوادث انتشارها، والاشارة الى بعض وقائعها، وهناك تنقل مستمر، وتحول دائم وراء الغزو، أو رعي الابل.. ولا نريد أن نتبسط في هذه الحياة، وإنما نحاول هنا أن ندوّن بعض الظواهر، والأمثلة الواقعة نشرح بها علاقاتها الاجتماعية المألوفة.. وهذه لا يتذوق بها إلا من عرف أهليها، وشاركهم في أوضاعهم لتظهر الخفايا بجلاء، لا تشوبها الرسميات ولا تدخلها الحالات المصطنعة...
يستغرب الحضري، ويعجب كل العجب من عيشة البدوي، ووضعه ومحيطه وأغرب ما يدعو لانتباهه أن يراه يقطع البيد، ويجتاز الفيافي، يشاهد مقتنياته مثله، موافقة لحاجته، ولا تختلف عن حياته، أقوى منه وأصبر على المشاق، وهكذا ابنه وعشيره، وتأخذه الدهشة حينما يرى الخريت لا يضل في أرض منقطعة، وبعيدة عن المياه يقدر مسافاتها، ويعين درجة تحمل مشاقها لحد في العطش، ويعلم مواطن مياهها وآبارها، والطاقة والصبر لها مدى..
(1/90)
________________________________________
الحياة البدوية خشنة جافة، ما أصعبها وأقواها، وأقسى مصابها، وأسوأ حالتها، وأنكى آلامها حينما تنقطع السبل في البدوي، حياة شظف، وعيشة عناء ومخاطر..! وهذه لم تكن كذلك دائماً، وإنما هناك أيام الربيع، وأيام الراحة، والطرب، ومجالس الأنس، وأوقات الغنائم... يتجول البدوي بين خمائل الأزهار، ويتحول من نفح وطيب، الى تضوع وروائح... ويتمنى أن لو دام، وبقي هو وعشيره يرعيان البهم يردد معنى ما يقوله الشاعر:
فيا ليت كل اثنين بينهما هوى ... من الناس والأنعام يلتقيان
فيقضي حبيب من حبيب لبانة ... ويرعاهما ربي فلا يريان
ربيع جميل، وخير متدفق، زائد عن الحاجة، ورخاء ونعيم، لا يعوزه الا الدوام ، والغنى الوافر، والأمن الدائب، والقوة المنيعة... وهناك الحياة الطيبة، والعيشة الراضية، والأمل الكبير، والعمر الطويل...
وكذا الحضري لو رآها تمنى أن يبعد عن غوغاء الحضارة؛ وضوضاء المدن، وعفونة الهواء، وضيق العطن، والانهماك في ملاذ لا حد وراءها، نغص في العيش، وسهر دائم، وعلل متوالية، وأمراض فتاكة، وإذا أضيف إليها قسوة المجتمع وظلمه، فهناك الويل والثبور... ورغب في هذه الحياة الهادئة المطمئنة...! والحياة لا تبقى على حالة، وهذا النعيم لا يطول، قصير عمره، مستأهل تخليده، لو أن حياً خالد... مشوبة بغزو وقتل، ونهب وسلب، ومنغصات كثيرة، ومزعجات عديدة...
هذه البادية في أقاصي المعمورة، وأبعد المنقطعات لا يرغب فيها المتنعمون، ولا أهل الثراء، منغصة دائماً، ومكدرة دوماً، ما أحلاها أيام الربيع وأصعب مركبها، وما ألطفها في سني الخير وألذ حياتها لولا ما فيها من تلك المنغصات.. مشوبة أفراحها باتراح وصحتها بعلل، وشبابها بشيخوخة، فإذا قال الأول:
لا طيب للعيش ما دامت منغصة ... لذاته بادكار الموت والهرم
فكيف اذا كانت الحياة في بيداء جرداء، وعادية عوادي، وهجوم ضواري وحرارة قيظ، وبرد وقر.. لا يهدأ البدوي من قلق وتوقع اخطار... فهو دائماً في بصيرة نافذة، والتفاتات جميلة، ودقة فكرة... يصدق عليه انه " ثعلب البادية " او " جن الارض " ، ومضرب المثل في الذكاء (العربان غربان): علمته البادية ما نحن بحاجة الى الاخذ ببعضه، ومدرسته الصحراء، وكتبه الحوادث، وعلمه حب الحياة، بل هو (شيطان الفلاة)، او (عفريت الموامي).
يهزأ من علمنا، ويسخر من فكرنا، بل يقطع في جهلنا، ويرى ان حياتنا مطردة وعلمنا مكرراً، ومثله عملنا هو كل يوم على رزق جديد، وفي ابتكار عميق، ودقة فائقة، ولا تخلو حياته من افراح، ومن مجالس أنس، وطيب عيشة، ويرى ان مزعجاته قليلة، ويعد عناءه راحة، ولا يشعر بخطر... اعتاد هذه الحياة، والف الحالات المفاجئة، بل قد يخطر باختياره، ويناضل برغبته...
وكل ما نقوله عنه انه:
ينام باحدى مقلتيه ويتقي ... باخرى المنايا فهو يقظان هاجع
حياة رياضية بطبيعتها، في سباقها وصيدها، وفي غزوها وافراحها والعابها، حياة النضال، والجيش المدرب المعود، يقومون بهذه لا للتمرن وحده، بل للاستفادة.
وفي بيان بعض عوائدهم منتزعة من امور واقعية تبصرة لما هم فيه، وهي ذات مساس بالآداب او لا تنفك عنها... ولا تقتصر على فصل القضايا المصطلح عليها بالعرف القبائلي، وانما هي بعض هذه المطالب، نريد بها ان نعين الحالة التي هم عليها موضحة بامثلة ترغيباً في تتبع زائد، واتصال مكين، وتدوين صحيح...
2 - الزواج - النسب
من سمر البادية، ومن اكثرما يلهج به البدوي اختيار الزوجة، ومراعاة آصلها، وطيب نجارها، وعراقة نسبها، وهي عونه في حياته، أو شقاؤه ومذلته،ويلهج العربي بقوله (العرق دساس)، و (ثلثا الولد لخاله)، و (دور علي المنسب ترى الخال جرارّ)، و (بنت الذلول ذلول)... وكلها تدعو الى لزوم التحري عن الزوجة اللائقة... وأساساً ان الزوجة ليست بضاعة تشترى أو تباع، وتتداولها الايدي... والقوم اذا راوا أدنى عيب في القبيلة يتوقون من الاتصال بها،ويتباعدون خشية ان يدس العرق، واذا كان المخول رديئاً نراهم يتباعدون حذر ان يتورث عرق الخؤولة... وهكذا الوراثة مرعية عندهم في الخيل والابل...
(1/91)
________________________________________
وفي الوقت نفسه يحضون على اخذ النساء والاكثار منهن ليكون للمرء اولاد يكيد بهم اعداءه، ويقهر منافسيه... فيقولون: خوذ من النسا وجيد العدا (خذ من النساء وكد الاعداء)... ولا يحصى القول في هذا الموضوع. واني ذاكر بعض الحكايات في النسب، واختيار الزوجة، ولا يختلف فيها البدو والمثال لا يقتصر على من قيل فيهم... وانما الامر مشترك في الكل، ومعتبر بين الجميع... ولا يستثنى الا الصلبة فانهم يعدون غير اكفاء لسائر العرب في الاختيار...
3 - بنت رغيلان - ام شهلبة
يحكون ان احد رجال شمر المعروفين، فهيد ابن الغواري من العمود دعا ابنه ان يتزوج ابنة صالح ابن رغيلان من قبيلة اليحيا من شمر وهم اخوال صفوك وفارس آل محمد. ولما كانت هذه الأسرة معتبرة عند البدو حض ابنه أن يتزوج ببنت صالح، وهو يعلم ان والد البنت لا يمنعها لما لعشيرته وأبيه من المنزلة النبيلة والمكانة المعتبرة عندهم...
ذهب الولد فرحب به والد البنت، وبعد المفاوضة طلب مهراً (سياقا) عشرة من النوق الغتر (لبيض) فلم يبد الابن موافقة واستكثر الطلب، وان يدفع لبنت هذا القدر من المال، وعنده أن كل ناقة تساوي امرأة، أو عشرة من النساء.! رجع الولد دون ان يظهر غرضه.. وسأله ابوه فكان جوابه ان اباها لم يوافق على اعطائها له، فاستنكر والده ذلك، وغضب على ابنه وقال له: طلب منك ما استكثرته، ولامه على فعلته، ثم حثه على العودة مرة اخرى، وفي السنة التالية بين انه يقدم العشرة المطلوبة، فاجابه ابو البنت انها ليست بضاعة يساوم عليها فأن شئت ان تعطي عشرين ناقة من الغتر تقدم، فلا اوافق على امل..! وفي هذه المرة استعظم المقدار، وعزم ان لا يتزوجها وعاد بصفقة المغبون فلقي من والده لائمة اكبر، وأمره ان يأخذها بما كلفه الامر، وان يقدم له ما يطلب منه وان لا يتردد في القبول، أو يتأخر في أنهاء القضية ذاكراً أنه إذا حصل منها ولد فأنه النعمة التي لا يعد لها ثمن، ولا يقدر بابل وشاء وان اباها لا يردك أن رأى منك رغبة صادقة مراعاة لجاه ابيك..! وفي هذه المرة نزل ضيفاً عند الاب، وكان قد خرج الى البر لقضاء حاجته، فوجد بنتاً جميلة جداً خرجت من البيت ذاهبة للاحتطاب فاعجبته فسألها عن البنت المطلوبة فمدحتها واثنت على جميل خصالها، وقالت: انا لست بشيء بالنظر اليها، ولامته بل عنفته على تأخره عن الاخذ، وان والدها ليس له امل في اخذ المال...! طلب الاب منه هذه المرة ثلاثين ناقة، وابدى أنه لا يعدل عن واحدة فلم يتردد الولد وأعطى المطلوب. اما الاب فانه اثر ذلك وبعد تمام العقد اعاد الابل جميعها واعطى ناقة للبنت من ماله واخرى لخادمتها، وسيّرها بالوجه اللائق والاتم.. وبيّن انه اراد ان يبرهن للولد بان البنت عزيزة عنده ولم تكن ذليلة، ولا غرضه ان يساوم، أو يربح ربحاً منها.! وبعد ثلاث سنوات ولدت له ابناً ثم آخر...! مضت مدة على زواجه، وفي يوم من الايام صادف ليلاً ناراً موقدة في بيت من بيوت البدو فوجد عندها بنتاً تصطلي على النار (تتشلهب)، فاعجبه بياض ساقيها، ونعومة بشرتها وفي تلك الليلة طلبها من ابيها فتزوجها، وعلقت منه وصار له منها ولد.
كبر الاولاد، وكانوا قد بلغوا مبلغ الرجال، ويؤمل منهم ما يؤمل من امثالهم للحروب والغزو، أو حفظ المال والاهل والنضال عنهما عند الملمات...!! وكانت قد حصلت منافرة في هذه الايام بينهم وبين قبيلة عنزة المشهورة، فمال عليهم بعض غزاتها فنهبوا ابلهم، وكان من رأي ابن (أم شلهبة) ان لا قدرة لهم على الحرب، والاولى ان يعودوا ويفروا بانفسهم فاعترضه ابنا (بنت رغيلان) بانهما كيف وباي وجه يرجعان الى جدهما وقد اخذت ابلهم ونهبت من بين ايديهم فاجاب ابن ام شلهبة نعوض له ابلا اخرى تعود لنا... فلم يوافقوا على هذا، ولم يرجعوا وانما تحاربوا مع العدو وانتزعوا الابل المنهوبة ومعها بعض (الكلايع)(1) ورجعوا غانمين، ظافرين... وكان قد سبقهم ابن ام شلهبة فاخبر جده بما خاطر به الاولاد الآخرون، وما جازفوا، فبقي صامتاً ساكتاً، لا ينبس ببنت شفة وآثار التألم بادية عليه، ولا طريق له في هذا الليل ان يعمل عملا ما وصار لا يهجع وكان يعبث بالنار، في عصا بيده ويزيد في الوقود.. وهو مضطرب..
(1/92)
وعلى كل كان احر من الجمر، وبينما هو كذلك جاء احد الولدين وكان قد سبق صاحبه راكباً فرسه ليبشر جده، وبقي الآخر مع الابل يمشي على مهل... فبشره بالنجاح واستعادة الابل، وما جرى من انتصار، وانه سارع لاخباره.. ففرح الجد، ولقب الفارّ بابن (ام شلهبة) وبقي هذا النبز ملازماً له وخاطب المنتصر قائلاً:
ان جدت انا جاذبك من مجاذبك ... وان برت هو اولاد الصكور تبور
وهكذا يقصون الحكايات الكثيرة من هذا الموضوع وكلها لا تخلو من دقة وعناية ادبية... وعندنا ايضاً (العرق دساس)، و (اياكم وخضراء الدمن) والاشعار في هذا الباب كثيرة...! والبدو يتلاعبون في البيان ويراعون كل وضع ادبي، تصدر هذه ممن يعرف كيف يستهويهم بلفظه، واشاراته، وتزويق رأيه مما يزيد في الحكايات رشاقة، وفي الكلمات رقة وحلاوة، وفي السبك طلاوة...
ولا يتيسر هذا لكل بدوي فما كل من نطق خطيب، ولا كل من كتب بليغ، ولا من زاول النظم شاعر... وانما هناك مواهب قرنت بممارسة وتمرين. وكل فتور، أو ظهور حوادث جديدة يتخذونها موضوعاً لتقوية فكرتهم المعتادة من لزوم اختيار الزوجة من نسب عريق، وأخلاقهم العامة تأبى أن يتناولوا كل مأكل... وهم كما قيل:
ولو كتموا أنسابهم لعزتهم ... وجوه وفعل شاهد كل مشهد
أو نراهم يقولون:
خواله ما هم من عمامه
دور الاصل و المغني الله
ابن ابنك ابنك وابن بنتك لا
ولا يراعون دائماً الحب والعشق او الحسن في الدرجة الأولى، وانما يلتزمون الأصل الصريح... ويقولون (مضرّباً) لمن أخواله ليس من اعمامه، أو من أصل رديء وهو المعروف ب(الهجين)... وهكذا الأمر معتبر عند العرب القدماء، وفي كتب الأدب مباحث خاصة في الخؤولة عند العرب.(1)
4 - اختيار النسب - الحب
عوائد القوم في الزواج مقرونة بتقاليد لم يكن اساسها الجمال وحده كما أن الاختلاط واتصال الجنسين معروف في البدو، ويراعى اختيار الوالدين في انتخاب الزوجة... وللتودد دخل، وأصله الرغبة الخالصة ومثل هذا ليس بالقليل، وقد يجتمع الأمران...
إن الضرورة أو الحاجة تدعو الى الاتصال الدائم والاختلاط المستمر سواء في حلهم وترحالهم... وفي الأفراح والأعراس يختلط القوم ويشتركون جميعاً وهم في هذه الحالة بمنزلة عائلة واحدة... وكذا الأمور التي تجلب السخط، والزرايا العامة، والمصائب الطارئة... اثناء الغزو وهجوم الأعداء، أو موت عزيز أو قتله...
ومن ثم نرى التكاتف، والتأثر بما يحدث مما يؤدي الى هذا الاختلاط نوعاً ومثله الجيرة، والقربى، والمجالس المعروفة بالدواوين، بل وسكنى الخيام...
كل هذه من دواعي التحابب والتقرب في الزواج، ولكن ذلك كله محاط بسياجات قوية من عفاف، وخوف هما نتيجة تقاليد موروثة مثل النهوة من الأقارب مما لم يبق أملاً في العشق والحب أو الرغبة وإلا عرض المرء نفسه لأخطار قد تشترك فيها جميع افراد القبيلة بالتناطح والتطاحن وتحول دون الرغبة في الزواج. وفي هذا يراعى رغبة الزوجة فاذا قالت انا باغيته، أو أنا ما باغيته فلا يخالفون ذلك، وغالباً ما تلاحظ الزوجة الشجاعة وحسن السمعة والكرم وسائر الصفات المرغوب فيها...
كل هذا لا يمنع أن ينتقى النسب الصالح ويغالى فيه والتحوطات لها مكانتها مما تجب مراعاته في الغالب؛ والمرأة إذا لم تقبل بواحد ورفضته فلا يتقدم عليها أو يأنف قربها بعد أن تعلن أنها راغبة عنه... وكذلك هو لا يتصل بها وان ملكت جمال العالم وكان نسبها خلل، أو في أصلها عذروبة (علة) كما يقولون...
5 - بنت الذلول ذلول
هذا المثل يعين ناحية مهمة في اختيار الأصل والنسب المقبول بطريقة ان من لم يراع حكم هذا المثل يناله ما نال الرجل الذي كان مضرب هذا المثل فيقع بما لا يرضى ولا يحمد... وذلك أنهم يحكون أن رجلاً أحب امرأة، وأراد أن يشاور آخر في أمر زواجها، وكان يأمل أن يشاركه في التشجيع على الأخذ في حين انه يعرف أن أصلها رديء، وكانت أمها مشتبهاً في عفافها..
(1/93)
________________________________________
نهاه صاحبه أن يتصل بها نظراً لسوء جرثومتها، وان لا يختار هذا المركب فلم يوافق على رأي المستشار وقال له ليس من المعلوم أن تتابع أمها، بل تتجنب ذلك السلوك الرديء ولا تعلم عنه... ولما كان عازماً على التزوج نهاه صاحبه ولامه من جراء استشارته فقال مضطراً على مراعاة فكرتك..!! انتهى الحديث بينه وبين رفيقه وتزوجها... وفي أحد الأيام أراد أن يعبر من مكان فيه نهر وقد امتنعت عليه الابل من العبور، وتعسر عليه ذلك استطلع رأي زوجته في الأمر فقالت له: - عندنا بكرة أمها ذلول، وهذه تعبر، وتتبعها الابل. فقال لها انها ليست ذلولاً ولم تركب بعد. فقالت له: ضع زمام امها في رأسها وهي تعبر فاعترضها فقالت: انها - (بنت ذلول) على كل تكون ذلولاً. وحينئذ وضع الزمام في رأسها فانقادت وعبرت الابل.! - ومن ثم تيقن الرجل صحة قول رفيقه من ان (بنت الذلول ذلول) وقطع في هذه التجربة التي أجراها على يد زوجته، وعلى هذا اخبر زوجته بانه سوف لا يرضاها، وأنه يخشى أن تكون ذلولاً كأمها فطلقها، ولم يسمع منها دليلاً أو كلاماً آخر بعد أن وضح لها الأمر عياناً في المثال المضروب...
ثم تبين للزوج انها كانت قد خانته ولكنه لم يستطع ان يعلم ذلك وانما عرف الحقيقة بعد أن تزوجت بآخر فظهر عليها ما كانت تكتمه خفية..
وهكذا تضرب الأمثال في رداءة النسب وما يجرّ إليه، وصلاح النسب وقيمته الأدبية..! وفي الخؤولة لا تراعى القاعدة دائماً، وانما يتزوجون من القبائل الأخرى المماثلة ومن أكفاء القبائل، ولا يشترط ان يكون من نفس القبيلة، وانما يقصدون بالمخول المخول الرديء... وقد مرّ ان بعض القبائل تزوجت رؤساؤها بنساء من قبائل أخرى لا تمت اليها بصلة..
6 - المهر - الحداد
يلاحظ في الزواج انه تابع للرضى، ومقدار المهر مختلف جداً، والزوجة لها مهر يقال له (هفيان)، أو (الهافي) وهذا تستحقه بالزواج، ومهر آخر يقال له (النميان) وهذا عند النزاع والتفاخت (الطلاق) يعاد الى الزوج وأكثر ما يتوضح في قضايا صليب...
وهناك شيء شبيه بالنهوة وهو أن الزوجة إذا لم تأتلف مع زوجها، ناصرها أقاربها في تقوية هذا الخلاف وتفاختوا (تطالقوا)، ولكنه في الأثناء قد يشعر الزوج بان في ذلك تدخلاً، وان هناك من يرغب في التزوج بها بعد طلاقها... وحينئذ يستعمل الزوج حق (الحداد). وهذا الحق هو أن ينهى الزوج أولئك المشتبه بهم فيهم في التزوج بها بعده، ينذر أولياء الزوجة فينهاهم بمحضر شهود وينهي المشتبه فيهم، ومن ثم تكون له المطالبة بهذا الحق عند حصول الزواج بعد الفراق وهذا محدد في التزوج بمن عينهم خاصة...
7 - جمال البادية
وصف الشعراء في الجاهلية المتجردة وغيرها فأبدعوا، والمتنبي (ظباء الفلاة) ورجحهن على الحضريات فاجاد كل الاجادة... ولكن لا يقل عنه في الابداع والاجادة ما نسمعه من شعراء البدو من نعوت بنات اليوم، وقد يزيدون في كثير من الخصال والجمال الطبيعي... فاذا تعشق البدوي ينطق ويستنطق، وليس هناك ريبة، ولا ارتياب، بل قد يكون واسطة تحريك النفوس، ولا يتجاوزون في الوصف الا اذا كان بطريق التعمية دون ذكر الاسم، أو بيان ما يدفع الشبهة كأن يقول حبيبته في موطن بعيد يصعب الوصول اليه، ويبدي حيرته في عظم الشقة.. ليبعد سامعيه عن مراميه...
يحكون أشبه ما هو معروف بالروايات، وتصوير حوادث أشبه بحادث المتجردة، أو يصف ما جرى بينه وبين محبوبته كأنه واقعي، وهناك الاستجواب والحوار ولا يستطيع أحد أن يصرح باسم وانما يعد هذا عيباً كبيراً ويؤدي الى نتائج وخيمة... فهذا سالم بن عبد الرشيد يصف وصفاً لا يقل عن شعر عمر ابن ابي ربيعة قال:
البارحة(1) يوم الكبابيل نعوسي ... وخليف ساهر والمخاليج غافين
لكيت غرو(2) دالع باللبوسي ... كالت لغيري، كلت انتي تسدين
كالت اصيحن كلت منتي عروسي ... والله لصيحن لو بغيتي تصيحين
كالت يجونك كلت ماني نسوسي(1)
أله يحكم ابليس وانتي تشوفين
كالت تعلمّ كلت ماني بلوسي(2) ... وعلى العلم يا بنت ما حدني شين
ومثل هذا حكاية أخرى لشمري يصف بها امرأة، ولا تعدو التصوير قال:
(1/94)
________________________________________
غاب الحليل وشفت بالترف ميلاح ... وجيت اتخطى جن أهلها نسابه
كالت تهلع لارهج النزل بصياح ... ماني من اللي بالردى ينهكى به(3)
كمت اتبطح له واديره بالمزاح ... لان الحبيب وكام يضحك بنابه
ثار الحبيب وطبك البيب بسياح ... وكشفت عن نابي الردايف ثيابه
غطيت بالثوب الحمر زين الملاح ... لمّا(4) شعاع الصبح بيّن سرابه
كالت تنكل هذا الصبح باح ... ووداعتك عرضنا، والحزابه(5)
كلت ماني ولد عفن على السر بياح
اللي ليا كفّى رفيجه حجابه(6)
وأراد أن يبعد المرمى، ويزيل الشبهة فقال:
علمي بهم بغنيم يوم المطر طاح ... واليوم مدري وين ربي دوابه(7)
مدري مع اللي سندوا يم السياح ... والا وياللي فيضوا يم طابه(Cool
وهكذا يقول آخر:
يضحك لي بحجاج العين كله رضى لي
مخفى كلامه، خايف من دناياه
والعارض المنكاد من دون خلي ... والوشم وسدير مع جملة كراياه
ما ياصل المجمول كود فاطرلي ... متكمت المرباع والصيف ترعاه
يريد ان عشيقته تضحك له بحجاج عينها، ولم تطق أن تظهر نفسها، ولا تبدي كلامها خوفاً من أقاربها الأدنون.. ولما رأى أن قد أو جسوا منه، وشعروا أنه وهو لا يستطيع الوصول اليها، فشوش الغرض، وغير القصد، وأعلن حبه كما يريد وأبلغها ذلك..!! ولابن رشيد:
