دواوين العشائر نظرة نحو المستقبل - د.جمال أبو زايد

كدر الجماعة خير من صفو الفرد، يعتبر نجاح العشيرة في إنشاء بيت كبير يجمع أفرادها في أفراحها وأتراحها مرحلة من مراحل النهوض بها نحو التطور الاجتماعي، لكنها غالباً ما تنتهي عند حدود البناء واختيار القيادات المحلية، وتختزل في مفهوم العشيرة الضيق الذي يمثل المباني والأفراد دون الفكر والتفكير، ودون التنمية والتطوير، فكثير من الدواوين تفتقر لعنصر مهم من عناصر النهوض المجتمعي وهو التخطيط الذي تستشرف من خلاله مستقبل العشيرة، والنهوض بأفرادها اجتماعياً وعلميا ومادياً، والبحث في آليات دمج العشيرة بالمجتمع، والقضاء على الانطوائية والانعزال عن الكل والمحيط.



ومن الاختلالات الإدارية للدواوين ظهور شخصيات الزعيم والأبضاي والعئيد في مسلسلات الشوام، حيث أخذت الفكرة حيزاً من تفكير بعض الناس للطمع في القيادة على اعتبار أنهم أولى بالزعامة من غيرهم، حتى الأطفال يتنازعون في تحديد رجل أحلامهم الذي سيقود العشيرة، وهنا تأتي مخاطر الوجاهة التي تعتبر المناصب تشريفاً لا تكليفاً، وهنا نحتاج لنقلة نوعية في طريقة تفكيرنا، فاللجنة التي ستقود العشيرة يجب أن تستوعب فكرة الإدارة، وتتقبل النقد، والمحاسبة على التقصير، وأن من يفتقر إلى القيادة الناجحة يجب أن يعتزل، ويقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.



والمتعلمون أيضاً مطالبون بجهد مضاعف للنهوض بدواوينهم العشائرية، فحصر الديوان بالأفراح والأتراح يحد من النهوض المجتمعي للعشيرة، لماذا لا يكون الديوان مركزاً ثقافياً يتم من خلاله توعية الأهالي والارتقاء بثقافتهم؟ ولماذا لا يتم تشكيل لجنة من المتعلمين تساعد الطلبة في شتى المجالات؟ فالمتعلم مكلف بواجبات نحو دينه ووطنه، نحو عشيرته وأهله، وقد آن الأوان لخدمتهم ورد الجميل لأهله، بمساعدة الآخرين وتوجيههم.



إن اختزال دور الديوان في المناسبات الاجتماعية يصطدم مع الأمنيات بنهوض المجتمع سياسياً واقتصادياً وفكرياً، وأُدرك جيداً أنّ عدداً من دواوين العشائر نجحت في إحداث نقلات نوعية لأفرادها، لكن ألا نتفق جميعاً على أنّ من نجح في ذلك قلة قليلة؟ لماذا لا تعمم تجربة الدواوين الناجحة على بقية الدواوين؟ ألم تنجح الدواوين في تخفيف العادات السيئة كالبدع والإسراف وإطلاق العيارات النارية ؟ ألم تخفف من مشكلة الفقر وتساهم في حل مشاكل بعض الطلبة ؟ ولنتذكر دوماً: ليس الديوان حشد لأسماء، ولكن كتلة قلوب تقودها قيم.