يحمود انا عارضي شابي ... وطرد الهوى جزت انامنّه
كود وضّاح الانياب ... هذاك مني وانا منّه
الزين لو هو ورا الباب ... لزم عيوني يراعنّه
نبنوبة حشو الثياب ... ونهود للثوب زمنّه
ويا محلا جدع الاثياب ... واركاي سني على سنّه
فاجابه حمود: - وصلت خيراً يا محفوظ! ويطول بنا ايراد ما هنالك مما يصور نفسياتهم المختلفة من حب وخلاعة واعلان أغراض متنوعة...! ولهم في الوصف وابداء الحب تلاعب وتنوع، كل يحكي نفسيته وينطق بما خالج ضميره، وهم اقدر على البيان، وأسرع في ادراك الدقة والملاحظة وما تأثر به من الجمال وهذا كثير لا يحصى حتى أن بعضهم قال لي لو اردت أن تكتب حمل بعير كتبت... وقد يتهالك القوم، ويقع التزاحم على المورد العذب، فيكون ذلك من اسباب اهمالهن أو تأخرهن مدة خوف الفتنة، ومن جراء كثرة الرغبات. وقد تطالب المرأة بشعر وتبدي رغبتها من جراء ما ترى من تزاحم وان لا يتمكن الواحد من الاقدام عليها...
وهذه البدوية وهي مويضي المطيرية تقول:
يا عم جيتك باتشكي ... دوك الركايب بروكي
يالعن ابو عمر ما تزكى ... تر زكاة العمر هزّ الوروكي
وأحياناً تؤدي المنازعات الى قتال عنيف...
وبعض جميلات البادية طلبهن رؤساء كثيرون فلم يوافقن الا على من كان شهيراً في عراقة نسبه، وله الذكر الجميل في الشجاعة والحرب. ويطول بنا ذكر من اشتهر بالجمال..
والحاصل بعض عوائد القوم في الزواج مقبولة، وبعضها مثل (النهوة) مدخولة، ولا تلاحظ فيها الكفاءة وحدها وانما هناك المنع عن التزوج بمن تحبه لمجرد ان الناهي ابن عم، أو ما ماثل. والزواج عندهم جار على قانون الشرع، وعلى العقد الصحيح، بل اختيار النسب هو المقبول المعتبر... وكل هذا لا يجعل ريباً في ان الامومة لا أصل لها، وأصول الزواج قديمة جداً، لا تفترق في أحكامها اليوم عن تلك...
2
- الأفراح والأعياد
البدو يظهرون أفراحهم في أيام الاعياد والاعراس، واوقات الختان، وفي مواسم الربيع، وحينما يعود رجالهم من الغزو ظافرين... واني ذاكر بعض ما يقومون به لاظهار شعورهم...
1 - الدحة
(1/95)
________________________________________
ليس للبدوي من الوسائل والوسائط التي يستخدمها الحضري لاظهار سروره وابداء فرحه... وإنما عند الألعاب كثيرة، والسباق معروف، والنشيد او القصيد في الأحوال الداعية للفرح والسرور مما هو متداول ومشتهر ويتغنى به، ومثله في الاكدار وبيان الأحزان... وكل ما يعبرون به في اوضاع وحالات خاصة لا يكاد يحصر أو يحد، وكله يشير الى اظهار الشعور والاحساس مهما كان...
ومن أشهر ما يجريه البدو في أفراحهم، وفي الختان خاصة (الدحّة) المعروفة، ولا تقتصر على الختان وان كانت خاصة به، وانما تراعى في الزواج، وفي ايام الربيع واوقات الراحة... وهذه رقص بأوضاع خاصة، وأصول مألوفة تقوم بها بنات القبيلة، تتقدم الواحدة تلو الأخرى، وتلعب دورها، فتمسك سيفاً في الغالب، والمتفرجون في الجانبين... ويقال لهذه اللاعبة (الحاشي)، وتوصف بأوصاف جميلة، فتتقدم، وهناك يجري اللعب بكل سكينة وهدوء...
يجتمع القوم كحلقة طولانية، وتكون هي في الوسط... وهناك كصاد (قصاد)، ودحاحة... وقبل ان تشرع اللاعبة، أو تعرف من هي التي تدخل الدحة ياقل في معرض التشويق والترغيب ما نصه:
يا نعماً لك بالطيب.
ان جبت الحاشي تكوده.
يجاب من آخرين:
قول وفعل يا ولد!
تستاهل حب النشمية!
يا هلابه يا هلابه! (اهلا به).
وقد تردد باشكال اخرى مثل:
يا من عين لي (فلان).
صلاة محمد مثنيه.
يسمع حسك يولد.
تستاهل حب النشمية.
ومثله:
اطلع (يفلان) اطلب راسك الكصاد.
ابشر بالحاشي.
ابشر بالحاشي!
العب والعب!
ابشر بالخير ابشر!
دحيّ، دحيّ!
فاذا جاءت البنت ودخلت الدحه، قابلها الكصاد موجهاً كلامه نحو الدحاحين ونادى قائلاً:
يا حاشينا يا بو بشيت!
على صيتك تعنيت!
فك روحك يا بالحوش!
اكلوا بالحويش اكلوه!
ويخاطبها:
كومي العبي لي والعب لج!
وكلب الجاهل يطرب لج!
العبي لي يا زينه...
ويقول أحياناً:
كوم العب لي يا بالحوش!
وحبك بالبراطم نوش!
وهكذا يمضي في أقواله، ومن ثم يحاول الدحاح الواحد، أو الدحاحة الكثيرون أن يختلس الفرصة للتقرب، أو لمس ناحية منها وهم على تباعد، وبيدها السيف تهارفهم، وتبدي انها عازمة على الضرب به فهي في حالة الرقص واتقانه والحذر أن تدع فرصة للدحاحة... ولكنها قد تتهاون نوعاً مع من تحب، وتغفر له خصوصاً اذا كان خطيبها.! وفي هذه الحالة لا يقدر بوجه أن يقوم أحد بما يخالف الآداب، ولا تتردد هي أن تضرب؛ ويباح لها اثناء اللعب... واقارب البنت بالمرصاد، والخلاعة لا محل لها، ولا تسمع هناك كلمات بذيئة، او اقوال رديئة..! ويقال للدحه هذه (سامري) أيضاً، ويقصدون فيها قصيداً يرددونه، والدحاح غير القوال او الكصاد (القصاد)...
لا نرى في هذه اللعب الا مراعاة الأوضاع المألوفة، ولا نجد خلاعة، او ما هو معروف في دور الرقص... بل نرى انه لا تدخله ريبة، وانما هناك الحب الحقيقي، ومعرض الجمال واللعب القومي، وغالب ما ينتهي الرقص البدوي غالباً بزواج، وليس فيه ألاعيب وتوصلات دنيئة مما يفعله بعض السفلة لقضاء شهوة ووطر لمدة قصيرة... وبنات القبيلة لا يفرق بينهن في اللعب، وليس هناك لاعبات يزاولن هذا الرقص، وهي عامة في كافة البدو، وآل محمد لا تدخل نساؤهم الدحة...
والملحوظ ان هذا يجري بين افراد اسرة، أو مجاوريها مما بينهم الفة، أو أفراد عشيرة، أو قبيلة واحدة...
والمرأة في وضعها هذا اذا كانت حاشياً تتعب كثيراً، وينالها عناء كبير، فهي في احتراس دائم، وحذر من ان يتمكن احد من لمس شيء منها...
ولا تفترق في الاحساس عما يسمى ب(الجوبي) الا ان هذا تقوم به واحدة ثم تتلوها أخرى وهكذا. وليس فيه ما هو معروف عند أهل المدن والقرى من وسائل مساعدة كالدفوف والطبول، ولكنه لا يخلو من غناء وتغني بالقصيد بنغمة خاصة وحالة معتادة من التغني ببعض المقطوعات. وتغلب فيه ذكر (دح، دح...) من الدحاحة وتتكرر مراراً، ومن ثم سميت بالدحة اظهاراً للوضع وحكاية للصوت الجاري الغالب تكرره فيها..
ولكل قوم وسائل لاظهار الفرح والسرور، وأوقات طرب وانس..!
2 - العراضة
(1/96)
________________________________________
وهذه تجري ايام الأفراح الأخرى، والأعراس، أو الحروب والنفير الذي يحدث أحياناً... والعراضة ان تجتمع الخيل مستعرضة تلعب، ونساء القبيلة امامهن... وفي هذه يكثر القصيد حسب الموضوع الذي لأجله احتفلوا... واذا كانت لفرح كثر فيها القصيد الذي فيه تشويق للشبان على الزواج، ونعتوت البنات الجميلات...
والعراضة وان كانت اجتماعاً عاماً إلا أنها ليس فيها أوضاع الدحة... وإنما تكون النساء بجانب، والخيول مستعرضة، والغناء، أو القصيد يجري بالوجه المرغوب فيه...
3 - العاب واحتفالات اخرى
وهناك ألعاب أخرى منها ما يجري بين صبيان القبيلة مثل (الزاب) المعروف عندنا ب(الحاح) أو (البلبل)، وكذا (عظيم ضاح)، و (كبة)، و (كورة) و (ربعه) ويقال لها (البية)، أو مجالس الفرح وفيها يغني ب(الربابة). وكلها ملاهي يتعاطاها الصغار، أو الكبار في أوقات الفراغ والراحة وليست عامة في الكل وإنما يقوم بها سائر الناس دون أهل الوجاهة والمكانة..
ويلاحظ انه في أوقات الحزن والألم لا نرى مراسم تجري، ولا مهرجانات ولا ما هو معروف عندنا ب(المعادة، والعياط)، وإنما يغلب ان يكتفى بالبكاء البسيط، وذكر (واويلي، واويلي) أو ما شابه مما يردده الرجال والنساء ولا يشكل وضعاً خاصاً، أو مراسم معينة...
(
3
- الغزو
1 - اسبابه - حكايته
أصل الغزو تابع للأخذ بالثأر، والحرب المتقابل وهو الشغل البدوي الشاغل بل هو أكبر مشغلة له وأعظم مورد من موارد رزقه... لا يقف عند العداء، وقد يكون سببه وأكثر آدابهم المنقولة ووقائعهم المعروفة إنما تتعلق بذكرياته... قال الأول:
ولو ان قوماً غزوني غزوتهم ... فهل انا في ذا يا لهمدان ظالم
متى تصحب القلب الذكي وصارما ... وانفاً حمياً تجتنبك المظالم
وهناك حالات أخرى تدعو للغزو كعداء فجائي، وتجاوز آني، أو أن يكون على قوم ليس بينهم عهد؛ أو على الكلأ والمراعي، أو الآبار... والأساس ان تعتبر الحالة حربية بين القبائل، والغزو دائب... وأسباب العداء كثيرة، وفي الغالب تحترم العهود والوقائع السابقة، أو تكون العامل في اثارة البغضاء.. والقصص التي ينقلونها لا تكاد تحصى، والقصائد المهمة كثيرة...
ومن البواعث عندهم ما لا علاقة له بأحد المتخاصمين كأن يقوم بالحرب والغزو ارضاء لزوجته التي تنفر ممن لا تشيع اخباره في الشجاعة والكرم...كما ينقل عن أحد رؤساء بني لام الذي كانت له زوجة وتوفي عنها فتزوجها أخوه، وكان يضارعه في رسومه وأشكاله، إلا أنه بعيد عن الحروب والغزو على خلاف ما كان عليه زوجها الأول، فلم يرق لها الزوج الجديد، وقالت قصيدة. منها:
الزول زوله والحلايا حلاياه ... والفعل ما هو فعل ضافي الخصائل
تريد انه كزوجها الأول في شكله وحلاياه ولكنه لم يكن ضافي الخصائل مثله... علم الخبر، واطلع على مكنون سرها، ومن ثم هاجت همته، وزاد حنقه، وعد ذلك اهانة منها له... فعزم أن يظهر بما ترضاه، ويقوم بما كانت تأمله فذهب للغزو وصار الى محل ابعد، فغنم غنائم وافرة، وقام بأعمال جليلة بغرض أن تكون له مكانة مرغوبة عندها، ويعمر ما قامت به من اهانة...! عاد من غزوته ظافراً، فاستقبلته بقصيد مدحته بها ليرضى عنها، ففتر غيضه، وزال غضبه، وعفا عنها، وعرفت له منزلته، وذهبت منها الفكرة الأولى...! والبدوي لا يغزو قريبه، أو يسرقه... الا أن يكون قد حصل عداء بين الفرق أو القبائل التي بينها قربى والا يجل، ويضاعف عليه بدل المسروق غالباً وكذا لا يسوغ له أن يمد يده على الجار أو الحليف، والغزو انما يكون على العدو او من جوز القوم نهب امواله، او اعتباره محارباً..
واذا قبل هذا الأساس نجد الاتفاقات تجري بين الأفراد، أو العشائر، أو أصحاب الغزو للوقيعة بالعدو، والحرب معه، أو بقصد الحصول على غنائم... وهذه الاتفاقات قد تعود بالويل والخيبة، (الف تعبة على البدوي بلاش)...! أو يكون العكس بان يغنم الهاجم، ويربح الغازي... ومن ثم يقابل بالفرح والابتهاج ويرحب به الترحيب الزائد...
2 - الصلح والحرب
إن الصلح والحرب من أعظم المسائل الاجتماعية عند البدو، ولهم حلول قد تخفى على الكثيرين، أو أن ادراكها بعيد عمن لم يكن ملتفتاً الى حقيقة ما عندهم...
(1/97)
________________________________________
وإذا أردنا أن نتوغل في هذه الناحية وجب علينا ان ننظرها كحالات دولية، أو مناسبات سياسية، تابعة الى حقوق واسعة النطاق، وبعيدة الغور في دقتها وأصلها ولكن بصورة مصغرة...
وهذه الحقوق متعامل عليها، ومعروفة من قديم الزمان، ومضى القوم عليها وان لم تدون، أو تسجل في شريعة، أو قانون... والإسلام في اوائل ظهوره دوّن بعض الوقائع المخالفة، وسجل العلماء الشائع... وهكذا استمر، بل ان الإسلام تأسست فيه الحقوق الصحيحة، والوقائع المتعارفة... وقد قبل ما يصلح ان يكون تشريعاً عاماً... ولم توافق الشريعة الغراء على الحرب والغزو بلا سبب صحيح، أو اعتداء ظاهر...
وفي سعة هذه العلاقات وكثرة وقائعها لا نستغني عنها اليوم لمعرفة الحقوق القديمة عندنا، وخاصة في جزيرة العرب، وفيها ما لم ينتبه الى صور حله، وطريق حسمه، ولا يقلل من قيمة هذه الحقوق انها غير مكتوبة... ولكننا نقول ان العربي احفظ لعهوده، واقرب لسياسته الحقة والصريحة، لا ينكث عهده الا ان يرى من مقابله ما يدل على العداء او التحرش او الاجحاف.. وهذا لا يقع دوماً، وإنما هو قليل جداً...
وفي الوقت نفسه نرى البدوي يثأر فلا ينسى ما أصابه من حيف، أو ناله من ظلم... ولهم أشعار كثيرة في الثأر والترة، مدوّنة في غالب كتب الأدب مثل ديوان الحماسة لأبي تمام، وللبحتري وسائر الكتب الأدبية... وهذه حالتهم حتى اليوم. وعندهم المحالف، أو الجار لا تنتهك حقوقه بوجه وانما هو محل رعاية، وكذا النزيل فان رعايته اكبر، واحترامه أزيد.
وهم في كافة أحوالهم يتجنبون الحرب ووقائعه المؤلمة بكل ما يستطيعون من قدرة وقوة، وعقلاء القوم دائماً يكبحون شرة المتهورين الجامحين، ويحذرون الفتن... ومع هذا اذا وقع العداء وتمكن لا تكون الحرب حاسمة، يتفقون مع المجاورين، ومن لهم صلة قربى... بل يجري الغزو بين آونة وأخرى، وينتهب الواحد ما تصل اليه يده... وفي الغالب لا هاجمون على وجه نهار، ولا دون مبالاة، وانما يأتون على حين غرة وبنتيجة حساب للأمر وافتكار فيه؛ والغالب ان القتل في الغزو غير مقصود، وانما المقصود المال، وقد يكتفون بالتهويل... وهكذا...! وفي هذه الأيام مات الغزو تقريباً. والفضل في منعه راجع الى وسائط النقل الحاضرة، وسهولة استخدامها، وتكاتف الحكومات المجاورة لقطع دابره، وتفوق الأسلحة والعدد التي لا تستطيع القبائل مقاومتها كالمدرعات والرشاشات...
والملحوظ ان الغزو اذا قام من البين، وان (البدو) حرموا منه، ومنعوا وجب ان نساعدهم في مراعيهم، وفي تجولاتهم، وتسهيل مهمتهم ليكونوا مثمرين لا أن يكونوا عاطلين..! وهذا كل ما يتطلبه البدوي، يريد ان يسير على البسيطة بسكينة وينتفع من المراعي... وفي هذا ترفيه لحالته وتحسين لها... وهو أول عمل يجب مراعاته وتقديمه على كل عمل، ثم تراعى طرق اصلاحه الأخرى...
3 - وقائع الغزو المشهورة
مرّ بنا ذكر بعض الحوادث، ولكن هذه كثيرة لا تحصى، ولها شواهد وقصائد مقولة ومحفوظة ليست بالقليلة.. وهذه في العراق غالباً. ولا يعوزنا تدوينها الا أن الصعوبة كل الصعوبة في معرفة تاريخ حدوثها. ولا تعد الوقائع مدونة فيما بين نفس قبائل شمر بعضها مع بعض، أو بين عنزة، أو ما يقوم بها بعض هذه القبائل نحو الأخرى... ومنها يتكوّن سمر القوم، وحديث مجالسهم... ومحفوظ كل قبيلة لا يعتبر عاماً، وان كان يلهج به القوم، ويتناقلونه... الا انه لا تعطف له أهمية عظيمة، ولا تكاد تعد وقائع مثل هذه، وما يتحدث به القوم من حوادث شجاعة، وما يتغنى به القوم... وللصائح ولزوبع وللسبعة ولغيرها وقائع كثيرة وقد تكون فيها من الغرابة ما لا يوجد في الوقائع المهمة بين القبائل العظيمة واني اشير الى بعض الحوادث التي نالت شهرة وصارت حديث المجالس...
4 - لعيون حصة ما تمصه
(1/98)
________________________________________
حصة هذه بنت الحميدي وأخت عبد المحسن جد الشيخ محروت، وهذه شاع فيها المثل (لعيون حصة ما تمصه). وتفصيل الواقعة ان قوم ابن هذال من عنزة اصابتهم سنة فامحلت ارضهم، فاقتضى ان يعبروا الى الجزيرة، وكان يسكنها قبائل شمر. وكان الذي عبر هو الحميدي ابن هذال، وعبرت عنزة معه، وهذه لا تفكر الا في قبائل شمر وتعدها عدوها، أو ضدها. ومن مألوف البدو أن يبعثوا ركباً يدعون الضديد (الضد) الى المسالمة. ويطلبون أن يقضوا سنتهم... والى مثل هذه يميل الضعيف ويطلب ما يطلب من المهادنة...
ولكن القوي لا يمنعه مانع، ولا يركن الى هذا النوع بل يعده ذلاً، واعترافاً بالضعف، وعنزة لم ترضخ لشمر في وقت، ولم تبد اذعاناً، أو ما ماثل. وان كانت الحروب بينهم سجالاً إذا غلبت قبيلة مرة، استعادت قوتها وأخذت بحيفها مرة أخرى...! عبروا ولم يبالوا، ومضوا لسبيلهم. وأما شمر فقد اتخذت هذه فرصة سانحة عرضت، ومن ثم تناوخوا، والكل متأهب لقتال صاحبه، وطال المناخ لمدة شهرين ولم تكن النتيجة لصالح عنزة، وانما انتصرت شمر انتصاراً باهراً...
وفي هذه الوقعة كانت حصة بنت الحميدي بين من أسر واستولوا عليه من نساء عنزة، والعادة ان لا يتعرض القوم للنساء، ولا يمسهن احد بسوء، ولكن هذه المرة رأت حصة اهانة من بعض افراد شمر عرف انها بنت الحميدي فتطاول عليها وطعنها.. ومن ثم صاحت حصة " الدريعي يا رجالي " ! وصل خبر هذه الصيحة الى الدريعي، وكان من رؤساء عنزة المعروفين آنئذ وعادت عنزة في هذه الحرب مخذولة. أما الدريعي فانه لم ينم على هذه الندبة من حصة وأمر قبائله في سورية أن تتأهب للحرب المقبلة، وإن من كان عنده فرس ذبح مهرها لئلا تذهب قوتهامن الرضاع... تأهبوا لأخذ الثار ونفروا للحرب، وصاروا يخاطبون أمهارهم بقولهم: " لعيون حصة ما تمصّه " أي أن أخذ ثأر حصة دعا أن حرمناك من الرضاع من ثدي امك. والبدوي متأهب بطبعه للغزو، ولكن الاهتمام في هذه الوقعة زاد، والتأهب والعناية بلغا حدهما...
ومن نتائج هذه ان تحالف الهذال والشعلان على ان يصدقوا الحرب، وان يكون المتقدم للحرب الهذال بقبائلهم، وطلبوا الى الشعلان أن ينهبوا ويقتلوا من يتخلف عن الحرب من قبائل الهذال، وشاع أمر ذلك، ليكون القوم على يقين من القتل والنهب فيما إذا لم يتفادوا، ويحاربوا عدوهم، وهو قوي مثلهم، لا يقعقع له بالشنان.
وفي هذه الحرب في السنة التالية لتلك الواقعة طال المناخ ثلاثة أشهر، ولم يظهر الغالب؛ و (الحمل وزان) كما يقول المثل وكان يقتل بعض الفرسان من الطرفين، وضاق الأمر بآل هذال من عنزة، وكادوا يفشلون في هذه الحرب لولا أن علم آل الشعلان بأن التناوخ دام، وطال، وعلموا أن سرح شمر كان يجري على مرادهم ولم يكن عليه خطر، بخلاف ابل عنزة فإنها لا تستطيع أن تخرج فتسرح وتمرح... فعلم آل الشعلان أن الأمر ضاق بآل هذال، ونفروا بعضهم لمناصرة عشائر الهذال وانقاذهم مما أصابهم من ورطة...
ومن ثم مضوا اليهم، وأرسلوا من يخبرهم بالقصة، وأعلموهم أنه في يوم كذا سوف يهاجمون السرح لقبائل شمر، ويضعضعون أوضاعهم، ويهاجمهم آل هذال من أمامهم تأميناً للإنتصار ففعلوا...
وفي هذه المرة، وبهذه الطريقة تمكنوا من شمر، وانتصروا عليهم، وفي هذا أظهر ابن جندل من رؤساء الجلاس تدبيره في لزوم المساعدة السريعة، مضوا اليهم بلا ضعون ولا اثقال، واختاروا من يعولون عليه، وتمكنوا بسرعة من اللحاق والانتصار... بل وأخذ الانتقام بطعن بنت الجرباء بالصورة التي رأتها حصة...! وفي هذه نشاهد التدابير الحربية، وطرق الغزو للوقيعة، والشجاعة، وحسن الإدارة وما ماثل مما يتخلل الوقعة، وقد يصعب بيان قيمة بعض الأشخاص وما قاموا به، أو زاولوه من أعمال...
ويتكون من هذه مجموع سمر قد يغني عن مطالعة الكتب، وإنما هو التحدث بالمجد، وأشخاص الوقائع لا يزالون في قيد الحياة، أو يحدث عنهم أبناؤهم، وتظهر مفاخرهم... وهناك القصائد، وذكر المخاطر، والسمر اللذيذ... نرى البدوي يهول في مواطن الهول، ويظهر المهارة والقدرة في موطنها، والعزة القومية. وصفحات بيانه تكتسب أوضاعها، ويكاد المرء يشعر أن الوقعة أمامه ويشاهد مخاطرها...!
الشيخ شوقي جبار البديري
الشيخ شوقي جبار البديري

عدد المساهمات : 5603
تاريخ التسجيل : 04/04/2012
العمر : 59
الموقع : قبيلة البدير للشيخ شوقي البديري

https://shawki909.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 عشائر العراق عرف البدو عباس العزاوي   Empty رد: عشائر العراق عرف البدو عباس العزاوي

مُساهمة  الشيخ شوقي جبار البديري الجمعة يونيو 14, 2024 6:35 am

وعلى كل حال ان العداء والمنازلة، والانتصارات والمغلوبيات، كل هذه تجري مع الأسف لما يفيد اذلال بعضنا البعض والافتخار في التغلب عليه، وتهييج العداء الكامن... والوجهة ان نربح من هذه الأوضاع ونستخدمها لصالح الأمة وعزتها القومية، وأبهتها بين الشعوب، وفخرها على غيرها، ويعز علينا أن نجد صناديدنا وشجعاننا يذهبون ضحية وقائع أمثال هذه، ونخرب بيوتنا بأيدينا.! ولو كانت نشوة الانتصار هذه على عدو حقيقة ممن لم يكن من قومنا لشكل فخراً كبيراً، أما هذا فهو في الحقيقة ضياع لأكابر الرجال.. وكل واحد من هؤلاء يصلح أن يكون قائداً لجيش عرمرم..
وملحوظتنا أن هذه الوقعة كانت بين شمر وعنزة، ولم تكن للحكومة علاقة بها مما دعا إن لم تدوّن... وأعتقد أنها وقعة يوم بصالة، وتاليتها يوم سبيخة..
وكل حوادث البدو متقاربة، وتلخص بغزو بعضها بعضاً... والمهارة المعروفة وقدرة القواد تبز بأوضاعها، وأحوالها الكثير من وقائع التاريخ مما لا يسع المقام تفصيله...
5 - المهاجم من عدوّه
والطرف المقابل الذي قد هوجم يتهالك في الدفاع، ويستميت عند ماله وحريمه، ويناضل نضال الأبطال، وهناك يشتهر بالشجاعة من يشتهر، وكم صدوا العدو واعادوه على أعقابه خائباً، أو مغلوباً بصورة فاحشة خصوصاً إذا علم القوم وأخبرهم (السبر) بنوايا عدوّهم، أو بتوجه الغزو الى ناحيتهم وما أصدق قول المتنبي على الكثير من قبائل البدو:
ولو غير الأمير غزا كلابا ... ثناه عن شمو سهم ضباب
ولاقى دون ثايهم طعاناً ... يلاقى عنده الذئب الغراب
وخيلا تغتدي ريح الموامي ... ويكفيها من الماء السراب
ويتحاشى البدو كثيراً من الحرب عند الضعون، أو الهجوم على العدو عند البيوت... وفي هذه الحالة تكون له (غوارات) وهي الخيول التي تهاجم، و (ملزمه) وهم الذين يكمنون ويحافظون خط الرجعة ولذا يقول المثل (غوارات وملزمة)...
6 - العمارية - العطفة
العمارية بنت يعدّ لها قتب في (هودج)، يقال له (العُطفة)، وهو حصار يزين لها بأنواع الزينة، والبنت في الغالب تكون من أعز بنات القبيلة، بنت الشيخ، أو العقيد، ومن جميلات البنات الأبكار، وفيها همة ونشاط، تحث القوم وتحرضهم على القتال، وإذل رأت منهزماً عنفته، وطلبت اليه أن يعود لنصرة اخوانه وان لا تذل النساء بيد الأعداء و(العادة)، أو (العودة) الى القتال كثيراً ما تؤدي الى انتصار المغلوبين بسبب ما يبدونه من استماتة، وشمر أهل العادة، ولهم الشهرة فيها...
وهذه البنت تفرع (تكشف رأسها)، وتتدلع، وتنخى القوم وتشوقهم على القتال، وتكون من العارفات برجال الحي وأوصافهم المقبولة، ومزايا كل؛ تمدح في مواطن المدح، وتحض على الحرب...! ولما ان ترى رجوعاً في الرجال، وغلبة طرأت، أو كسرة عرضت تستحثهم على العودة، فلا يطيقون الصبر على لائمتها وعتابها، أو تقريعها، تشجع وتعيد المنهزم، تستعيده فيستميت القوم في القتال...! وكثيراً ما يناضل الأبطال عنها وهي تقصد العدو، وتتقدم اليه، ليكون الحرب أشد وأقوى...! وبسبب هذا التشجيع والتثريب لمن ترى منه ضعفاً يعود القوم الكرة... ولهذا نرى بني لام يسمونها (العيادة) باعتبار انها تدعوهم الى العودة وتعتلي بيتاً أو محلاً بارزاً، وتصرخ بهم قائلة: العودة! العودة! أو العادة، العادة! عليهم! عليهم! وعلى كل حال تعرف ب(العمارية) أيضاً، تسوق ناقتها الى الأمام بأمل أن ينقذوها، وأن يتقدموا نحو أعدائهم، ويتفادوا في سبيل خلاصها...! ومثل هذه تكون صاحبة جنان قوي لا تهاب الموت، وكثيراً ما تصاب قبل كل أحد، ويقصدها العدو خشية أن تشجع القوم، وتجعلهم في حالة استماتة وتفاد عظيم في الدفاع...! وهذه عادة قديمة في البدو، ولم تكن من عوائد هذه الأيام، ولا دخيلة في العرب، وإنما هي موجودة من زمن الجاهلية:
يقدن جيادنا ويقلن لستم ... بعولتنا اذا لم تمنعونا
وغاية ما ينتفع من هذه العمارية، أو العماريات حينما يشعر القوم بضعف، أو قلة في العدد، وخور في العزائم، فيركن النساء الى ما يشجع ويقوي العزائم..
(1/100)
________________________________________
والأمم لا تزال تستخدم أنواع الأساليب لإثارة الهمم، وتقوية العزم وتوليد العقيدة الراسخة للاستماتة، كاستعمال خطابات، واذاعة نشرات، وركون الى تهييج عداء سابق وتذكير به، ونظم أشعار حماسية... وإلا فالقوة والعدد الكاملة ليس فيها ما يكفل النجاح، وإنما يجب أن تقوى الروح في التفادي والتهالك في سبيل الدفاع الوطني...
وهذه الحالة النفسية لا يجرد منها البدوي كما لا يجرد المدني...!! والنزاع لا يقتصر على الكلأ والمراعي، ولا لسوء معاملة من المجاور، ولا من جراء انتهاك حرمة دخيل، فقد يكون من جرائم قتل، أو من تعرض لعفاف... مما لا يحصى...! والغزو من أشهر أسباب حروبهم...
والعمارية تتخذ لها (عطفة) كما مر وهو هودج خاص، ويعمل من خشب، ويغطى بريش النعام، وله شكل معروف عندهم. والآن ليس له وجود في القبائل إلا عند ابن شعلان...
والمعتاد عند القبائل ان من تذهب عطفته في حرب كأن استولى عليه العدو لا يستطيع أن يأخذ عطفة غيرها... وذلك ما دعا أن تنعدم من جميع البدو، ولا تستعاد إلا أن تكون القبيلة أخذت عطفة عدوها وغنمتها، فيحق لها أن تتخذ عطفة جديدة...
وقد انعدمت العطفة من اكثر القبائل، بل كلها. فاعتاضوا عنها ب(العمارية) في سائر القبائل ما عدا الشعلان..
وتعد العمارية من أكبر الوسائل لاستنهاض الهمم، وتويتها بعد الفتور والضعف وخور العزم...
وهوادج النساء غير العطفة: الحصار.
ظُلة.
كن. وهو نوع هودج، أو هو مرادف له، ويسميه الزراع (باصور)
7 - الغنائم
في المثل البدوي (من طوّل الغيبات جاب الغنائم) فإذا تم الحرب أو الغزو بالربح والغنيمة فكيف تقسم الغنائم وتوزع بين الغانمين؟ يكون هذا تابعاً لما اتفق عليه القوم أو جروا عليه. والرئيس، أو العقيد إذا كان شجاعاً وبصيراً بأمر الحروب أخذ المرباع المعروف قديماً، أو حسب ما اتفق عليه مع الذين غزوا معه... وهؤلاء لا يشترط أن يكونوا من فخذ واحد، أو من قبيلة، بل قد يتجمع اليه أناس مختلفون لا يجمع بينهم إلا قرابة بعيدة، أو مجاورة، وقرابة قريبة... والكل على الغريب والبعيد الذي ليس بينهم وبينه عهد... وهكذا.. ولكن في حالة العداء والمنافرة بين قبيلة وأخرى، أو قبائل مع معاديتها كانت الجموع تابعة للقدرة، وقد مرّ بنا ما تعتبره عنزة، وتسمي كل الف أو ما قاربه (جمعاً)، وكان له قاعدة أو زعيمة...
والغنائم تابعة في قسمتها الى احكام عديدة، ومختلفة تبعاً للمقاولات، أو المعتاد في امثالها والكل تابعون للعقيد المسمى (منوخاً) وهذا العقيد من حين سلموا اليه القيادة صار يتحكم بنفوسهم وأرواحهم فهو مطاع، بل مفترض الطاعة، لا يعصى له قول...! وهو الذي عناه شاعرهم:
وقلدوا أمركم لله دركم ... عبل الذراع بأمر الحرب مضطلعا
نعم ان امره حاسم، لا يقبل تردداً، وهو في الوقت نفسه يشاور اصحابه الذين يجد في آرائهم فائدة فيمضي دون تردد، ويقطع فيما يرون القطع فيه...
وغالب المنازعات، والأثرة نراها تظهر عند تقسيم الغنائم، والاختلافات تؤدي الى مراجعة العارفة، والحلول قطعية اذا كانت من (منها)، أو تقبل عادة النظر اذا كانت صحيحة وطريقها معتاد... والعارفة في امثال هذه ربحه وافر، وغنيمته انما تكون وافرة عند حدوث النزاع على الغنيمة... وهكذا. والغنائم في الغزو غيرها في الحروب الحاسمة كما مر في قصة (حصة)...
7 - قسمة الغنائم
وهذه نوضح فيها بعض المصطلحات ثم نصير الى طريق قسمتها...
- جماعات الغزو: وهذه متفاوتة جداً بالنظر لمقدار الغزاة وهم: الركب. ويقال للعشرين فما دون.
الجمعه. جيش على ذلول وهم من مائة الى ألفين.
السربه. مثل الركب إلا أن أصحابها فوارس يركبون الخيل دون الابل.
اللواء. ويقال له (البيرك). وهذا للرؤساء يقودون الالوف.
الراكضة. وهي في مقام الجمعه من الخيالة من مائة الى ألفين.
ويسمى بالجمع ما كان (ألفاً) أو نحوه، وفي المثل (يامحورب حورب) قال: (تلاقت الجموع).
- العقيد: ويسمى المنوخ اذا كان عقيد الجمعة، وهذا يتولى قيادة الجمع أو أقسامه المذكورة أعلاه، ونصيبه متفاوت على ما سيجيء.
- الخشر: وذلك بأن يتفق الغزو على ان تكون الغنائم لجميع الغزاة... ولقسمتها قواعد تابعة لنوع الغزو وماهية الغنائم...
(1/101)
________________________________________
- كل مغيرة وفالها: ومن هذه يتفق الغزاة على ان تكون الغنيمة لغانمها ولا يشاركه فيها أحد إلا أن نصيب المنّوخ أو العقيد محفوظ ومعترف به...
- العقادة ونصيب الغانمين: وهذه تابعة لنوع الأغراض التي غزا القوم من أجلها وشروط العقد الجاري. وغالب ما هناك أن نصيب العقيد مختلف. ففي (الركب) يأخذ العقيد النصف اذا كان الكسب من (المرحول)، أو يكون نصيبه (المرحول) وحده اذا كانت الغنائم مختلطة...
وعادة الركب في الغالب أن تكون الغنائم بينهم (خشراً)، ولا يدخل الخشر ما استولى عليه الغازي بصورة (القلاعة) وهي ان يجندل محاربه ويستولي على فرسه. وهذه تسمى (قلاعه) . ومن يتناول الغنائم قبل كل احد فيربح نصيباً وتكون له (طلاعة) وهي ناقة أو ناقتان الى ثلاثة وتسمى (حوايه). وسربة الخيل لا تختلف عن الركب في حكم الغنائم. وغالب الجمعه أن تتفق على أن تكون (كل مغيرة وفالها) أي أن يكون الكسب لمكتسبه.. وفي هذه يؤخذ العقيد الخزيزة وتسمى ناقة الشداد يختارها من كل الغنيمة... ثم يأخذ العوايد وهي ما يسمى ب(أبكع ظهر) ويقال له المرحول ويراعى الطيب مع من يوده فيبره ببعض العطايا أو يمنح من ظهرت له قدرة ومهارة... والباقي في حالة الخشر يوزع بين الغانمين.
وفي البيرك (البيرق) أو (اللواء) يأخذ الشيخ وهو العقيد ما يختاره مما يمرّ من أمامه، ويسمونه (مسرباً)، ولا يأخذ من المعروفين من العشيرة ممن هم لزمته (أقاربه الأدنون)، وكذا لا يأخذ من الفارس الطيب وهو الذي يتفادى في حروبه، ولا من المحترمين... وبعض الأحيان لا يأخذ الرئيس إلا أنه إذا أخذ يوزع القسم الأكبر منه...
وعلى كل حال لقسمة الغنائم طرق متبعة، والاختلاف فيها كبير، ومن جراء هذا يرجعون الى العوارف...
8 - العكلة - الحذية
قد يرجع الى الغزاة الغانمين بعض من نهبت أمواله، ويطلب منهم أن يعيدوا له قسماً منها فيقول (الحذية) ويقال له (ابشر بالعطيه). وهذا يرى ان سوف لا يتمكن أن يعيش بعد أن ذهب كل ما عنده، يلتمس ويطلب أن يعطوه، ولم يكن من المحتم أن يبذلوا له، فقد يمنعونه ويحرمونه، إلا أن العطاء يدل على نبل وكرم في النفس، والمنع يدل على لؤم وخسة في الطبع... ولا يقع في الأغلب، وقد تكون نفس من نهبت أمواله أبية لا ترضى أن يطلب العون والمساعدة من عدوّه، وإذا كانت الغضاضة قوية وفيها قتل وإيلام فلا يعطى طالب العكلة والمنع نادر جداً... والعكلة هي المال الذي يعطى للمنهوب منه ويسمى (حذية). والحذية أيضاً ما يمنح به المتخلف عن الغزو لسبب، أو يكون الطالب فقيراً، وفيه من الضعف ما لم يستطع به أن يقدر على الغزو... فتكون له شرهه على اقاربه الغانمين.
وكل ما نقوله في العكلة أو الحذية أن البدوي كبير النفس، نراه يعفو في أشد ساعات الحرج، وفي النجاح وأوقات الربح يمنح، ويعد عندهم العفوعند المقدرة من كريم الخصال؛ ونرى القوم يفتخرون دائماً بما عفوا به، او منحوه لطالب العكلة... وكأن طالب العكلة يريد ما يتقوت به كما أن العكلة واسطة نجاة الحياة...
ملحوظة
يقال للآبار ثبرة وجمعها (ثبار) في البادية وتسقى منها الابل ويقال لها (عكلة) أيضاً. وغالب الحروب بين البدو على العكلة هذه، وقد يتقاسمون الوقت بينهم، بسبب تدخل العاذلين خصوصاً إذا كانوا أقارب.. ولكل عكلة اسم خاص بها مثل (الحزل).
ومن آبارهم المعروفة: البريت، والمجمي، واللصف، والمعنيّه، والنصاب، والحمّام، والعاشورية، واللعاعه، والشبرم، وواقصه، والشبجه، والصيكال، والصميت، والامكور وهي عكل كثيرة...
وبين هذه الآبار المطوي، والعكلة... والوقائع عليها كثيرة لا تحصى... للمؤرخين تدوينات في آبار العرب...
9 - ما قيل في غزاة البدو
اشتهر كثيرون بالشجاعة والحروب. ويطول بنا ذكر من اشتهر، أو كل من قيل فيه شعر لما برز من شجاعة، وابدى من تفادي..
ومما قيل في عبد المحسن والد فهد وعجيل آل هذال:
يا مزنة غرّه تمطر شمالي ... ترمي على روس المعالي جلاميد
زبيديها(1) يفهيد روس الرجالي ... وعشبها كرون(2) منيهبن الأواليد
يتلون ابو عجيل ماضي الفعالي ... ماص الحديد(3) الي يكص البواليد
ومما قيل فيه في وقعة عبد الكريم قالها شارع ابن اخيه:
(1/102)
________________________________________
يا عم يا مسجي الكبايل هدب شيح ... يا حامي الوندات(4) يوم الزحامي
جيف الفرس تركض على الكاع وتميح ... يا عاد ما يجعد صفاها(5) اللجامي
جيف الفرايش(6) تنهزع للمفاتيح ... ليا صار ما يركى عليها الابهامي
وهذا عبد الله بن تركي من آل سعود يخاطب آخر ويفتخر بحروبه ويلوم صاحبه قال:
وشعاد لو لبسك حرير تجره ... وانت مملوك الى حمر العتاري
الزاد سوالك سنام وسرّه ... من الذل شبعان من العز عاري
يوم كل من خويه تبرّه ... أنالي الأجرب(7) خوي مباري
نعم الصديج ولو سطا ثم جره ... يدعي مناعير النشامى حباري
من طول المسره سرى واستسره ... ويمدح مصابيح السرى كل ساري
قال محمد من الصكور:
يمزنه غره من الوسم مبدار ... بركج جذبني من بعيد رفيفه
كطعانّا ما يكبلن دمنة الدار ... يرعن صحاصيح الفياض النظيفة
وترعى بها كطعانّا غر وجهار ... وتربع بها العر النشاش الضعيفه
يبني عليها بنيه اللبن بجدار ... وعكب الضعف راحت ردوم منيفه
وترعى بذر الله ومتعب(1) ومشعان(2)
ومغيزل(3) يروي حدود الرهيفه
وحنه ترى هذا لك الله لنا كار ... وعن جارنا ما عاد نخفي الطريفه
واحد على جاره بخترى ونوار ... واحد على جاره صفات محيفه
وخطو الولد مثل النداوي لياطار ... وصيده جليل ولا يصيد الضعيفة
وخطو الولد مثل البليهي(4) لياثار ... وزود على حمله نكل حمل اليفه
وخطو الولد يبنش على موتة النار ... وعود على صفر تضبه جتيفه
والجار ليبده مجفي عن الجار ... وكل على جاره يعد الوصيفه
نرفي خماله رفيه العيش بالغار ... وندعي له النفس الجوية ضعيفه
من القصائد المقولة نعلم أوضاع البدو، وروحياتهم في حروبهم، وشعورهم مما تعين آدابهم في الغزو وهي غزيرة وفياضة جداً... وهم عند الغلبة قد يلجأون الى ما يسمى ب(المنع). وهذا يعني ان المنهزم أو المنهزمين قد يجدون أنفسهم في خطر فيكونون في (منع) أحد وجهاء الغانمين، ويتمكن هذا من اعطاء حق المنع لواحد فأكثر الى مائة... ويدفع عنهم القتل إلا أنه تباح له خاصة أموالهم، ولا يستطيع أن يتعرض لهم أحد لمجرد أنهم دخلوا في منعه..وفي بعض الأحوال لا تقبل الدخالة، ولا يجري (المنع) اذا كان بين المتحربين تأثرات ووقائع مؤلمة أدت الى قاعدة (الطريح لا يطيح) فيقتل كل من استولوا عليه... وهذا يجري حكمه في الحقوق المتقابلة وانتهاك حرمتها بين المتقاتلين... و (المنع) في الغزو غير (الوجه) المعروف بين القبائل...
4
- الصيد والقنص
البدوي اذا جاع افترس، واذا شبع لعب، واذا اصابه ضيم سهر، وعلى كل حال لا يهجع على حالة، ولا يستقر على رأي، ولا ينام على مكروه... يترقب الأوضاع تارة، ويثير العداء تارة أخرى، ويغزو آونة... فاذا قل عمله حارب الوحش، واتخذ الصيد، وطارد القنص... وكأن حياته مشوبة بشغب، أو أنه خلق من زعازع... لا يهدأ، ولا يطمئن بل الهدوء والطمأنينة خلاف طبعه وضد ما يلائمه... ولهم في الحيوانات المفترسة وطريق قتلها والانتصار عليها حكايات لا تحصى...
لا يستعصى عليه الصيد، وهو أسهل عليه، وأقرب الى متناوله... وهو في حياته يكافح الصناديد فلا يبالي ان يدرك قنصه. والغالب أنه في غنى عنه، لا يقنص إلا ما هو مهم:
وشر ما قنصته راحتي قنص ... شهب البزاة سواء فيه والرخم
والبدو لا يميلون كثيراً للصيد العادي، ولا يقنصون إلا في أيام الربيع بقصد اللعب والأنس... إلا أن صليب يغلب عليهم تعاطي الصيد اعتيادياً، ويتخذون الوسائل الغريبة للحصول عليه، وتراهم يطاردون الظباء، والنعام، والوعول، وحمار الوحش وسائر القنص الذي يستفيدون منه لحاجياتهم، تلحهم الضرورة اليها في الغالب.
وطيور الصيد لا يتعاطى البدو جميع أنواعها دائماً. والمعروف منها:
(1/103)
________________________________________
المانعيات وهذه في الشامية. رقبتها طويلة أطول من الصقر. وهي من نوع الحر.
البدريات. طيور حرة في البحر.
الكبيدي. يصاد بين النخيل يأتي من البحر.
الوجري (الوكري) الوجاري. وهذا في جبل حمرين، وجبل مكحول، وغيرهما.
الفارسي. طير حر في البحر.
الباز. وهو البازي، في حدود إيران. وهو يصيد الدراج، والحبارى، والأوز... والباقيات للصيد كله.
الحر الكطامي. وهو مقبول.
ويستعان في الصيد بالكلاب السلوقية ويطاردونها على ظهور الخيل، وغالب صيدهم الغزال، وباقي الصيود لا قيمة لها.
وهناك من الطيور ما يصيد لنفسه مثل (ابو حكب)، و(الحدأة)، و (الشاهينة) و (النسر)، و (الباشق).
وصليب في كل موسم لهم صيد، ومن صيدهم الغزال، والوضيحي، و الوعل والنعام، ومن صيدهم الوبر وهو أشبه بالأرنب ويسمى (جليب الدو) وسائر الطيور والحيوانات الوحشية.. ويستعملون في الصيد (الزنانيح) و (الفخ)...
5
- العرب البدو
1
- الخيل
قال المتنبي:
وما الخيل الا كالصديق قليلة ... وان كثرت في عين من لا يجرب
اذا لم تشاهد غير حسن شياتها ... واعضائها فالحسن عنك مغيب
1 - الخيل
كان العرب ولا يزالون في حب شديد لخيولهم، وتعد من أنفس ثرواتهم، يتغالون بها ويعنون بأنسابها وأرسانها، ويلحظون شياتها وعيوبها، وما يجب أن يراعى في تربيتها، واستيلادها، وذكر الوقائع العظيمة التي جرت على يدها، وهي عندهم كالأهل والولد، وربما كانت أعز، وأحق بالعناية والرعاية، عليها المعول في حياة المرء، وغنمه وربحه، وعزه ومكانته، أو تكون سبب هلاكه، أو خسرانه، والعربي القديم لا يفترق عن ابن اليوم وان كانت السيارات قد صارت تطاردها، وتسابقها في طريق نجاتها، ولكنها لم تقلل من قيمتها...
واذا كان البدوي ممن يتعاطى الغزو والحروب، وله أمل في النجاة، والخلاص من المخاطر، فإنه يراعي حسن اختيار فرسه، ورسنها المعتبر... وله حكايات كثيرة يتكون منها آداب سمرهم ومحادثاتهم، وهي صفحات مهمة ولاذة، يصفون نجابتها، وأشكالها وعدوها، وفعالها في الحرب، ويتشائمون من بعض شياتها...
ومواضيع الخيل يتكون منها آداب قد تعجز الافلام عن الاحاطة بها او استيعابها، وكتب الخيل القديمة والحديثة لم تف بالبيان، ولم تتمكن من الاحاطة بكل المباحث، ووجهات الأنظار متفاوتة. والاستقصاء يطول.
يتردد على الألسن دائماً (الخيل معقود في نواصيها الخير)، و (نواصي واعتاب) ومن الخذلان على الأمة ان تكون قد تركت شأن خيولها، واهملت الركوب والطراد على ظهورها، ولكن لا بطريق السباق المعروف اليوم. فالسباق المرغوب فيه اختبار قدرة الفرس بامتحان ركوبها، والفارس وتجربته، وتعوده بتقوية عضلاته، وممارسته على المشاق... وفي ذلك ما يجلب الانتباه الى حالة الفرس وأوصافها البدنية، ومعرفة صحة أصلها ونجابة نجارها...
ومن لم يزاول الغزو ير في ركوب الخيل، ومطاردة الصيد، والتعود على الرياضة والخشونة أكبر فائدة وأعظم نفع... بل ان الحضارة تتطلب الحصول على خشونة البداوة بمزاولة هذه الرياضة،
الشيخ شوقي جبار البديري
الشيخ شوقي جبار البديري

عدد المساهمات : 5603
تاريخ التسجيل : 04/04/2012
العمر : 59
الموقع : قبيلة البدير للشيخ شوقي البديري

https://shawki909.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 عشائر العراق عرف البدو عباس العزاوي   Empty رد: عشائر العراق عرف البدو عباس العزاوي

مُساهمة  الشيخ شوقي جبار البديري الجمعة يونيو 14, 2024 6:37 am

يتلون ابو عجيل ماضي الفعالي ... ماص الحديد(3) الي يكص البواليد
ومما قيل فيه في وقعة عبد الكريم قالها شارع ابن اخيه:
(1/102)
________________________________________
يا عم يا مسجي الكبايل هدب شيح ... يا حامي الوندات(4) يوم الزحامي
جيف الفرس تركض على الكاع وتميح ... يا عاد ما يجعد صفاها(5) اللجامي
جيف الفرايش(6) تنهزع للمفاتيح ... ليا صار ما يركى عليها الابهامي
وهذا عبد الله بن تركي من آل سعود يخاطب آخر ويفتخر بحروبه ويلوم صاحبه قال:
وشعاد لو لبسك حرير تجره ... وانت مملوك الى حمر العتاري
الزاد سوالك سنام وسرّه ... من الذل شبعان من العز عاري
يوم كل من خويه تبرّه ... أنالي الأجرب(7) خوي مباري
نعم الصديج ولو سطا ثم جره ... يدعي مناعير النشامى حباري
من طول المسره سرى واستسره ... ويمدح مصابيح السرى كل ساري
قال محمد من الصكور:
يمزنه غره من الوسم مبدار ... بركج جذبني من بعيد رفيفه
كطعانّا ما يكبلن دمنة الدار ... يرعن صحاصيح الفياض النظيفة
وترعى بها كطعانّا غر وجهار ... وتربع بها العر النشاش الضعيفه
يبني عليها بنيه اللبن بجدار ... وعكب الضعف راحت ردوم منيفه
وترعى بذر الله ومتعب(1) ومشعان(2)
ومغيزل(3) يروي حدود الرهيفه
وحنه ترى هذا لك الله لنا كار ... وعن جارنا ما عاد نخفي الطريفه
واحد على جاره بخترى ونوار ... واحد على جاره صفات محيفه
وخطو الولد مثل النداوي لياطار ... وصيده جليل ولا يصيد الضعيفة
وخطو الولد مثل البليهي(4) لياثار ... وزود على حمله نكل حمل اليفه
وخطو الولد يبنش على موتة النار ... وعود على صفر تضبه جتيفه
والجار ليبده مجفي عن الجار ... وكل على جاره يعد الوصيفه
نرفي خماله رفيه العيش بالغار ... وندعي له النفس الجوية ضعيفه
من القصائد المقولة نعلم أوضاع البدو، وروحياتهم في حروبهم، وشعورهم مما تعين آدابهم في الغزو وهي غزيرة وفياضة جداً... وهم عند الغلبة قد يلجأون الى ما يسمى ب(المنع). وهذا يعني ان المنهزم أو المنهزمين قد يجدون أنفسهم في خطر فيكونون في (منع) أحد وجهاء الغانمين، ويتمكن هذا من اعطاء حق المنع لواحد فأكثر الى مائة... ويدفع عنهم القتل إلا أنه تباح له خاصة أموالهم، ولا يستطيع أن يتعرض لهم أحد لمجرد أنهم دخلوا في منعه..وفي بعض الأحوال لا تقبل الدخالة، ولا يجري (المنع) اذا كان بين المتحربين تأثرات ووقائع مؤلمة أدت الى قاعدة (الطريح لا يطيح) فيقتل كل من استولوا عليه... وهذا يجري حكمه في الحقوق المتقابلة وانتهاك حرمتها بين المتقاتلين... و (المنع) في الغزو غير (الوجه) المعروف بين القبائل...
4
- الصيد والقنص
البدوي اذا جاع افترس، واذا شبع لعب، واذا اصابه ضيم سهر، وعلى كل حال لا يهجع على حالة، ولا يستقر على رأي، ولا ينام على مكروه... يترقب الأوضاع تارة، ويثير العداء تارة أخرى، ويغزو آونة... فاذا قل عمله حارب الوحش، واتخذ الصيد، وطارد القنص... وكأن حياته مشوبة بشغب، أو أنه خلق من زعازع... لا يهدأ، ولا يطمئن بل الهدوء والطمأنينة خلاف طبعه وضد ما يلائمه... ولهم في الحيوانات المفترسة وطريق قتلها والانتصار عليها حكايات لا تحصى...
لا يستعصى عليه الصيد، وهو أسهل عليه، وأقرب الى متناوله... وهو في حياته يكافح الصناديد فلا يبالي ان يدرك قنصه. والغالب أنه في غنى عنه، لا يقنص إلا ما هو مهم:
وشر ما قنصته راحتي قنص ... شهب البزاة سواء فيه والرخم
والبدو لا يميلون كثيراً للصيد العادي، ولا يقنصون إلا في أيام الربيع بقصد اللعب والأنس... إلا أن صليب يغلب عليهم تعاطي الصيد اعتيادياً، ويتخذون الوسائل الغريبة للحصول عليه، وتراهم يطاردون الظباء، والنعام، والوعول، وحمار الوحش وسائر القنص الذي يستفيدون منه لحاجياتهم، تلحهم الضرورة اليها في الغالب.
وطيور الصيد لا يتعاطى البدو جميع أنواعها دائماً. والمعروف منها:
(1/103)
________________________________________
المانعيات وهذه في الشامية. رقبتها طويلة أطول من الصقر. وهي من نوع الحر.
البدريات. طيور حرة في البحر.
الكبيدي. يصاد بين النخيل يأتي من البحر.
الوجري (الوكري) الوجاري. وهذا في جبل حمرين، وجبل مكحول، وغيرهما.
الفارسي. طير حر في البحر.
الباز. وهو البازي، في حدود إيران. وهو يصيد الدراج، والحبارى، والأوز... والباقيات للصيد كله.
الحر الكطامي. وهو مقبول.
ويستعان في الصيد بالكلاب السلوقية ويطاردونها على ظهور الخيل، وغالب صيدهم الغزال، وباقي الصيود لا قيمة لها.
وهناك من الطيور ما يصيد لنفسه مثل (ابو حكب)، و(الحدأة)، و (الشاهينة) و (النسر)، و (الباشق).
وصليب في كل موسم لهم صيد، ومن صيدهم الغزال، والوضيحي، و الوعل والنعام، ومن صيدهم الوبر وهو أشبه بالأرنب ويسمى (جليب الدو) وسائر الطيور والحيوانات الوحشية.. ويستعملون في الصيد (الزنانيح) و (الفخ)...
5
- العرب البدو
1
- الخيل
قال المتنبي:
وما الخيل الا كالصديق قليلة ... وان كثرت في عين من لا يجرب
اذا لم تشاهد غير حسن شياتها ... واعضائها فالحسن عنك مغيب
1 - الخيل
كان العرب ولا يزالون في حب شديد لخيولهم، وتعد من أنفس ثرواتهم، يتغالون بها ويعنون بأنسابها وأرسانها، ويلحظون شياتها وعيوبها، وما يجب أن يراعى في تربيتها، واستيلادها، وذكر الوقائع العظيمة التي جرت على يدها، وهي عندهم كالأهل والولد، وربما كانت أعز، وأحق بالعناية والرعاية، عليها المعول في حياة المرء، وغنمه وربحه، وعزه ومكانته، أو تكون سبب هلاكه، أو خسرانه، والعربي القديم لا يفترق عن ابن اليوم وان كانت السيارات قد صارت تطاردها، وتسابقها في طريق نجاتها، ولكنها لم تقلل من قيمتها...
واذا كان البدوي ممن يتعاطى الغزو والحروب، وله أمل في النجاة، والخلاص من المخاطر، فإنه يراعي حسن اختيار فرسه، ورسنها المعتبر... وله حكايات كثيرة يتكون منها آداب سمرهم ومحادثاتهم، وهي صفحات مهمة ولاذة، يصفون نجابتها، وأشكالها وعدوها، وفعالها في الحرب، ويتشائمون من بعض شياتها...
ومواضيع الخيل يتكون منها آداب قد تعجز الافلام عن الاحاطة بها او استيعابها، وكتب الخيل القديمة والحديثة لم تف بالبيان، ولم تتمكن من الاحاطة بكل المباحث، ووجهات الأنظار متفاوتة. والاستقصاء يطول.
يتردد على الألسن دائماً (الخيل معقود في نواصيها الخير)، و (نواصي واعتاب) ومن الخذلان على الأمة ان تكون قد تركت شأن خيولها، واهملت الركوب والطراد على ظهورها، ولكن لا بطريق السباق المعروف اليوم. فالسباق المرغوب فيه اختبار قدرة الفرس بامتحان ركوبها، والفارس وتجربته، وتعوده بتقوية عضلاته، وممارسته على المشاق... وفي ذلك ما يجلب الانتباه الى حالة الفرس وأوصافها البدنية، ومعرفة صحة أصلها ونجابة نجارها...
ومن لم يزاول الغزو ير في ركوب الخيل، ومطاردة الصيد، والتعود على الرياضة والخشونة أكبر فائدة وأعظم نفع... بل ان الحضارة تتطلب الحصول على خشونة البداوة بمزاولة هذه الرياضة، وهي خير من الرياضة الصناعية، فيها حركات في الركوب والغارة، وقطع الفيافي، والاستفادة من القوة، وتنشق النسيم الطلق، وامتحان البصر، ومراقبة الصيد وترصده، ومطاردة الوحوش... وكلها من خير وسائل الصحة والتمرن على الفروسية...
أنسابها (أرسانها)
عرفت خيول كثيرة قديماً وحديثاً، ونجحت في حروب عديدة، وصارت عزيزة ومعتبرة عند أصحابها... وهذه هي السبب في تكون الرسن، فهي الصديق الذي ينقذ صاحبه من مهلكة، أو ورطة عظيمة، ووقعة خطرة... والبدوي يحفظ لها هذا، ووفاؤه يمنع أن يبذلها، أو يتهاون في شأنها.. ويتحدث دائماً عن الوقائع التي أدت الى نجاته بسببها.. ولابن الكلبي كتاب (نسب الخيل في الجاهلية والإسلام). وفيه عدد المشهور من خيل العرب... ولأبي عبد الله محمد ابن الاعرابي (كتاب اسماء خيل العرب وفرسانها)(1)
(1/104)
________________________________________
والعراق مشتهر بخيله الأصيلة، ذاع صيتها، وصارت تطلب من انحاء العالم خصوصاً في السباقات الدولية، وقد يقتنيها الملوك للركوب والزينة.. ولكن البدوي لا يلتفت الى كل هذا ولا يبالي بتجارتها، ولا شهرتها... وإنما تعرف عنده بما تقوم به من جولات حربية، وحوادث مهمة، فتنال شهرة بعدوها، وبراكبها وشجاعته في حومات الوغى وحسن تدبيره لها... هذا وتوالي الوقائع مما أكد له عراقة نسبها وكون لها رسناً مقبولاً عنده...
يا بني الصيداء ردوا فرسي ... انما يفعل هذا بالذليل
عودوه مثل ما عودته ... دلج الليل وايطاء القتيل
وعلى كل يحافظ على الرسن كثيراً، والحصان الصالح يستولد منه، ولهم العناية الزائدة ويتقاضون أجراً على هذا فيقولون (حصان شبوة)...
وكان يراعى في أنساب الخيل أن بعض هذه تقع حادثة، فينجو بها صاحبها وتكون سبب حياته فيسميها باسم يلازمها دائماً، واذا تكررت الحوادث منها أو من نسلها فهناك يتكون الرسن ولا تنسى، وفي هذا اعتزاز بسلسلتها، ووفاء لما قامت به... وقد يلازم الرسن البيت مدة فيسمى به.
والملحوظ هنا أن الاحتفاظ بالرسن دون مراعاة الاعتبارات الأخرى قد أدى الى انعدام الخيل الأخرى مما لم يشتهر لها رسن، أو أن يقل الاهتمام بها، ولا يكثر رسنها... وهذا نقص اويشير الى عدم التغالي فيها... وفيه وقوف عند الجنس الرديء وإن كان أصله مقبولا. وحرصوا حرصاً زائداً وقالوا (الأصل يجود) ترقيعاً لما رأوا من عثرات لمرار عديدة، فتصلبوا في المحافظة، وتعصبوا تعصباً لا يكادون يسمعون خلافه... على ان ايام الطراد، والرهان قد عينت خيولاً مقبولات، وصار يحتفظ بهن.
ومن أشهر أرسان الخيل: الجدرانية. وهذه عند حسن العامود من شمر، وصلت اليه من الفرجة من عنزة، واسم صاحبها الأول جدران فسميت باسمه، ووبير ان اخوه، واليه تنسب (الوبيرانية).
العبية. عند ابن عليان من السبعة، وعند الشيخ عجيل الياور، وعند المرحوم السيد محمود النقيب والآن لا أعرف اين صارت؟ ومنها (السحيلية) عند السحيلي من فداغه، و (ام جريس) عند مدحي بن زهيان البريجي، و (الشراكية) عند نوري الشعلان، ويقال لها الشراكية الاخدلية، والاخدلي من الفدعان من ضنا ماجد ومنها (الهونية).
المعنكية. وهذه منها: الحدرجية.
السبيلية. وهذه من الحدرجية وهي عند ابن سبيل من الرسالين وعند ابن غراب من شمر.
4) - الكحيلة. وهذه يضرب المثل بعراقة أصلها؛ فاذا وصفت امرأة بنجابتها قيل (كحيلة)، منها: كحيلة العجوز. وهي كثيرة ومنها الاخدلية عن الاخدلي من الخرصة وجبيحة للصائح والآن عند شيخ محروت الهذال.
كحيلة الأخرس. عند الاسبعة.
كحيلة كروش. عند (العلي) من المنتفق. وعند الدويش في نجد.
وهذه على ترتيبها ارجح الخيول المعروفة عند البدو كما هو المنقول عن الشيخ فهد الهذال.
5) - حمدانية سمري. وتسمى (العفرية) عند العفارة فخذ من السلكه وعند ابن غراب من شمر، وعند داود آل محمد باشا.
6) - الصقلاوية. منها الدغيم من الهذال، وعند زبينة من الفدعان وعند ابن عامود، وعند الاوضيح من الثابت، والاجويدي من الثابت.
ومنها: الجدرانية.
الوبيرية.
النجيمة.
7) - النواكيات. عند الدويش من آل محمد، والنواك أصلاً عند الجاسم من الاسبعة.
Cool - الوذنه. في نجد، وعند المريجب من المضيان (السلكة) في العراق.
9) - الربده. عند لابد الرزني من عبدة.
10) - ريشه. عند ابن عيده من الرسالين " سبعة " وعند ابن هتمي " من عبدة " .
11) - شويهة ام عركوب. عند الرولة.
12) - الدهمة. من خيل ابن هيازع. وصلت من امام اليمن الى آل سعود ومنهم صارت الى ابن يعيش " من ضنا مسلم " خال فهد الهذال ومنه تفرقت وتكاثرت. والآن قليلة. وقد يقال " دهمة عامر " .
ويظهر من هذه التسميات، والمعروف من أصولها انها سميت باسم اول من اقتناها فاشتهرت عنده أو بصفة خاصة بها أو ما ماثل...
قال البدوي:
الخيل عز للرجال و هيبة ... والخيل تشريها الرجال بمالها
وعارضه آخر:
العز بوروك النسا ... واللي عريب ساسها(1)
تطلع منه كطم الاخشوم عنابر ... عنابر تسجي العدوّ امرارها
(1/105)
________________________________________
هذا وتعد من نوع اهانة الفرس وانتهاك حرمة رسنها أن يحرث عليها، أو يجعلها دابة حمل ونقل أثقال... وعلى هذا يترتب (الحشم) عندهم، اعتزازاً بأصلها، وزيادة اهتمام به.
3 - شياتها وأسنانها
في البدو أرباب معرفة في أوصاف الخيل وبيان جمالها وحسن شكلها وتناسب أعضائها ومنها المقبولة، والمشئومة. فإذا كانت فيها سيالة (غرة في جبينها)، ومثلها محجلة الرجلين، وتسمى (المرسولة)، واذا كانت فيها غرة فهي مبروكة. وكذا يقال في محجلة اليسرى، وتسمى (المرجبة)، وهناك (المخوضة) وهي التي كل ايديها وارجلها بيضاء، واذا كانت اليد اليسرى والرجل اليسرى مخوضة، أو محجلة قيل لها (الزنية) وصاحبها يركب على بياض، وينزل على بياض...
وهذه كلها مقبولة.
ومما يتشائمون به من الخيول وتظهر المقدرة في تعيينها (الشعرة) تكون في الجبهة، أو في الصدر، أو في الرقبة، أو البطن... ومن ثم يدركون بركتها أو شؤمها وعندهم تجارب عديدة، ومعارف موروثة.. وغالبها ملازمة لما يفسرون به فالذي يسقط من فرسه فيموت، أو يدخل الغزو فيصاب، أو يكون تكلع أو ما ماثل يقولون انه ما ناله ما ناله لشؤم في فرسه، ولا يرغبون ان ينفروا من حرب... ولعل هذا هو السبب في توليد هذه الخرافة...
وعندهم محجلة الايدي رزقها محدود، والشؤم عندهم في محجلة اليد اليسرى ويقال لها (كفن) فكأنها بمثابة كفن لراكبها.. وهكذا الشقراء الخالصة مشؤمة...
والفرس اذا ذرعنا مؤخرها من الحافر الى القطاة وكان أطول مما بين حافر اليد الى الحارك تكون سريعة الجري، واذا كانت صدور الخيل عريضة، ومناخرها واسعة، وعيونها كبيرة، وجبهتها مربعة فهي مرغوب فيها...
وقد نعت بدوي فرسه فقال: فيها من صفات الأرنب: نومه، وسرع كومه.
ومن صفات الظبي: فزه، وكبر وزه(1).
ومن الثور: كصر جين(2)، ووسع عين.
ومن الجاموسة: وسع حجب(3)، وقوة عصب.
ومن البعير: وسع جوف، وبعد شوف.
وفي (كتاب الخيل) للأصمعي بيان عن أوصاف الخيل وتفصيل اعضائها، والاستشهاد بأبيات قديمة لشعراء كثيرين. وعندي نسخة مخطوطة منه، ورسالة مخطوطة في (فضائل الخيل) لم أقف على اسم مؤلفها تبين جياد الخيل، وترتيب سبقها... ورسالة أخرى منسوبة لامرء القيس في الفراسة ومعرفة الخيل، والعلامات الحسنة وغيرها، و (اسبال الذيل في ذكر جياد الخيل)، لنجم الدين بن خير الدين الرملي...
وأسنان الخيل أو أعمارها في الحاضر: الطريح. اذا كان قد سقط لمدة ستة أشهر الحولي. اذا ولد لمدة سنة واحدة الجذعة. التي تبلغ من العمر سنتين. وتشبى في هذا السن.
الثنية. لها من العمر ثلاث سنوات.
الرباع لها من العمر اربع سنوات الخماس. لها من العمر خمس سنوات وتسمى كرحة (قرحاء).
4 - التجفيل - التجبيش: (السباق) تعويد الفرس، وتنفيرها باجراء تمارين وممارسات عديدة لها يعرف ب(التجفيل) أو (التجبيش)... وهذا من خير الطرق لنجاح الفرس في السباق أو في الغزو أو الحرب... ولتربيتها أصول، وطرق اعتناء، ومراعاة الحالة التي يجب ان يجريها، والعناية ضرورية، ونعلم ان البدوي يهتم بفرسه، ويلاحظها اكثر من نفسه، ولكن السباق يحتاج الى وصايا صحية، وأوضاع خاصة في أكلها وشربها... وركضها وتمرينها ولا يقوم بهذا عندهم سوى مالكها.
والبدوي على حالة غير حالة الريفي فانه يجفل فرسه دائماً، ويطارد عليها فنكون في وضع تأهب على الغارة، وتابعة لأدنى اشارة.. بخلاف الريفي فانه لا يراعي هذه إلا في اوقات خاصة ولا مجال له ان يطارد في اراض محدودة، فالخيل لا ترى ميداناً فسيحاً، وتحتاج الى تمرين لتنال مكانة في الركض، وغالب الخيل القوة النشيطة هي التي تعيش في مكان عذي (هواؤه عذب ونشيط) ومن ثم يكون النجاح كفيلها... والألعاب، والسباق على ظهور الخيل من ألذّ ما يجري بين العربان في أيام افراحهم، أو ابان التمرن على الحروب... والتأهب للغزو.
(1/106)
________________________________________
وهنا يظهر المجلى من الخيول، وهذه تابعة لتقدير قوة الأعصاب للعدو... ونفس الركض وميدانه حتى ان بعض الخيل قد لا تسبق اذا لم يطل ميدانها، وتنال السبق على الكل اذا طال المدى... فاذا لم تقدر هذه النواحي وأمثالها فلا أمل في نجاح غيرها، ويضرب العرب الأمثال في المدى وطوله... وعلى كل حال هناك أمور يجب الانتباه اليها وتحتاج الى خبرة وفكرة قويمة، وغالب من يقوم بهذه المهمة متمرن عارف...
وفي هذه الأيام راج سوق الخيل في السباق، وتولدت بينهم مصطلحات كثيرة لما رأينا من عناية الأجانب بها، واستفادتهم منها، وتعيين درجات السبق، والرهان عليه... ومن ثم رجحت من نالت السبق لمرات، وصاروا يتغالون في أثمانهابالنظر لما تربحه، واشتهرت كثيرات قد لا تكون علاقة للرسن بهن، وانما انحصر ذلك في خيل معينة، وبهذا حصل انتقاء في السوابق، وطوي ذكر الخيل الأخرى، وان كن من الخيل العراب... وفي المثل (عند الرهان تعرف السوابق).
وهذا من ضروب المقامرة بل من اعظم المقامرات، ومن أشد الاضرار على الخيل والاجحاف بحقوقها بل التجاوز عليها، ويجب ان لا يشيع بكثرة وانهماك في أمة حريصة على اوضاعها الحربية، والانتفاع من نشاط خيلها، وقيمتها الحربية... وقد مر الكلام على السباق المرغوب فيه... ومن المؤسف أن يروج سوق الخيل من طريق سباق المقامرة، وتزيد العناية بها من أجله...
5 - أسماء الخيل
وأسماء الخيل المعروفة قديماً وحديثاً كثيرة عندنا، ولها في هذه الأيام اسماء جديدة، واشتهر من الخيل القسم الكبير لما كان لها من مواقف بارزة في الحروب كما اشتهر شجعانها فحافظت من جراء ذلك على أرسانها، واليوم يعوزنا احصاء اسماء الخيول المعروفة... وتعداد كل ما عرف واشتهر في السباق وغيره يطول كثيراً. وهذه بعض المشهورات: عسيلة.
تاج عطية.
ردحة.
حمية.
فضيلة الهوى.
هذا ويضيق المقام عن التعداد. وللأسف كل هذه الخيول العراقية لم تشتهر بوقائعها وانما عرفت بسباقها...!!
6 - سرقة الخيول
من ابدع ما يجلب الاسماع، ويدعو للانتباه واللذة معاً ما يورده البدو عن سرقة الخيول من اناس تعودوا على ذلك وتمرنوا.. وكل ما يوردونه من حكايات وقصص يدل على عزة الخيل ومنزلتها عندهم؛ فهي من أعز ما عندهم، ولذا يبالغون في اطرائها، يذكرون شطارة السراق وحسن مهارتهم، وما يقدم لهم من فداء أملا في استعادة الفرس المسروقة، والتهالك وبذل الجهود في استعادتها، وما عاناه صاحبها، أو ذكر خيبته... والسراق منهم (الحايف) وهو الذي يسرق ليلاً وخلسة، و (البطاح) هو الذي يركب الفرس ويفر بها على مرأى منهم...
و (ربيط البدو) في الغالب من كان متعوداً على سرقة الخيول وهو الذي يبطح على الفرس. وهذا يحبس ويحدد بحديد الفرس، ويبقى حتى يسلم المسروق أو يفك نفسه بمبلغ يتقاضونه منه أو من كفيله والربيط قد يكون مطلوباً سابقاً بأموال أخرى أو (وسكة)، ويحتاج الى أن يفك نفسه.
7 - شركة الخيل - بيوعاتها
يعتز البدوي بفرسه كثيراً، ولا يهون عليه ان يعطيها، أو يملكها لغيره ببيع وسائر التمليكات الا لضرورة، او لحاجة تعرض له... وقد يكتفي ببيع حصة شائعة كأن يبيع (عدالة)، أو نصفاً شائعاً، أو رجلاً، أو نصف رجل. وهذه شاع البيع بها حتى عند غير البدو، وحافظوا على ارسانها، والبيع في مثل هذه الحالة لا تظهر غرابته في بيع الكل وقطع العلاقة كما هو المعتاد في سائر البيوعات والامتعة وتداولها.. وكل الخيل ليست كرائم، وانما هناك خيول تباع وتشترى على المعتاد كالضأن والبقر... الا ان البدوي في الخيل خاصة لا يريد ان يقطع علاقته بفرسه. وهذه أشهر بيوعاتهم: بيع مثانى. وذلك بأن تكون أول بطن للبائع، وبعدها للمشتري والثالثة للبائع، ومن ثم تنقطع العلاقة بها... واذا كان المولود (فلواً) فلا عبرة به، وتجري القسمة على ما عداه...
بيع النصف. وفي هذا تكون القسمة على البائع، والخيار للمشتري لأنه هو الجاني (المربي) للفرس. وقد تبقى الشركة لمدة طويلة..
بيع العدالة. وفي هذا يكون البطن الأول اذا كان انثى للبائع وتفك على ان يكون للمشتري منها البطن الأول أيضاً وتنقطع العلاقة.
بيع الرجل. وهي الربع على الشيوع.
(1/107)
________________________________________
ومن هذه كلها اذا كانت الخيل مشتركة قسم الشريك وكان الخيار لصاحب الرسن وهو القائم بتربية الخيل، وينقطع الخيار لمرتين وفي الثالثة ليس له ان يرجع عن اختياره وذلك انه يختار فاذا وافق الطرف الآخر فله ان ينكل عن الخيار، ثم يقسم الشريك مرة أخرى وله أيضاً ان ينكل، وفي الاثلثة ليس له ان يرجع عما اختاره، ويكون هذا قطعياً...
2
- الابل
اذا كانت الخيل وسائط نجاة مهمة لحياة البدوي فلا شك ان الأبل قوام هذه الحياة ووسيلة بقائها وطريقة سد حاجياتها.. فمنها لبنه، ومنها وبره ومنها لحمه، وجلدها نافع له... وهي واسطة نقله من مكان الى آخر، وحمل اثقاله فهي في نظره (سفن البر)... ولولاها لكانت حياته منغصة، وعيشته مرة، وآماله ضيقة... وهذه فيها غناؤه وثراؤه بل من اعظم ثروة له، ومن أهم تجارته، وأكبر واسطة لنماء أمواله...
لا تعيش للبدوي أنعام وهو في حالة غزو، وتنقل سريع من مكان الى مكان الا اذا كانت كهذه الابل تتحمل المشاق، وتتكبد الصعوبات والاراضي الوعرة، والفيافي البعيدة عن العمران... فهي بحق تعدّ أعظم نعمة ناسبت اوضاعه فكأنها خلقت لأجله، وقدرت له في أصل الخلقة...
وفي آية " أفلا ينظرون الى الأبل كيف خلقت " دليل الامتنان بهذه النعمة، ولولا الابل لما تمكن البدوي ان يبلغ المكان الذي يريده الا بشق الانفس وصعوبتها، وهكذا المشاهد والمنتفع به أكبر دليل وأعظم نعمة...
والعرب في آثارهم الكثيرة من كتب الأدب واللغة تعرضوا للكلام عليها، واوسعوا المباحث ومن اقدم من كتب، وخص الأبل بمباحث خاصة الأصمعي فقد نشرت له في الأيام الأخيرة رسالتان في الأبل وردتا في (الكنز اللغوي) للدكتور أوغست هفنر استاذ اللغات السامية في كلية فينا. طبعت هذه المجموعة في بيروت سنة 1903 والرسالتان احداهما جاءت في صحيفة 66 والأخرى في صحيفة 137.
وعلى كل حال يهمنا ان ننظر الى ثروة البدوي، ونقدر قيمتها ومكانتها ونعين طريق معيشته من وراء هذه الثروات لنتخذ له التدابير الملائمة للانتاج، والطرق الصالحة للتكثير، ومخارج للبيع والصرف في المواطن الأخرى للاستفادة من نواح عديدة منها.، فنكون قد ساعدناه وجعلنا حالته في رفاه وربحنا منه في تجارتنا، وضرائبنا، وسهلنا له مهماته...
والابل في العراق كثيرة، وكانت لها فائدتها قبل شيوع السيارات؛ فهي من أرخص وسائط النقل، وإن كانت بطيئة... اهمال هذه الثروة دون عناية في امرها غير صحيح، ومن اهم ما يعرض للبدوي قلة المراعي لها، ومن الوسائل الفعالة افساح المجال له للسرح في مواطن لا يستفيد منها سواه، وفي هذا تخيف لويلاته ومصائبه مما قد يؤدي الى ضياع كافة ابله...
والابل انواع كثيرة، وبينها ما هو معروف قديماً، ويعد من نجائب الابل لما فيه من المزايا المختارة من سرعة، وتحمل مشاق، أو ما ماثل...
أنواع الابل: وأشهر المعروف منها مما ينتفع به للحليب والحمل: ويسمى (البعير) ويقال له (الرحول): 1 - الخواوير. وواحدها خوار، وهي اباعر عنزة وشمر وغالب البدو بصورة عامة، وهذه ابل بادية الشام، تصبر على العطش، وتستخدم للغزو، تعيش خارج المياه في البادية الجرداء. وهذه لا تعيش في العراق في الأرياف من جهة القارص (الزريجي) والمعروف منها (بنات وضيحان)، و (بنات عبجلي)، و (النجبانيات)، و (الشراريات).
2 - الجوادة. واحدها الجودي وهذه في الغالب عند المنتفق وغزية والصمدة من الضفير وسائر القبائل الريفية كالزكاريط (الزقاريط) وغيرها. ولا تصبر هذه على الضمأ، ولا تتحمل المشاق التي تصيب البدو... وابل شمر طوقه كلها (جواده).
وهناك قسم آخر يستفاد منه للركوب غالباً ويقال له (الذلول) ومن أنواعه: التيهية. وهذه صغيرة، ولها رسن، تفيد للسرعة وللمغازي، وتقطع مسافات بعيدة. وهي عند الشرارات من الصلبة، والحويطات منهم. وهذه تطرح النعام، والغزال، وهي للركوب خاصة، ويقال ان اضلاعها سبعة في كل جانب.
الحُرّه. تعيش في البادية، وتصبر على الماء، وهي عند شمر وعنزة، وعند الشرارات. وبها يتمكون من اللحاق بالخيول...
العمانية. من نوع الجودي، وهي جميلة ووافية، وغالب ما تكون عند المنتفق ويحتفظون بها، وقليلة في سائر الأنحاء، ومواطنها على ساحل خليج فارس.
الباطنية. وهذه قليلة في العراق.
(1/108)
________________________________________
قال صلبي يخاطب عشيقته: (للسيلان منهم)
يا نديبي شد لي كور مهذالي ... من ضراب التيه وامه شرارية
لشنطته بالرسل صابه حفالي ... مثل دانوك حدته الشماليه
نحره يم الغضى طيب الغالي ... عين خشف مرتعه له بوسميه
الوانها: الوضحة. بيضاء الصفرة. دبسة، غامقة.
شعلة. أقل انكشافاً، والجواده القسم الأعظم منها هذا لونه.
الملحة. سوداء.
الزركه. عشمه.
الشكحة. بين البيضاء والشعلة.
وهذه كلها في الخواوير.
حمرة. على احمرار وفيها غمق.
والبيض منها كلها تدعى (المغاتير)، وما كان فيه سواد، أو ملح يقال لها (السحمية)، أو (السحمة).
ومن أوصافها: (الصجرية)، و (ابكع ظهر)...
شواذيب وعذاريب
من العيوب في الأبل ما يسمى الشاذب، أو الشاذوب والضبطه فيقال ليس فيه (ضبطه وشاذب)، والعذوربه أو العذاريب وقد يطلق الواحد على الآخر كلفظ مترادف ويقال (سالم العذاريب). وهذه أشهر ما هو معروف: الطير. سكتة دماغية الخراش. نوع جنون الضلع.
الجرب.
الجدري. وهذا يكون في صغره الورك. مرض في الابط.
وأصل الشاذب عظم زائد في صفحة زور البعير. وهناك عيوب لا عن مرض وانما هي عيوب في الخلقة، أو نقص في الأعضاء: الجدعه. مقطوعة الاذن.
العصلة. مقطوعة الذنب الحرده. تضرب بيدها على الأرض؛ وهو نوع فالج.
الخطلة. مرتخية أعصاب الرجل عكس الحرده.
جنفه. فيها لحمة كبيرة تحت أبطها النجبه. مخلوعة الزند (مفسوخته).
أسنان الأبل
المخلول. عمره سنة1 المفرود. عمره سنة2 اللجي. عمره سنة3 الجذع. عمره سنة 4 وهذه يبتدئ فيها اللقاح وهو الضراب.
الثني. عمره سنة5 الرباع. عمره سنة6 الخماس. عمره سنة7 الجالس. عمره سنة8 ومدة الحمل 12 شهراً ومن النوادر أن يكون 13 أو 14 شهراً.
الوسم والشاهد
وللأبل عند كل قبيلة، أو فرع من فروعها علامة يسمونها بها لتعرف وهذه تختلف اشكالها بالنظر لما تتخذه القبائل ولا نجد تقارباً في الوسم الا قليلاً، وكذا يقال للشاهد وهو نوع الوسم الا انه لا يعول عليه في التفريق، وإنما هو أشبه بالاشارة الخاصة...
والوسم يكون على اليمين أو على اليسار، أو على الرقبة... والشاهد يكون على يمين الوسم، أو يساره، وقد يكون الوسم على اليد اليمنى، أو اليسرى... والشاهد على الرقبة، أو يكون قريب الخشم ويصير محاذياً للعين، أو نازلاً الى الفك وعلى كل لا يعول على الشاهد.
وسم شمر طوقة كاشارة على يمين الناقة، والصلتة منهم يجعلون الشاهد قدامه، والغرير منهم في يساره، والزقاريط عندهم الوسم اشبه بحرف T اللاتينية ويكون في اليسرى وشاهدهم في الوجه على الجانب الأيسر في منحدر الرسن والنصر الله (فرقة منهم) على الفك... ولا يكاد يحصى الوسم لكل قبيلة وشاهده، ولقبائل عنزة لكل منها وسم خاص، كما لقبائل شمر كذلك...
شركة الابل
وشركة الابل للانتفاع منها تكون بأمور عديدة ولكن هذه لا تظهر إلا في القضايا الجزئية والمطالب الصغيرة مما يجرى بين الطبقة الضعيفة، أو بين ضعيف وغني... ومن هذه: شركة عظم. وذلك أن يشتري الموسر الابل، ويشغلهن عند آخر حتى تفك اثمانهن من النماء والربح، وحينئذ يشترك معه مناصفة... ولكن هذه الشركة يصح ان تفك عند الطلب، ولا تكون مقيدة بشرط، ومع هذا اذا وجد شرط لزم مراعاته... وفي هذه الحالة اذا طلبها صاحبها قبل ان تفك فحينئذ تباع وما زاد عن قيمتها يقسم بينهما... فالتعب الذي بذله العامل لا يهمل بوجه، ولا يضيع...
شركة العدالة وتكون في الغالب في الغنم، وتقل في الابل وذلك بأن تعطى الشياه او الابل الى آخر ويشارك في النماء، ولا يكون شريكا في العظم الأصلي بل في الصوف والدهن...
ان تودع الابل على ان تكون الاجرة مثالثة، ثلث للجاني وهو الذي قام باعارتها... ويتسلمها المكاري كاملة الحدايج والثاية... واذا كانت كثيرة فيصح ان يشترط على صاحب الابل اكثر، وان يستخدم معه آخر فيكون نصيبه النصف...
ويطول بنا تعداد كل ما هو معروف، وانما الغرض الفات الأنظار الى هذه النواحي، وعند الاختلاف يرجعون الى العارفة، والضعيف يلجأ وان كانت القضايا تافهة.
بيوعات
(1/109)
________________________________________
في الابل قد يكون البيع صفقة واحدة وتنقطع العلاقة وقد لا يكون كذلك وتبقى العلاقة لمدة بأن يشتري المخلول والغركان، والمخلول منهما تراه، ويكون مولوداً، ويؤخذ وقت طلوع سهيل، أو أن يسلم صيفاً... وإن المشتري في هذه الحالة يسمى (شراي حبل) والمفرود ويقال له الغرقان، كأن يشترى في بطن أمه ثم يأخذه المشتري بعد أن يفطم من أمه وذلك بأن يحول عليه الحول أو أزيد واذا مات المبيع في هذه الحالة فهو مضمون.. ويسمى (المجفوت).
هذا ما يعين البيوعات عندهم، وان الضمان يترتب لأنه لم يسلم الى المشتري في الوقت المضروب، وغالب هذه يجريها الضعفاء والفقراء فيما بينهم، وهي التي توضح بقايا بيوعهم.. والغرض من هذه البيوعات الشراء سلفاً، وان يكون تحت ادارة البائع لمدة...
الرعى
اذا أراد أن يسرح في الابل يعطى مخلولا ومبلغاً معيناً يقدر بدينار أو أكثر، أو مفرده وحده، أو مبلغ وحده وذلك حسب قلة الابل وكثرتها...
الدخيل
تعطى الابل الى آخر فيذهب بها الى نجد أو الى مكان آخر، وذلك الراعي أو آخذ الابل ضامن ويجعل الابل مرخوصاً من قبله يقال له (الدخيل) والوصي وهذا هو الذي وكله... فاذا رفض وكالته فحينئذ يصرح بذلك ويشهد ثم يخلط الأموال (الابل) بما عنده، ولا يضمن المقدرات أي لا يتوجه عليه ضمان الدرك، فاذا مات بعير يثبت الشهود على موته وحينئذ لا يبقى حق. اما لو طالب المالك ببعيره فامتنع من اعطائه الى الوصي ضمن أي انقلبت يده الى يد ضمان.
وداعة البدو للبدو
وهذه امانة لا تفرق عن سائر الامانات الا انه يتصرف بها وينميها، أو يبقيها امانة على حالتها دون تصرف... والبدوي في أحوال عديدة يريد أن يسير الى أهله، وليس في امكانه الا ان يكون مجرداً، وتكون هذه محترمة ومحتفظ بها للأمرين المذكورين، وللأمين الحق في اختيار احداهما، ولا يفترق المودع بين ان يكون بدوياً أو غير بدوي، ولكن يصرح غير البدوي بغرضه فيقول هذه (وداعة البدو للبدو) أي أنها الوديعة المصطلح عليها عندهم. وللامين الحق في حفظ عينها، او التصرف بها. فاذا كانت الوديعة شاة مثلاً تكاثرت عنده، أو حواراً، أو بعيراً كان الأمر كذلك، واذا باعها اشترى بثمنها ما ينمو، كأن كانت بعيراً فحلا كرى عليه ما عنده ونمّى الحاصل، أو باع البعير واشترى به ناقة، فاستولدها...
والحاصل لا يسوغ له بوجه ان يخون هذه الأمانة، وإنما يستثمرها لصالح المودع، واذا كانت مبالغ اشترى بها ما فيه فائدة الى آخر ما هنالك، وقد يعين المالك الذي ائتمنه ان يتقاضى أجراً عوض العناية، وهذا غير ما يعطى للراعي أجرة رعيه وسرحه...
3
- اموال اخرى
لا تعتبر الأموال الأخرى في الحقيقة من أموال البدو المهمة، وإنما الأموال الحقيقية هي التي تلائم أوضاعهم الحياتية... فاذا تقربوا من الأرياف صاروا يقتنون الغنم، ويلاحظون أمر رعيها وتكثيرها... واذا وجدت أموال أخرى فهذه لا تعد من أموالهم الأساسية. والغرض بيان ما يعوّل عليه البدوي من الأموال في بداوته، ومن أشهر أموالهم الأخرى الغنم...
- 6 -
الشيم والأخلاق
ضيق المعيشة، وضنك الرزق، وقلة الموارد قد تجعل المرء في لبس من تصديق ان البدوي لا يكذب، وانه صريح القول، ينفذ ما عزم على فعله وما قطع في امره... وهو في هذه الحالة لا يشهد كذباً، ولا يحابي... وفيه من الشمم والأباء والعفة بمعناها الصحيح، واكرام الضيف، وحمى الجار والنزيل ما لا يوصف.
شاهدنا وقائع اعترف فيها البدوي انه قتل، أو أنكر القتل فلم يحلف، ولم يخن أمانة، ووفى بعهده وهكذا.. وكم أخذتنا الحيرة في وقت لا نراه يقدم على الكذب وهو في أشد المواطن خطراً، وأعظمها حرجاً...
نرى أوصافاً كثيرة عند البدو ولا نجدها عند غالب اخوانهم من الحضر فكأن البداوة ملازمة للصدق، والانفة من الخديعة والكذب، وكأن الحضر غير منفكين من الأوصاف الرديئة الا من عصم الله تعالى... ذلك ما دعا ان يأمن الحضري معاملته مع البدو، ويتخوف البدوي من أهل المدن وحيلهم والطرق التي يتخذونها لسلب ما عنده، فهو في حذر وخوف حتى انه اذا اشترى بضاعة يشترط أن تكون (سالمة، مسلمة للمناخ) وهكذا...
(1/110)
________________________________________
ونخشى في هذه الحالة أن تتطرق اليهم بعض صفات أهل المدن الرديئة، وتنتقل عدواها وان القائمين بأمر اصلاح المجتمع يحتم عليهم الواجب ان يلاحظوا هذه المهمة، وان يتذرعوا بوسائل مانعة من التسرب الى هؤلاء، وأن يسيروا بهم الى التربية الحقة...! مرت أمثلة كثيرة تبين صراحة البدوي وصدق لهجته، وصفاء سريرته... ونحن في حاجة كبرى الى أن نتعلم منه المهم من الأخلاق الفاضلة، والسجايا النبيلة... وان لا نتهاون في أمرها، لا أن نفسده وهو سهل الخديعة، فيتذرع بالوسائل الرذيلة... ونتمنى ان لا يدخله الاصلاح قبل ان ننال قسطاً منه والا سقناه الى ما نحن فيه، وبهذا انتهكنا حرمة أخلاقه وعلوها وسمّو سجاياه وفضائلها... وهل من الصلاح ان نتولى امر الاصلاح ونحن لم نتسلح بما عنده من سجايا، ونتطلب منه ما هو مفقود وقد قيل (فاقد الشيء لا يعطيه)..
جلّ آمالنا ان يحتفظ هذا البدوي بحسن سلوكه، وطيب اخلاقه، وصفاء نيته الى ان تتبدل حالة التربية العامة بخير منها، وتكون اولى مما هي فيه...
- نعم قد تكون في البدوي بعض الصفات التي اكتسبها من حاجته ومحيطه، ويهزأ بمن يذمها، أو يلومه من أجلها أمثال الغزو... ولكن هذه بالنظر الى منع حوادث الغزو، والاتفاق والتكاتف بين الدول المجاورة على منعه تغيرت هذه الحالة، وماتت من نفسها، وصار يشعر بأن ماله ما اقتناه من طريق مشروع... وستقوى هذه الخصيصة ويتعود مغزاها في حين انه قبل هذا اذا قيل له: - الله يحرمك من غارة الضحى! كان يجيب: - وهل(1) وجه، وهل وجه...! يريد بل أنت تحرم منها!! وكانوا يؤدون من غارة الضحى بعض الصدقات عن موتاهم..!! وغرضهم من غارة الضحى أنها على وجه نهار، ولم تكن خفية، أو خلسة...! ومهما كان الأمر فالبدوي يغزو وينهب، ويقتل ولكنه لا يكذب، ولا يخدع، ولا يخون الامانة، ولا يقبل بذل، ولا يرضخ لقوة..!! يعيش بعزّ، ولا يرضى ان يهان، حر الضمير، صريح القول، وعفيف الذيل في غالب أحواله.. وهو أيضاً كريم بطبيعته، شريف في نفسه، أبي، لا يتردد عن معونة، ولا يحجم عن مساعدة... والقلم ليعجز ان يجري في بيان كل خصاله الحميدة المقبولة... والمرء ينجذب بل يكون مغرماً بأوصافه هذه وأتمنى أن تكون هذه بصورة عامة عندنا... وأن نمضي على كثير منها...
سجايا قوية، عالية، لا تفترق بوجه عن أوصاف العرب القدماء؛ ولا تقل عنها، ويعوزها ما أعوز تلك من اصلاح حقيقي، وتهذيب اجتماعي، لا يشبه ما نحن عليه اليوم، ولا يأتلف وما نحن فيه... ولم أكن في قولي هذا ساخطاً على المجتمع أو غاضباً عليه الا أني أرغب أن يتحلى بأكمل صفات الرجولة، وأن ينال حظه من الحضارة مقرونة بتلك السجايا الفاضلة...
وهم كما نعتوا انفسهم:
حنّا جما صافي الذهب ... وانظف من الخام الجديد
ولا نريد أن يزيف هذا الذهب، أو تنال ذلك الخام نكتة تكدر لونه او تودي بصفائه وجميل رونقه... فاذا كان:
حسن الحضارة مجلوب بتطرية ... وفي البداوة حسن غير مجلوب
فالأخلاق فاضلة، وعزيزة، لم تدخلها التطرية، حسنها طبيعي، وسالم من العذاريب الكثيرة كما يصطلحون عليها...
وهنا نذكر بعض أوصافهم العامة:
1 - النخوة
وهذه من أكبر وسائل التكاتف، ويقال لها (العزوة) أيضاً، وفيها تتشارك القبائل التي تمت الى نجار واحد، وغالب القبائل تعرف القربى بينها بسبب هذه النخوة... وقد مرّ بنا ما ينتخى به القوم، وهي دليل الأخوة، وشارة التكاتف والظاهر ان اصلها (انااخوة) ومنه اشتقت (النخوة) ومثلها العزوة ويراد بها الانتساب الى نجار واحد...
قال الشاعر:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... في النائبات على ما قال برهانا
وهذه هي النخوة، والندبة مثلها... واذا صرفت النخوة الى ناحية التكاتف على اتباع الحق، ونصرة المظلوم، ومقاومة الشر فما أحلاها. والتلقين الى هذه الناحية قد يؤدي الى نتائج مرضية...
2 - الدخيل، الدخالة
في القتل يدفع عن القاتل لمدة ثلاثة أيام على ان لا يسارى ولا يبارى... وفي المطالب الأخرى غير قتل النفس يكون الوجه لمدة سنة، فلا يتعرض له أحد. الا أن (فورة الدم) لا يصد احد فيها، والوجه لا يمنع غالباً الا أن يكون قوياً ويتمكن من زبن الهاجمين...
3 - الوداعة
(1/111)
________________________________________
وهم أحفظ للأمانة، وأحرص على الوديعة، وقد مرّ بيان بعض حوادثها الخاصة، ويتفادى البدوي في صيانة الوديعة...
وعلى كل حال تظهر أوضاعهم العامة وأخلاقهم الاجتماعية، وكذا الفردية من طريق تثبيت الوقائع الاعتيادية، وفي مواطن الحروب واوقات الغزو وقد اشير الى ذلك فيما مرّ، وسيأتي من الأمثلة في خصوماتهم مما يعين أخلاقهم في بعض الأوصاف والأقوال التي يعابون من أجلها، ويحق لهم أن يطالبوا بالحشم، أو يعقروا من جراء ما نالهم من اهانة، أو يلتمس منهم العفو أو التعويض... وليس لهم حكومة يلجأون إليها، وإنما يستعينون بقوتهم.
ولا مجال لحصر المقبول من فضائلهم، والأخلاق المعتبرة فيهم... وتتجلى اكثرها في حالاتهم الشاذة، وخصوماتهم، ومنازعاتهم.. ولو استثنينا الغزو والوسكة وما ماثل لقلنا هناك الانسانية الكاملة... ولكن للضرورات، وللمحيط حكمهما، وطبعهما... والتربية الصحيحة تعدل في الأوضاع المدخولة، وتؤدي الى الاصلاح الكبير وللتعديل القليل حكمه وأثره في الحياة الفردية والاجتماعية...
هذا ولا تفيد التعديلات المادية، وإنما الأثر النافع للمبادئ القومية، والتربية الفاضلة، والعوامل النفسية، فهي شديدة الأثر، وكبيرة الفائدة... والأخلاق تحتاج الى حسن ادارة وخبرة تامة، وعلاقة قوية بالعقيدة..!!
- 7 -
العقائد والعبادات
العقيدة عند البدو قليلة الكلفة، بسيطة، وأساسها قبول ما كان قريباً من أذهانهم، وأحق بالأخذ... ومن حين دخلهم الإسلام زالت منهم عبادة الأشخاص والأصنام، وحل التوحيد، فلا يميلون الى الرسوم، والأوضاع الزائدة...
ومما يحكى عن الشيخ صفوق انه كان في مجلس ببغداد، فرأى ان قد جاء شيخ، ونال احتراماً من أهل المجلس فقالوا له هذا الشيخ فلان! قال هو شيخ أي قبيلة فأجيب بأنه شيخ الطريقة النقشبندية، وهي طريقة دينية... فكان جوابه ان الدين ليس له نقوش...!! ومن المعلوم ان الإسلام أعلن عقائده بأوجز عبارة، وهي ايمان وعمل صالح، او استقامة... مع قبول الارشاد لتعيين هذا المطلب، والبدوي لا يريد أن يعرف غير ذلك ولا يشغل ذهنه بأكثر...
وفي هذه الحالة يجب ان لا نخرج به في تهذيبه الديني عن هذا، وبعض الايضاح المتعلق به والا كان نصيبنا الخذلان في نهجنا... ومن طبع البدوي ان لا يميل الى زيارة المراقد، ولا يهتمون بها، وهم أقرب الى التوحيد الخالص، وتراهم في نفرة من مراقد الصلحاء.. وغالبهم على مذهب السلف بسبب المجاورة لنجد، أو هم قريبون منهم...
رأيت فرحاناً ابن مشهور حين وروده العراق في ديوان المرحوم السيد محمود الكيلاني النقيب السابق، وكنت حاضر المباحثة معه في بعض اوضاعنا الدينية، وكان ابن مشهور ينقدها، ويورد الآيات وبعض الأحاديث تقوية لحجته، وان سماحة النقيب يوضح له، ويوجه أغراض اهل بغداد، ويعتذر له من أخرى ويقول: هؤلاء صلحاء لا أكثر، ولا نعتقد فيهم غير ذلك! اما ابن مشهور فانه استمر في بيان تلك الأوضاع حتى قال: ما هذه اذن؟ (واشار الى قبة الشيخ عبد القادرالكيلاني) ألم تكن طاغوتاً ألم يقدم لها الاحترام!! وهكذا نسمع الشمري يقول وكان قد رأى ما يخالف عقيدته:
يا عون من طالعك برزان ... ونام بشناكك هني
ويا عون من فاركك البرغوث ... وفراك عبادة علي
وبرزان قصر ابن رشيد في نجد، واراد بعبادة علي الشيعة في حين انهم لا يعبدون الامام علياً (رض) وانما يعتقدون فيه الامامة، وهؤلاء البدو لا يفرقون، ويرون مجرد الانقياد الى الشخص عبادة...
ومن حاول اصلاح هؤلاء وجب عليه ان يلقنهم العقيدة من ناحية تفكيرهم دون أن يدخل فيها ما لا تقبله افهامهم... بأن تلخص له أساسات العقيدة بلا توغل في تفرعات زائدة، وان لا يعرف بالمذاهب الا انهم علماء معروفون لا اكثر... وأرى أن يكثر له من تدريس القرآن الكريم، وأن لا يعدل عنه، وان يسترشد بأحكامه... وفي هذا اصلاح لأخلاقه وعقيدته معاً، وفيه أبعاد عن كل نعرة طائفية، واستهواآت حزبية... فيكون مصروفاً الى ادلته الحقة، وأن نقربها لفهمه.. وهم في الغالب مالكية، أو حنابلة ويجب أن يلقنوا العبادات على مذاهبهم بما لا تصح بدونها، وان يلاحظ تقليل التكليفات قدر الامكان، والدين يسر...
(1/112)
________________________________________
وعلى كل حال رغبة الاصلاح تستدعي التفكير الطويل، واستطلاع الآراء حتى تظهر الفكرة القوية الصالحة... وأرى من الضروري تدريسهم مجمل التاريخ الإسلامي، وذكر الغزوات والملاحم الإسلامية بحيث يتجلى لهم النشاط، وصفاء الأخلاق، والتفادي في سبيل هذا المبدأ الجليل، وان لا تنسى العلاقة، وان يحتل هذا التاريخ محل القصص الخرافية، والحكايات التي لا يؤمل منها نفع تهذيبي...
- 8 -
الخصومات - الدعاوي يقولون:
المرجله ما بين حيل وحيله ... والحك يبري للي سيوفه كواطع
أو:
ما ينفعك زاد كليته ليافات ... " ولا ينفع المفلوج عوج الطلايب "
1 - العرف القبائلي
ان القدرة، والشجاعة من اكبر الوسائل لحفظ الحقوق، وأعظم الحواجز دون انتهاك الحرمات، ويردد البدو " الحك بالسيف والعاجز يريد شهود " وفي هذا لا يقصد غالباً الا حماية الحق؛ والبدو من خير مزاياهم ان لا يكذبوا، ولا يتخذوا الوسائل لابطال الحقوق وقد قالوا " ولا ينفع المفلوج عوج الطلايب " ، ولا يخلو المرء من لدود وخصام، وهم اصحاب حجة، ومنطق عذب، وفكرة قويمة في الغالب والنزاع في الأكثر بين المتكافئين، والحكم بينهم يجب ان يكون ذا قدرة على حل القضايا والا فلا يتنافرون اليه، وإنما يميلون الى صاحب مواهب كافية لادراك ماهية هذه الخصومات والوقوف على جهات التلاعب في ادلاء الحجج... وهؤلاء لم يكونوا ملائكة، وانما هناك بواعث مهمة تثير الخلاف وغالبها يقع على المنهوبات (الغنائم)، أو على (حقوق النساء)، أو على (البيوعات) و (الامانات) وهكذا مما لا حد له لتعيين قضاياهم وهذه لا تخرج عن مادة الفقه. وأصل مواضيعه... وتسمى في مصطلح اليوم ب(العرف القبائلي) من دون سائر العوائد...
ولا نريد في عجالة كهذه ان نتوسع في حقوق القبائل البدوية (عرفها)، وفصل خصوماتها، وطريق حلها... وكفانا أن ندّون بعض القضايا الواقعية، ونشرح بعض الأمثلة، ونراعي صور الحسم من محادثات مع بعض العوارف، ومناقشات في خصوماتهم، ومباحثة معهم ومعارضة لأفكارهم بقصد أن نتبين حقيقتها، ونعلم ماهيتها... واقتصرنا على ما يكفي للمعرفة والامام وإلاّ طال الأمر، وصعب كثيراً، وتشبعت أطرافه.. وعلى كل حال النظر يقتصر على ما يدعو للخصام ومراجعة العارفة... هذا وأحكام عرفهم متقاربة، وليس فيها تفاوت كبير والتغلب والاثرة أبقيا أثراً محسوساً فيها من مخالفات وأوضاع تعاملية منها ما لا يأتلف والشريعة الغراء..
2 - العارفة والعوارف
لا يقصد البدوي من الالتجاء الى العارفة سوى حلّ قضيته حلاً مرضياً يقطع النزاع، والا فالتحكم، والاجبار على صورة حل ترضي جانباً وتغضب الآخر وتضطره أن يقبل بقوة وقسر مما لا يميت الحقوق، وليس الغرض مجرد الحسم... ويصدق على مثل هذا قول (حكمت ولا أبالي)... ولعل التجارب العديدة بصرت بمراعاة (فصل الخصومات) من طريق (العوارف)... والملحوظ أن الناس كانوا يلجأون الى الأقوى لحسم النزاع دون ان تلاحظ الصحة استناداً الى هذه القوة أو أن يميل القوم الى الطاعن في السن ويطلب حله... ثم قطع البدو مراحل حتى وصلوا الى طريق القضاء بواسطة من أهّب نفسه، وأعدها لفصل الخصومات وكانت له بصيرة. وقديماً يقال له (الحكم)... ويقول أمراء شمر نحن الذين نصبنا عوارفنا واخترناهم من جهة اننا نظراً لمشغولياتنا لا نقدر أن نرى الخصومات بأنفسنا، فأودعناها الى من اعتمدناه، وبمرور الأيام صارت موروثة فيهم، ولا يعتبر عارفة الا من كان ابوه عارفة...
وهذه الفكرة اقرب للصواب في تعليل موضوع العوارف، ولكنها قديمة جداً، وحكام العرب في الجاهلية لم ينالوا منصب القضاء، ولم يشتهروا الا لما فيهم من المواهب، وان كان هناك آخرون لم يلجأ اليهم أحد، والعارفة القدير يميل الناس اليه ولا يعدلون عنه كما انهم لا يجبرون على احد بعينه...
3 - محادثة مع عارفة
قد جرت بيني وبين حسن ابن عامود من شمر المحادثة التالية: - هل تقرأ وتكتب؟ - لا! كيف تقضي بين الناس؟ كان آبائي وأجدادي عوارف... وكنت أشاهد قضاياهم، وأسمع ما حكموا به، وتناقلوه... وأنا أنظر في القضية، وعندي قلب واع... فماذا تريد وراء هذا؟
(1/113
الشيخ شوقي جبار البديري
الشيخ شوقي جبار البديري

عدد المساهمات : 5603
تاريخ التسجيل : 04/04/2012
العمر : 59
الموقع : قبيلة البدير للشيخ شوقي البديري

https://shawki909.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

 عشائر العراق عرف البدو عباس العزاوي   Empty رد: عشائر العراق عرف البدو عباس العزاوي

مُساهمة  الشيخ شوقي جبار البديري الجمعة يونيو 14, 2024 6:40 am

وكأنه يقول عرفت تاريخ الخصومات والعرف ممن سبقني، وأدقق المسألة الموضوعة البحث، ولي بصيرة وادراك... وهذه من وسائل معرفة المحق من المبطل، وهي من دواعي الحكم... هذا مع العلم بأن هذا العارفة ليس هو من أكبر العوارف وأعظمهم. (لم يكن منهى).
ولا أظن الحقوقي يحتاج الى اكثر من معرفة تاريخ الحقوق، والنظر في الموضوع، واستعمال عقله فيه... وبحق قال الزمخشري (العربان غربان)... ولم يراع هؤلاء أصول مرافعات، ولا قانوناً يرجع اليه سوى المعهود من تعاملاتهم إلا أن القضايا السابقة التي كان قد حلها عارفة آخر قبلا تعتبر أساساً وليس للمتأخر أن يتعداها، أو يتجاوزها في حكمه.. وكأن هذه المعلومية تكسبها قوة ويمهل المتضرر أن يأتي بدليل على هذا الحكم السابق. وهي بمثابة رجوع الى فتاوى، أو الى مقررات محكمة التمييز... والآن في حكومة ابن سعود يسمون العوارف ب(الطواغيت). لأن حكمهم لم يبن على أحكام الشرع وإنما هو على تعامل قديم، ووقائع سابقة ولا يرجع فيها الى الأحكام الشرعية وهذه قد تكون موافقة، أو مخالفة، ولكن الشرع وموافقته غير مقصودين...
4 - المنهى (محكمة تمييز البدو)
وهناك من لا يرضى بحكم العارفة ولا يقبل بطريقة حسمه، وحينئذ له أن يعارض حكمه ويطلب ان يرجع الى (المنهى) وهو آخر محكمة بل آخر حاكم يلجأ اليه في نظر البدوي فيأذن له. وهؤلاء المناهي قليلون، لا يختلفون عن العوارف إلا في القدرة المسلمة لهم لا بانتخاب رئيس ولكن بحكم الشيوع والشهرة... وقد يعارض الحكم بما قضى به من سبقه، ويشترط أن يقدم شهادة من عارفة آخر كان قد حكم بما خالفه...
وعلى كل حال سواء العارفة، أو المنهن لا يجوز مخالفة أحكامهم، أو مراجعة غيرهم وإلا أدى أن يطالب العارفة بالحشم، ويعد تحقيراً له إذا راجع أحد غيره كما أن غيره إذا عرف لا يقضي ولكن يجري ذلك تحت تحوطات خاصة، فإذا أودعت قضية الى عارفة فليس لآخر التعرض لها، أو التدخل فيها فإن فعل أخذ منه الحشم. وعند قبيلة حرب إذا عرض قضية الى عارفة وكان قد عرضها لآخر قبله أخذ منه الحشم.
ومن هذا يعرف ان حكم العرافة قطعي، وحسمه لا يقبل النظر مرة اخرى إلا بالتحوطات المارة أو ما ماثلها ولذا نجد العربي القديم يفتخر بقوله: أنا الذي لا يعاب لي قول، ولا يرد لي قضاء.
أو كما قيل:
ومنهم حكم يقضي ... فلا ينقض ما يقضي
والمشهور ان القدماء من العرب وضعوا قاعدة (البينة على من ادعى واليمين على من انكر) ومثله قولهم في الخنثى (اتبعه مباله) وبعضهم حكم فقبل الإسلام قضاءه... مما لا حد لاستقصاءه..
وللتحري عن حكم معارض كان قد سبق أن حكم به يمهل في ايام القيظ ثلاث ليال وفي الشتاء سبع ليال للتحري عن نص الحكم. ويقال له: " ردك الله للسوالف انها قبل ماضية... "
5 - امرأتان تتنازعان ابناً
يحكى أن رجلاً تزوج امرأتين فولدتا في يوم واحد، وكانت القابلة أم أحدهما، أولدتها فاعطت بنتها ابن الأخرى وهذه اخذت بنتها دون ان تعلم... مضت بضعة أيام، والأخرى تميل الى الابن ولا رغبة لها بالبنت، وأخيراً قالت ان الابن هو ولدي فحصل نزاع ادى أن تثور الفتنة بين القبيلة...
تحاكموا الى العارفة فكانت نتيجة تدقيقاته ان وزن حليب ام البنت، وحليب ام الولد كما أنه أخذ الحليب من حيوانات أخرى فوزن حليب الذكر وحليب الأنثى فوجد حليب الابن اثقل فحكم بان المدعية لها الحق في المطالبة بابنها...
6 - لو بطني فرّ فريت
كانت الجموع من شمر متقابلة، والحرب مشتعلة بين الفريقين فكان أحد رجال شمر وهو مذود الزعيلي قد هوى على عدوه وهو من الفر من العامود بضربه سيف فسقط قتيلا، وذلك بمشاهدة هذه الجموع. أما القاتل فقد هرب الى عنزة وبقي مدة حتى مرض وأراد أن يموت بين أقاربه وقومه وأن لا تتوجه المطالبة عليهم مع أنه لم يكن القاتل في الحقيقة... فعاد ودخل على رئيس شمر وطلب منه الحق فيما وجه اليه من قتل الرجل من ال(فر)، فقام المجلس في وجهه وقالوا له قتلته بمرأى من الجموع والآن تطلب الحق فأجابهم:
(1/114)
________________________________________
- " لو ببطني فر فريت " ! يريد أنه لم يقتل أحداً من فر ولو كان قتله لفر منهم وهرب فصارت مثلا!! فتحاكموا الى العارفة بأمر من الرئيس فكان العارفة قد سمع بينه مذود المذكور وهو المهتم بالقتل في انه كان قد هوى على الفري بالسيف الا أن قطعة الرمح من آخر هي التي أزالت أم رأسه وقتلته. ومن ثم توجهت الخصومة على من شهد عليه الشهود.
7 - البدوي لا يورد عليه شاهد
من أغرب ما اعتاده البدو انهم لا يبرهنون على دعاويهم الجزائية ببينة أو شاهد... وإنما يطلبون اليمين رأسا وهذا عام فيهم وذلك فيما عدا توجيه المطالبة فانها تسمع فيها الشهود... وقد رأيت بعضهم لم يحلف لأنه كان قاتلا واعترف وآخر طلب أن لا تسمع بينة عليه فلم يلتفت الحاكم وانتهره قائلا هل انتم أولياء ولا يقبل شاهد عليكم؟ فكان جوابه اننا كلنا خصوم، جمعان تقاتلنا فلا يصح أن يشهد بعض أعداءنا علينا.
فلم يجد منه إذنا صاغية! فطلب ان يحيل القضية الى العارفة ومن ثم يرى رأيه فيما يطلب...! فوافق، وكان العرافة لم يطلب سوى اليمين.
ومن الأدلة على ان البدوي لا يورد عليه شاهد قصة (لو ببطني فر فريت) المارة. ورأيت مبرد بن سوكي رئيس الربيعيين من شمر قد عين السبب في ان الدعاوي بأوضاعها تجعل كل واحد يتحرى عن الشهود، وتسوق الى الكذب، وأساساً لا يلزم القاتل وحده فلا يحلف كذباً قطعاً فلا محل للركون الى الشهادة...!
8 - الفصل
طريقة حسم النزاع كما في الأمثلة المارة يقال لها الفصل. وهذه الطريقة يجبر عليها البدوي من جانب الرئيس، أو يلجأ إليها أحياناً دون الاستعانة بقوته خشية الفتنة، والخوف من وقوع حوادث قد تجر الى ما لا تحمد عقباه بين القبائل أو بين القبيلة الواحدة... على ما قيل:
وجرم جره سفهاء قوم ... فحل بغير جارمه العقاب
وهذا لا يسير على قاعدة معينة؛ وإنما يختلف بالنظر لعرف كل قبيلة والقبائل المجاورة لها... والعارفة لا يمضي على قانون أو قاعدة مطردة، وإنما يجب أن يكون ملما بما هنالك من سنن ومن خلاف بين عرف كل...
إننا نرى وحده في ماهية الوقائع. وتقارباً في صور الحل، ولا يكون مشتركا من كل وجه، وإنما فيه خلاف، والملحوظ أن هذا الخلاف أما أن تكون ولدته القوة، والضعف وتحكم المجاورين، أو تباعد العرف بسبب أن كل قبيلة عاشت في موطن غير موطن الأخرى... وهناك جهات مشتركة هي التي نتناول موضوعها ولكننا سوف لا نهمل خصوصيات بعض القبائل، وما يجري بينها من قواعد الحل... إلا أننا هنا نشير الى معتاد القبائل بصورة عامة كما ذكرنا ذلك سابقاً... وغالب ما يعد جريرة في قبيلة فهو جريرة في أخرى وإن تفاوتت العقوبة أو اختلف مقتدار الضمان...
9 - الحوادث التي تستدعي الفصل
الجرائر أو الجرائم معتبرة نوعاً عند الكل، ولا يفرق بين قبيلة وأخرى إلا في بعض الأحوال وهذه أشهر الحوادث التي تستدعي الفصل: القتل.
السرقة والنطل.
الجروح والشجاج.
الحشم.
العقود.
النهوة.
الوسكة الى آخر ما هنالك.
وهذه في غير الغزو، وفي الغزو يستحكم العداء وذلك أن الأرض وإن كانت مباحة إلا أن كل قبيلة لها مواطن رعي وكلأ، وحما... وكل هذه لا يجتازها كل واحد ولا يمر منه بل دون ذلك خرط القتاد... إلا أن يتدخل المصلحون، ويجري على يد الرؤساء والعوارف في صور الحل بعد الاتفاق على الاساس... وفي المثل (هفا من وفى). وأما قسمة الغنائم فقد اشير اليها فيما سبق وهذه تستدعي الرجوع الى العارفة ويحدث من جرائها اختلافات كبيرة. لأن الغانمين بعد أن يستولوا على المال تتعلق به حقوق هي في الحقيقة أشبه بالمحرزات من صيد وغيره وتتنازعها أيدي الغانمين في بعض الأحوال. وأما في الشريعة الغراء فالغزو المعروف غير مقبول بوجه بل هو نهب صريح وغارة... على اموال الغير... والحكم به مما ينافي الشرع الذي يحث على حفظ الحقوق وإيصالها الى اهلها ومراعاة العدل في حسم القضايا المتعلقة بها وامحاء الاجحاف والغصب وتعويض ما يصيبه التلف من الأموال... ذلك ما دعا ان يندد الشارع بالعرف من هذا القبيل في آية " أفحكم الجاهلية يبغون " .
والفصل يكون في المطالب الآتية: الدية، أو الودي.
التعويضات والحقوق.
(1/115)
________________________________________
وقد يقال الفصل للحكم بالدية عن القتل تغليباً من جهة انه من أوضحها... والقوي لا يعتدي أحد عليه، وإذا حصل اعتداء فمن الممكن أخذ الحيف، واستيفاء الحق...
10 - القتل - الدية
القاتل لا يقبل منه غير القتل وقاعدة (القتل انفى للقتل) جاهلية، والقاتل مهدد دائماً وكثيراً ما رأينا في شمر من لم يقبل الفصل وأبى أن يدخل في الصلح وإنما قال: أقتل ثم ادخل الفصل وامتنع بصورة باتة من قبول الدية وأن يأخذ بدلا عن قتيله... ولكن القربى، والجوار وتوسط المصلحين قد يؤدي الى مراجعة العارفة وحل القضية صلحا. والدية معروفة قديماً، وأول من سن الدية مائة من الابل أبو سيارة العدواني، ويقال ان عبد المطلب اول من سنها فأخذ بها قريش والعرب وأقرها الإسلام... وهو أو ل من قطع في السرقة في الجاهلية...(1) والحالات الاجتماعية، والأوضاع الخاصة تستدعي لزوم الحل صلحا، وحسم النزاع خشية أن يتطاير شرره... وحق التأثر للقبيلة كلها ويعد المقتول ابنها ولا تقتصر المطالبة على الأب أو على أقرب المقتول الأدنين... وبعد تسليم الدية وقبول الصلح تدفن الضغائن، ويزول الحقد والحنق واذا اثيرت الغضاضة فهذا معيب جداً... ولكن وقع أن أصرت الحكومة والرؤساء على بعض عشائر شمر في قبول الصلح ومراعاة الفصل فلم يوافقوا مدعين ان الحق في جانب واحد وهو الذي يحق له المطالبة واذا كان لا يرغب في الصلح فلا يجبر عليه، ولا يتدخل في فصل...! وهذا غير قبول الصلح ثم انتهاك حرمته...
11 - مقدار الدية وتوزيعها
وهذا مختلف جداً بين القبائل، ويتفاوت مقداره بين افراد القبيلة والقبائل المجاورة... وإذا كانت القتلى من كل جهة كثيرين تراعى قاعدة (هفا من وفى) أي يتساقط القتلى ويودى ما يبقى... وهو المعروف عندنا بقولهم (دمدوم، وجرف مهدوم) ويريدون به دفن المطالبات...
ومقدار الدية يختلف بين ان يكون المتقاتلان من قبيلة واحدة، او من فخذ واحد، او من قبائل اجنبية... وفي حالة كون القاتل من الأقارب لحد خمسة أظهر فانه يسقط من ديته مقدار ما يصيبه لو كان القاتل أجنبياً، والباقي يوديه... والدية بين هؤلاء الذين هم من قبيلة واحدة 50 بعيراً، وفرس واحدة، والاسلم بينهم خاصة 25 بعيراً، وكذا عبدة واما الصبحي والاخرصة فيما بينهم 50 بعيراً وهو الغالب في سائر البدو، والجار مثل القريب، وبينهم وبين الأجانب وهم الريفيون 7 من الابل.
وهنا يختلف التوزيع بين القبائل الريفية والبدوية وذلك ان الثلثين وفرس الكبل تعطى لأهل المقتول (ورثته) والباقي يوزع بين الأقارب الى الظهر الخامس، ولا يأخذ الظهر الخامس اكثر من بعير واحد ثم يتضاعف للتالين في الدرجة. وهكذا يقال في الأخذ منهم وان فرس الكبل تؤخذ من القاتل خاصة... وهذا عند زوبع وعبده وسائر شمر...
وعلى كل حال المسؤولية القبائلية محدودة بدرجة القربى فلا تتجاوز الخمسة الا ان يكون المقتول لم يعرف قاتله فتسأل القبيلة حينئذ. وفي هذه الحالة يكون الوضع كالقسامة في الشريعة الغراء...
والدية في القبائل الأخرى لا تتفاوت كثيراً... ففي صليب بينهم الدية 75 ديناراً، وللمرأة نصف دية، ومثلها تعطيل عضو. وتسلم نصفها نقوداً والباقي سوام... وبين الأقارب 150 دينار والمرأة نصفها وكذا تعطيل العضو.
وعند القبائل في الغالب تعطى للوارثين، وعند بعضهم لا تعطى للزوجة ولا للبنات وعند حرب تعطى لأهل المقتول، وعندهم ان الابناء يشتركون فيها الا ان الابن الاكبر يعطى حصة يقال لها (الكبرة) وهي نصيب زائد يستحقه...
والملحوظ ان البدو ليس لهم حق عام الا ان هناك ما هو شبيه به وهو التكاتف والتضامن، والالصق هم المطالبون (بكسر اللام) والمطالبون (بفتح اللام) وفي هذه الحالة لو لم يطالب القريب، أو كان غير قادر على المطالبة فان أهل القبيلة يطالبون فالمقتول عندهم ابن القبيلة... ومما يجب ملاحظته ان التفاوت في الدية غير صحيح، وكان حكم الرسول " ص " (القتلى بواء)، وفي القرآن الكريم (النفس بالنفس) والدية عوض فيجب ان يكون متساوياً في الكل ليتجلى العدل...
12 - السرقة والنطل
(1/116)
________________________________________
في هذه تظهر أحكام الوسكة، ويلاحظ فيها اعادة المسروق والتعويض المرتب على هذه السرقة اذا كان المسروق منه من الأقارب، أو من النزيل... ويضاف المسروق في مراعاة أربعة أضعافه اذا كان من الحيوانات على عدد قوائمه، أو يراعى فيها ذلك بالقياس عليها..
ومن حكم العوارف في هذا الباب ما فيه غرابة ودقة وذلك أن رجلا أكل زاد مضيفه؛ ثم سرق منه فكان الواجب عليه أن يحكم بما شاء حتى يعفو عنه وإلا ترفع عليه الجناة (عصى معروفة) في العربان ويشهر حاله، وحينئذ يهدر ماله لكل أحد... ولكنه قضى بخلاف ذلك من جراء أن الموجهة عليه التهمة بيّن أنه نهب الفرس من سارقها الذي كانت بيده ولم يعلم أنها تعود لمضيفه، وعلى هذا لم يحكم عليه... هذا ما حكاه لي المرحوم السيد محيي الدين الكيلاني. والظاهر من مجرى الوقعة أنه لم يتبين دليل على السرقة، وغاية ما هنالك حيازة لا غير والمعاقبة عليها غير معروفة في وقعة مسموعة وذلك أن النهب والغارة مباحة لهم، ولم تتحقق السرقة في هذه الحادثة...
13 - الوسكة (الوسقة)
ويراد بها الطريقة للوصول الى المال المغصوب او المسروق، ولكن لا من الطريق القانوني، وليس البدوي كالحضري يراجع المحاكم، ويستعين بقوة الحكومة، خصوصاً إذا كان الناهب أو السارق من قبيلة أخرى في منعة وقوة لا يستطيع أن يصل إليها دون مخاطرة كبرى وهكذا... فيتوصل صاحب الحق أن يغرم أقارب الناهب، أو ما يسمى ب(لزمته)... وهذا لا يقبله الشرع بوجه، واعلن بأن (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، وإنما يراعى الأولى والأقرب لاستيفاء الحق، وإن العقل والشرع لا يقبلان أن يلزم غير المعتدي، وأن يؤاخذ غير الجارم.
ولكن القبيلة أو الفخذ، أو الأقارب لم يكونوا بمعزل عن قربهم، وإنما هم بمنزلة اسرة واحدة بينهم تكاتف، وإذا لم يشتركوا في هذه الجريرة فهم متضامنون في السراء والضراء، يلبون عند الدعوة، ويجيبون النداء.
يغضبون لغضب قريبهم دون أن يعلموا السبب.. وفي الأمور المالية يلاحظ هذا بدرجة محدودة عند البدو وإن قالوا (حلاهم دناهم) أي أحلى ما يتوصل به الى الحق هو الأقرب تناولا أو كما يقال (أقرب شاة للذبح) ويقال (الوسكة قربة للحق)... وذلك أن الوسقة يطالب بها لحد خمسة أظهر ويعللون ذلك بأن السيف إنما يقبض عليه بالأصابع الخمسة فإذا سقطت سقط السيف، ولا يبقى محل آنئذ للمؤاخذة ولذا يقولون (احلال بخمسة).... فلا يؤاخذ من هو أعلى من الخمسة أظهر.. وكأنه يقل التكاتف والتضامن الى هذا الحد...
وفي هذه الحالة اذا ظفر صاحب الحق بشيء ولم يتمكن من استخلاصه لضعف فيه، أو لبعد أهله وعدم قدرته على الطلب... أو ما ماثل، فإنه يأخذ ما يصلح لاستيفاء الحق ممن تمكن سواء من السارق أو من غيره من أقاربه ويودعه حالاً عند أحد أفراد قبيلته ممن هو فوق الخامس، ويدعوه الى ايصاله اليه، وانه كفيل، وحينئذ يكون ملزما بإيصاله بأي واسطة وحسب قدرته، وأن لا يثلم وجهه بذلك...! وفيها كما يقول مثلهم قربى للحق، ودعوة للصلح، وتحريض من الأقارب على الفصل...
وهذه الحالة شاملة للمسؤليات الأخرى في القتل وفي غيره من سائر الضمانات القبائلية مما مرّ بيانه...
14 - النهوة
وهذه لا يرضاها الشرع بوجه وإنما يشترط الكفاءة، وإذن الولي عند بعض المذاهب والتحجير على حرية الشخص وتقييدها أمر غير مرضي، والتحوط ضروري، ومن كانت له علاقة تربية، وقربى قريبة يؤخذ رأيه، وتراعى رغبته... وغير هذه تعدّ من الأمور الممقوتة شرعاً... وامحاء الاجحاف بالحقوق، وصيانتها من الأمور الملتزمة ولكن هذه الاعتيادات قد يكون منشأوها ضعف الحالة، وقلة النساء، وما شابه... ومع هذا نرى البدوية لا تزوج قسرا، كما أنها لا تتزوج بدون رضا أوليائها... والحالة مبناها الرعاية لحقوقها، والعناية في الانتقاء والاختيار... وملاحظة حقوق الأقارب في الترجيح ولكن تمكن هذا الحق وصار يسمى ب(التحجير) وإنذار الأقارب من طالب الزواج (نهوة). ومن تزوج بعد أن نهي أو أنذر عرض نفسه للخطر، وفي هذه الحالة يرجع الى العارفة فيقضي بما هو الأصلح إماتة للفتنة، وقلعاً للفساد المتوقع...!
15 - الحشم - القعر
(1/117)
________________________________________
إن المرء قد يتعدى عليه بالكلام، أو تصيبه إهانة من قذف أو ما ماثل مما يدعو أن يكون ذليلا عند قومه، أو أن يحقر دخيله، أو نزيله، أو ينال جسرة أو يرمى بسرقة أو أن يسرقه جاره أو أن يكون قد نهى عن امرأة يريد التزوج بها من أقاربه فلم يلتفت الى نهيه... وعلى هذا يطلب من خصمه حق هذا التعدي، وأن يصير معه الى العارفة ليتحاكم معه وهذا الحق هو الحشم المعروف، واذاترتب على المعتدي وجب فصله والا عرض نفسه لخطر (العقر).
وهذا هو المعروف عندنا بدعوى (الشرف)... فإذا لم يرضه المعتدي فله حق التعويض بنفسه، وأن يركن الى قوته... وهنالك العقر أو (التعجير). أو التطبير وفي الغالب لا يجري إلا بقتل دواب لمعتدي، واتلاف أمواله وهكذا... في تاج العروس " أصل العقر ضرب قوائم البعير، أو الشاة بالسيف وهو قائم والعقر بالضم دية الفرج المخصوب. أو ثواب تثابه المرأة من نكاحها، أو هو صداق المرأة. وقال الجرهري هو مهر المرأة إن وطئت على شبهة... " ونرى اليوم معناه واضحاً في انه اذا اعتدى أحد على عفاف امرأة أو أهين بما يستدعي الحشم أو قتل منه أحد أقاربه وكان في حالة (فورة الدم) فمن حقه أن يعقر... وأهم خصيصة فيه أن تقتل الحيوانات قتلا، أو تقطع قوائمها، كما تقطع قوائم البيت، وهو تعويض عن انتهاك حرمة عفاف أو ما يتعلق به وفي الأخريات تبعاً لا أصلاً...
والحشم لا ينتهي إلا بثلاث هويات أي ثلاث هجومات على أموال عدوه هذا على حين غرة أو يخرب بيته... (وفي شمر طوقة له سبع هويات، ثم يفصل بامرأة...) فإذا تمت فليس له بعدها أن يتطاول على مال غيره وذلك إذا لم ينته الفصل بصورة الحل من طريق العارفة بصورة حاسمة، وفي فورة الدم فيها العقر، ويسوغ حتى القتل، فإن العقر يراعى في ذلك. والحشم ورد ذكره في أمالي القالي(1). وجاء في القرآن الكريم (فلما آسفونا انتقمنا منهم).
ويراد به كل ما يغضب المرء ولكنه اختص في الأمور المذكورة أعلاه وهو انتقام عن اهانة... وتبريد غلة من تجاوز واقع... والتعويض عنها؛ وذلك يعدّ بمقام استعادة مكانته وحشمته، أو إزالة ما دعا أن يغضب له بترضيته... وحل مطالب مثل هذه يلاحظ فيه قطع النزاع وأن لا يتطاير الشرر، ويزيد المكروه:
قد يبعث الأمر العظيم صغيره ... حتى تظل له الدماء تصبب
وفي الآية الكريمة (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة). والعارفة يأخذ أحياناً ستة من الابل قضوة له...
16 - الجروح والشجاج
وهذه عليها عتبة أي أنه إذا ظفر به يأخذ منه حقه، وأما إذا كانت الشجة مشوهة، أو معطلة لعضو فيؤخذ نصف الدية فما دون، وقد يؤخذ، لكل خطوة نعجة حتى يعود الشج لا يشخص... وفي بعض السقط الحاصل يكون التعويض تقديرياً أو تابعاً لدرجة تدخل المصلحين والارضاء...
17 - الدخالة
والقاتل قد لا ينجو في هربه، وإنما يعقب من أقارب المقتول، ويتبع فلا يعطى له مجال للهزيمة في غالب الأحيان. وإذا علم بأن سوف يدرك ولا يتمكن من النجاة مال الى الرئيس أو من هو في قدرة على حمايته فيطلب منه المناصرة لدفع الطالبين فقط، وأن يمنعهم عنه فإذا قال أنا دخيلك نجا الى مدة ثلاثة أيام بلياليهن حتى يبلغ مأمنه وهذه يقال لها (استجارة) ووردت في القرآن الكريم وليس لأحد أن يتعرض بالمستجير الى ان يتمكن من وصول محل منعته... وهكذا يتحول من قبيلة الى أخرى فاذا وصل الدغيرات من عبدة أمن وهذه تحميه وتقتل من يمسه بسوء ما دام نازلا عندها...
وللقبائل موطن حماية يقال له المجلى على ما سيجيء... وعند حرب خاصة إن القاتل يستطيع أن يدخل على الرئيس ويأخذ منه وجها الى أن يصل الى المجلى أو المحل الذي يرغب أن يستوطنه؛ وإن إهانة الدخيل أو التجاوز عليه يخول حق الحشم والمطالبة به ولكن مدته عند حرب خاصة شهران وعشرة أيام، وفي هذه الحالة تسوغ حرب قتل من ينتهك حرمة الحشم...
18 - المجلى والجلاء
(1/118)
________________________________________
فإذا وصل القاتل مأمنه عدّ ذلك المجلى، والدغيرات من شمر المجلى الوحيد، ثم صارت عبده كلها مجلى، ولا يكفي أن يركن وحده، وإنما أقربه الى ثلاثة أظهر مطالبون بالدم ويضطرون أن يلجأوا الى الدغيرات، وأما الظهر الرابع والخامس فإنهما بوسعهما أن يخلصا أنفسهما بما يقدمونه فالخامس يعطي ناقة والرابع أربعاً، والأكثر على اعتبار ان الخامس يقدم ويسلم من المطالبة.
وولي المقتول وأقاربه الأدنون لا يتركون المطالبة، فإذا ظفروا بالقاتل قتلوه وحينئذ يحق للدغيرات أو لعبدة مطاردته وقتله من يوم قتل أو ليلته الى وقت الظهر، وفي هذه الحالة لو تمكنت منه وقبضت عليه قتلته وصار دمه هدراً. ولكنها ليس لها حق تعقيب أثره لأكثر من هذه المدة، ولا يحق لها المطالبة بالحشم عن انتهاك حرمة مجلاها، كما أن أقارب المجني عليه وأوليائه لو عقروا الابل، أو الخيل، أو الدواب الأخرى دون أن تتمكن القبيلة المجلى فيها من قتله أو الظفر به سقط حقها، ولا يتوجه الفصل عليه، ويهدر الدم من المطالبة به... وقبل أن يتمكن المرء من الدخالة، أو الوصول الى المجلى يحق لأهل القاتل وأقاربه قتله، أو عقر دوابه وإهانة أقاربه بما لا يتسر... وهذه تسمى (فورة الدم) ولا يختلف فيها البدوي عن غيره...
ويلاحظ هنا ان المرء قد يقتل جاره، أو قريبه ويتدخل القوم في الصلح لقطع دابر الفتنة وحرب البسوس مشهورة ويتشائم القوم منها ومن حدوث وقائع أمثالها... فلا يكفي الصلح لإزالة الأحقاد وتحريك الضغائن لأدنى سبب، وتجارب عديدة برهنت على ان الغضاضة لا تنطفي ولا يزول أثرها الى مدة...
ومن ثم يختارون (الجلاء) على القاتل جزاء ما ارتكبه ليبعد عن النظر حتى تنسى الواقعة. وهذا تختلف مدته بالنظر لفظاعة الجريمة، او لوجود القريبة لمن ارتكبت ضده، ووجود من هم عصبة يخشى أن يبطشوا به وهكذا... وكل هذا يلجأ اليه تسكيناً لثائرة الغضب وتأميناً لنسيان الجريمة وتقليل شأنها بتقادم عهدها...
19 - التحالف - الوجه
قد يحتاج بعض القبائل ان يركن الى أخرى ويعتز بها، وتكون هي أيضاً قوة وذلك لما يرون من غارات خارجية، أو تهديد، أو مجرد حذر... ومن ثم يتحالفون على أمر. وهذا معتبر دائماً إلا أن ينقضه أحد الطرفين... وقد يكون الحلف للهجوم على عدو ومفاجأته بقوة على حين غرة...
أو تطلب بعض القبائل الوجه للاجتياز، أو للمرعى، أو ما مثل... وهذا يجري من القبائل الضعيفة تجاه القوية.. فتنال حقاً بهذه الموافقة...
وهناك أمر آخر وهو أن يكون البيت المنفرد قد جنى جناية، أو ناله ما يكره من أقاربه فرحل عنهم مغاضباً، ومال الى قبيلة قريبة اليه او بعيدة فيكون نزيلها... وهذا له حقوق كثيرة، وليس عليه التكاليف التي تلتزمها القبيلة، بل هو محترم، مرعي الجانب، عزيز المكانة... والحشم يترتب عند اهانته من آخر... وقد تتقاتل القبيلة فيما بينها من جراء ما يصيبه من ضيم او تعد...
وهذه خصائص معروفة للعرب من قديم الزمان، ولا تزال الى اليوم، والإسلام زادها قوة وتمكينا بحثه على مراعاة العهود... إلا أنه وجهها للصلاح...
20 - البينة
يقال في المثل (البينات يطردن الذمايم)، ويقولون (الشاهد ماله حتن) أي مدة، وتقبل الشهادة الخطية، ويقبل الشاهد واليمين وهذا في الغالب لا يكون إلا في المسائل المدنية أو الشخصية... وأما القتل وما ماثل فهذا له أحكام خاصة وذلك في حالة النسف وهو دفع الخصومة وتوجيهها الى آخر وفي هذه الحالة لا يسمح الا شاهدان. وتقبل الشهادة من اثنين على شهادة الميت؛ والمرأة لا تقبل مفردة.
21 - النسف
وهذا أغرب من سابقه. نرى البدوي لا يوجه عليه إلا اليمين، وإن المطالبة تتوجه عليه حتى يفصل النزاع بواسطة العارفة... فإذا طلب القاتل الرجوع الى العارفة وقال لا اريد إلا الحق ووافق الطرف المخاصم حينئذ وقبل توجيه اليمين قد ينسف المطالب بالدية. وذلك أنه يقول ان الضارب فلان وشهودي فلان وفلان...! فإذا قدم الشهود صرفت المقابلة عنه وتوجهت الى من شهد الشهود عليه. وهذا لا يثبت عليه الحكم بمجرد هذه الشهادة فهي لا تفيد أكثر من توجيه المطالبة الى آخر...! والبدوي في الغالب يأنف من هذا التوجيه ويدفعه بما أمكنه، وقد يقدم على الحلف ولا يوجه المطالبة على غيره..
(1/119)
________________________________________
هذا. وعند عدم القدرة على تقديم الشهود يصار الى (البلعة) وهي المسماة (لقمة الزقوم) والآن في الغالب لا يصار اليها... ومثلها (البشعة).
22 - اليمين
وهذا يسمى الدين وعندهم الشاهد واليمين وهو من الأحكام الشرعية... والعاجز ليس له سوى تحليف صاحبه في الأمور المدنية، وأما في القتل فلا يعتبر الشاهد إلا في النسف... ومن توجهت عليه اليمين عين العارفة شكلها بالنظر للموضوع ومن الأيمان المعروفة غالباً: 1). " الدين ورب العالمين، لا شكيت(1) جلد، ولا يتمت ولد، لا بخمسي ولا بخامس خمسي " اه. وفي هذه الحالة يحلف عنه وعن اقاربه بالواسطة.
2) - . " العود، ورب المعبود، وسليمان بن داود. لا شكيت جلد الخ " 3). " ومن خضر العود ويبس العود، والرب المعبود لا شكيت جلد الخ " 4). أو يقول عوض لا بخمسي.. " لا بيدي، ولا بحديدي " وعند التحليف تختط له خطة بسيف أو بعصى فيدخلها والسيف بيده ويحلف... وفي الغالب لا يحلف إذا كان قاتلا. وهذه الأيمان في دعاوي القتل. فإذا حلف لا تتوجه عليه مطالبة ويبرأ من الدية....
23 - القضوة: في المثل (عارفة الغزو أميرها)، إلا إذا رخص الأمير. وإذا صار المتخاصمان الى العارفة أخذ منهم أجرة على القضاء يقال لها (قضوة) و (رزقه) وفي الغالب تكون: عن الفرس 8 دنانير تقريباً.
عن البعير 400 فلس.
عن الدية (الودي) 10 دنانير عن الحشم ستة من الابل.
والمقياس أن يأخذ العشر في الأكثر. وباقي القضايا تافهة. والربح له في قضايا قسمة الغنائم عند الاختلاف عليها كما تقدم... والغالب في العوارف أن لا يقبلوا القضوة، ولا يأخذوا أجرة على الفصل الذي يجري على يدهم فإنها تعدّ في نظرهم مكروهة ويتعففون من أخذها، أو يترفعون... والسبب في أخذ هذا المقدار من الابل عن الحشم لأنه في هذه لا يراعى المقدار وكثرته، وإنما يعتبر فيه اماتة الشر وقطع الفتنة...
24 - خلاصة
جل غرضنا تثبيت الجهات المشتركة بين القبائل في مخاصماتها، ودعاويها، ومن مجراها ظهر انها تتشابه في جميع احكام عرفا، ولا تختلف إلا من حيث الكم ومقدار التعويض... فإذا وحدنا الكل في مقدار معين صار قانوناً عاماً وصلح أن يكون نظاماً ثابتاً للكل... والتفاوت طفيف، يظهر من مقابلة عرف كل قبيلة بآخر... وهذا لا يعني الغاءه، وإنما يراد به توحيده، ولا تتضرر منه قبيلة بل فيه قطع للتفاوت، وتأييد العرف المشترك اذا كان الرأي مصروفاً على الدوام عليه... وفي هذا خطوة للتقدم الى القانون العام ومراعاة أحكامه... وأهم اصلاح يجب أن يراعى فيه هو أن لا يسأل غير الجارم، ولا يعاقب إلا الفاعل فتلغى الوسكة والأخذ بالثار القبائلي الذي يسأل أفراد القبيلة... فإذا كان قد ألغي الغزو بالقوة فيجب أن يكون المال محترماً، والنفس كذلك محترمة وفي ضمان الأمة وقوة الحكومة، وأن لا يسأل غير القاتل، وغير الناهب أو الغاصب وهكذا يجب أن يكون التضامن بين القبيلة مصروفاً الى المناصرة، ومساعدة الضعيف... وقد اعتاد القوم احكام الشرع في المواطن الأخرى من جزيرة العرب فيجب أن يراعى القانون في الكل فلا يفرق بين مدني وبدوي أو ريفي... وفي هذا خطوة كبيرة لتقدمهم، وقبولهم الحضارة... وسلطة الحكومة تسوق الناس قسراً الى الحق والعدل...
والمهم من الاصلاح بصورة عاجلة في امر الخصومات أن توحد الدية، وتمنع النهوة، والوسكة، والحشم مما يؤثر على الغير منها، أو يؤدي الى اتلاف الأموال في التطبير (التعقير) وأن يكتفي في قضايا الحشم بمراعاة طريق التحكيم ومراجعة العوارف على يد المحكمة وأن لا يتجاوز الجاني، وأن تحدد القضايا في وقائع خاصة...
(1/120)
________________________________________
هذا ولا يرى أثر للعقوبات الجزائية في العشائر كما هو معروف قديماً في الجاهلية مثل (الصفد)، و (الغل)، و (التجريد)، و (المد)، و (السمل) وغير ذلك مما أبطله الإسلام... فمن الأولى أن يزال أثر ما خالف الشرع، وأن تحدد قضايا الفصل والتحكيم في الأمور العامة بين قبيلة وأخرى مما تستدعى الخوف من خطر، وأن تودع القضايا للمحاكم وعلى كل نرى الأحكام ذات مساس كبير بالشريعة الإسلامية الغراء، والمخالفات قليلة ويراعى في قسم منها العوائد... وكلها تستدعي النظر وسنتعرض لما يرد الكلام عليه في القبائل الريفية وعلاقاتها بالأحكام الجاهلية وبالشرع الشريف...
والمهم أن نقول هنا لم تؤثر الأمم المجاورة على تقاليد العرب تأثيراً كبيراً ولا أثرت الإسلامية إلا بعض التأثير ولكنه أكثر من تأثير المجاورين خصوصاً في العبادات وبعض المعاملات وفي الأحوال الشخصيةفإن تأثيرها مشهود... ولكن هؤلاء لم يتمكن المسلمون من اجتثاث بعض عوائدهم المدخولة تماماً...وسبب ذلك أن الإسلام أجرى تأثيره على البدو فعادوا متحضرين، وأن هؤلاء لم يتأثروا به بعد بحيث يتركون ما عندهم وينالون وضعاً مدنياً... فهؤلاء من بقايا البدو القدماء الذين لم ينالوا حظاً كبيراً من التربية الإسلامية ليعودوا متمدنين وإنما حافظوا على وضعهم الاجتماعي نوعاً، ولم تدخل الشريعة في قلوبهم أو لم تنفذ فيهم تنفيذاً صحيحاً... وليس من السهل تبديل ما عندهم،وإنما يحتاج الى رسوخ في العقيدة، والى تدرج الى الحضارة كالانتقال من البداوة الى الريفية، ومنها الى المدن...
وعلى كل حال نرى الحالة البدوية الموجودة من ارقى الحالات البدوية وليست وحشية كما يتوهم وانما هي نتيجة تطورات وتكملات عديدة الى ان وصلت اليها الإسلامية بحيث قبلت الزواج، وراعت العقود، والتزمت العهود وقامت بفضائل أخلاقية كانت من طبعها؛ أو لاءمت غريزتها وحالاتها مدنية تقريباً بالنظر لوضعها الاجتماعي على قلة في المقياس ومراعاة مطالب لا ترضاها الشريعة ولا الحضارة...
هذا ونلاحظ في قضايا الفصل ان البدو اليوم ليس لديهم قود في القتل، وانما هناك ثأر، وفتك من جانب المتضرر، أو أقاربه عند الظفر بالقاتل والتمكن منه... في حين اننا نعلم ان قد كان هناك قود. ومما قيل: خليلي هل ليلى مؤدية دمي اذا قتلتني أو أمير يقيدها وكيف تقاد النفس بالنفس لم تقل قتلت ولم يشهد عليها شهودها والمعروف ان الرؤساء يأمرون بمراجعة العارفة، ولا يتدخلون الا في الأمور العامة التي تهدد كيان القبيلة، وتجعلها في خطر...
وعلى كل حال لما كانت السلطة للحكومة، ولم يكن للرؤساء الا الإدارة في امور محدودة، فمن واجب الحكومة ان تحدد مطالب (قانون العشائر)، وأن تجعل غالب القضايا المدنية، والقضايا الشخصية مما لا مساس له بالسياسة العشائرية في حسمها تابعة الى المحاكم، ومثلها القضايا الفردية بين افراد قبيلة مما لا يهدد السلامة العامة... والا توالى الخطر، واشغلنا الدوائر الكثيرة، ووسعنا التشكيلات التي نحن في غنى عنها...
الشيخ شوقي جبار البديري
الشيخ شوقي جبار البديري

عدد المساهمات : 5603
تاريخ التسجيل : 04/04/2012
العمر : 59
الموقع : قبيلة البدير للشيخ شوقي البديري

https://shawki909.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى